الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويلسون) مثلا، ترْهِق كثيراً ولا تزال تنخر العالمية الليبرالية التي كان زعيمَها في نظر اليابانيين وفي نظر العديد من الشعوب غير البيضاء في العالَم". وكما كتب الثيولوجي (رينهولد نيبوهر) سنة 1943:"إن كبرياءنا العِرْقِيّ غير متلائِم مع مسؤولياتنا في الجماعة البشرية. فإذا لَمْ نَنْجح في تصحيحها فإننا سنفشل في مهمتنا"، لأن مصير السود يسيء إلى القوة الأمريكية في صراعها ضد اعدائها. فقد اضطرت النّخَب القومية إلى اتخاذ قرار، في الخمسينات والستينات، بوضع حد لهذه الأشكال الصارخة من العبودية. أَلَمْ يفهمْ (أبراهام لنكولن) في زمنه بأن العبودية تضعِف أمريكا في مهمتها الديمقراطية وتعرِّضها للاتهام بالنفاق؟ " (1).
أمريكا دولة الجرائم
إنّ إنتشار الجريمة بشكل مذهل في الولايات المتحدة الأمريكية يدلّ على الإنكسار الرهيب في المجتمع الأمريكي، وعلى الطبقية في هذا المجتمع المخملي. وبرغم الإجراءات المتخذة للحدّ من ظاهرة الجرائم إلاّ أنّ كل الإجراءات باءت بالفشل، وقد تتفاقم هذه الطبقية لتتّحول إلى ثورة إجتماعية كما حدث في فرنسا أيام الثورة الفرنسية، وقد تمكنّ (كارل ماركس) من تشخيص منتهى الرأسمالية عندما أشار إلى أنّ المجتمعات الرأسمالية ستثور على الوضع القائم، إلاّ أنّه أخطأ النتيجة عندما قال إنّ هذه المجتمعات الرأسمالية وعندما تثور على الرأسمالية ستنتهي إلى الماركسية، والتي ماتت شأنها شأن الرأسمالية الآيلة إلى الموت. وتفاقم الطبقيّة لا يميّز الوضع العام في أمريكا فقط، بل بات الهاجس اليومي في أوروبا أيضا، فهناك 60% -14% من الشعب الأمريكي كانوا ضحية للجريمة مرة واحدة في حياتهم على الأقل.، 58% من الأمريكيين الراشدين سبق لهم تعاطي المخدرات. و20% منهم ما يزالون يتعاطونها. يشير اندرو شابيرو (نحن القوة الأولى: أين تقف أمريكا وأين تسقط في النظام العالمي الجديد؟ إلى ان 46% من المواطنين السود، و 15% من الهسبانية لا يجدون لهم سكناً، و 34% من المشردين هم من المواطنين الأمريكيين البيض، 4%
(1) القومية الأمريكية الجديدة - تأليف: اناتول لييفين -عرض: بشير البكر - جريدة الخليج - 30 - 6 - 2005 - العدد 9538
من أصول عرقية أخرى (1). ومثل هذه النتيجة حتمية في مجتمع يفتقد إلى أدنى موازين العدالة، ولا يعترف بالفقراء والمنبوذين، بل إنّ الحياة للأقوى كما قال نيتشه ذات يوم. وقد تتلاقى صيحات المستضعفين في أمريكا وأوروبا والعالم الثالث أيضاً، وهو مؤشّر على الفصام النكد بين القيادة السياسية في أمريكا والمدعومة من قبل رجال الأعمال وبين الطبقات المسحوقة.
وإذا غالطت أمريكا الرأي العام لديها بتوجيه أنظارهم إلى الساحة السياسية الدولية، فسوف يأتي اليوم الذي يلتفت فيه المسحوقون في أمريكا إلى واقعهم ويحتجون عليه بقوة (2).
الكسر المالي: تحولت الولايات المتحدة الأمريكيه من اكبر دولة دائنه في العالم إلى اكبر دولة مدينه في العالم: ومعدل الاستثمار في الولايات المتحدة الأمريكيه يعد الأقل بين الدول الصناعية الكبرى. إن أهم ما يعاني منه الاقتصاد الأمريكي في الوقت الحاضر هو الديون الكثيرة التي فاقت كل تصورات السياسيين والاقتصاديين؛ ففي: سنة 1940 كان مجموع ديون الولايات المتحدة 43 مليار دولار. وفي سنة 1950 وبسبب الانفاق الهائل على الحرب العالمية الثانية أصبح 256 مليار دولار وسنة 1980 بلغ مجموع الديون (حرب كوريا/فيتنام) 908 مليار دولار، وفي سنة 1988وصلت وأثناء رئاسة ريجان (بسبب بناء الترسانة العسكرية) 2،6 ألف مليار دولار، وسنة 1992م قاربت ديون الولايات المتحدة 4000 مليار دولار. وهكذا ما بين (1980 - 1992) ازدادت نسبة ديون الولايات المتحدة إلى أكثر من 65% وهو ما يجعل الشعب الأمريكي يتساءل عن الطرق التي أنفقت فيها الحكومة هذه المبالغ الطائلة، ويطرح من القضايا أمام الرأي العام حول الفساد السياسي والاقتصاد. و إذا استمرت هذه الزيادة بمعدلاتها الحالية فان ديون الولايات المتحدة ستصل إلى ما مجموعه10،2 ألف مليار دولار قبل حلول 2020م (3).
