الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
مواجهة الصهيونية المسيحية
قبل ان نعرض لخطة لكيفية مواجهة الصهيونية المسيحية، سنعرض بداية لتجربة الحروب الصليبية القديمة وما وصلت اليه هذه التجربة، حيث ان هذه التجربة خضعت لدراسات مستفيضة من قبل الكيان الصهيوني والصهيونية العالمية لاستخلاص العبر منها والعمل على عدم تكرار الفشل التى تعرضت له الحملات الصليبية في السابق. وأحسب أن قصة الحملات الصليبية والاستجابة الإسلامية لتحدياتها، يمكن أن توفر لنا بعض الدروس والعبر القيمة، ليس لأن التاريخ يكرر نفسه، بل لأن اليهود والمسلمين الذين يتحاربون اليوم تتملكهم العديد من نفس الهواجس والأهواء التي كنا نجدها لدى جنود الرب المحاربين في سبيل دينه حين زحف الصليبيون على القدس لتحرير قبر المسيح (1).
الحروب الصليبية بين الماضي والحاضر
(الصليبيون) ترجمة لكلمة (كروسيدرز Crusaders المشتقة من كلمة كروس cross) ، ومعناها صليب. وهي عبارة تُستخدَم في الخطاب السياسي والتاريخي في الغرب للإشارة إلى الصليبيون الذين شنوا عدة حملات على العالم العربي والإسلامي في القرن الثاني عشر، وقد تَبنَّى كثير من العرب المحدثين هذا المصطلح. وتُسمَّى (حروب الصليبيون)(2) في الخطاب الغربي (الحروب الصليبية) نسبة إلى الصليب. وهو مصطلح يُطلَق على الحروب التي شنها حكام أوربا المسيحية الإقطاعية لاحتلال فلسطين إبان العصور الوسطى. وهي حروب كانت تساندها حركة سياسية
(1) الحرب المقدسة .. الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم- كارين أرمسترونغ-ط1 2004 - دار الكتاب العربي- بيروت- الجزيرة نت -عرض/ إبراهيم غرايبة
(2)
يستخدم د. المسيرى موسوعتة عبارة «حروب الفرنجة» بدلاً من عبارة "الحروب الصليبية" للإشارة إلى الحملات الغربية التي جُرِّدت ضد الشرق الإسلامي لنهبه، ولم تكن المسيحية سوى ديباجة سطحية استخدمها الغزاة ولا علاقة لها برؤيتهم للكون.
واجتماعية ضخمة قادتها النخبة الحاكمة (الكنيسة والنبلاء) ووجدت صدى عميقاً لدى الجماهير الشعبية التي انضمت إليها بأعداد ضخمة لم تضعها النخبة الحاكمة نفسها في الحسبان. ويرى د. سعيد عاشور أن الصليبيون هم من جموع المسيحيين الغربيين الكاثوليك الذين خرجوا من بلادهم في شتى أنحاء الغرب الأوربي، واتخذوا الصليب شعاراً لهم لغزو ديار الإسلام، وبخاصة منطقة الشرق الأدنى وبلاد الشام حيث الأراضي المقدَّسة. ومعنى هذا أن المسيحيين الشرقيين من روم وأرمن وسريان وأقباط ونحوهم لا يدخلون في دائرة مصطلح (الصليبيين) لأن هؤلاء من أهل البلاد، وليسوا وافدين عليها من الخارج. ربطتهم بالأرض التي ينتمون إليها روابط أصيلة جذرية ترجع إلى ما قبل الإسلام. وعاش معظمهم قبل الحركة الصليبية تحت مظلة الإسلام يتمتعون بما كفلته لهم هذه الديانة من حقوق ويؤدون ما فرضته عليهم من واجبات.
وحروب الصليبيون جزء من المواجهة التاريخية العامة بين الحضارة الغربية وحضارة الشرق الأدنى، والتي تعود بجذورها إلى بداية ظهور الحضارة الغربية نفسها حين وصلت شعوب البحر (الفلستيون) من كريت وبحر إيجة إلى ساحل مصر، ثم استقروا في ساحل أرض كنعان بعد أن صدهم المصريون. وحينما هيمن الفرس على الشرق الأدنى، أخذت المواجهة شكل اشتباك عسكري بينهم وبين الدول (المدن) اليونانية التي صدت الغزو الفارسي. ثم قام الإسكندر الأكبر بغزو الشرق وأسس الإمبراطورية اليونانية التي انقسمت إلى ثلاث امبراطوريات بعد موته. كما هيمن الرومان بعد ذلك على معظم الشرق الأدنى القديم. وقد انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين: الإمبراطورية الشرقية (البيزنطية)، والامبراطورية الغربية. ومع وصول الإسلام وقيامه بفتح المنطقة وتوحيدها، وتحويله البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة عربية إسلامية، انحسر نفوذ العالم الغربي وأصبح محصوراً داخل القارة الأوربية (1).
