المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أمريكيا طليعة الانحطاط - الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم - جـ ٣

[يوسف الطويل]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابعأمريكا…تاريخ من الغزو والإرهاب

- ‌الفصل الأولالارهاب الأمريكي في ظل العهد القديم

- ‌الإرهاب .. صناعة أمريكية

- ‌أمريكا .. تاريخ من العنصرية والمآسي الإنسانية

- ‌مصادر الهوية الوطنية الأمريكية

- ‌أرض الميعاد والدولة الصليبية

- ‌العهد القديم الأمريكي (الإرهاب ضد الهنود والزنوج)

- ‌إبادة الهنود الحمر

- ‌مفارقة التوماهوك

- ‌الحرب الجرثومية

- ‌استعباد الزنوج

- ‌التبرير الديني للنهب والسلب والإبادة

- ‌أمريكيا ولاهوت الاستعمار العبراني

- ‌ثقافة أهل الحدود

- ‌السير على هدى وصايا يهوه

- ‌التباين في الثروات

- ‌أمريكا تقف في صف الله وتنفذ إرادته

- ‌أرض الحرية مسكونة بـ كوابيس العنصرية

- ‌النازية في ثوب جديد

- ‌الفصل الثانيالإرهاب الأمريكي في ظل العهد الجديد

- ‌(ويليام ماكنلى) أول رئيس امبريالي

- ‌أمريكا ترمي إسبانيا في البحر

- ‌روزفلت وسياسة العصا الغليظة

- ‌حرب كل عام

- ‌ويلسون والخضوع لحقنا باستغلالهم ونهبهم

- ‌الحرب العالمية الأولى والسيطرة على أوروبا

- ‌زعامة العالم

- ‌الحرب البارة

- ‌الصراع العربي الإسرائيلي

- ‌ريجان والأمة المباركة

- ‌جذور الحرب

- ‌إرهاب التسعينيات وحرب العراق الأولى

- ‌الألفية الثالثة والدولة المارقة

- ‌أمريكا .. ذلك الوجه الآخر

- ‌ضرب المدنيين

- ‌هوريشيما وناغازاكي

- ‌حرب فيتنام

- ‌عولمة الإرهاب الأمريكي

- ‌الحرب على الإرهاب

- ‌لاهوت الهيمنة الأمريكية

- ‌الفصل الثالثالارهاب الأمريكي الداخلي

- ‌النشاط الإرهاب الداخلي

- ‌أفراد الميليشيات وأفكارها

- ‌الميليشيات المسيحية الأمريكية .. هواية القتل اللذيذ

- ‌قائمة بأهم الميليشيات الإرهابية الأمريكية

- ‌منظمات إرهابية أمريكية

- ‌من تكساس ظهرت منظمة الكوكلاكس كلان وجورج بوش

- ‌ويليام جوزيف سيمون مؤسس جماعة الكلان الثانية عام 1915

- ‌الجذور الفكرية للجماعات المتطرفة

- ‌موعظة طاحونة الشيطان

- ‌تيموتى مكفاي نموذجاً

- ‌من هو مكفاي

- ‌التفجيرات

- ‌اللحظات الأخيرة

- ‌الفصل الرابعالكابوس الأمريكي

- ‌الداروينية الأميركية الحاكمة

- ‌أزمة أمريكا الأخلاقية

- ‌قناع أبيض للعالم كله

- ‌الأصوات المغيبة والمصلحة القومية الكاذبة

- ‌الكلمة المحكية كعمل سياسي

- ‌أصوات أمريكا الغائبة

- ‌الفيروس الأميركي .. فضح الإمبرطورية الأميركية

- ‌التنظير الجديد لـ (باكس أميركانا)