(1) مؤسسة الحوار الانساني http://www.dialogue-yemen.org/ar/modules.php?name=Sections&op
(2)
الغارة الأمريكيّة الكبرى على العالم الإسلامي.- يحي أبوزكريا - http://www.alkader.net/juni/abuzakrya_gara_070622.htm
(3)
مؤسسة الحوار الانساني http://www.dialogue-yemen.org/ar/modules.php?name=Sections&op=viewarticle&artid=21
فبرغم قوتها العسكرية التي لا تعتمد على قوة المقاتلين والتي لا تتمنى - كما تشير تقارير البنتاجون- إلا دخول حروب (لا تخسر فيها قتيلاً واحداً) وذلك بإمكاناتها التقنيه العالية الخاصة بإدارة المعارك، وباستخدام المرتزقه وقوات قرين كارد ودول ما تسمى بالتحاف، بهدف أن يصبح قادتها بذلك أسياد العالم. برغم كل ذلك تحولت الولايات المتحدة شيئاً فشيئاً إلى عملاق بطبع (أخيل)، وذلك بسبب الهشاشة الاقتصادية المختفية وراء القناع إلى حين انكشافها عبر سيولة المضاربات الماليه التي حولت البنوك الأمريكيه إلى صالات للقمار. لهذا الضعف الواضح والقصور تقامر الولايات المتحدة حتى إشعار آخر على سياسة التسليح لمواجهة صعود أي عمالقة آخرين إلى قمة العالم التي تعتليها، ومن ثم فهي لا تسلح فقط مرتزقها الرئيسي في الشرق الأوسط: إسرائيل تسليحاً كثيفاً بل تسعى أيضاً لعرقلة صعود الصين (1).
إن الكسر المالي حتمي وآت لا ريب فيه بسبب السمات آنفة الذكر للسياسة امريكيه في مجال النقود والاسعار. ولسوف يحدث على الأرجح بشكل عفوي لكنه قد يكون قابلاً للتوجيه. مما يتطلب:
أولا: الإسهام في تحطيم القيمة الوهمية للدولار بوساطة (الهروب) منه عن طريق طرح كميات كبيره من الدولارات في السوق في اللحظة (الحرجة) ومن ثم رفض التعامل به مما يؤدي إلى ذعر حقيقي في البورصة مع كل العواقب المترتبة على ذلك.
ثانيا -العمل على اصلاح الاسعار العالمية للمواد الأولية والوقود عن طريق تضمينها ضرائب الأرباح المفترضة في السلعة النهائية وضرائب ترصد لإصلاح البيئة في البلدان المصدرة.
ثالثا- فرض رقابة مالية شاملة على عمليات الشركات متعددة الجنسيات واجبارها قانونياً على استخدام الأسعار المالية في الحسابات الداخلية. بما في ذلك أجرة اليد العاملة مع اخذ نوعيتها بعين الاعتبار (2).
(1) أمريكيا طليعة الإنحطاط- روجيه جارودى-ص 35 - 36
(2)
لهذا كله ستنقرض أمريكا - الحكومة العالمية الخفية - تأليف الغ بلاتونوف - ترجمة نائله موسى ص 160
الكسر الاقتصادي: تعاني أمريكا من تبعية اقتصادية متنامية حيال العالم الخارجي. والارقام توضح أن أميركا تسجل عجزاً في ميزانها التجاري مع كل البلدان المهمة في العالم. أما الفائض في الميزان التجاري التكنولوجي (سلع التكنولوجيا المتقدمة) فهو في تراجع، ليسجل عجزاً في 2001. فالاقتصاد الأميركي نمت فيه الخدمات المالية، التأمينات والعقارات بوتيرة أسرع بمرتين من وتيرة نمو الصناعة، وذلك بين 1999 و2000. أما أرقام الناتج القومي الأميركي الخام فضخمت بسبب المخالفات كما ظهر مع فضيحة إنرون، إفلاسها نجم عنه تبخر 100 مليار دولار. وهذا الرقم يمثل حوالي 1% من الناتج القومي الخام الأميركي. ومع تزييف حسابات الشركات الأميركية بدأ هذا الناتج يشبه من حيث المصداقية الإحصائية الناتج القومي الخام السوفياتي. ولهذا فان أميركا هي قيد التحول إلى فضاء متخصص في الاستهلاك وتابع للعالم الخارجي، فهي ليست مهمة للعالم من حيث إنتاجها وإنما من حيث استهلاكها (1).
