المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العالم وأمريكا .. معنا .. أم ضدنا - الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم - جـ ٣

[يوسف الطويل]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابعأمريكا…تاريخ من الغزو والإرهاب

- ‌الفصل الأولالارهاب الأمريكي في ظل العهد القديم

- ‌الإرهاب .. صناعة أمريكية

- ‌أمريكا .. تاريخ من العنصرية والمآسي الإنسانية

- ‌مصادر الهوية الوطنية الأمريكية

- ‌أرض الميعاد والدولة الصليبية

- ‌العهد القديم الأمريكي (الإرهاب ضد الهنود والزنوج)

- ‌إبادة الهنود الحمر

- ‌مفارقة التوماهوك

- ‌الحرب الجرثومية

- ‌استعباد الزنوج

- ‌التبرير الديني للنهب والسلب والإبادة

- ‌أمريكيا ولاهوت الاستعمار العبراني

- ‌ثقافة أهل الحدود

- ‌السير على هدى وصايا يهوه

- ‌التباين في الثروات

- ‌أمريكا تقف في صف الله وتنفذ إرادته

- ‌أرض الحرية مسكونة بـ كوابيس العنصرية

- ‌النازية في ثوب جديد

- ‌الفصل الثانيالإرهاب الأمريكي في ظل العهد الجديد

- ‌(ويليام ماكنلى) أول رئيس امبريالي

- ‌أمريكا ترمي إسبانيا في البحر

- ‌روزفلت وسياسة العصا الغليظة

- ‌حرب كل عام

- ‌ويلسون والخضوع لحقنا باستغلالهم ونهبهم

- ‌الحرب العالمية الأولى والسيطرة على أوروبا

- ‌زعامة العالم

- ‌الحرب البارة

- ‌الصراع العربي الإسرائيلي

- ‌ريجان والأمة المباركة

- ‌جذور الحرب

- ‌إرهاب التسعينيات وحرب العراق الأولى

- ‌الألفية الثالثة والدولة المارقة

- ‌أمريكا .. ذلك الوجه الآخر

- ‌ضرب المدنيين

- ‌هوريشيما وناغازاكي

- ‌حرب فيتنام

- ‌عولمة الإرهاب الأمريكي

- ‌الحرب على الإرهاب

- ‌لاهوت الهيمنة الأمريكية

- ‌الفصل الثالثالارهاب الأمريكي الداخلي

- ‌النشاط الإرهاب الداخلي

- ‌أفراد الميليشيات وأفكارها

- ‌الميليشيات المسيحية الأمريكية .. هواية القتل اللذيذ

- ‌قائمة بأهم الميليشيات الإرهابية الأمريكية

- ‌منظمات إرهابية أمريكية

- ‌من تكساس ظهرت منظمة الكوكلاكس كلان وجورج بوش

- ‌ويليام جوزيف سيمون مؤسس جماعة الكلان الثانية عام 1915

- ‌الجذور الفكرية للجماعات المتطرفة

- ‌موعظة طاحونة الشيطان

- ‌تيموتى مكفاي نموذجاً

- ‌من هو مكفاي

- ‌التفجيرات

- ‌اللحظات الأخيرة

- ‌الفصل الرابعالكابوس الأمريكي

- ‌الداروينية الأميركية الحاكمة

- ‌أزمة أمريكا الأخلاقية

- ‌قناع أبيض للعالم كله

- ‌الأصوات المغيبة والمصلحة القومية الكاذبة

- ‌الكلمة المحكية كعمل سياسي

- ‌أصوات أمريكا الغائبة

- ‌الفيروس الأميركي .. فضح الإمبرطورية الأميركية

- ‌التنظير الجديد لـ (باكس أميركانا)

