الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يبادله حباً بحب، فإن الله انعم على ذلك الشعب التقى بنعمة الحرية وكلفه ـ في الوقت نفسه ـ بتوصيل تلك النعمة لغيره من الشعوب، وتنفيذ مشيئته على أرضه" (1).
الحرب البارة
تركز تاريخ القرن العشرين في نظر أمريكا على ثلاث حملات صليبية (ثلاثة حروب مقدسة) خاضتها أمريكا لإنقاذ العالم من النزعة العسكرية أولاً، ومن فاشية إبادة الجنس البشري ثانياً، ومن النظام الشيوعي الشمولي أخيراً (2). فنتيجة للحرب العالمية الثانية، والدمار الذي أحدثته، شملت الفوضى كثير من الدول، مثل، اليابان والصين والاتحاد السوفيتي وأوروبا، حيث أصابها الانهيار في جميع المجالات وعانت من العجز والبطالة والتضخم، وأصبحت على حافة الإفلاس، بينما كان لها أثر معاكس في أميركا. فقد أنهت الأزمة الاقتصادية وامتصت البطالة وكشفت طاقات إنتاجية غير متوقعة، وكان لابد من الاستمرار في استغلال هذا الوضع، وتكريسه من خلال رؤية رسم أهدافها (بول نيتز)، احد الصقور في الإدارة الأمريكية، بقوله:"تمتلك الولايات المتحدة قوة عالميه ومن الضروري أن نحدد لها عدواً إجمالياً ـ وهو في ذلك الحين الاتحاد السوفيتي ـ وتجسيد أخطاره وتجسيمها بحيث يبرر ذلك كل تدخل من الولايات المتحدة أو هجوم منها كرد فعل على تهديد شامل تتعرض له كطليعة للعالم الحر". هكذا حددت أهداف الحرب الباردة بوضوح، إمبراطورية الشر هي الاتحاد السوفيتي والنزاع "بين قوى النور وقوى الظلام لا يهدد فقط جمهوريتنا، وإنما الحضارة نفسها والهجمة على مؤسسات العالم الحر شاملة، وتفرض علينا من اجل مصلحتنا الذاتية مسؤولية ممارسة الزعامة العالمية"(3).
وهكذا فقد استطاعت أميركا أن تستثمر تفوقها في الحرب وازدهارها نتيجة لها، واستفادت من الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي لاقتياد الدول الأوروبية إلى
(1) المسيحية والتوراة - شفيق مقار ص403
(2)
الدولة المارقة - الدفع الأحادي في السياسة الخارجية الأمريكية - كلايد برستوفتز - تعريب فاضل جتكر - ص226
(3)
صناعة الإرهاب ـ د. عبد الغني عماد - ص8
توقيع معاهدات ستؤدي كما يقول (ميشال بوغنون): "تدريجيا إلى نسج شبكة عنكبوتيه سياسية اقتصادية مالية إستراتيجية ودبلوماسية، ستوقع فيها واشنطن العالم الحر الأوروبي على مراحل"(1).
فعلى الصعيد الاقتصادي كانت بنية صندوق النقد الدولي تؤسس لهيمنة أميركية لا رجوع عنها، فأميركا تمتلك فيه حق النقض وأكثرية فعلية يسمحان لها بألا يجري التصويت إلا على ما تريد تمريره. وكذلك في المصرف الدولي الذي يتلخص دوره بتأمين الانتقال من الاقتصاديات الوطنية إلى الاقتصاد المعولم، وأميركا تهيمن عليه وتملك الأغلبية فيه. وقد شن (جوزيف سيلتزر)، الحائز علي جائزة نوبل، هجوماً عنيفاً علي صندوق النقد الدولي وبرامجه التي تحمي المجتمع الرأسمالي لبارونات المال، تلك البرامج التي جلبت الخراب والدمار لتلك الدول التي كان الصندوق يفرض عليها القبول بشروط الاقتراض والتداوي بوصفاته العلاجية المميتة. حين أجبر كلينتون إندونيسيا علي القبول بالوصفة القاتلة لصندوق النقد الدولي وكأنها منزلة من عند الله؟. وهنا يجب على (سيلتزر) أن يعلم جيداً أن المأساة لا تكمن فقط في صندوق النقد الدولي، بل في النظام الذي أوجده وأخرجه للعالم، حيث تحول الحلم الأمريكي إلي كابوس أمريكي وأوهام أمريكية. وفي نظام كهذا، فإن رأس المال أو الاقتصاد يتحكم بأرواح الأفراد والجماعات ويطغي علي أية قضايا سياسية، واجتماعية وأخلاقية أكثر أهمية لهم (2).
