الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف (سأل البروفسيور أوبنوبيل) تصوتون على حرب بهذه السرعة وبعدم اكتراث؟!
…
أوه! أنها حرب بلا أهمية، لن تكلفنا سوى ثمانية ملايين دولار بالكاد.
…
والرجال؟! .... إن المبلغ يشمل ـ أيضاً ـ الرجال)!! (1).
بهذه الطريقة شنت أمريكا حروبها المختلفة، لتحدد مهمتها الخاصة بأنها تلقين كل شعب مستعمر النظام وضبط النفس والتدريب على القانون والطاعة. ومعنى ذلك من الناحية الواقعية على حد تعبير (ودرو ويلسون):"الخضوع لحقنا في استغلالهم ونهبهم". ويشرح ودرو ويلسون في مذكراته السرية الدور الذي تقوم به سلطة الدولة في هذا المشروع فيقول: "بما أن التجارة لا تعرف حدوداً قوميه .. وبما أن المنتج يحتاج إلى العالم ليصبح بأجمعه سوقه التجاري، فلا بد إذن من أن يسبقه علم بلاده، حتى يوفر له فرصة اختراق كل الأبواب المغلقة، ولا بد أن يحمى رجال الدولة الامتيازات التي يحصل عليها رجال المال حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير سيادة الأمم التي تحاول التصدي. لذلك يجب إقامة المستعمرات أو ضمها حتى لا نترك أي ركن في العالم". وهذه المذكرات السرية توضح المعنى الحقيقي لمثل ويلسون العليا في الحرية والحكم الذاتي، وهي المثل العليا التي يثرثر بها كثيراً مثقفو العرب. وقد طبق ويلسون عقيدته في الحكم الذاتي عندما أصبح رئيساً، فغزا المكسيك وهايتي والدومينكان واعمل جنوده الذبح والقتل والدمار، ليضعوا البلاد في قبضة رجال الأعمال الأمريكيين (2).
الحرب العالمية الأولى والسيطرة على أوروبا
بنفس الطريقة ولنفس الأسباب حصل إعلان الرئيس (ويلسون) بدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى في 1917م على تأييد شبه كامل من الجماعات الدينية، حتى تلك الملتزمة عادة بالسلامية. ومما سهل تقبل الأمر، وصف (ويلسون) دخول الولايات المتحدة النزاع بأنه لم يكن إلا لدعم حقوق الإنسان. وحتى من أيد ألمانيا مسبقاً في النزاع الأوروبي تحول عن ذلك. ونظر للحرب على أنها شر لا
(1) أمريكيا طليعة الانحطاط - روجيه جارودى - ص229
(2)
أمريكا طليعة الانحطاط - جارودى ص53ـ54
بد منه وأنها الطريق الوحيد للسلام. وانشغلت المنظمات الدينية وزعماؤها بتأييد محموم لجهود الحرب، مما جعلها تبدو كحملة صليبية. "فقد دعا الرب الأمة لدخول المعركة لإحراز النصر النهائي (للحضارة المسيحية) ومجد المحاربين كأبطال الحق ضد أتباع الشيطان"(1).
مره أخرى يتم تمويه الأهداف الحقيقية للحروب الأمريكية بعبارات رنانة، مع إغفال متعمد للأهداف التوسعية والرغبة في السيطرة ونهب ثروات الشعوب المغلوبة. فأمريكا عملت على الاستفادة من الحرب إلى أقصى درجة، حيث كانت الحرب العالمية الأولى من عام 1914م إلى عام 1918م والتدمير المتبادل بين الدول الأوروبية، بمثابة منجم من الذهب للولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تسرع إلى النجدة والانتصار إلا في نهاية الحرب عام 1917م. حيث خرجت الولايات المتحدة من الحرب في وضع هيمنة كليه، وضع لا مثيل له في التاريخ. فمنافسوها الصناعيين قد دمروا أو اضعفوا إلى حد كبير، بينما تضاعف إنتاج أمريكيا الصناعي أربع مرات تقريباً خلال سنين الحرب.
وإذا كان الصراع الأوروبي ـ الأوروبي كلف أوروبا خسارتها لكثير من مستعمراتها ومواقع نفوذها، فإن هذا الصراع كان سبباً في تعاظم النفوذ الأميركي وتغلغله إلى داخل القارة نفسها. ففي الحرب ما بين (1914ـ1916م) لم يتورع الأميركيون عن تزويد المتحاربين بالأغذية والأسلحة والمنتجات مقابل المال، مما زاد من حصتها التجارية في التعامل مع عدد من الدول الأوروبية، ولم تتدخل أمريكيا في الحرب إلا للمحافظة على التوازن العالمي وللدفاع عن التجارة البحرية التي هددتها الغواصات الألمانية. وقد جنت أميركا الكثير من الأرباح والفوائد من الحرب، بينما كانت مذبحة لأوروبا فدفعت الثمن من دمائها واقتصادها.
ولكن هذا الحال لم يستمر طويلاً حيث بدأت الدول الأوربية وعلى رأسها ألمانيا تنهض من كبوتها، وبدأت تشهد ازدهاراً اقتصادياً، في الوقت الذي بدأ الاقتصاد الأمريكي يعاني من وضع انهيار اقتصادي وانكماش وجمود، وصل معه عدد العاطلين عن العمل عام 1931م إلى سبعة ملايين ليرتفع عام 1932م إلى 11 مليون عاطل
(1) الدين والسياسة في الولايات المتحدة - ج1ـ مايكل كوربت ـ جوليا ميشتل كوربت ص127