الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عام 1981م و1982م بدأت أمريكا بتعزيز أساطيلها العسكرية في الخليج العربي ونشر الصواريخ في أوروبا، وفي عام 1983م دخلت القوات الأمريكية في لبنان بدعوى حفظ السلام، وغزت جرينادا، وهي احدى دول أمريكا اللاتينية. وفي عام 1986م شنت القوات الأمريكية غارة على ليبيا لقتل الرئيس (معمر القذافي)، وضربت الأسطول الليبي في خليج سرت. وفي عام 1986م قامت باختطاف الطائرة المصرية، وفي عام 1988م ضربت القوات الأمريكية في الخليج طائرة الركاب الإيرانية، وفي عام 1990م كانت جريمة أمريكا في الخليج وتدمير العراق والكويت معاً (1).
جذور الحرب
من سوء الحظ أن الرأسمالية الانكلوسكسونية لا تزدهر إلاّ في ظل الحروب، التي تمثل بدورها فرصاً سانحةً للبارونات اللصوص الأثرياء، بينما تمثل بالنسبة لبقية شعوب العالم الموت والدمار. فقد أفرزت الحضارة الغربية وقيمها أكثر الحروب ضراوة في التاريخ، حيث أودت الحرب العالمية الثانية لوحدها بحياة 50 مليون شخص، وسمحت أخلاقيات هذه الحضارة الغربية العنصرية بإلقاء قنبلتين نوويتين علي المواطنين في مدينتين يابانيتين في وقت كان واضحاً فيه أن الاستسلام الياباني وشيك (2). وهنا يتساءل (جورج. ف. كنان) في (كتابه الدبلوماسية الأمريكية) عن جدوى هذه الحروب فيقول:"لئن أجريتم الحساب في ما أدت إليه الحربان (الأولى والثانية) قياساً على الهدف المقصود منهما لرأيتم الكسب منهما أن وجد، أضأل من أن تبينه عين العقل"(3). ولكن ربما يكون هذا الكلام صحيحاً من وجهة نظر الكثيرين حول العالم، ولكن ذلك ليس صحيحاً من وجهة النظر الأمريكية، التي طبعت على الحرب والتدمير والإبادة، التي تعلمتها من يهوه (رب الجنود).
يقول (كلايد برستوفنر) في كتابه (الدولة المارقة): "إن الشعب الأمريكي، لم يكن مؤسساً على قاعدة الحرب فقط، بل ظل على نحو شبه متواصل منخرطاً في
(1) قرآن وسيف -د. رفعت سيد أحمد ـ ص185
(2)
إمبراطورية الشر الجديدة ـ عبد الحي زلوم ـ القدس العربي 27/ 1ـ 3/ 2/2003م
(3)
الدبلوماسية الأمريكية - تأليف: جورج. ف. كنان - ترجمة عبد اللاله الملاح ص 80 - دار دمشق- ط2 1989
الحرب أو الإعداد لها منذ ولادته. وحسب ما أعلم لم تكد سنه تمر، منذ توقيع الدستور في 1789م وحتى اليوم، لم تكن الولايات المتحدة فيها متورطة في عملية عسكرية ما فيما وراء البحار
…
حتى قبل حرب الاستقلال كان الأمريكيون منخرطين في قتال السكان الأصليين. فمنذ تأسيس البلد وحتى إغلاق الحدود بعد مائة سنه، لم تكد سنه واحدة تمر دون نشوب صراع بين الولايات المتحدة والقبائل المختلفة. ومهما يكن الأمر فقد كان الهنود الحمر قد باتوا جميعاً، لدى حلول سنة 1890م في القبور أو في معسكرات الاحتجاز" (1).
وبعد تطهير أرض الميعاد من الهنود، توجهت آلة الحرب الأمريكية إلى الخارج فكانت حروبها الصليبية في أمريكا اللاتينية والمكسيك والفلبين وأوروبا والعالم الثالث. وهنا يلاحظ (ريتشارد بارنت) في كتابه (جذور الحرب)، أن تدخلاً عسكرياً أمريكياً في العالم الثالث كان قد حدث كل سنه بين 1945م و1967م. ومنذ ذلك الوقت، ما تزال الولايات المتحدة ناشطة نشاطاً مؤثراً بلغ أوجه أثناء حرب الخليج عام 1991م
…
كما يلاحظ (بارنت) أن مثل هذه التدخلات تملك جميع مقومات مذهب امبريالى قوى يقوم على: "إحساس بالرسالة، والضرورة التاريخية، والحميا التبشيرية"، التي حذر رجال الكنيسة من التخلي عنها:"ويل لأي أمة تدعو لهداية شعب ضعيف لمستقبله، وتتردد خوفاً على مصالحها ومستقبلها من ذلك الواجب الإنساني الذي لا يخطئه العقل"(2). فالولايات المتحدة وقد حبتها الطبيعة بما لم تحب به غيرها من ثروات تفوق الوصف، ومن تاريخ استثنائي، لتقف فوق النظام العالمي، لا ضمنه. وإذ تشمخ سيدة فائقة بين الأمم، فإنها تقف مستعدة أيضاً لتكون رافعة لواء حكم القانون (3).