ان العالم المسيحي بعد حوالى ألف سنة من انتشار المسيحية قد تعرض لنوع من اختبار العقيدة لدى المؤمنين بها، حيث وقعت الارض التي كانت مهداً للمسيحية
(1) الموسوعة الصهيونية - المجلد الثاني د. عبد الوهاب المسيري المجلد السادس ص 101
في قبضة المسلمين، وغذت روما بقداستها- والتي كانت ذات يوم حاضرة العالم- مدينة تنعي اطلالها. وعلى ما يقرب من مائتين وخمسين ميلاً كانت جزيرة صقلية تحت الحكم الإسلامي (1). بل إن الجيب البيزنطي المتبقي على أرض الشرق في آسيا الصغرى كان قد بدأ يقع تحت هجمات السلاجقة وهي الهجمات التي أدَّت في نهاية الأمر لسقوط الدولة البيزنطية، وكذلك القسطنطينية، على يد العثمانيين. وقد هُزم جيش بيزنطي بقيادة الإمبراطور رومانوس ديجينيس هزيمة ساحقة على يد السلاجقة بقيادة ألب أرسلان في مانزيكريت في أرمينيا. ثم استمر التوسع السلجوقي، فتم الاستيلاء على أنطاكية عام1085، الأمر الذي اضطر الإمبراطور أليكسيوس كومنينوس إلى أن يطلب العون من الغرب حيث لم يجد آذاناً صاغية وحسب بل شهية مفتوحة (2).
وهكذا بدأت أوروبا تشهد في القرن الحادي عشر الميلادي حالة من النهضة، ومحاولات للتخلص من الشعور بالدونية تجاه المسلمين الأشد منهم بأساً والأرقى ثقافة، وبدؤوا يحاولون بناء ذات جديدة ويشعرون بثقة جديدة. وهكذا كانت الحملات الصليبية جزءا أساسياً من هذه العملية، وعبرت تماماً عن الروح الغربية الجديدة. إن اختلاق عدو إجراء بالغ الأهمية كوسيلة لتطوير هوية جديدة، وقد وفر المسلمون ذلك العدو الكامل، وإن كان من الواضح أن الفرنجة لم تكن لهم حتى ذلك الحين أية مآخذ على المسلمين، ولم يكونوا يعرفون شيئاً عن الديانة الإسلامية سوى أن المسلمين غير مسيحيين وأنهم مقاتلون أشداء، ومن شأن التغلب عليهم أن يعلي كثيراً من شأن الفرنجة (3).
ويرى الاستاذ عبد الوهاب المسيرى وغيره من الباحثين ان هناك مركب من الاسباب المادية والمعنوية والدينية ادت إلى قيام الحروب الصليبية مثل انهيار الاقتصاد الغربي بعد سقوط الامبراطورية البيزنطية، وزيادة نفوذ المدن الايطالية،
(1) تاريخ اوروبا في العصور الوسطى - تأليف: موريس بيشوب - ترجمة على السيد على - ص 47 - المجلس الاعلى للثقافة (المشروع القومي للترجمة- الطبعة الأولى 2005
(2)
الموسوعة الصهيونية - المجلد الثاني د. عبد الوهاب المسيري المجلد السادس ص 101
(3)
الحرب المقدسة .. الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم- كارين أرمسترونغ-عرض/ إبراهيم غرايبة
وزيادة عدد السكان (1)، وظهور نوع من الاستقرار السياسى في اوروبا الذى سهل من امكانيات تجريد حملات عسكرية، هذا بالاضافة إلى اسباب اخرى، ولكننا هنا سنركز على الاسباب الدينية لهذه الحملات والتي يمكن اجماله فيما يلى:
1.
حدث بَعْث ديني حقيقي في بداية القرن العاشر الميلادي. ويمكن القول بأن حروب الصليبيون تعود إلى ما يُسمَّى (الإصلاح الكلوني) وهي حركة إحياء دينية بدأت عام 910 في مدينة كلوني بفرنسا، وأكدت تَفوُّق سلطة الكنيسة على السلطة الدنيوية. وقد تزامنت حروب الصليبيون مع المجامع اللاترانية الأربعة في أعوام 1123، 1139، 1179، 1215 على التوالي. وهي المجامع التي بلورت موقف الكنيسة من عدة قضايا، منها تحريم الربا وتحديد وضع اليهود وكثير من علاقات الكنيسة بالسلطة الدنيوية. ولعبت الكنيسة دوراً أكثر نشاطاً في الحياة الدنيوية، وأخذت تؤكد نفسها بشكل أكثر جرأة. وقد أُعيدت صياغة البنية الكهنوتية وهو ما سمح للبابوات بأن يلعبوا دوراً أكثر فعالية. ووجدت الكنيسة في حروب الصليبيون فرصة مواتية لزيادة نفوذها وتسريب طاقة الأمراء والملوك القتالية إلى الشرق، ولتحقيق السلام والاستقرار في الغرب المسيحي. ومما له دلالته أن مجلس كليرمون (عام 1095)، الذي اتخذ القرارات التي بدأت حملات الصليبيون على الشرق، جدد ما يُسمَّى (هدنة الرب) في الغرب! وقد وجدت الكنيسة الرومانية أن تجريد حملة تحت سلطتها، لمساعدة الدولة البيزنطية، قد يسرع بتحقيق حلم روما القديم بإخضاع الكنيسة البيزنطية.
