الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذا يدعو (روبرت دول) إلى عدم تكرار التجربة الأمريكية أو الاقتداء بها في أي مكان في العالم (1).
وإذا كان هذا هو رأي كاتب أمريكي عاش في صميم المجتمع الأمريكي، ولاحظ عوامل انحطاطه وتحوله إلى كابوس رهيب يهدد الشعب الأمريكي نفسه، بنفس الدرجة التي يهدد بها العالم، فإننا سنستغرب ما يقوله (جورج سورس) الملياردير الأميركي ذو الأصول الأوروبية الشرقية الذي يفاجئنا في كل مرة يكتب فيها، فهو وإن كان مديناً بامتياز للعولمة التي جمع من خلالها ثروته الهائلة، فقد كتب بشراسة ضدها وضد إنفلاتاتها وآثارها على الدول النامية في كتابه عن العولمة. وإن كانت أمواله قد طافت الأسواق المالية في العالم أجمع فتضاعفت عبر الطواف ذاك، وخاصة في أسواق شرق آسيا، واتهم بأنه كان وراء انهيار بعضها، فقد كتب بضراوة ضد هشاشة النظام المالي العالمي، ودعا إلى ضبطه ومراقبته في كتابه عن إصلاح النظام المالي المعولم. والآن وهو الذي كان قد هاجر إلى الولايات المتحدة بلد الفرص والأحلام، وحقق فيها ربما ما لم يحلم به أصلاً، فإنه يكتب بلا هوادة ضد نظامها الداخلي وسياستها الخارجية، ويحمل حملة شعواء على يمينها المحافظ الحاكم اليوم، ويشرح أوجه الخراب التي ألحقتها إدارة بوش الجمهورية بالولايات المتحدة داخلياً وخارجياً. http://www.aljazeera.net/books/2004/3/ - TOP
الداروينية الأميركية الحاكمة
في السطر الأول من كتابه يقول (سورس): "إنني أعتبر سياسة بوش التي تتبنى الضربة العسكرية الوقائية مدمرة، وكذا يعتبرها كثيرون حول العالم". وقاعدة انطلاق سورس في نقده لأميركا بوش وإدارته، هي ما يراه من أن حكومة أقوى دولة على وجه الأرض وقعت في يد من يراهم "مجموعة من المتطرفين، الذين تقودهم الصيغة الفجة من الداروينية الاجتماعية". وهو يفضل استخدام وصف (الداروينية الاجتماعية) للإشارة إلى اليمين الأميركي الحاكم، عوضاً عن وصف (المحافظين
(1) الكابوس الأمريكي ـ روبرت دول - عرض غسان العزى- الناشر ف-ال-بي، كيبك -جريدة الخليج 13 يونيو1997
الجدد). فالداروينية تعني (البقاء للأصلح)، وهي متوحشة وتعبر عن توحشها في الاقتصاد عن طريق حصر التنافس، بين الشركات الكبرى، وقتل الصغرى. وفي السياسة تحصر التنافس بين الدول فتطيح الكبرى بالصغرى ـ أيضاً. ويرصد (سورس) جذور الداروينية الأميركية الحاكمة في (مشروع القرن الأميركي الجديد) ، الذي صاغته عام 1997 م مجموعة من المحافظين الجدد دعوا فيه إلى انتقال أميركا إلى مرحلة الهجوم والسيطرة العالمية من دون تحفظ، من أجل الحفاظ على الموقع القيادي لها في القرن الحادي والعشرين.
أميركا ـ بحسب المشروع ذاك ـ يجب أن تنطلق لتحقيق أهدافها غير آبهة باعتراض الأمم الأخرى، وهي لن تتوقف كثيراً عند مسألة التعاون مع الدول أو الأمم المتحدة، إن هي رأت أن مصالحها يمكن أن يتم تحقيقها من دون ذلك. وعلى أميركا أن تواجه بالقوة العسكرية والحزم أي دولة تتحداها، وعليها أن تثبت أن بمقدورها القيام بذلك من دون تردد. وتوج المشروع بوثيقة يوردها (سورس) في كتابه عنوانها (بيان المبادئ). ولا تتمثل خطورتها في نبرتها الهجومية والشبق نحو السيطرة فحسب، بل في مجموعة الأسماء الموقعة عليها. فهي تحتوي على شخصيات أصبحوا فيما بعد هم الحكام المباشرين للولايات المتحدة في إدارة بوش، ومن ضمنهم: نائب الرئيس (ديك تشيني)، ووزير الدفاع (دونالد رمسفيلد)، ونائبه (بول ولفويتز)، وغيرهم ممن أصبحوا مستشارين ومقربين، إضافة إلى عدد من مفكري اليمين المشهورين مثل (فرانسيس فوكوياما)(1) و (دونالد كيغان)(2).
