الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العقود القليلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية ارتكبت الولايات المتحدة من الجرائم الحربية ضد البشرية، ما يكفي لجعل النظام العالمي الأمريكي جديراً بمحاكمة نيورنبرغ، والإدارة الأمريكيه جديرة بالمصير الذي احاق بالمجرمين الهتلريين. وتلكم هي قائمة العدوان السافر فقط هذا عداك عن الحرب غير المعلنة التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكيه وعلى مدى عشرات السنين ضد السلفادور غواتيمالا، كوبا، نيكاراغوا أفغانستان وإيران واتفقت الأموال الطائلة لدعم الأنظمة العميلة لأمريكا أو المتمردين الذين يتلقون دعم أمريكا، والذين يعارضون الحكومات الشرعية، التي لا تعترف بالسيطرة الأمريكيه في هذه المنطقة. أما هندوراس فقد حولتها الولايات المتحدة إلى رأس جسر للعدوان على السلفادور ونيكاراغوا. وبلغ إجمالي ضحايا الحروب والإرهاب الأمريكيه خلال اقل من نصف قرن تقريبا 1948 - 1996اكثر من 10مليون شخص، هذا عداك عن الجرحى والمشردين (1). وربما هذا هو ما دفع (مارتن لوثر كينج) للتحدث باسم قارات بأكملها حينما صرح قائلاً:"إن متعهد العنف الوحيد في العالم هو بلدى"(2).
نهب ثروات الأمم
بالاضافة إلى ان العالم يكره السياسة الأمريكية العنيفة والمتطرفة، فإن هناك اسباب مهمة أخرى لكراهية العالم لأمريكيا. فالاسباب الاقتصادية لكراهية أمريكا تعود الي، إن أميركا "قد جعلت العيش أمراً بالغ الصعوبة بالنسبة للشعوب الأخرى"، بسبب ما تعمد إليه من تلبيس اهتمامها الوحيد بالتجارة الحرة بلبوس المظهر الإنساني الذي تتخذ منه ذريعة للمزيد من التدخلات الخارجية حول العالم (3). وإذا كانت التجارة الحرة قد تحولت إلي كلمة مألوفة بعد ان تم إيجاد منظمة التجارة العالمية مؤخراً لمراقبتها، فقد ظلت سياسة التجارة الحرة علي الدوام محوراً للرأسمالية الأنجلو-سكسونية. وكان البرلمان البريطاني قد أصدر بيان مبادئ منذ
(1) لهذا كله ستنقرض أمريكا، الحكومة العالمية الخفية - تأليف الغ بلاتونوف - ترجمة نائله موسى- ايرينا بونتشينسكايا - ص 81 - دار الحصاد للطباعة والنشر والتوزيع / دمشق- ط1 2002
(2)
بوش في بابل (اعادة استعمار العراق) - طارق على ترجمة د. فاطمه نصر ص230
(3)
لماذا يكره الناس أميركا? تأليف- ضياء الدين سردار وميريل واين ديفز- كامبردج بوك ريفيو
عهد سحيق يعود إلي عام 1820 دعماً للتجارة الحرة المطلقة. وقد تمت إعادة صياغة هذا البيان بموجب قوانين كورن عام 1846. وهكذا فإن أيديولوجية الرأسمالية الحاليّة القائمة علي المبادئ الداروينية الأنكلوسكسونية لم تتغير وما زال هدفها النهائي هو المال الذي يجر مالاً، ويجب أن يكون كذلك وبأية وسيلة بالحرب أو السلام. فقط هي الوسائل التي تغيرت، فقد كانت في الماضي عبارة عن الاحتلال المباشر للدول، أما اليوم فتتم من خلال مصائد الديون وإخضاع الإرادة والاستقلالية الاقتصادية.