- ‌أمريكيا البريئة

- ‌لماذا يكرهوننا

- ‌كراهية السياسة الأميركية

- ‌الكيان السياسي العنيف

- ‌نهب ثروات الأمم

- ‌الأسباب الحقيقية لكره العالم لأمريكا

- ‌معنا أم ضدنا: دراسات في ظاهرة معاداة أميركا عالمياً

- ‌مؤشرات سلبية عن صورة أميركا في أوروبا

- ‌هل يجب الخوف من أمريكا

- ‌تجربة شخصية

- ‌نعم، الحلم الأمريكي لا يزال له معنى…ولكن

- ‌أمريكيا طليعة الانحطاط

- ‌تشويه العولمه على يد الانجلوسكسون

- ‌أهذه هي نهاية التاريخ

- ‌صورة "درويش""…ولا عجب

- ‌بعضٌ من أمريكا

- ‌خدعة الافتتان بأمريكا

- ‌الباب الخامسسبل المواجهة .. والخروج من المأزق

- ‌الفصل الأولمواجهة أمريكا على المستوى الدولي

- ‌أمريكيا .. عوامل القوة والضعف

- ‌العملاق الأميركي

- ‌مصادر القوة

- ‌قدرات الإمبراطورية

- ‌مؤشرات لكسر القوة الأمريكية

- ‌أمريكا دولة الجرائم

- ‌صراع الكبار

- ‌العجز العسكرى واستهداف دول ضعيفة

- ‌خرافة الديمقراطية

- ‌الكسر الحضاري

- ‌كتاب موت الغرب

- ‌تحديات الهوية الوطنية الأميركية

- ‌العالم وأمريكا .. معنا .. أم ضدنا

- ‌وغرق النسر العظيم

- ‌الفصل الثانيمواجهة الصهيونية المسيحية

- ‌الحروب الصليبية بين الماضي والحاضر

- ‌الحملة الصليبية الأولى

- ‌الحملة الصليبية الثانية

- ‌انتهاء وفشل الحروب الصليية

- ‌نتائج الحروب الصليبية

- ‌حملات الصليبيون والجماعات اليهودية في غرب أوربا وفلسطين

- ‌التشابه بين حملات الصليبيون والمشروع الصهيوني

- ‌مركزية حملات الصليبيون في الوجدان الصهيوني/الإسرائيلي

- ‌مواجهة الهجمة الصليبية الجديدة

- ‌من هم الصليبيون الجدد

- ‌مواجهة الصهيونية المسيحية

- ‌دور المسلمين والعرب في أمريكيا في المواجهة

- ‌العلاقات العربية الأميركية

- ‌عشرات الأسلحة لمواجهة أمريكا

- ‌خطة عمل عربيه لمواجهة صهيونية الحركة المسيحية الأصولية

الفصل: ‌العالم وأمريكا .. معنا .. أم ضدنا

والإيطاليين وغيرهم إلى الولايات المتحدة على إضعاف أهمية الإثنية البريطانية في الهوية الأميركية، وأضعفت دعاوى التعددية والعلمانية دور الثقافة المسيحية، كما أضعفت ثورات الحقوق المدنية دور العرق أو العنصر الأبيض كمصدر للهوية، وإن كان هنتنغتون يرى أن العنصرية مازالت قوية وحية وتمثل عامل تمييز أساسياً داخل المجتمع الأميركي خاصة على المستوى الاقتصادي والسياسي حيث يبرز نفوذ الأميركيين البيض. ويرى هنتنغتون أن التحديات السابقة يمكن أن تؤدي إلى واحد من التبعات الأربع التالية على الهوية الأميركية في المستقبل:

أولا: فقدان الهوية الأميركية وتحول أميركا إلى مجتمع متعدد الثقافات والأديان مع الحفاظ على القيم السياسية الأساسية. ويرى هنتنغتون أن هذا السيناريو يفضله كثير من الليبراليين الأميركيين ولكنه سيناريو مثالي يصعب تحققه.

ثانيا: تحول أميركا إلى بلد ثنائي الهوية (إنجليزي-إسباني) بفعل زيادة أعداد ونفوذ الهجرات اللاتينية الأميركية.

ثالثا: ثورة الأميركيين البيض لقمع الهويات الأخرى، ويرى هنتنغتون أن هذا السيناريو هو احتمال قائم ويدرس إمكانات وقوعه ودوافعه بالتفصيل خلال الفصل قبل الأخير من كتابه.

رابعا: إعادة تأكيد الهوية الأميركية من قبل الجميع والنظر لأميركا كبلد مسيحي تعيش به أقليات أخرى تتبع القيم الأنغلو-بروتستانتينية والتراث الأوروبي والعقيدة السياسية الأميركية كأساس لوحدة كافة الأميركيين (1).