2.
شهدت الفترة التي سبقت حروب الصليبيون تزايد حركة الحج. وكانت أهم المزارات روما حيث يُوجد ضريح لكلٍّ من بطرس وبولس، وكذلك ضريح سنتياجو دي كومبوستلا في شمال غربي إسبانيا. ولكن أهم المزارات جميعاً كانت هي القدس حيث تضم كنيسة القيامة. ولم يكن الحج عملاً من أعمال التقوى وحسب، وإنما أصبح وسيلة للتكفير عن الذنوب. بل كان القساوسة يوصون في بعض الأحيان، بالحج لمن يرون أنه اقترف إثماً فاحشاً. وكان الحجاج يرجعون بقصص عن مدى ثراء
(1) تاريخ اوروبا في العصور الوسطى - تأليف: موريس بيشوب - ترجمة على السيد على - ص 48 - المجلس الاعلى للثقافة (المشروع القومي للترجمة- الطبعة الأولى 2005
الشرق، كما أنهم كانوا يتحدثون أيضاً عن المتاعب التي تجشموها والأهوال التي لاقوها. ولا شك في أن حديثهم هذا كان له أساس من الصحة حيث إن المنطقة لم تكن تنعم بالهدوء أو الاستقرار، وخصوصاً أن السلاجقة كانوا قد بدأوا في شن هجومهم على الدولة البيزنطية. ولكن مما لا شك فيه أنه كان هناك عنصر مبالغة، فالعائدون كانوا يريدون إبراز بطولتهم، وكان الوجدان الشعبي يتلقف هذه القصص ويضخمها، وخصوصاً أن المستوى الثقافي لجماهير أوربا آنذاك كان متدنياً إلى أقصى حد (1).
3.
يبدو أن حركة استرداد إسبانيا من المسلمين، وتَفاعُل المسيحيين مع المسلمين إبان حرب الاسترداد، قد تركا أثرهما في الرؤية المسيحية للحرب، إذ تأثر العالم المسيحي بفكرة الجهاد الإسلامي، فبدا أن الحرب للدفاع عن المجتمع المسيحي، ولاسترداد القدس، ليست حرباً عادلة وحسب وإنما حرب مقدَّسة أيضاً. ويبدو أن نشوء جماعات من الرهبان المحاربين مثل فرسان الهيكل وفرسان الإسعاف (الداوية والإسبتارية) هو صدى لفكرة المرابطين الإسلامية (2).
4.
من الأفكار المسيحية الشعبية الراسخة، ما يُطلَق عليه العقائد أو الأحلام الألفية، وتتمثل هذه الأفكار في الإيمان بأن الدورة الكونية أو التاريخية تستغرق ألف عام في العادة، وأن عام ألف أي بداية القرن الحادي عشر الميلادي سيشهد نهاية العالم والتاريخ، كما سيشهد عودة المسيح. وقد سادت هاتان الفكرتان أوربا في العصور الوسطى، وهما من الأفكار التي ازدادت شيوعاً إبان تفاقم الأزمات الاجتماعية وازدياد البؤس بين الجماهير. ويقول العلماء إن تاريخ نهاية العالم لم يكن محدداً بهذه الدقة، وأن الأحلام الألفية استمرت خلال القرن الحادي عشر الميلادي كله وحتى بعد ذلك التاريخ. ومن الأساطير الألفية التي شاعت أن الإمبراطور الأخير سيكون هو ملك الصليبيون خليفة شارلمان، وأنه هو الذي سيقود المؤمنين إلى القدس لينتظر العودة الثانية للمسيح ليؤسس مملكة السلام والعدل
(1) راجع تراث الإسلام - تصنيف شاخت وبوزورت- ترجمة د. محمد زهير السمهوري، د. حسين مؤنس، د. احسان العمد- ج1 ط2 1988 - سلسلة عالم المعرفة 8 - ص 27 وما بعدها
(2)
الموسوعة الصهيونية - د. عبد الوهاب المسيري المجلد السادس ص 102