الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقد قدم كثير من المؤرخين الأدلة والبراهين على المجازر التي ارتكبتها المستوطنات الأمريكية بحق الهنود الحمر، وكيف أبيدوا، وكيف كانوا يطاردون ويقتلون. ففي كتابه (سنة 501 الغزو مستمر) يعرض (نعوم تشومسكي) شهادات ذات دلالات إنسانية حول ما قام به الأمريكيون، حيث يقول:"سلك مستوطنو شمال أمريكا نفس الطريق، الذي سلكه سابقوهم في البلد الأم. فقد كانت فرجينيا منذ الأيام الأولى لاستيطانها مركزاً للنهب والقرصنة، وقاعدة للإغارة على التجارة الاسبانية وسلب المستوطنات الفرنسية على ساحل (مين)، ولابادة (عبدة الشياطين) و (البهائم الأجلاف)، الذين مكن كرمهم المستوطنين الأوائل من البقاء إحياء، صائدين إياهم باستخدام الكلاب المتوحشة، وذابحين النساء والأطفال ومتلفين المحاصيل، وناشرين مرض الجدري بينهم بواسطة توزيع بطانيات حاملة للعدوى، وكل الوسائل الأخرى الحاضرة في أذهان أولئك البرارة والآتية من تجربتهم التي مازالت طازجة في ايرلندا"(1).
الحرب الجرثومية
في أواخر ما يسمى بالحرب الهندية ـ الفرنسية ظهرت أول وثيقة دامغة تثبت استخدام الغزاة للسلاح الجرثومي عمداً، وتؤكد إن إبادة الهنود بالسلاح الجرثومي، كان سياسة رسميه، ففي سيناريو كلاسيكي منقح لقصة تسميم الزعيم (تشيسكياك) ومن معه بأنخاب (الصداقة الجماعية) على ضفاف نهر البوتوماك، كتب القائد الإنكليزي العام اللورد (جفري امهرست) في عام 1736م أمراً إلى مرؤوسه الكولونيل (هنري بوكيه) يطلب منه أن يجري مفاوضات سلام مع الهنود، ويقدم لهم بطانيات مسمومة بجراثيم الجدري (لاستئصال هذا الجنس اللعين). وقد اشتركت (قوى الحضارة) في حرب ضارية لإخفاء هذه الوثيقة وغيرها من الوثائق المشابهة عند اكتشافها في أواخر الثلاثينات (2).
(1) الولايات المتحدة من الخيمة إلى الإمبراطورية - إعداد ديب على حسن ص17
(2)
حق التضحية بالآخرـ تأليف منير العكش ـ ص47
ففجأة رأت ذاكرة الزنابير صورتها في المرآة: الإمبراطور عارياً تطارده أشباح 112 مليون آدم وحواء، ينتمون إلى أكثر من أربعمائة شعب كانوا يملأون (مجاهل) العالم الجديد بضحكة الحياة (لم يبق منهم في إحصاء 1900 سوى ربع مليون) وتلوح لعينيه مشاهد 93 حرباً جرثومية شاملة (1)، آتت على حياة الملايين من هذه الشعوب. هذه الإبادة الجماعية الأعظم والأطول في تاريخ الإنسانية والتي حاول التاريخ المنتصر محو ذكراها من وجه الأرض أيقظتها حالات (الجمرة الخبيثة) بكل أهوالها في مخيلة الزنابير، التي بدأت ترى مستقبلها في صورة ضحاياها، الذين أبيدوا بجراثيم الجدري في خليج مساشوستس أو بمبيد الأعشاب البرتقالي، وغاز الخردل، واليورانيوم المستنفد في كوريا وفيتنام، وما بين الرصافة والجسر (2).
هكذا تأسست أمريكا بلد الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهكذا كانت أخلاق روادها الأوائل ورعيلها الأول الذين لازال الأمريكيون وكثيرون في العالم، يتغنون بإنجازاتهم العظيمة .. !؟ وقد لاحظ (هوارد سيمبسون) في مقدمة كتابه الرائع عن دور الأمراض في التاريخ الأمريكي إن المستعمرين الإنكليز لم يجتاحوا أميركا "بفضل عبقريتهم العسكرية أو دافعهم الدينية، أو طموحاتهم، أو وحشيتهم، بل بسبب حربهم الجرثومية التي لم يعرف لها تاريخ الإنسانية مثيلاً (3).
وحتى إعلان الاستقلال الأمريكي، الذي أقر مبادئ الحرية والمساواة، وصف الهنود بأنهم "متوحشون بغير رحمة وسيلتهم المعروفة هي شن الحرب وذبح الجميع". هكذا تكلموا عن السكان الأصليين حتى يبرروا مسبقاً المذابح ونهب الأراضي، واعتبار تلك الجرائم البشعة نوعاً من الدفاع الشرعي، كما لو كان الهنود غزوا أراضى المهاجرين، بينما هؤلاء الأوربيين كانوا ينهبون أراضى الهنود ويدمرون حياتهم بصفة مستمرة. ومنذ ذلك الحين، ومنذ تلك الخطيئة الأساسية وضع حجر الزاوية الأساسي للسياسة الأمريكية، حيث شهد (توكفيل) بربرية المستعمرين ضد الهنود الحمر، الذين يملكون أسلحة لا تتوازن مع أسلحة الغزاة، ووصف بسخرية
(1) الامبراطورية الأمريكية البداية .. والنهاية - منصور عبد الحكيم - ص 30 - دار الكتاب العربي - ط1 2005
(2)
حق التضحية بالآخرـ تأليف منير العكش ـ ص16
(3)
حق التضحية بالآخرـ تأليف منير العكش ـ ص23