‌العالم وأمريكا .. معنا .. أم ضدنا

إذا كان العالم العربي والإسلامي يعاني في الوقت الحاضر من التجبر والعربدة الأمريكية، فإنه ليس الوحيد في هذا المجال، حيث سبق التسلط الأمريكي على المنطقة العربية والإسلامية تسلط وتجبر في كافة مناطق العالم، وقد عرضنا لذلك

(1) من نحن؟ تحديات الهوية الوطنية الأميركية: صموئيل هنتنغتون- عرض/ علاء بيومي- الجزيرة نت 2 - 8 - 2004

ص: 223

في هذا الكتاب بدءاً من ابادتة الهنود الحمر واستعباد الزنوج، مروراً بتمير القوة الاسبانية واستباحة أمريكيا اللاتينية والفلبين، وتدمير اوروبا واليابان والتحكم بمقدراتها من خلال حربيين عالميتين، وصولاً إلى الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي وما صحبها من مجازر وابادة بحق الفيتناميين والكوريين، وانتهاءاً بالنظام العالمي الجديد الذى ارادت أمريكا من خلاله الانفراد بالعالم وتحويل شعوبه إلى عبيد تسخرهم لخدمة اطماعها القذرة، ضاربه عرض الحائط بكل المبادئ والقيم الانسانية، وما يحدث في افغانستان والعراق خير مثال على ذلك.

فهذا التاريخ الطويل من الاجرام والابادة الأمريكية التى شملت الكرة الارضية بكاملها، وما صاحبه من تضليل وتزوير للتاريخ بدأ يتكشف الآن وبدأت شعوب العالم تتعرف على الحقائق المؤلمة للجرائم الأمريكية بحقها وبحق الانسانية، وهذا هو العامل الرئيسي الذي يمكن ان يفسر لنا سبب كره شعوب العالم لأمريكا، والذي بدأ يظهر بصورة جليه على الساحة حتى بدأ الأمريكيون انفسهم يشعرون بهذا الكره، فكان سؤالهم الدائم والساذج:"لماذا يكرهوننا"، متناسيين ما جلبته سياسة بلادهم من دمار وخراب على كافة شعوب العالم، التي بدأت تعبر عن كرهها للسياسة الأمريكية، حتى وصل الامر إلى بدايات تمرد من بعض حلفاء أمريكا، وكان اظهر ما يكون في الموقف الاوروبي بشكل عام والفرنسي بشكل خاص. وقد خاضت كل من فرنسا وألمانيا معركة جادة للتخلص من الهيمنة الأمريكية على القرار الأوروبي، وجعل السياسة الأوروبية نابعة من المصالح الأوروبية ذاتها، كما تجلى ذلك في مواقف الزعيمين الأوروبيين شرودر وشيراك في معارضتهما الحرب الأمريكية على العراق (1).

فلأوّل مرّة في تاريخ الصحافة الأوروبيّة تصبح أمريكا موضوعاً يتناوله المحللون والكتّاب بكثير من النقد اللاذع أحياناً والجرئ أحياناً أخرى. وإذا كان نقد أمريكا في السابق حكراً على الكتّاب والمثقفين اليساريين والقوميين .. فإنّ الكتّاب الليبيراليين الذين كانوا إلى وقت قريب معجبين بالحضارة الأمريكية وبالنمط

(1) وجه الرأسمالية الجديد- توفيق المديني- ص 337 من منشورات اتحاد الكتاب العرب- دمشق - 2004

ص: 224

الأمريكي في الحياة سخروا أقلامهم لفضح هذا النموذج الذي بات يستهدف الإنسان في كل أبعاده. وفي نظر هؤلاء فإنّ الأمركة هي مشروع إستعماري جديد لا يختلف عن الإستعمار الأوروبي القديم لكن بأساليب جديدة، والعجيب أنّ هذه الآراء تصدر من لدن مفكرين غربيين في الوقت الذي بذلت فيه أمريكا مجهودات جبّارة عقب الحادي عشر من سبتمبر لإستمالة الرأي الغربي إليها حتى شبّه البعض التجيير الأمريكي الإعلامي والسياسي لأحداث الحادي عشر من سبتمبر لصالحها بالهلوكست اليهودي وأسموه الهلوكست الأمريكي. وقد إستطاعت تظاهرات 15 فبراير 2003 المنددة بالغارة العسكرية الأمريكية المرتقبة على العراق أن ترخي بظلالها ليس على الخطّ الإعلامي والسياسي لمعظم الصحف الغربية بل أرخت بظلالها على صنّاع القرار في أوروبا الذين أضطرّوا إلى عقد قمّة طارئة الإثنين 17 فبراير 2003 في العاصمة البلجيكية بروكسل والتي تناولت موضوع العراق والغارة الأمريكية المرتقبة عليه في ضوء يقظة الشارع الأوروبي المعادي للحرب الأمريكية، وقد أجمع القادة الأوروبيون على ضرورة أن تكون جمعية الأمم المتحدة هي مركز النظام العالمي وليس أمريكا (1).

