الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويلسون دور المخلص، الذي صلب في التو، كما كتب مهندسو الاحتواء وتحسين العالم، الرسائل المقدسة التي علمت الأمريكيين كيف يعيشون إيمانهم الجديد. واعتقدوا كذلك إن سياستهم كانت استجابات أخلاقية وبرجماتية للعالم الذي خبروه في زمنهم (1).
(ويليام ماكنلى) أول رئيس امبريالي
في عام 1896م نجح (وليام ماكنلي 1896ـ 1901م) المنتمي للحزب الجمهوري، في أن يصبح الرئيس الخامس والعشرين للولايات المتحدة الأمريكية، حيث سيطر الجمهوريون على الكونجرس بأغلبية 197 مقعداً مقابل 151 للديمقراطيين، مما أعطى الرئيس حرية واسعة نحو اتخاذ القرارات. وماكنلي هو المؤسس الحقيقي للإمبراطورية (الإمبريالية) الأمريكية، ففي عهده احتلت الولايات المتحدة الأمريكية أول مستعمرات لها خارج حدودها، وذلك تأثراً بالدعوة التي أطلقها المؤرخ (فريدريك تيرنر) في معرض شيكاغو 1893م حيث قال:"سيكون القرن القادم هو أول قرن تشهده أمريكا بلا حدود للفتوحات الأمريكية"، كما أرسى العميد بحري (ألفريد ثايرماهان) مذهب التوسعية الأمريكية في 20 كتاباً وعدة مقالات، حفلت باقتباسات توراتية طويلة، وأكد فيها أنه لا توجد أمة عظيمة دون مياه (تحميها كحاجز طبيعي)، وأسطول تجاري متفوق، ومستعمرات فيما وراء البحار. ولهذا فقد جاءت سياسة ماكنلي تطبيقاً أميناً لهذه النصائح والوصايا الإمبريالية، وخاض حروباً في كوبا، الفلبين، والصين، حروباً احتاجت إلى نفقات مولها من الجمارك والضرائب التي تميز عهده بفرض الكثير منها (2).
أمريكا ترمي إسبانيا في البحر
لنخرج بتصور واضح عما فعله (وليام ماكنلي) علينا أن نعود إلى خريطة العالم عام 1898م، وسنرى بريطانيا العظمى (المحكومة بروتستانتياً) تسيطر على العالم
(1) ارض الميعاد والدولة الصليبيةـ والتر ا. مكدوجال - ترجمة: رضا هلال ـ ص 289
(2)
إمبراطورية الحرية - انطونيو بلتران هرنانديزـ ترجمة احمد توفيق حيدرـ ص120
القديم فيما قنعت فرنسا بالنصيب الأقل من الكعكة، وهناك: إيطاليا والبرتغال وهولندا المشاركة من بعيد، أما ألمانيا فكانت تلعب دور: القوة الاقتصادية والعسكرية الآخذة في الصعود. أما في العالم الجديد (الأمريكتين) فكانت الولايات المتحدة الأمريكية (المحكومة بروتستانتياً .. كذلك) هي الدولة الأكثر قوة، مع مناوشة ـ لا منافسة ـ من جانب (إسبانيا)، القوة الاستعمارية الكاثوليكية العجوز، التى سبق لبريطنيا ان دمرت اسطولها (الارمادا) كخطوه مهمه لافساح المجال اما التوسع الانجلوسكسوني الاستعماري في العالم، حيث يمكن القول ان التنافس البحري بين الاسبان والانجليز، كان تناقساً كاثوليكياً بروتستانتياً، وكان انتصار انجلترا وتدميرها للاسطول الاسباني البحري ارمادا عام 1855، تعبيراً عن ذلك. اذ كان الامر بالنسبة للانجليز حملة صليبية بروتستانتية.
…
وحتى قبل تدمير اسطول الارمادا الاسباني بعقد، فإن السير (همفوت جلبرت)، كان قد اقترح على الملكة البروتستانتية اليزابت الأولى، ان على الانجليز البروتستنانت، استغلال كل فرصة تجعل من اعدائهم الاسبان الكاثوليك فقراء وضعفاء، ومن انفسهم اغنياء واقوياء، في اشارة إلى استعمار أمريكا (1).
