المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجذور الفكرية للجماعات المتطرفة - الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم - جـ ٣

[يوسف الطويل]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابعأمريكا…تاريخ من الغزو والإرهاب

- ‌الفصل الأولالارهاب الأمريكي في ظل العهد القديم

- ‌الإرهاب .. صناعة أمريكية

- ‌أمريكا .. تاريخ من العنصرية والمآسي الإنسانية

- ‌مصادر الهوية الوطنية الأمريكية

- ‌أرض الميعاد والدولة الصليبية

- ‌العهد القديم الأمريكي (الإرهاب ضد الهنود والزنوج)

- ‌إبادة الهنود الحمر

- ‌مفارقة التوماهوك

- ‌الحرب الجرثومية

- ‌استعباد الزنوج

- ‌التبرير الديني للنهب والسلب والإبادة

- ‌أمريكيا ولاهوت الاستعمار العبراني

- ‌ثقافة أهل الحدود

- ‌السير على هدى وصايا يهوه

- ‌التباين في الثروات

- ‌أمريكا تقف في صف الله وتنفذ إرادته

- ‌أرض الحرية مسكونة بـ كوابيس العنصرية

- ‌النازية في ثوب جديد

- ‌الفصل الثانيالإرهاب الأمريكي في ظل العهد الجديد

- ‌(ويليام ماكنلى) أول رئيس امبريالي

- ‌أمريكا ترمي إسبانيا في البحر

- ‌روزفلت وسياسة العصا الغليظة

- ‌حرب كل عام

- ‌ويلسون والخضوع لحقنا باستغلالهم ونهبهم

- ‌الحرب العالمية الأولى والسيطرة على أوروبا

- ‌زعامة العالم

- ‌الحرب البارة

- ‌الصراع العربي الإسرائيلي

- ‌ريجان والأمة المباركة

- ‌جذور الحرب

- ‌إرهاب التسعينيات وحرب العراق الأولى

- ‌الألفية الثالثة والدولة المارقة

- ‌أمريكا .. ذلك الوجه الآخر

- ‌ضرب المدنيين

- ‌هوريشيما وناغازاكي

- ‌حرب فيتنام

- ‌عولمة الإرهاب الأمريكي

- ‌الحرب على الإرهاب

- ‌لاهوت الهيمنة الأمريكية

- ‌الفصل الثالثالارهاب الأمريكي الداخلي

- ‌النشاط الإرهاب الداخلي

- ‌أفراد الميليشيات وأفكارها

- ‌الميليشيات المسيحية الأمريكية .. هواية القتل اللذيذ

- ‌قائمة بأهم الميليشيات الإرهابية الأمريكية

- ‌منظمات إرهابية أمريكية

- ‌من تكساس ظهرت منظمة الكوكلاكس كلان وجورج بوش

- ‌ويليام جوزيف سيمون مؤسس جماعة الكلان الثانية عام 1915

- ‌الجذور الفكرية للجماعات المتطرفة

- ‌موعظة طاحونة الشيطان

- ‌تيموتى مكفاي نموذجاً

- ‌من هو مكفاي

- ‌التفجيرات

- ‌اللحظات الأخيرة

- ‌الفصل الرابعالكابوس الأمريكي

- ‌الداروينية الأميركية الحاكمة

- ‌أزمة أمريكا الأخلاقية

- ‌قناع أبيض للعالم كله

- ‌الأصوات المغيبة والمصلحة القومية الكاذبة

- ‌الكلمة المحكية كعمل سياسي

- ‌أصوات أمريكا الغائبة

- ‌الفيروس الأميركي .. فضح الإمبرطورية الأميركية

- ‌التنظير الجديد لـ (باكس أميركانا)