فبعد تأسيس الاتحاد الاوروبي وظهور تحالف قوى بين فرنسا والمانيا، فإننا نجد أن أوروبا لم تعد الحليف المؤكد والدائم للولايات المتحدة الأمريكيه (2). وهنا يجب ان نوضح ان مناوأة أميركا في أوروبا وفي فرنسا لا سيما منذ الحرب العالمية الثانية، تأتي بسبب بعض سلوكيات سياسة أميركا وبعض جوانب نظامها التي تلقي بثقلها في الإدراك الأوروبي للولايات المتحدة (3). والحال هذه، وفي ظل تباعد وجهتي النظر بين أوروبا وأمريكا فيما يتعلق بالفلسفة لكل واحدة منها إلى العالم، والقيم، والمصالح في آن واحد، نجدهما الآن تنتهجان سلوكا اجتماعيا وسياسيا مغايرا ومتعارضا إلى حد كبير (4). وقد لاحظ المعلق الفرنسي (دومينك مويزى): ان نزعة

(1) الغارة الأمريكيّة الكبرى على العالم الإسلامي.- يحي أبوزكريا - http://www.alkader.net/juni/abuzakrya_gara_070622.htm

(2)

أمريكيا طليعة الإنحطاط- روجيه جارودى-ص35

(3)

الكل أميركيون؟ .. العالم بعد 11 سبتمبر 2001 - جون ماري كولمباني- كامبردج بوك ريفيوز

(4)

وجه الرأسمالية الجديد- دراسة - توفيق المديني- ص 339 من منشورات اتحاد الكتاب العرب- دمشق - 2004

ص: 225

معاداة أمريكا كانت في سبعينات القرن العشرين رد فعل على ما كانت الولايات المتحدة تفعله، اما اليوم فان النزعة -معاداة أمريكا- رد على واقع أمريكا. كما ان هناك معلقون امريكيون مثل (جون اوسليفان) من مجلة (ناشيونال رفيو) حذروا من ان الاتحاد الاوروبي بدأ ينزلق إلى مواقع معادية للولايات المتحدة. ويرد مارتن وولف على هذا التحذير مؤكداً ان كلاً من الاتحاد الاوروبي، والصين، والهند قد تتحالف لموازنة الولايات المتحدة (1).

فالليبرالية المتطرفة على الطريقة الأمريكية والتي قُدمت كأمر يصعب التغلب عليه تعمل على صدم وتشنج المشاعر الوطنية للدول الآسيوية التي لها قواعد تاريخية متينة وعريقة. وتبدو الصين في طليعة هذا الرفض بالاستسلام ولا ينقصها من أجل ذلك العوامل المتينة من جاهزية اقتصادية واضحة وفخر وطني شرعي قادر على الإنقاذ وإرادة قوية باستعادة الأراضي التي ترى أنها بالواقع قد سلخت منها. لا تخاف الصين أن تسمع صوتها المخالف مزعجة به الأمريكيين وخاصة عندما أدانت الحلف بين اليابان والولايات المتحدة. إن الصين تمثل لأوروبا التي تنازلت منذ زمن بعيد عن حب نفسها مثالاً مشجعاً (2).

وباعتباره واحد من منظري الفكر المحافظ الأميركي الجديد، يقدم (روبرت كيغان) في كتابه (الفردوس والقوة .. أميركا وأوروبا في النظام العالمي الجديد) تنظيراً لأسباب الإنفصال الأميركي-الأوروبي، ويأمل أن تحتل أطروحته في هذا الكتاب الأهمية التي احتلتها أطروحات سابقة شهيرة في مقدمتها صدام الحضارات لهينتغتون ونهاية التاريخ لفوكوياما. وهذا الطموح عند كيغان لا يتأتى من فراغ، فقد تنبأت صحيفة "نيويورك تايمز" بأن تكون أطروحاته "الحدث" البارز الجديد في عالم الفكر والسياسة. في هذه الأطروحة، يسعى كيغان المتخرج من أروقة وزارة الخارجية الأميركية إلى تحطيم أسطورة الغرب الموحد، وإلى دراسة مواقف الولايات المتحدة وأوروبا الحالية من بعضهما البعض. ويضمن كيغان في هذه الصفحات رأيين