- ‌أمريكيا البريئة

- ‌لماذا يكرهوننا

- ‌كراهية السياسة الأميركية

- ‌الكيان السياسي العنيف

- ‌نهب ثروات الأمم

- ‌الأسباب الحقيقية لكره العالم لأمريكا

- ‌معنا أم ضدنا: دراسات في ظاهرة معاداة أميركا عالمياً

- ‌مؤشرات سلبية عن صورة أميركا في أوروبا

- ‌هل يجب الخوف من أمريكا

- ‌تجربة شخصية

- ‌نعم، الحلم الأمريكي لا يزال له معنى…ولكن

- ‌أمريكيا طليعة الانحطاط

- ‌تشويه العولمه على يد الانجلوسكسون

- ‌أهذه هي نهاية التاريخ

- ‌صورة "درويش""…ولا عجب

- ‌بعضٌ من أمريكا

- ‌خدعة الافتتان بأمريكا

- ‌الباب الخامسسبل المواجهة .. والخروج من المأزق

- ‌الفصل الأولمواجهة أمريكا على المستوى الدولي

- ‌أمريكيا .. عوامل القوة والضعف

- ‌العملاق الأميركي

- ‌مصادر القوة

- ‌قدرات الإمبراطورية

- ‌مؤشرات لكسر القوة الأمريكية

- ‌أمريكا دولة الجرائم

- ‌صراع الكبار

- ‌العجز العسكرى واستهداف دول ضعيفة

- ‌خرافة الديمقراطية

- ‌الكسر الحضاري

- ‌كتاب موت الغرب

- ‌تحديات الهوية الوطنية الأميركية

- ‌العالم وأمريكا .. معنا .. أم ضدنا

- ‌وغرق النسر العظيم

- ‌الفصل الثانيمواجهة الصهيونية المسيحية

- ‌الحروب الصليبية بين الماضي والحاضر

- ‌الحملة الصليبية الأولى

- ‌الحملة الصليبية الثانية

- ‌انتهاء وفشل الحروب الصليية

- ‌نتائج الحروب الصليبية

- ‌حملات الصليبيون والجماعات اليهودية في غرب أوربا وفلسطين

- ‌التشابه بين حملات الصليبيون والمشروع الصهيوني

- ‌مركزية حملات الصليبيون في الوجدان الصهيوني/الإسرائيلي

- ‌مواجهة الهجمة الصليبية الجديدة

- ‌من هم الصليبيون الجدد

- ‌مواجهة الصهيونية المسيحية

- ‌دور المسلمين والعرب في أمريكيا في المواجهة

- ‌العلاقات العربية الأميركية

- ‌عشرات الأسلحة لمواجهة أمريكا

- ‌خطة عمل عربيه لمواجهة صهيونية الحركة المسيحية الأصولية

الفصل: ‌أمريكيا طليعة الانحطاط

الجماعي عن طريق الانفلونزا والسل وأمراض اخرى، لم تكن معروفة حتى هذا الوقت في هذا الجزء من العالم. لقد قاد ذلك إلى حلم مشوه ومنحرف. في سنة 1820 كانت يتوجب عليهم ترك كل المناطق لعبور نهر اوهايو شمالاً، وفي سنة 1830 طردوا جميعاً إلى غرب الميسيسيبي. شيئاً فشيئاً بدا ان هناك عملية مسح مدروس للهنود من الأرض التي عاش عليها اجدادهم آلاف السنوات. مكان فارغ من اجل الحلم الأمريكي! كانت المواجهات الاخيرة مع القوات الفيدرالية سنة 1890، ولم يبق من الهنود في مناطق المحميات المخصصة لهم سوى 300 ألف نسمة. وقد اتبعت الحكومة سياسة الحفاظ على هذا القدر، وأعطتهم حق ادارة القطعة الصغيرة الواقعة تحت تصرفهم مع منحهم الجنسية الأمريكية، بعضهم اندمج في المجتمع الأمريكي، والبعض الآخر لايزال يعيش على طريقة الأجداد. وتتساءل الكاتبة: هل تصفية الهنود كانت مزروعة في جذر الحلم الأمريكي، هل كانت المقابل الذي لم يكن من الممكن تلافيه لديمقراطية جيفرسون؟ وتجيب: لا اعتقد. ان بناء عالم جديد لا يحتم تصفية السكان القدامى.

كان هناك الفضاء الكافي، والمتسع من الارض، بل ان بعض القيم الهندية كان يمكن ان يجد مكانه داخل الحلم الأمريكي، وكان بوسع هذه البصمات والانسجام ان يخلقا عالماً جديداً عن حق (1).