فقد كان الأسبان مازالوا يحتفظون بمستعمراتهم في أمريكا الوسطى والجنوبية، وفي الفلبين، وكان الأمريكيون (الولايات المتحدة) لم ينسوا ثأرهم مع إسبانيا التي طاردت البروتستانت واليهود، منذ أربعة قرون تقريباً، والتي رأوا أن وقت الثأر منها قد حان، هكذا .. وبدعم يهودي سياسي ومالي قوي .. تعمد الرئيس الأمريكي أن يتحرش بإسبانيا ويجرها إلى حرب قضت على قوتها وأخرجتها من معادلة (العالم الجديد) .. حتى اليوم، حرب نجحت فيها الولايات المتحدة الأمريكية في أن ترمي إسبانيا في البحر (2).
وفي 1895م، دعمت أمريكا الثوار الكوبيين الذين قادوا تمرداً دامياً ضد إسبانيا، ومارست ضغوطاً سياسية واسعة لإجبار إسبانيا على التخلي عن كوبا. وإذ بدا واضحاً أن هذا التخلي لن يتم دون حرب، أعلن الرئيس الأمريكي حالة الحرب متذرعاً
(1) المسيح اليهودي - رضا هلال - مكتبة الشروق الدولية- ص171
(2)
رؤساء أمريكا .. قادة صهاينة في البيت الأبيض - محمد القدوسي ـ دراسة منشوره على الانترنت
بالمساندة الإنسانية و"المسؤولية التي وضعها الرب على عاتق أمريكا"، وهو ما علق عليه (دي لومي) السفير الإسباني لدى أمريكا في رسالة قال فيها:"إن ماكنلي "ضعيف ومزايد لاستقطاب الإعجاب الجماهيري"، وقد وقعت الرسالة في يد (راندولف هيرست) محرر وناشر مجلة شعب نيويورك، فنشرها في مجلته مما أغضب القراء. وبعدها بأسبوع واحد، وفي 15 من فبراير (شباط) 1898م نجح الأسبان في تفجير السفينة الأمريكية (مين) التي كانت تقف في ميناء هافانا ـ العاصمة الكوبية حالياً ـ وقتلوا 266 من طاقمها، فطلب ماكنلى تفويضاً لاستخدام القوة لحماية مصالح أمريكا ضد اسبانيا، فوافق الكونغرس على إعلان الحرب بأغلبية ساحقة في 11 من ابريل نيسان، بشرط أن تكون الحرب من اجل الإنسانية، وتبرأ من أية نية لضم الجزيرة: "نحن نتدخل ليس من اجل الغزو". وقال السناتور (شلبي كولوم): "انه سيساند الحرب فقط إذا كانت تخاض باسم الحرية، التي ـ في هذه الحالة ـ سوف تكسب الولايات المتحدة ثناء كل محب للحرية والإنسانية عبر العالم" (1).
وفي كتابه (إمبراطورية الحرية) يعلق انطونيو (بلتران هرنانديز)، على هذه الحرب تحت عنوان الحملة الصليبية الجديدة الأولى باناما (1989م) بقوله:"قبل ست ساعات من تلقى الأمر بمهاجمة مدينة باناما، مساء الاثنين من 16 ديسمبر عام 1989، كان الملازم أول (دوغ روبن) يصلى مع رجاله: كانت هذه الحرب في نظره، الصراع التقليدي بين الخير والشر، في الطريق القويم، مما كان قد قرأه في العهد القديم. كان يعتبر مركبته المصفحة كجزء من خزانة الأسلحة الإلهية ممتدة ضد مبعوث الشيطان الجديد. ما زال رجاله لا يعرفون النار أبداً، ويريد أن يقنعهم بأن الله معهم. إنني أجهل ماذا تفكرون بالفكرة التي بموجبها يختار الله معسكره، قال لهم، ولكن ما هو مؤكد، انه يرغب في اقتلاع الشر من على سطح الأرض"(2).