ولكن بيان (المبادئ) والمشروع الذي يحمله، كان بحاجة ماسة إلى ظرف تاريخي كي تقتنصه، فتنقل من أفكار على الورق إلى تطبيق على الأرض، وهذا ما وفرته تفجيرات 11 سبتمبر على طبق من ذهب (3). فالذي حدث كما يقول (سورس) أن (داروينيي) إدارة بوش لم يضيعوا دقيقة واحدة وهم يفركون أيديهم غبطة على
(1) في كتابه الاخير "أميركا على مفترق الطرق"-ينقلب فرانسيس فوكوياما على المحافظون الجدد ويوجه نقداً لاذعاً لسياسات بوش - الناشر: يال ينيفرسيتي برس/نيويورك- الطبعة: الأولى/2006
(2)
فقاعة التفوق الأميركي ـ جورج سورس- ط1 2004 - الناشر: ويدندفيلد ونيكولسن، لندن- عرض/ كامبردج بوك ريفيوزـ الجزيرة نت ـ 22/ 3/2004م
(3)
هذا يؤكد افتراضنا السابق من أن أحداث 11 سبتمبر هي من فعل قوى متطرفة من داخل الحكومة الأمريكية، بل إن هذه القوى هي مجموعة الموقعين على "بيان المبادئ" المشار إليه.
توفر الفرصة السانحة، لذلك كانت ردة الفعل الأميركي على تلك التفجيرات مفاجئة للجميع، لأنها في الواقع لم تكن خاصة بالتعامل مع حدث ظرفي بقدر ما كانت معنية بتطبيق إستراتيجية جاهزة، كانت تنتظر لحظة نضوج ظرفها الموضوعي. ويلحظ (سورس) كيف أن (مبادئ) وشعارات (المشروع الأميركي للقرن الجديد) سيطرت وطغت على الخطاب الرسمي السياسي والإعلامي في حقبة ما بعد 11 سبتمبر. فقد كرر (بوش) بلا ملل أن قيم الحرية هي القيم الأميركية، وهي التي يجب أن تنتشر، وساوى بين مصالح أميركا الخاصة ومصالح العالم بأسره، بما يعني أن السير نحو تحقيق المصلحة الأميركية يخدم بالتوازي المصلحة العالمية. وهذا الفكر الإمبريالي قيمياً والمطبق عسكرياً في أفغانستان والعراق، هو الإطار العام (لفقاعة التفوق الأميركي) كما يراها (سورس)، الذي يرى ايضاً أن نهاية تفوق أميركا وفقدانها لموقعها القيادي في العالم سيكون النتيجة الحتمية لمثل هذا الفكر. ولهذا السبب فإنه يستشعر "ضرورة أن يهب هو والمخلصون من الأميركيين، لوقف هذا الانحطاط السياسي، وإنقاذ أميركا من العصبة اليمينية الحاكمة". ففي عهد (بوش) وحروبه (الإلهية والتبشيرية والوطنية) تحول نقاد السياسة الخارجية والمعارضون لها إلى خونة ولا وطنيين يُشك في ولائهم للوطن. وصار التقييم يعتمد مبدأ (معنا أو ضدنا) من دون تفاصيل أو لكن.
يقول (سورس): "إن أحداث 11 سبتمبر كان يجب أن تُعامل على أنها جريمة ضد الإنسانية، وليس عملاً يستدعي إعلان الحرب في كل مكان. فتلك الجريمة تم التنديد بها من قبل كل دول ومجتمعات العالم، وحظيت الولايات المتحدة والأميركيون على أوسع قدر متخيل من التعاطف العالمي، وبدت الولايات المتحدة بلا أعداء. فالرئيس مرحب فيه في كل مكان (1). وكان بالإمكان استثمار ذلك التعاطف لتقوية العلاقات الأميركية بكل دول ومجتمعات العالم وتجييشها برغبتها للعمل ضد الإرهاب، على قاعدة التعاون المتكافئ وليس الفرض الفوقي القسري. لكن ما حدث هو أن أميركا أرادت أن تتحرك بانفرادية معتمدة سياسة فرض لا نقاش فيها، مما
(1) الدولة المارقة - الدفع الأحادي في السياسة الخارجية الأمريكية - كلايد برستوفتز - تعريب فاضل جتكر -ص294