الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خبيث ينتشر في أرواحنا". لقد اتفق الكثيرون في أميركا مع هذا التحليل: أن هناك ورماً خبيثاً يسري في أعماق الرأسمالية وماديتها ويتغلغل في روحها.
ولو قلنا إن أولئك العاملين في قلب الرأسمالية ومركزها والذين يحولون مصادر العالم وثرواته لتصب في جيوبهم ليسوا سعداء ضمن هذا النظام الرأسمالي، فما من شك في أن أولئك الذين عانوا أيضاً من استغلالية هذا النظام في دول الأطراف ليسوا سعداء أيضاً، إن لم نقل أكثر تعاسة. لقد بدأ الطرفان، أباطرة الرأسمالية والشعوب في دول الأطراف، بالبحث عن الحل. يخبرنا التاريخ أن الإنسان منذ بدء الخليقة كان محتاجاً إلي روابط روحية وكان له إلهه الذي يعبده. لقد عاد الناس في كل دول العالم إلي أديانهم وكتبهم المقدسة. وحتي أولئك الذين لم يجدوا إجابات في كتبهم استمروا في البحث عنها في أديان أخري. وظهر العديد من المنظمات الرئيسية الدينية، إلي جانب التنظيمات المتطرفة التي تسمي في أميركا بالجماعات المتعصبة، في كل الديانات مثل المسيحية والإسلام واليهودية وحتي في ديانات أخري مثل الهندوسية. وكلما أصبح تعصب الأسواق أكثر وحشية ازدادت التوترات وارتفعت وتيرة كل أشكال التعصب الأخري (1).
الأسباب الحقيقية لكره العالم لأمريكا
اذ كانت الاسباب السابقه هى مؤشرات لاسباب كره العالم لأمريكا، الا ان السبب الحقيقي يكمن في ان العقلية الأمريكية المبنية على القواعد التلموذية هى التى تجعل العالم يكره أمريكا، بسبب كون الثقافة الأمريكية في جزء كبير منها ذات جذور يهودية. فكما كره العالم اليهود واليهودية بسبب تكوينهما الفكري والديني العنصري والوحشي والاستغلالى، فان العالم اليوم يكره أمريكا لنفس السبب السابق، حيث تعتبر أمريكا نفسها اسرائيل الجديدة وشعبها شعب الله المختار الذي ميزه الله عن غيره وحمله رسالة الهية لتمدين العالم بكل الوسائل. "وتساند هذه الرسالة رؤية فلسفية حددتها البراجماتية، منها الإيمان بأن الحياة، ثقافة واقتصاداً وسياسة، صراع دموي، وأن البقاء للأقوى. إن مبدأ التطور، حسب التأويل البراجماتي،
(1) امبراطورية الشر الجديدة - عبد الحي زلوم- القدس العربي- 3/ 2/2003
يبرر التنافس بين الثقافات. وإن الحروب بين الحكومات والأديان والنظم الإجتماعية والأجناس البشرية والطبقات تقوم على أساس أن بقاء للأصلح، بمعنى الأقوى في نظرهم، هو قانون الطبيعة، وهي طبيعة (حمراء الظلف والناب). وإذا كان الإنسان قد خرج من الصراع وهو سيد الأنواع، فلماذا لا نتطلع إلى سلالة بشرية تكون سيدة السلالات؟ وإذا كانت الثقافة قد تطورت من خلال عملية مماثلة، فلماذا لا نتطلع إلى تقافة هي سيدة الثقافات؟ وبقاء الثقافة وانتصارها على سواها رهن بعمل وجهد أصحابها" (1).
هذه الثقافة الأمريكية التي استمدت جذورها من ثقافة العهد القديم، ثقافة النهب والسلب والابادة والقتل والدمار، هى ما يكرهه العالم في أمريكا. ولهذا فقد أمضى (توماس باين) كل حياته في التفنيذ والنقد والتحذير من كتابه المقدس الذي "يفسد البشر ويصنع منهم وحوشاً". انه في عصر العقل يعري أخلاق (العهد القديم) التي تبرر الإبادة والمذابح الطقسيه والتضحية المقدسة بذلك (الآخر) الكنعاني المهدور الدم
…
في هذه التعرية يرينا توماس باين كيف يمكن للخطاب المقدس إن يصنع من الإنسان وحشاً يوحد بين طبيعته الوحشية وما يعتقد انه إرادة الله" (2).
وباختصار يمكن القول ان إمبراطورة الشر في العالم تتجسد الآن في أمريكا وقد تمادت في غيها إلى أقصى الحدود مستخدمة كل أنواع الفجور المشفوعة بكل أنواع القوة، بدءاً من أول تاريخها الذي قام على إبادة شعب قارة بأقذر الطرق وأفظعها بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، وحتى هتلر ودعواه العرقية التي يحتمل انه استمدها من غزاة القارة الأمريكيه، لم تستطيع أن تصل إلى سوية ممارستهم، وانتهاء بالواقع الراهن الذي تباح فيه كل أنواع المحظورات الأخلاقية والأدبية وتحت شعارات واهية (الحرية). وأما حرية الشعوب والحقوق التي يتحدثون عنها بشكل يصم الآذان فلا تتعدى قول بوش الأول:"ما نقوله يمشي". فالحق ما تقوله أمريكا وكلام أهل الأرض قاطبة ضلال. وهنا يبين المفكر واللغوي المشهور (نعوم تشومسكي) كيف أوصلت الولايات المتحدة العالم إلى لحظة الحدود النهائية
(1) العقل الأمريكي يفكر - من الحرية الفردية إلى مسخ الكائنات - شوقي جلال ص228
(2)
حق التضحية بالآخر- تأليف منير العكش-ص154