وفي أول مايو نجح العميد بحري (جورج ديوي) في تحطيم الأسطول الاسباني في المحيط الهادي بخليج مانيلا. قضى على الأسطول كاملاً دون أن يخسر واحداً من رجاله، وهكذا سقطت كوبا في يد الأمريكيين، الذين نجحوا ـ بسرعة ـ في اجتياح
(1) أرض الميعاد والدولة الصليبية ـ والتر ا. مكدوجال - ترجمة: رضا هلال - ص163
(2)
إمبراطورية الحرية - انطونيو بلتران هرنانديزـ ترجمة احمد توفيق حيدرـ ص270
(مانيلا) واحتلال الفلبين، ـ وضم جزر هاواي. وبقيادة العقيد (تيودور روزفلت) ـ الذي سنراه فيما بعد نائباً للرئيس ثم رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية ـ ثم احتلال سانتياغو، وقام عميد الأسطول الأمريكي في المحيط الهادي (وليام سايمسن) بتحطيم أسطول إسبانيا الأطلسي في المياه بين كوبا وجامايكا واحتلال بورتريكو. ولم يعد أمام إسبانيا بعد تحطم كامل قواتها وانتزاع أهم مستعمراتها إلا طلب الهدنة بعد ثلاثة أشهر دامية، وفي 12 من أغسطس تم إعلان وقف إطلاق النار بعد حرب خسرت فيها إسبانيا أسطولها الحربي كاملاً، ومئات الآلاف من رجالها، ولم يخسر الأمريكيون أكثر من 400 رجلاً مات كثير منهم بسبب الملاريا أو الغذاء المسمم، حسب المزاعم الأمريكية! (1).
وفي 10 من ديسمبر 1898م تم توقيع معاهدة باريس التي سلمت فيها إسبانيا دون قيد ولا شرط، وأكدت الولايات المتحدة وجودها بين القوى الاستعمارية حيث حصلت على بورتريكو، وكوبا (التي ظلت محمية أمريكية حتى 1934) والفلبين ـ التي تمردت في 1902م، لكن الأمريكيين قمعوا التمرد وقتلوا 200 ألف فلبيني ـ وهذا ينسف ما قاله (ماكنل) بعد ليلة صلاة:"لم يبق لنا شيء لعمله إلا أن نأخذهم جميعاً، ونعلم الفلبينيين، نرقيهم ونحولهم إلى المسيحية. وبعون الرب نفعل أفضل شيء نستطيعه لهم كرجال أصحاب لنا، فمن اجلهم أيضاً مات المسيح"(2). وبعد (تحريم) ـ أي (إبادة) بالمصطلح التوراتي ـ الوجود الاسباني في القارة الأمريكية، أصبح الطريق مفتوحاً إلى الصين، وهو الطريق الذي حرص ماكنلي على ريادته سعياً وراء فتح الطريق التجاري، وخوفاً من الحلف (الياباني الألماني) الذي كان يهدد الطموحات الأمريكية، وبحثاً عن (موطئ قدم) مع بريطانيا العظمى في جنوب شرق آسيا. وفي هذا الخصوص، فإن سياسة (الباب المفتوح) التي أوعز وليام ماكنلي إلى وزير خارجيته بإعلانها، تشكل الأساس النظري لتعامل الولايات المتحدة مع هذه
(1) في إطار النظرة الدونية للآخر، فإن الأمريكان يحاولون قدر استطاعتهم التقليل من شأن أعدائهم وتحقيرهم، حيث لا يعترفون لهم بأية قدرة على إلحاق الأذى بالجيش الأمريكي، وهذا ما حدث قديماً وحديثاً، حيث لاحظنا في حرب الخليج الثالثة كيف كانت أمريكا تنسب كافة الإصابات والقتلى في صفوفها إلى أخطاء داخلية ونيران صديقة، وليس إلى الطرف الآخر.
(2)
ارض الميعاد والدولة الصليبيةـ والتر ا. مكدوجال - ترجمة: رضا هلال - ص 165