(1) الدولة المارقة - الدفع الاحادي في السياسة الخارجية الأمريكية - كلايد برستوفتز - تعريب فاضل جتكر -ص299

(2)

أمريكا المستبدة الولايات المتحدة وسياسة السيطرة على العالم «العولمة» - ميشيل بيغنون -ترجمة: الدكتور حامد فرزات ص 205 - من منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق - 2001

ص: 226

أساسيين يعتبر أولهما أن اختلاف أميركا وأوروبا (القديمة) في مواقفهما من القضايا الجيوبوليتيكية لا ينبثق من صدام حضارات جوهري بينهما، إنما هو نتيجة التفاوت في قدراتهما العسكرية. فقد كانت أوروبا تتمتع بالقوة (في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) لكنها اليوم ضعيفة. وكانت أميركا في نشأتها ضعيفة لكنها اليوم فائقة القوة. لهذا فالطريقة التي تتصرف بها أوروبا اليوم، من تمسك بالمؤسسات الدولية، والتلويح بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، والإصرار على الإجماع الدولي ودور الدبلوماسية، هي بالضبط الطريقة التي انتهجتها الدول الضعيفة على الدوام ومن ضمنها الولايات المتحدة في أيام فتوتها. يقابل ذلك أن دبلوماسية المدافع، والتصرف كما لو كان المرء شرطياً للعالم، وعدم الركون إلى التقييدات التي يفرضها القانون الدولي، وكل التوجهات التي أظهرتها الولايات المتحدة مؤخراً، كانت وما تزال سبيل الدول القوية، وينطبق ذلك على دول أوروبا أيام مجدها تماماً كما ينطبق الآن على أميركا.

فأوروبا الراهنة، التي تملك القدرة على أن تكون قوية لكنها لا ترغب بذلك، ليس لها أن تتذمر عندما يمارس الآخرون الدور الطبيعي الذي تهبهم إياه القوة.

ويتابع كيغان فيقول: فتجربة أوروبا الفريدة في التعاون في فترة ما بعد الحرب، قد أكسبت أوروبا سذاجة أيديولوجية وحملتها إلى حالة من الرضى المطلق عن الذات. فالأوروبيون الذين يعيشون في جنة (ما بعد التاريخ) تحت الحماية الأميركية، لم يعودوا على استعداد للاعتراف بأن القوة الغاشمة ما تزال نافذة في العالم الذي يمتد خارج حدودهم. وقد استراحوا للعيش الهانىء، منصرفين إلى تجميع الثروات، ومهملين قدراتهم العسكرية، ومقتنعين بأن بوسع بقية العالم أن يحصل، عن طريق الإجماع وحكم القانون، على ما تسنى لهم الحصول عليه من خلال تلك الطريق. فأوروبا تحصد، وهي مستريحة، المكاسب الاقتصادية التي تتحقق من خلال تصدي أميركا للقيام بالأعمال (القذرة) وتخليص العالم من (الأشرار) الذين يهددونه. لذلك فان على أوروبا أن تصبح واقعية، وأن تتدرع بالقوة العسكرية، حيث يتوجب عليها إما أن تتكيف مع الظرف الجديد أو أن تغلق فمها.

ص: 227

لكنها، وفي جميع الأحوال، يجب أن لا تتوهم بأن قوانين قريتها الناعمة يمكن أن تنطبق على بقية العالم (1).

