الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفجيرات
تفجرت شاحنة مكفاي داخل المبنى الفيدرالي في أوكلاهوما، وكانت تحتوي على 2.2 طن من المتفجرات المصنوعة يدوياً، حيث استدعى خبراء الإرهاب ليحللوا أسباب ذلك الحادث المروع، وانطلقت الأسئلة في طول الولايات المتحدة وعرضها: من فعلها؟ وأخذت أصابع الاتهام تتجه بالإشارة إلى العرب والمسلمين في غيبة العقل والضمير، ودون دليل، وعاش الأمريكيون من أصول عربية ظروفاً عصيبة، ولكن سرعان ما أخرست الحقائق الاتهامات الباطلة والانفعالات الهوجاء التي حركها الحقد والتعصب الأعمى عندما ألقى القبض على جنديين سابقين شاركا في حرب الخليج. لقد أصيب الأمريكيون بصدمة شديدة عندما عرفوا أن الذي فعلها كان من الأمريكيين أنفسهم، وانطلقت أسئلتهم في ذهول: هل يعقل أن يستهدف الأمريكيون مواطنيهم الأمريكيين؟ ما الذي يدفع شخصاً ما لقتل العزل من الرجال والنساء والأطفال؟ لماذا يرتكبان هذه الجريمة النكراء بحق الإنسانية؟ وكانت الإجابات على هذه الأسئلة تخرج مضطربة فلقد كان أسهل على الأمريكيين استيعاب هذه الحادثة، والتعامل مع نتائجها لو أن الآخرين هم الذين فعلوها (1).
أما ماذا فجرت الشاحنة فالكثير .. ونذكر منه:
1.
المبنى الفيدرالي، وهو ما أسفر عن مقتل 168 شخصاً، بينهم 19 طفلاً كانوا في روضة أطفال داخل المبنى، إضافة إلى ما يزيد عن 500 جريح، هذا إلى جانب تفجير أحلام المئات من الأقارب والأصدقاء وآمالهم وتوليد حزن داخل قلوب الملايين.
2.
براءة أمريكا، كما أشار الكاتب الأمريكي (تيد آوتلي)، موضحاً أن الجميع كان يبحث عن مجرم من خارج الحي ليكتشف أن المسئول عن الحادث ابن الجيران الذي يسكن في الجوار، وأنه بينما كان ينظر الجميع بريبه لذوي البشرة الملونة والشعر الداكن .. ظهر مكفاي ليجدوا أنه ليس سوى شخص يحمل ملامحهم، وهكذا فقدت أمريكا براءتها مع تفجيرات الشاحنة الصفراء، واكتشف الأمريكيون أن المتهم ـ الذي كانوا يبحثون عنه في الخارج، مرجّحين أن تكون ملامحه عربية ـ من بني
(1) أمريكيا - أزمة ضميرـ محمد جلال عناية ص103
جلدتهم، وموجود، بينهم ويتحدث لغتهم، وله ملامحهم نفسها، ويلف نفسه بالعلم الأمريكي ويقدّس الدستور ذاته.
3.
قضية الميليشيات الأمريكية، حيث أظهر الحادث خطر الميليشيات المعادية للحكومة المركزية، والذي بلغ عددها قبل الحادث 858 ميليشيا علنية، أما جذورها فتوجد في الكنائس المسيحية الأصولية واليمينية المتطرفة التي بدأت بالظهور في الولايات المتحدة في أربعينيات القرن العشرين. إلا أن الحكومة الأمريكية لما لم يلحق حادث أوكلاهوما حوادث أخرى مماثلة، أعلنت في إبريل 2001م أن الميليشيات ـ بإعدام مكفاي ـ لفظت أنفاسها الأخيرة.
4.
قضية العرب والمسلمين داخل أمريكا .. أرض الحريات والمساواة، ونذكر هنا ما كتبته (راي حنانيا) في إبريل 2001م وهي أمريكية عربية ـ من أن الجميع بإعدام مكفاي نالوا حظهم من العدالة كل بطريقته الخاصة: الأمة التي صُدمت بأسوأ حادث إرهابي في تاريخها، شعب أوكلاهما، أقارب وأصدقاء الضحايا، الحكومة الأمريكية التي كانت هدف مكفاي، وحتى مكفاي الذي تمكن من توضيح دوافعه لارتكاب الحادث على الصفحات الأولى من كل وسائل الإعلام الأمريكي .. أما الفئة الوحيدة التي تُركت بعيدا عن عملية تضميد الجروح هذه فهم الأمريكان العرب، الذين كانوا الأهداف الأولى للغضب الأمريكي بعد الحادث. وأضافت أن المصادفة وحدها هي التي قادتهم إلى مكفاي، بل إنه وحتى بعد القبض عليه استمروا في البحث عن تورطه مع ما سموه الجهات العربية المتطرفة .. وختمت حنانيا كلامها بأنه يتعين على أحد الاعتذار للعرب الأمريكان كذلك!
ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وهنا يتساءل (بول فندلي) في كتابه "لا سكوت بعد اليوم" عن مغزى الحادث بالنسبة للمسلمين فيقول: لو لم يعتقل ماكفاى لاستمر "امرسون" وغيره، ممن ينتحلون لقب خبراء الإرهاب، بتوزيع مقولاتهم المعادية للمسلمين، على محرري نشرات الأخبار لاستمرت الأمة تستجيب للشائعات الكاذبة، ولبقيت "بنية الإرهابيين التحتية العاملة في البلاد والتي سبق لامرسون منذ البداية إلصاق نشاطها بالمسلمين، تحتل الصدارة بين عناوين الأخبار، ولكان الأمريكيون الخائفين ابقوا المسلمين في دائرة الشك، باعتبارهم الأنذال الذين ارتكبوا مجزرة اوكلاهوما سيتى المروعة. وكان يمكن للآلاف المؤلفة من المواطنين الأبرياء أن