- ‌أمريكيا البريئة

- ‌لماذا يكرهوننا

- ‌كراهية السياسة الأميركية

- ‌الكيان السياسي العنيف

- ‌نهب ثروات الأمم

- ‌الأسباب الحقيقية لكره العالم لأمريكا

- ‌معنا أم ضدنا: دراسات في ظاهرة معاداة أميركا عالمياً

- ‌مؤشرات سلبية عن صورة أميركا في أوروبا

- ‌هل يجب الخوف من أمريكا

- ‌تجربة شخصية

- ‌نعم، الحلم الأمريكي لا يزال له معنى…ولكن

- ‌أمريكيا طليعة الانحطاط

- ‌تشويه العولمه على يد الانجلوسكسون

- ‌أهذه هي نهاية التاريخ

- ‌صورة "درويش""…ولا عجب

- ‌بعضٌ من أمريكا

- ‌خدعة الافتتان بأمريكا

- ‌الباب الخامسسبل المواجهة .. والخروج من المأزق

- ‌الفصل الأولمواجهة أمريكا على المستوى الدولي

- ‌أمريكيا .. عوامل القوة والضعف

- ‌العملاق الأميركي

- ‌مصادر القوة

- ‌قدرات الإمبراطورية

- ‌مؤشرات لكسر القوة الأمريكية

- ‌أمريكا دولة الجرائم

- ‌صراع الكبار

- ‌العجز العسكرى واستهداف دول ضعيفة

- ‌خرافة الديمقراطية

- ‌الكسر الحضاري

- ‌كتاب موت الغرب

- ‌تحديات الهوية الوطنية الأميركية

- ‌العالم وأمريكا .. معنا .. أم ضدنا

- ‌وغرق النسر العظيم

- ‌الفصل الثانيمواجهة الصهيونية المسيحية

- ‌الحروب الصليبية بين الماضي والحاضر

- ‌الحملة الصليبية الأولى

- ‌الحملة الصليبية الثانية

- ‌انتهاء وفشل الحروب الصليية

- ‌نتائج الحروب الصليبية

- ‌حملات الصليبيون والجماعات اليهودية في غرب أوربا وفلسطين

- ‌التشابه بين حملات الصليبيون والمشروع الصهيوني

- ‌مركزية حملات الصليبيون في الوجدان الصهيوني/الإسرائيلي

- ‌مواجهة الهجمة الصليبية الجديدة

- ‌من هم الصليبيون الجدد

- ‌مواجهة الصهيونية المسيحية

- ‌دور المسلمين والعرب في أمريكيا في المواجهة

- ‌العلاقات العربية الأميركية

- ‌عشرات الأسلحة لمواجهة أمريكا

- ‌خطة عمل عربيه لمواجهة صهيونية الحركة المسيحية الأصولية

الفصل: ‌الجذور الفكرية للجماعات المتطرفة

الأفكار؛ بل تعدته إلى وحدة تنظيمية وثيقة بينهما .. فكان الحزب الديمقراطي يبادر في الحال إلى حل الشرطة الزنجية فور استلامه السلطة في أي من الولايات التي يعاد بناؤها.

"من ناحية أخرى انتشر عدد الكلانيين في صفوف الجيش الأمريكي وكان هؤلاء الضباط يمثلون في اغلبيتهم الساحقة الاوساط الأكثر عدوانية ورجعية في الصفوة التي تحكم البلاد وقد طرحت "كلان" الجنرال ج. براون المعروف بعنصريته، مرشحاً لها لمنصب الرئاسة في عام 1976. وعلى صعيد النشاط الإعلامي فإن كلان فرضت فاعليتها في هذا المجال فهي تُصدر صحفها ومجلاتها الخاصة، وتشارك في برامج الإذاعة والتلفزيون، والمناقشات والندوات في الكليات والجامعات، وتنظم معارضة خاصة بها، وتدعو الكلانيين إلى اجتماعات يرافقها احياناً مراسم احراق الصليب التي يدعى إليها الغرباء أيضاً. كذلك شاركت كلان بنشاط كبير في فترة الانتخابات الفدرالية. وقد قدمت إليها الاحتكارات النفطية دعماً مالياً كبيراً في عام 1922، ففي إحدى الدورات رصد أحدهم مبلغ 100 ألف دولار لدعم مرشحي كلان لمنصب السناتور في الحملة الانتخابية في تكساس. وفي عام 1924 خصصت ك ك ك 500 ألف دولار من أجل إعادة انتخاب صنيعتها هاريس نائباً عن جورجيا.

"كلان" مازالت تتغلغل في أوصال المجتمع الأمريكي، وهي فاعلة ومتنفذة، وفي موقع القرار من الحكم، وقد باءت حتى الآن كل الجهود الرامية إلى تحجيمها، فلقد بيّن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ان العنصرية أكثر المفاهيم الايديولوجية الامبريالية ثباتاً واستمرارية وهي تدمغ كل أزمنة المجتمع الأمريكي (1).