وبغض النظر عن الاسباب الحقيقية لبداية الانفصال الاوروبي عن أمريكا، سواء كان ذلك بسبب سياساتها ام كان نتيجة تفاوت في القدرات كما حاول كيغان تفسيره، فإن النتيجه هي ان هذا الانفصال موجود وبدأ يظهر على السطح بقوة. فحلفاء أمريكيا (أوروبا واليابان) مترددون ومحرجون أكثر فأكثر. ففرنسا تنتهج موقفاً استقلالياً، أما ألمانيا المستاءة فجاء موقفها مفاجئاً، أما بريطانيا فهي على عادتها وفية للخط الأميركي. بينما يعبر الصمت الياباني عن انزعاج أكثر مما يعبر عن انخراط في سياسة أميركا (2). ولهذا فإن وضع سياسة مشتركة اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً هي الوحيدة الكفيلة بأن تسمح لأوروبا بالوجود، وبالتالي الدفاع عن مصالحها وقيمها (3). كما أن وعي أوروبا واليابان بقوة إمكانياتهما وعودة روسيا إلى التوازن العالمي سيقود في المدى المتوسط إلى انهيار الزعامة الأميركية (4). وربما كان هذا هو الذي دفع المفوضية الاوربية للشؤون الاجتماعية آنا ديامانتوبولو للقول: ان اوروبا هى الامل الوحيد للوصول إلى نظام عالمى يتسم بالانسانية ولمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية "المتمسكة بنهج اصولية بروتستانتية وبمبدأ وحيد يتمثل بالحرص على مصالحها من دون سواها"(5).

ففرنسا وكل أوروبا لهما ما يمكنهما من تولي مثل هذه المهمات شريطة أن تعتبر ذلك (استراتيجية مستقبل) بدل تقهقر نحو أوطان إمبراطوريات القرن الـ 19. فهناك تناقضات مهمة جداً. بين قيم وأهداف ووسائل الإمبراطورية العالمية وقيم وأهداف ووسائل الجمهوريات الأوروبية. أن المواطنين الأوروبيين يصبون لمبتغى يختلف عن مبتغى الإمبراطورية الليبرالية-الجديدة الأمريكية. فالنظرة الأوروبية لـ (الأخر) بنيت على أساس معارضة سياسية، وبالتي فهي تختلف أساساً عن النظرة

(1) الفردوس والقوة .. أميركا وأوروبا في النظام العالمي الجديد- روبرت كيغان- عرض/ كامبردج بوك ريفيوز

(2)

بعد الإمبراطورية: محاولة حول تفكك النظام الأميركي- المؤلف: إمانيول طود - كامبردج بوك ريفيوز

(3)

الكل أميركيون؟ .. العالم بعد 11 سبتمبر 2001 - جون ماري كولمباني- كامبردج بوك ريفيوز

(4)

بعد الإمبراطورية: محاولة حول تفكك النظام الأميركي- المؤلف: إمانيول طود - كامبردج بوك ريفيوز

(5)

جريدة الخليج عدد 8674 - 17/ 2/2003

ص: 228

الأمريكية لـ (الأخر) المبنية على أساس "الإقصاء". ومع بوش تم إعادة بناء صورة العالم الخارجي بطريقة لا تكون فيها هذه الصورة إلا في شكل حرب عالمية تضع العالم تحت تهديد الموت، إمبراطورية الفوضى تعني مذبحة الضعفاء، العنصرية ثقافة الإمبراطورية، غياب مشروع سياسي-اقتصادي للولايات المتحدة يأتي من إستراتيجيتها الإمبراطورية، الشوق إلى الحرب الباردة، نهاية الأمم المتحدة، لا حق للأضعف (1). وقد أبدع الأمريكيون تعبيرات وأوصافا يسلطونها على الأوروبيين، توضح التباين بين القيم والاهداف الأمريكية والاوربية حيث كتب المؤرخ البريطاني (تيموتي غارتون آش) يَصِف فيه هذه الكلمات والتعبيرات التي نحتها الأمريكيون للسخرية من الأوروبيين بقوله:"إذا كان المعادون لأمريكا، في أوروبا، يرون الأمريكيين كرعاة البقر أو كوحوش غليظة، فإن المعادين لأوروبا في أمريكا يرون الأوروبيين مثل مخنثات أو خالات. الأمريكي ذكَرٌ فحلٌ ومشْتَهٍ للغير، والأوروبي أنثى عاجزة جنسياً".

صحيح أن هذه التعبيرات تظل حماقات لا معنى كبير لها، لولا أن لها نتائج جدية على العالم الواقعي، كما بيّن ذلك موقف ولغة دونالد رامسفيلد" (2). وكثير من اتباع اليمين المحافظ المتطرف.