‌أمريكيا طليعة الانحطاط

هكذا تحول الوهم الذي دام اكثر من مائة عام، والذي سمى بالحلم الأمريكي إلى كابوس أمريكي، بسبب رغبة قادة أمريكا في السيطرة على العالم وبسبب جموحها البربري في التسلح، وبسبب نفاق تلك (الليبرالية) الإقتصادية المفروضة على الشعوب لامتلاك أسواقها بإنشاء عدة امبراطوريات للشر متعاقبة، تبرر إرهابها الخاص باسم محاربة الإرهاب، وتبرر جرائمها ضد الإنسانية: ضد الهنود والسود والفيتناميين، والحصار المفروض على كوبا وليبيا وإيران، والعراق الذي يشهد الصليب الأحمر الآن بأن أكثر من مائتين وخمسين ألف من أطفاله قد ماتو، في الوقت

(1) هل يجب الخوف من أمريكا؟ تأليف: نيكول باشاران عرض: بشير البكر- جريدة الخليح الاماراتية - 15 - 12 - 2005

ص: 171

الذي تشهد فيه أيضا منظمة (اليونيسيف) بأن طفلاً من بين ثمانية أطفال في أمريكا نفسها لا يجدون ما يسد رمقهم. إن هؤلاء المدافعين عن (حقوق الإنسان)، إلى جانب جرائمهم ضد الإنسانية، يسجلون الأرقام القياسية العالمية في تعاطي المخدرات، وانتحار المراهقين، وعدد الجرائم والفساد والمسجونين والموضوعين تحت المراقبة. وتغطي السينما الأمريكية، بالديكورات الحالمة، شراهة حيتان مسلسل (دالاس)، كما تخفي حقيقة عنف ديناصوراتهم، ومدمريهم من أفلام (شوازينجر) الذي اصبح حاكم ولاية كاليفورنيا. إن إعلامهم وجميع وسائله هي شعاع الموت الذي يحطم على المستوى العالمي روح النقد، بل الروح ذاتها، في الثقافة، والأمل، والحب، عند خمسة مليارات من البشر" (1).

لقد اصبحت قيادة المجتمع الغربى والعالم بقبضة دوله بلا خلفية حضارية وبلا تاريخ .. وبلا اهداف سامية. فقط جمع المال والسيطرة على الآخر. فأمريكا تلك التى اصبحت قائدة الغرب الرأسمالى، تشكلت من مجتمع هجين، اناس مغامرون يبحثون عن الماال والربح السريع، ومستعدون للتنازل عن كل شئ مقابل الحصول عليهما. حيث اقاموا مجتمعاً جديداً، خليطاً من عدة اجناس وقوميات لا رابط بين افراده .. الا الربح على حساب تدمير وسحق اصحاب البلاد الاصليين (الهنود الحمر) " (2). وهذه الدولة استطاعت عبر رؤوس الاموال المكدسة لديها، وعبر تغلغلها في اوروبا عبر الدعم الاقتصادى ومشروع مارشال .. ان تبدأ ما يمكن تسميته امركة اقتصاديات العالم من خلال الشركات المتعددة الجنسيات وفرض الدولار كوحدة نقد عالمية.

وبعد الاقتصاد جاء دور الثقافة - الحصن الاخير للمجتمعات - قبل السقوط النهائى امام وحش المال الامريكى الصهيونى. وبدأت محاولات نشر ثقافة ذلك المجتمع الهجين المركب، مترادفة مع امركة الاقتصاد والسياسة. وبدأت المفاهيم الهجينة المسطحة التى افرزها ذلك المجتمع تغزو دول العالم، عبر السينما والقصه والاغنية والموسيقى والكوكا كولا والجينز والمأكولات السريعة .. ولم تكن اوروبا

(1) أمريكيا طليعة الإنحطاط- روجيه جارودى- ص 222

(2)

صهيونية الخزر وصراع الحضارات - وليد محمد على ص221 - دار التضامن / بيروت - ط1 1999