فبعد ان انتهى عصر الاستعمار المباشر وتحرر معظم دول العالم وحصولها على استقلالها، لجأت الدول الاستعمارية إلى اسلوب جديد من الاستعمار من خلال التركيز على نخب معينه في مختلف المجالات لضمان تبعيتها للاستعمار وتنفيد مطالبه واهدافه مقابل منافع خاصه لهذه النخب. فقد تم إيجاد نخبة مختارة في كل بلد ودربت هذه النخبة لخدمة المستعمرين مقابل منافع خاصة بهم. وهكذا وجدت طبقة الواحد بالمئة في هذه المستعمرات وباتت مصالحها ومصالح المستعمر وقوانينه واحدة لا تتجزأ. وفي الوقت نفسه، كانت هذه المصالح، بطبيعة الحال، مختلفة عن مصالح الشعوب. فقد كانت المواد الخام تنتج في المستعمرات وتشحن إلي الدول الغربية حيث تصنع ويعاد شحنها من جديد إلي المستعمرات كمنتجات لتصريفها في أسواقها. أما في النظام الاستعماري الجديد، عندما أصبح النمط القديم من الاستعمار باهظ التكلفة، فقد اعتنق الغرب مبدأ الاستعمار غير المنظور، حيث منحت المستعمرات استقلالها وقام الغرب بتنصيب تلك النخبة التي قاموا بإعدادها وتعيين أفرادها قادة وحكاماً للبلدان المستقلة الجديدة. ومن خلال حرية تحرك رؤوس الأموال والسلع استحوذ المستعمرون الجدد علي القطاعات الصناعية والمالية والشركات الأخري في المستعمرات السابقة، عن طريق الشركات متعددة الجنسيات التابعة لهم (1).
وقد سبق لانجلز ان اعرب في احد كتبه عن اعتقاده أن الليبرالية الداعية إلى التجارة الحرة تعاني من خلل ضمني يتعلق بصميم تكوينها لأنها تقوم على استغلال
(1) امبراطورية الشر الجديدة - عبد الحي زلوم- القدس العربي- 3/ 2/2003
الطبقات العاملة: وهو وضع بات يعبر عن نفسه بالجريمة وسوف يقود سريعاً إلى الثورة (1). فالولايات المتحدة تشكل اليوم النموذج الأبرز للطفيلية الاقتصادية في التاريخ العالمي: فهي تستهلك 40.% من إجمالي موارد العالم الاستهلاكية، في الوقت الذي لا تزيد نسبة سكانها عن 5 % من سكان العالم. وهي إذ تستولي من البشرية على القسم الأكبر من الموارد، لا تدفع إلا النذر اليسير مقابل ذلك، والأكثر من هذا أنها تخلف وراءها الطبيعة الميتة والأنهار والأجواء المسمومة، فثلث التلوث للبيئة يحدث بسبب الولايات المتحدة. ومن حيث المعايير الاقتصادية فان ما ينتج في الولايات المتحدة ليس أمريكيا في الواقع بل يخص البشرية، التي قامت بتصديره إليها. إن كل أمريكي يستهلك اليوم ثمانية امثال ما يستهلك نظيره في العالم. فهل يعقل إن يصدق أحد إن الفضل في تأمين هذا المستوى الخارق من الاستهلاك يعود فقط إلى الاجتهاد المميز في العمل أو إلى الإنتاجية العالية؟ (2).
لقد خلص الكثير من المفكرين إلي أن الرأسمالية التي ترتكز علي ثقافة الرغبة، قد فشلت في الوفاء بوعودها، وبدلاً من ذلك فهي لم تجلب لمعتنقيها سوي التعاسة. وكتب (لي آتووتر)، وهو أحد الرموز البارزة في إدارة الرئيس ريغان، في عدد فبراير 1991 من مجلة (لايف): "لقد ساعدني مرضي علي أن أدرك أن ما كان مفقوداً في المجتمع كان مفقوداً في داخلي أنا أيضاً: قليل من الحب والمودة وقليل من الأخوة. كانت الثمانينيات عقد الاكتساب- اكتساب الثروة والقوة والهيبة، وأعلم أنني اكتسبت من هذه كلها أكثر مما اكتسبه غيري بكثير. ولكن بإمكان المرء أن يكتسب من الثروة والسلطة والهيبة قدر ما يريد، ولكنه سيظل فارغاً خاوياً من الداخل
…
لقد تكلفني الأمر هذا المرض العضال القاتل حتي أصل إلي الحقيقة وجهاً لوجه، حقيقة أن هذا البلد، الذي يرزح تحت الطموحات التي لا ترحم والانحلال الأخلاقي، يمكنه أن يتعلم علي حساب تجربتي. لا أعلم من سيقودنا في عقد التسعينيات، ولكن ينبغي عليه أن يتحدث صراحة عن هذا الخواء الروحي في قلب المجتمع الأميركي، إنه ورم
(1) إنجلز .. مقدمة قصيرة جداً- تيريل كارفر- مراجعة/ كامبردج بوك ريفيوز- الجزيرة نت
(2)
لهذا كله ستنقرض أمريكا - الحكومة العالمية الخفية - تأليف الغ بلاتونوف - ترجمة نائله موسى ص 64