وفي كتابه (الدين والسياسة في الولايات المتحدة الأمريكية) يوضح (د. مايكل كوربت) الموقف الأمريكي الديني من الحروب، فيشير إلي الحرب الصليبية، وهي الحرب التي تستحضر الحروب الصليبية في العصور الوسطي، وتستند إلي نصوص
(1) الدولة المارقة - الدفع الأحادي في السياسة الخارجية الأمريكية - كلايد برستوفتز - تعريب فاضل جتكر - ص224 - شركة الحوار الثقافي- ط1 2003
(2)
أرض الميعاد والدولة الصليبية ـ والتر ا. مكدوجال - ترجمة: رضا هلال - ص 165
(3)
الثقافة والإمبريالية - ادوارد سعيد - تعريب كمال أبو ديب ص 342 - دار الآداب/ بيروت - ط1 1997
دينية من التوراة أو الإنجيل. ومن ثم وصف الرئيس الأمريكي للحرب علي أفغانستان بأنها حرب صليبية لم تكن زلة لسان، وإنما هي تعبير عن الثقافة الأمريكية في الموقف من الحرب، كما أن ما يسمى بالحرب العادلة، هي أيضاً تستند إلي مبررات أخلاقية ذات جذور دينية. ولذا فكلمات الشر والخير التي نسمعها من الرئيس الأمريكي وصناع القرار لتبرير الحرب الراهنة ضد العالم الإسلامي وبعض دول العالم هي جزء من الثقافة الدينية الأمريكية حيث الخير هو الحق المسيحي، والشر هو الباطل الذي تحاربه أمريكا، وهو هنا الإسلام (1). "فإذا كانت إرادة الرب الأعظم، انه بالحرب ينزاح الأثر الأخير لوحشية الرجل تجاه الرجل في نصف الكرة الغربي، فلندعها تأتى". و"إذا توجب علينا أن نذهب إلى الحرب، فان دافعنا سيكون صائباً. كل واعظ ميتودى سيكون داعياً للتجنيد"(2).
هكذا تستمر أمريكا في محاولة فرض آراءها بالقوة والسلاح عبر العالم بأسره مستخدمة كافة الأساليب. والمدهش في هذا الأمر لا يتمثل في محاولة تحقيقه، بل في أنها تتم بهذه الدرجة العالية من الإقرار وبإجماع شبه تام، حيث تؤدى أجهزة الإعلام دوراً خارقاً في (صناعة الموافقة والتسليم)، كما اسماها (تشومسكى)، وفي جعل الأمريكي العادي يشعر بأنه يقع على عاتقنا نحن (الأمريكيين) أن نصحح ما يقترفه العالم من أخطاء وآثام، وإلى الجحيم بكل ما ينشأ من تناقضات وعدم اتساق واطراد. لقد سبقت التدخل في حرب الخليج سلسلة من التدخلات (بنما، غرينادا، ليبيا) تمت مناقشتها كلها، وإقرار معظمها، أو على الأقل عدم ردعها، بوصفها من اختصاصنا (نحن) بحكم الحق، وبعبارة (كينان):"لقد أولعت أمريكا بالاعتقاد بأن كل ما ترومه، هو بالضبط يرومه الجنس البشرى برمته"(3).