ص: 172

بمعزل عن هذا الغزو الشامل. وتعمل الولايات المتحدة على استكمال هجومها، فنجد العالم وكأنه امام عدوان لاحضارى امريكى على كل من الشرق واوروبا. يحاول اجتثات كل جذور الحضارات، بفرض هيمنة النموذج الامريكى المتوحش على الحياة البشرية برمتها. ولا يقتصر هذا الخطر على شعوب الجنوب .. بل يطال شعوب اوروبا واليابان ايضاً. وبهدف التعميه على هذه الحقيقة، حقيقة استهداف اوروبا من قبل الخطر الامريكى الصهيونى المتوحش، كانت نظرية هامنتغون (صدام الحضارات) وغيرها من النظريات الأمريكية الصهيونية، التى تتحدث عن حضارة مسيحية يهودية في مواجهة حضارة الإسلام وحضارات الشرق والتصادم معها (1).

وفي تلك الهجمة الدونية المسماه (حضارة امريكية) حلت حرية السوق مكان حرية الانسان، فاصبحت تلك الحرية تعطى لمن يملك كل شئ دون حدود الا حدود ما يملك من القوة والامكانيات المالية. وتسحق من لا يملك إلى اقصى درجة .. تهدف إلى بناء عالم ابعد ما يكون عن القيم والاخلاق الانسانية، عالم متصادم ومتصارع في كل شئ .. لا مكان فيه للعدل والتوازن .. أو التكامل لمواجهة التحديات والاخطار التى تواجه البشرية باستمرار. يتحول فيها الانسان إلى وحدة اقتصادية رشيدة، انتاجية استهلاكية، بعيداً عن اى مضمون اخلاقى أو قيمى انسانى .. لا تشغل نفسها بغير الانتاج والاستهلاك، وتسقط كل المبادئ والقيم الانسانية، فلا قداسه ولا احترام لشئ الا المال والذهب ومن يملكهما (2) واصبح القتل من أجل المال يقع ضمن قِيَم النظام الذي تطالب الولايات المتحدة العالم بتبنيه. ففي نظام الرأسمالية المعلوماتية يعتبر المال المقياس النهائي للنجاح (3).

بهذه الخلفية تقتحم الولايات المتحدة الساحة، وهي صاحبة (رسالة خالدة)، وهذا نهجها: الصراع بكل الوسائل، دعاية واعلاماً وحرباً باردة أو ساخنة في سبيل فرض ثقافة، هي الأقوى سلاحاً لا مضموناً، ومن ثم تصبح بحكم الأمر الواقع سيدة الثقافات. وإذا كان الحق هو ما ينفع، والخير هو المصلحة، إذن ما الخطأ في اتباع كل

(1) يؤكد حقيقة استهداف كافة الحضارات من قبل الهجوم الأمريكي الانجلوسكسوني الهمجي على العالم، هو ما كشف عنه هنيجتون في كتابه الجديد الذي عرضنا له سابقاً.

(2)

صهيونية الخزر وصراع الحضارات - وليد محمد على ص225

(3)

إمبراطورية الشرالجديدة-عبد الحي زلوم- القدس العربي 27/ 1 - 3/ 2/2003

ص: 173

وسيلة ممكنة وصولاً إلى هذا الغرض؟ لنصوغ ثقافة هادفة نضع تصميمها ونفرضها بكل الوسائل على البشر. إنها معركة مقدسة من أجل رسالة خالدة هدفها تدجين الإنسان وتحقيق المصلحة (1).