وعلى الصعيد العسكري، فإن الحلف الأطلسي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية يقوم برقابة عسكرية على أوروبا، وكان قد بدأ في العام 1949م كأي حلف كلاسيكي يتساوى فيه الأعضاء، غير أن الولايات المتحدة فرضت نفسها كقائد وحيد للحلف بما كانت تقدمه من مساعدات ولاحتكارها السلاح النووي، حيث اتخذت أمريكا العديد من الإجراءات والوسائل للهيمنة المطلقة على الحلف، رغم الممانعة الفرنسية ولا سيما الديغولية لهذه السياسة، حيث إن أميركا كانت تتبع سياسة (فرق تسد) بين الدول الأوروبية لتنال بغيتها، وقد استعملت هذه السياسة في مواضع عدة.
(1) أميركا التوتاليتارية، الولايات المتحدة والعالم: إلى أين؟ تأليف ميشال بوغنون موردان، ترجمة: خليل أحمد خليل
(2)
إمبراطورية الشر الجديدة - عبد الحي زلوم - القدس العربي ـ 1/ 2/2003م
أما الشق الدبلوماسي من الشبكة الأميركية فتجسده منظمة الأمم المتحدة، التي وصفها السيناتور جوزيف بال في مؤتمر بكاتدرائية سان جون، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بقوله:"إن التوجه الراهن لقيام منظمة عالمية يمثل أضخم حملة صليبية منذ أن بعث السيد المسيح بحوارييه الإثنى عشر لتعليم الأخوة الإنسانية"(1). فميثاقها المعمول به الآن، هو ثمرة إستراتيجية أنجلوسكسونية، حيث أن جميع مهمات الأمم المتحدة ذات الصلة بالأمن الجماعي قد فشلت، لأنه لا يتم التوصل إلى قرار سياسي حقيقي بين الأعضاء الخمسة الدائمين، "بل يسود إجماع رخو قلما تترتب عليه نتائج. لكن، عندما تمس مصالح الولايات المتحدة كما هو الحال في حرب الخليج، لا يواجه الأميركيون أي صعوبة لإقناع شركائهم حتى يعرجوا أمامهم"(2).
ونتيجة لهذه القوه الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي حصلت عليها أمريكا بعد الحرب العالمية الثالثة، فقد استمرت أمريكيا في إرهابها العالمي. وقياماً بمهمة فرض الحرية على شعوب العالم، أطاحت الولايات المتحدة بحكومة (غواتيمالا) في عام 1954م، وفي عام 1961م غزت أمريكا خليج الخنازير في كوبا بواسطة جيش من المبعدين الذين تبنتهم وانتهى هذا الغزو إلى الفشل، وفي عام 1962م فرض الرئيس كنيدي حصاراً جوياً وبحرياً على كوبا لإجبار السوفيت على إبعاد صواريخهم الذرية من الجزيرة، وفي عام 1967م ساعدت المخابرات المركزية الأمريكية (سي اى ايه) في قتل (جيفار) في بوليفيا، وفي هذه الأثناء اشتدت التدخلات الأمريكية في فيتنام وكوريا، والتي كانت نتائجها مرعبه، حيث تكلفت حرب فيتنام لوحدها220 مليار دولار، وفقدت 5 آلاف طائرة هليكوبتر، وتم قصف فيتنام ب 6.5 مليون طن من القنابل، وأدت لمقتل 58 ألف جندي أمريكي، وما يزيد علي 2 مليون فيتنامي وآسيوي!!!
(1) ارض الميعاد والدولة الصليبية - أمريكا في مواجهة العالم منذ 1776م - والتر أ. مكدوجان ترجمة رضا هلال ص218
(2)
أميركا التوتاليتارية، الولايات المتحدة والعالم: إلى أين؟ تأليف ميشال بوغنون موردان، ترجمة: خليل أحمد خليل