فالاقتصاد الأمريكي شبيه بالسيارة المندفعة من عل بدون مكابح، فهي غير قادرة على التوقف. لقد نضبت إمكانيات التطور المكثف. حتى إن احدث أنواع التكنولوجيا غير قادرة إجمالاً على مواكبة عملية تقلص الموارد نتيجة سباق الاستهلاك المحموم. لذا فان الولايات المتحدة ستضطر من اجل إطعام غول اقتصادها الاستهلاكي إلى زيادة نهب الآخرين، وهذا ليس بالأمر السهل في الظروف الحاليه. ولقد فقدت الولايات المتحدة الأمريكيه مراكز الصدارة في التكنولوجيا العالية بسبب اعتمادها على مدى عشرات السنين على النهب الاقتصادي للدول الأخرى، من خلال التحكم بالأسعار العالمية والقيمة الشكلية للدولار. ففي بداية السبعينات كان نصيب الولايات المتحدة من الصادرات العالمية من التكنولوجيا المتطورة يصل إلى 30% وفي الثمانينات انخفضت هذه النسبة إلى 21% ولن تزيد مع نهاية التسعينات على 5 - 1. % حيث انتقل مركز القيادة في التكنولوجي المتطورة إلى اليابان وعدد من البلدان الاسيويه الاخرى. ومنذ النصف الثاني من التسعينات ومطلع القرن الحالي دخلت الولايات المتحدة منطقة الأزمة الاقتصادية الطويلة
(1) بعد الإمبراطورية: محاولة حول تفكك النظام الأميركي- المؤلف: إمانيول طود - كامبردج بوك ريفيوز
نتيجة البون الشاسع بين إمكانياتها الاقتصادية وبين مطالبها الاستهلاكية المتفاقمه (1).
وفي كتابه "ليست للبيع بأي ثمن: كيف نُحفظ أمريكا لأطفالنا؟ " يقول روس بيرو: لقد علمنا التاريخ أن التنوع يبني القوة، وقد كنا أغنياء وأقوياء لفترة طويلة من الزمن حتى خلنا أننا قد ضمنا البقاء على ذلك الحال. أما اليوم فإننا نجد أن بلادنا العظيمة تعيش منعطفاً خطيراً في تاريخها. إننا نواجه مشكلات اقتصادية خطيرة جداً. إن الخدم المنتخبين قد أساءوا استخدام أموال الدولة (2).
وقد خصص المؤلف الفصل الثاني وهو أطول فصول الكتاب للحديث عن الأوضاع المتردية التي تشهدها الولايات المتحدة في جميع المجالات مع اهتمام واضح بالميدان الاقتصادي. ومن الموضوعات الاقتصادية التي ناقشها؛ مشكلة إرتفاع الديون الفيدرالية، وخطة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لتحسين الأوضاع الاقتصادية وقد ناقشها المؤلف، وأبرزعيوبها وما يمكن أن تحدثه من ديون إضافية على الحكومة الفيدرالية، وكذلك مشكلات العجز في الميزانية، وتقلص حجم الشركات الأمريكية والخسائر التي تعاني منها، وإرتفاع معدلات البطالة الناتجة عن إغلاق بعض الشركات الكبرى لفروعها في بعض المدن الأمريكية، وأسعار البترول، والإنفاق غير المتوازن على التسلح العسكري.
وبالنسبة للديون يشير المؤلف إلى إن المؤشرات الاقتصادية تؤكد إن الديون الفيدرالية قد بلغت أكثر من أربعة تريليونات دولار، وحتى نعرض معدلات نمو الديون الفيدرالية السريعة؛ يجب أن نعود إلى العام 1975م حيث بلغ مجموع الديون أقل من نصف تريليون دولار، مع العلم أن هذا المبلغ يشمل ديون الدولة منذ عام 1776م إلى 1976م. أي أن هذا الرقم (نصف تريليون دولار) تقريباً هو مجموع ديون الحكومة الأمريكية خلال مائتي سنة، بما في ذلك تغطية تكاليف الحربين
(1) لهذا كله ستنقرض أمريكا - الحكومة العالمية الخفية - تأليف الغ بلاتونوف - ترجمة نائله موسى ص 161
(2)
ليست للبيع بأي ثمن: كيف نُحفظ أمريكا لأطفالنا؟ تأليف: روس بيرو 1993م