فأميركا مدعوة إلى تمثيل الجمهورية الإلهية الوحيدة، ورأى (بنيامين فرانكلين) أن الولايات المتحدة ستكون مولدة لمجتمع عالمي، حيث المؤسسات والعادات والمبادئ الأميركية جاهزة للتطبيق في كل مكان. ومع هذه الوظيفة الفريدة تلازمت ضرورة التوسع في الأراضي، فأميركا في رأيها أنه ليس لأرضها القومية سوى حدود غامضة متحركة قابلة للتوسع باستمرار اعتماداً على ثنائيتها الأيديولوجية: أنموذجية شبه صوفية غازية من جهة، ومحو البنى السياسية والاجتماعية والثقافية لكل كيان غير أميركي من جهة ثانية (2). والمجتمع العالمي الذي يقصده فرانكلين هو المجتمع الذي يتبنى قيم ومباديء النظام العالمي الجديد التي هي ذاتها قيم الرأسمالية الانكلوسكسونية التي دمجت بين قوة المال وقوة الإعلام لخلق اقتصاد طفيلي جديد. ولكن هذا الاقتصاد الجديد أصبح عبئاً علي الاقتصاد المنتج. وفي هذا الاقتصاد المنتج القديم يعتبر المال إحدي وسائل الإنتاج لا أكثر، أما في هذا الاقتصاد الطفيلي المعلومالي الجديد فقد بات الغرض الأوحد للمال هو جني المزيد من المال دون دخول حلبة الإنتاج. ولقد حوّل بارونات المال اللصوص في كل أرجاء الدنيا، العالم إلي كازينو وقاموا عبر أموالهم ووسائل إعلامهم بتعيين القوي الحاكمة في الولايات المتحدة لإدارة شؤون هذا الكازينو نيابة عنهم مستخدمين ذراع الولايات المتحدة الطولي لهذا الغرض.

وقد ساهم الانفجار المعاصر في تكنولوجيا الاتصالات الحديثة في تسارع نمو ووحشية الرأسمالية الأنكلوسكسونية، والتي وظفت تقنيات أكثر بشاعة وشيطانية لتحقيق المبادئ القديمة نفسها، التي تتبناها والتي لم تمسها يد التغيير في يوم من الأيام. وقد استخدم بارونات الربا علي الدوام أسرع وسائل الاتصالات التي كانت موجودة في وقتها، من الحمام الزاجل الذي وصلت عائلة روتشيلد من خلاله إلي

(1) العقل الأمريكي يفكر - من الحرية الفردية إلى مسخ الكائنات - شوقي جلال ص228

(2)

أميركا التوتاليتارية، الولايات المتحدة والعالم: إلى أين؟ تأليف ميشال بوغنون موردان، ترجمة: خليل أحمد خليل

ص: 174

معرفة أخبار معركة واترلو قبل الآخرين، إلي وسائل الكمبيوتر الحديثة. وكان احتكار الإعلام والمعلومات المالية علي الدوام من المتطلبات الضرورية وأحد الأعمدة الرئيسية التي يقوم عليها المجتمع المالي. وقد تمخض هذا المزيج المخيف من قوة المال وقوة الإعلام وقوة التسويق سواء للأشخاص أم للأفكار، عن قدرة هائلة علي غسل الأدمغة لا تقدم للعالم سوي رؤية واحدة فقط لا غير، وهي رؤية قوي الظل التي تسيطر علي العالم عبر واشنطن. لقد قامت قوي الظل هذه بفرض إعادة تشكيل الاقتصادات الإنتاجية للدول ليتوافق مع مخططاتها للهيمنة الاقتصادية وتمت تسمية هذه التغيرات، ظلماً، بأنها إصلاح، وما هي في حقيقتها سوي إعادة تشكيل للاقتصادات بطريقة تمكنهم من السيطرة عليها. ولقد اعتمدوا لذلك وسائل الصدق والكذب سويّاً للوصول إلي هذه الأهداف (1).

إن معنى الكلمات نفسه قد تشوه: فنستمر في إن نطلق كلمة (تقدم) على انحراف أعمى يؤدي إلى تدني الإنسان والطبيعه .. ونطلق كلمة (ديمقراطية) على أشنع قطيعة عرفها التاريخ بين من يملكون ومن لا يملكون .. ونطلق كلمة (حرية) على نظام يسمح - بذريعة التبادل وحرية السوق -لأولئك الأكثر قوة إن يفرضوا الديكتاتورية، عديمة الانسانيه، تلك التي تسمح لهم بابتلاع الضعفاء .. ونطلق كلمة (عولمه) لا على حركة تؤدي إلى وحدة متآلفة الأنغام للعالم، عن طريق اشتراك كل الثقافات، ولكن بالعكس على انقسام يتنامى بين الشمال والجنوب نابع من وحدة امبرياليه وطبقيه .. انقسام يدمر تنوع هذه الحضارات ومنتجاتها لفرض لا ثقافة الراغبين في التحكم في الكوكب (2).