فإذا لم تكن المنظمة الدولية تعمل على خدمة مصالح الولايات المتحدة فلا مبرر لاستمرارها، لان الرئيس بوش وبطانته من المحافظين يؤمنون بأن ما يصلح لأميركا يجب أن يصلح للعالم أجمع، بغض النظر عن كل الكلام عن (الحريات) الذي
(1) الدين والسياسة في الولايات المتحدة الأمريكية ـ تأليف مايكل كوربت وجوليا كوربت، ـ ترجمته د. عصام فايز، ود. ناهد وصفي ص121
(2)
أرض الميعاد والدولة الصليبيةـ والتر ا. مكدوجال - ترجمة: رضا هلال - ص 165
(3)
الثقافة والامبريالية - ادوارد سعيد - تعريب كمال أبو ديب ص 343
يغلفون به هذه القناعة. وهنا يتعرى مأزق الليبرالية العالمية الممزقة بين الدعوة العالمية لنشر الحريات والديمقراطية، والحيرة إزاء الاختطاف الراهن للشعار الليبرالي من قبل المحافظين الجدد، الذين يزعمون أنهم يريدون نشر الليبرالية بالقوة العسكرية والإمبريالية إن لزم الأمر (1). وقد سبق أن فندت إدارة الرئيس (ريجان) أسباب إقصاء المعايير الدولية عندما كانت محكمة العدل الدولية تنظر بالتهم التي وجهتها نيكاراجوا ضد الولايات المتحدة، وسخر وزير الخارجية الأمريكي (جورج شولتز) من أولئك الذين يؤيدون الوسائل اليوتيبية، مثل تسوية الخلافات من قبل الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، بينما يتجاهلون عنصر القوة الفاعلة في المعادلة. كما ابلغ الرئيس (كلينتون) الأمم المتحدة في عام 1993م بان الولايات المتحدة ستتصرف (جماعياً عندما يكون ذلك ممكناً) وستتصرف (أحادياً عندما يكون ذلك ضرورياً)(2).
وبالرغم من المعارضة العالمية لهذه العربدة الأمريكية، حتى من حلفائها الأوربيين، الذين يحاولون حل المشاكل الدولية سياسياً، إلا أن أمريكيا تصر على تنفيذ ما تريد، تحت شعار (إما معنا أو ضدنا)، معتبرة أن السعي الأوروبي لحل المشاكل سياسياً ناجم عن ضعفهم عسكرياً، وأن استخدام أميركا القوة يعكس قوتها. وهنا تتساءل (صوفي جندرو) في كتابها (المجتمع الأميركي بعد 11 سبتمبر) فتقول:"هل القوة وحدها هي الحل؟ ألا يتعين تسوية المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية كأولوية؟ أليست أميركا مقيدة من الداخل من قبل اللوبيات القوية؟ ". وتضيف موضحة جذور هذه العربدة الأمريكية فتقول: "أن ما يقوله اليوم الأميركيون عن قوة الولايات المتحدة وضرورة الحفاظ على الهيمنة الأميركية ليس بجديد، فالمسألة تعود إلى مبدأ (مونرو) عام 1823م ثم سياسة (العصا الغليظة) التي تبناها (ثيودور روزفلت) عام 1901م، الذي كان يقول: "في هذا العالم، أن الأمة التي تدرب نفسها على حياة لا تتسم بالطابع الحربي هي أمة محكوم عليها بالزوال، قبل
(1) الإرهاب والليبراليةـ بول بيرمان ـ عرض/ كامبردج بوك ريفيوزـ الطبعة: الأولى 2003 ـ الناشر: نورتون، نيويورك ولندن
(2)
الدولة المارقة - حكم القوة في الشؤون الدولية ـ نعوم تشومسكي - ترجمة محمود على عيسى ص9 - دار الكتاب العربي - نينوى للدراسات والنشر - ط1 2003
الأمم التي لم تفقد مزايا الرجولة والمغامرة" (1). وترى (جندور) أن الإشارة في خطاب بوش عن حال الاتحاد في يناير/ كانون الثاني 2002 للخير والشر، تندرج ضمن هذه الاستمرارية الفكرية (2).
وفي الوقت الحاضر ابتدع (صامويل هنتنغتون) إلي جانب كثيرين آخرين من شاكلته، معظمهم جاءوا من رحم قوي الظل العالمية، رسالة يشرح فيها التبرير الأخلاقي للحرب التي من أجلها أوصلوا (جورج دبليو بوش) إلي البيت الأبيض. وتروج الرسالة إلي وجوب اعتناق القيم الأمريكية والغربية واعتبارها قيما عالمية، حيث زعم الموقعون علي تلك الرسالة، أن من قاموا بهجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) إنما كانوا يهاجمون تلك القيم، وأعلنوا أن العالم أصبح قرية واحدة، وأن عملية العولمة المستمرة لا بد وأن تحمل في ثناياها مجموعة واحدة من المبادئ العالمية، وقرروا نيابة عن العالم بأن هذه المفاهيم والقيم يجب أن تكون المبادئ الغربية (3). وقد تناسى هؤلاء الجرائم وحروب الإبادة التي افرزها الإيمان بهذه القيم، عندما حاول رؤساء أمريكا الحديثة التوسع في غرب (الغرب الأميركي)، وحيثما شاء (القدر المتجلي). حيث أنهم في كل خطوة من هذا التوسع (لم يتخلوا قيد أنملة عن السياق التاريخي العنصري والدموي) حيث تحكمت عقدة الاختيار والتفوق بسلوكهم وبنادقهم فأوهمتهم بأنهم يملكون حق تقرير الحياة والموت لكل من عداهم، وأنهم في حل من أي التزام إنساني أو قانوني تجاه الشعوب التي يستعمرونها، لا باعتبار أنها أعراق منحطة وحسب، بل لأنها في الغالب مخلوقات متوحشة لا تنتمي للنوع الإنساني. إن ميتافيزياء كراهية الهنود (لدى الزنابير) ـ كما يقول (هرمان ملفيل) استحكمت بطقس (التضحية بالآخر)، وهذا ما جعل أميركا تعيش بضحاياها. ولا يمكن فهم حروبها وعلاقاتها الدولية إلا بالبحث عن ينابيع طقوسها الخاصة بالتضحية بالآخر (4).