ولئن كانت الحرب الكونية الثانيّة عونا لأمريكا في ضمّ أوروبا إليها، فإنّ الظروف الآن تغيرت بشكل قد يؤدّي إلى حدوث طلاق كامل بين أوروبا وأمريكا حيث بدأت أوروبا ترفع صوتها عاليا منددة بمحاولات السيطرة الأمريكية في المجالات السياسية والإقتصادية والثقافية، و مشروع أوروبا الموحدة يحمل في طياته إرادة الإنفصال عن أمريكا التي تفردت بصناعة كافة القرارات العالمية، وإذا إستطاعت أوروبا أن تؤطّر نفسها فسوف تفقد أمريكا الكثير من حيويتها في أوروبا، كما أن التنافس الإقتصادي بين اليابان وأمريكا مرشّح أن يتحوّل إلى صراع سياسي لأنّ القوة الإقتصادية اليابانية المتدفقة تملي عليها إستغلال العامل الإقتصادي للتأثير على السياسة العالمية، وللتذكير فقط فإنّ العلاقة بين أمريكا وأوروبا كانت في بداية المطاف إقتصادية ثمّ تحولّت إلى نفوذ سياسي وعسكري.

(1) إمبراطورية الفوضى: الجمهوريات في مواجهة السيطرة الأمريكية فيما بعد الحرب الباردة -ألان جوكس- ط1 2002 - الناشر: لا ديكوفارت - باريس كامبردج بوك ريفيوز - الجزيرة نت

(2)

القومية الأمريكية الجديدة - تأليف: اناتول لييفين - عرض: بشير البكر-جريدة الخليج 23 - 6 - 2005

ص: 229

على أن مواجهة وحش الأمركة يحتم علينا ايضاً التبصر بإحتمال قيام قطب مواجه لأميركا وتبين ملامح هذا القطب المستقبلي. حيث يجد الدكتور محمد احمد النابلسي أن الصين هي المرشح الوحيد لهذا الدور .. ويتوقف أمام إحتمالات بروز الصين وعلاقته بالأزمات الأميركية المعلنة والمتسربة. حيث خطورة هذه الأزمات تبلغ حدود حديث النابلسي عن قدوم زمن الفوضى الأميركي. وملامحه أزمة إقتصادية عارمة (فضائح إفلاس الشركات) وميليشيات نازية (أوكلاهوما 1995) وشغب عنصري (سينسيناتي 2001) وأقليات مضطهدة وحريات مقلصة ومنتهكة (وزارة بوش للمخابرات) ومخالفات اجرامية بحق القانون الدولي (رفض توقيع اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية) ومؤسساته (مخالفة مجلس الأمن في قرار حرب العراق) كما بحق الإنسان (1).

فالولايات المتحدة لم تتمكن لحدّ الآن التغلغل إلى العمق الصيني ومازالت الصين حذرة من النشاط السياسي والإقتصادي والعسكري الأمريكي في القارة الآسيوية. والعالم الإسلامي من جهته تجلى له بوضوح أنّ أمريكا تستهدف إمتصاص خيراته و صياغته من جديد. وما زال هذا العالم يتكبّد الآثار السلبية للتوجهات الأمريكية البراغماتية القائمة على إفراغ العالم الإسلامي من المقومات النهضوية الفكرية والمادية (2). واذا اضفنا إلى هذه الموقف مواقف روسيا وبعض دول أمريكيا اللاتينية وافريقيا واسيا، وحركات التحرر العالمية في العالم، فاننا على يقين بأن كل ذلك سيكون كفيلاً في محاصرة السياسة الأمريكية المتمرده على الجميع.

وفي صحيفة الفايننشيال تايمز كتب (جيريمي جرانت) يقول: "إن تقريرا صدر مؤخرا في الولايات المتحدة انتهى إلى أن الظروف الحالية في هذا البلد تماثل إلى حد كبير ما كان عليه الحال في روما القديمة قبل انهيارها". وقالت الصحيفة إن التقرير الذي وضعه المراجع العام (دفيد وولكر) وجد أن التشابه يتضمن "تراجع القيم الأخلاقية والنشاط السياسي داخل الوطن، والثقة المفرطة في النفس، والمبالغة في إرسال القوات العسكرية إلى الخارج، وعدم شعور الحكومة المركزية بالمسؤولية في

(1) في مواجهة الأمركة - محمد احمد النابلسي - دار الفكر - دمشق 2004

(2)

الغارة الأمريكيّة الكبرى على العالم الإسلامي.- يحي أبوزكريا - http://www.alkader.net/juni/abuzakrya_gara_070622.htm

ص: 230