ولم تكتف أميركا باحتكارها للقوة المسلحة من خلال الحلف الأطلسي وقبعات الأمم المتحدة الزرقاء، وباحتكارها للاقتصاد من خلال المؤسسات الدولية الخاضعة لتقلبات السوق التي تتحكم بها أميركا، إنما احتكرت أيضا وسائل الاتصال الجماهيري. فأميركا تسيطر على هذا القطاع وشهدت ولادة كبرى الوسائل. كما ان الوكالات الأميركية للأنباء قادرة على مراقبة 90% من الإعلام المبثوث. ويسيطر

(1) إمبراطورية الشرالجديدة-عبد الحي زلوم- القدس العربي 29/ 1 - 3/ 2/2003

(2)

كيف نصنع المستقبل / روجيه جارودي - د. منى طلبه- ص20

ص: 175

الاعلام الأمريكي والموسيقى الأمريكية وبرامج الكميوتر والكتب وافلام السينما والاصدارات المطبوعة على مستوى العالم اجمع، حيث تنتج أمريكا ما يزيد عن 75% من الانتاج العالمي لبرامج الكمبيوتر سنوياً، و60% من الانتاج الموسيقي، و32% من اصدارات الكتب (1). وبالتأكيد فإن هذه السيطرة ليست عيباً أو امراً محرماً، ولكنها تصبح كذلك عندما تتحول إلى احتكارات لمص دماء الشعوب المقهورة، ولسلاح فتاك للسيطرة على عقول الجماهير والتلاعب بها.

يقول ميشال بوغنون: "ان الإعلان يدين لأميركا بأنها جعلت منه سلاحاً فعالاً، للتلاعب بعقول الجماهير وللغزو السياسي والثقافي والاقتصادي، ومعظم أجهزة التلفزة تحاكي البرامج الأميركية. أما في مجال السينما فإنه لا طاقة لأوروبا في الصمود في مواجهة مدفعية هوليود، فقد تلاشى معظم إنتاجاتها الوطنية، في هاوية الصناعة السينمائية الأميركية. فضلاً عن ذلك فإن الولايات المتحدة أجادت استخدام التكنولوجيا وتسيطر على معظم محركات الاتصال في العالم، وتخضع الإنترنت لشركاتها العملاقة، وذلك في الوقت الذي أساءت فيه أوروبا، استعمال التنمية التكنولوجية. ويبلغ التبرم بالكاتب من أميركا ذروته، ويحاكم اللباس الأميركي، ذلك (الرداء البقري) كما يسميه، ويحاكم الذوق الأميركي الذي جعل من الأطعمة غير المتناهية من الطعم والكثيرة الروائح، جميعها أكلة واحدة ناشفة تسمى (الأكلة السريعة). حتى إنه توقف عند اللسان الأميركي وكيف فعل فعله في تشويه اللغة الإنجليزية وإخضاعها للأمركة"(2).

فامركيا تسعى إلى أمركة الكون وهذا ما يعترف به المفكر الامريكى دانيال بورستين في كتابه "تاريخ الأمريكيين"رغم دفاعه عنها حيث يقول: «عملياً فيما يرسله لنا الأمريكيون يوجد الكثير من السوقية والكثير من الأدوات المريبة إن كان ذلك يتعلق بالهمبرغر الذي لا طعم له والذي يرافقه البصل والكاتشب، أو بالأفلام التلفزيونية التافهة أو بالشيوخ الروحيين الفاشلين لكاليفورنيا أو بالصخب الصارخ

(1) الاستراتيجية الأمريكية للقرن الحادي والعشرين - اناتولي اوتكين - ترجمة انور ابراهيم و محمد الجبلي- ص252

(2)

أميركا التوتاليتارية، الولايات المتحدة والعالم: إلى أين؟ تأليف ميشال بوغنون موردان، ترجمة: خليل أحمد خليل

ص: 176