(1) صناعة الإرهاب ـ د. عبد الغني عماد - ص13
(2)
المجتمع الأمريكي بعد 11 سبتمبر ـالمؤلف: صوفي بودي جندروـ كامبردج بوك ريفيوز
(3)
إمبراطورية الشر الجديدة ـ عبد الحي زلوم ـ القدس العربي 27/ 1ـ 3/ 2/2003م
(4)
حق التضحية بالآخرـ تأليف منير العكش ـ ص90
لقد أنتج مؤرخو الثقافة الأمريكيون ما يكفى من الدراسات لكي يفهم منابع الدافع إلى السيطرة على نطاق عالمي، والطريقة التي بها يتم تمثيل هذا الدافع وجعله موضع قبول. وهنا يطرح (ريتشارد سلوتكين)، مثلاً، في كتابه (التجدد عن طريق العنف)، منظومة أن التجربة المكونة للتاريخ الأمريكي هي الحروب المديدة ضد الهنود الأمريكيين الأصلانيين، وقد أنتج هذا بدوره صورة للأمريكيين لا كمجرد قتله (كما وصفهم دى. اتش لورانس)، بل كعرق جديد من البشر، مستقلين عن الميراث الإنساني الذي لطخه الإثم بالسواد. يرومون علاقة جديدة وأصيلة تماماً مع الطبيعة النقية كصيادين، ومستكشفين، ورواد، وباحثين. وتتكرر مثل هذه الصور مراراً في أدب القرن التاسع عشر الميلادي، وهى تبزغ بزوغها، الأشد التصاقاً بالذاكرة في رواية (هرمان ملفيل)، (موبى دك)، حيث يجسد القبطان آهاب، تمثيلاً ترميزياً للبحث الأمريكي الكوني. فآهاب مهووس، يفرض نفسه بقوة، لا يصد، ملفع بتبريراته النظرية الشخصية وبإحساسه برمزيته الكونية" (1).
فمنذ البداية كما رأينا أنها حتى قبل أن تصبح ولايات متحدة كانت أمريكا تطمح إلى عولمة نمط أنظمتها، ولم يفتش مفكروها الأوائل من أساتذة وكتاب وقساوسة ورجال دولة عن لحظة لاخفاء هدفهم النهائي ألا وهو: فرض نموذجهم للمجتمع على العالم أجمع. وقبل كل شيء ومن أجل تقديم المثال عرضت للآخرين لدرجة التفاخر الصورة الرائعة لأمة جديدة مختارة من الله لهدف واحد هو توزيع رسالة وحيدة لمستقبل تراه مشرقاً لكل الشعوب. إلا أنه وفي وقت مبكر جداً زالت إرادة إثارة الرغبات أمام اليقين بخضوع الآخرين بالإكراه لأنه بدا أمام هذه المقاومة أو تلك أمراً لا مفر منه. لقد اعتقدت أمريكا وأرادت لنفسها أن تكون كياناً كلياً لا شبيه له. ولذلك رأت نفسها أعلى من كل المناطق التي يعيش فيها الأفراد والأمم، المناطق التي تعتبر أن من واجبها ضمها، فهي العالم بأسره لأن الإرادة السماوية أرادت ذلك ولأنها تجسد نموذج العالم الأتي حسب المخططات الإلهية، فالقدر حملها مهمة الإملاء على الأمم والشعوب لقانون واحد ما هو إلا قانونها.
(1) الثقافة والإمبريالية - ادوارد سعيد - تعريب كمال أبو ديب ص 345