‌الجذور الفكرية للجماعات المتطرفة

رغم أن معظم أدبيات الميليشيات المتطرفة تُعد من قبيل الهلوسة المرضية المحضة والأفكار الشاذة، فإن المتابع عن قرب يستطيع تلمس عدد من الجذور لهذه الاتجاهات المتطرفة، والتي يمكن حصرها بالآتي:

(1) من تكساس ظهرت منظمة الكوكلاكس كلان وجورج بوش- مجلة البديل- http://www.albadel.com/tariag/7/m2.html

ص: 116

الجذور الدينية

يجب أن نلاحظ أن المعتقدات الدينية البروتستانتية المستمدة من العقيدة اليهودية هي المصدر الأساسي لكل الدعوات العنصرية والتفوق العرقي في الغرب، ويعود ذلك إلى أثر التوراة على الفكر البروتستانتي، الذي استقى فكرة شعب الله المختار اليهودية، وتقمصها منذ البدايات الأولى لانتشار البروتستانتية في أوروبا، ومن تم انتقالها مع البوريتانيون إلى أمريكيا. وقد ساعد على ترسيخ هذه النظرة العنصرية لدى البروتستانت تشابه تجاربهم أثناء غزوهم للعالم الجديد بما ورد بالتوراة عند خروج بنى إسرائيل من مصر ومحاولة غزوهم لفلسطين في العصور القديمة. ولهذا تقمس البروتستانت القيم اليهودية العنصرية بحذافيرها، وحاولوا إعادة إخراج المشهد التوراتي بحذافيره، ويكفى أن نتأمل مشاهد القتل والحقد الواردة في التوراة بما قام به الانجلوسكسون في أمريكا من إبادة جماعية للهنود الحمر. وحتى النازية تسمتد فكرها من التوراة، ولكنها استبدلت الألمان بدل اليهود باعتبارهم الشعب المختار أو العرق النقي، فعندما "سئل هتلر عن سبب معاداته لليهود، كانت إجابته قصيرة بقدر ما كانت قاسية: لا يمكن أن يكون هناك شعبان مختاران. ونحن وحدنا شعب الإله المختار"(1).

يضاف إلى ذلك ان بعض الكتاب والمحللين اتجه إلى الربط بين اليمين الثوري الجديد، وبين إحدى الحركات الدينية البروتستانتية التي تعتقد أن البريطانيين هم سلالة القبائل الإسرائيلية العشر المفقودة، وإنه بالإضافة إلى تعاطف اليمين الأمريكي المتطرف مع النازية وإيمانه العميق بتفوق العنصر الأبيض أو الآري، فإن أفراده ملتزمون بموقف ديني متميز يدخل في إطار عام يسمى الهوية المسيحية، لكن هؤلاء الأفراد غير منظمين في طائفة دينية محددة، وليس لديهم كتب يمكن الرجوع إليها للتعرف على تعاليمهم، ولكن الاتجاه العام لهذه الجماعة يتمثل في

(1) الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ - عبد الوهاب المسرى ص132 - دار الشروق - ط1 1997. راجع في هذا المجال أيضا كتاب (الكتاب المقدس والاستعمار الاستيطاني) - تأليف الأب مايكل بزير ـ ترجمة احمد الجمل و زياد منى

ص: 117

كراهية الأجانب والعمل على التخلص من المؤسسات السياسية الأمريكية القائمة (1).

كما أن المتابع لأدبيات الحركة الأصولية المسيحية التي انبثقت عنها مثل هذه المليشيات، يلاحظ مدى تقديسها للمادة والعنف وتأليه القوة وفصل الروح عن الطبيعة والشخصية عن الأنا الإنسانية الحقه، حيث أفرزت هذه الاتجاهات المتهودة ثقافة شعبيه تعتبر (العنف فضيلة)، حتى بات الدين المسيحي يفسر لديها ويقدم وكأنه يعظم العنف ويقدسه، وتحولت المسيحية على أيدي هؤلاء إلى تاريخ للحروب تحت شعار (لاهوت العنف الشرعي)، وقد أتاح هذا اللاهوت لهؤلاء أن يعلنوا، أن الله يقف إلى جانبهم، وان الحروب التي خاضتها أمريكا داخلياً وخارجياً هي حرب عادلة وتلبية للإرادة الإلهية، هذا في الوقت الذي يتمحور فيه الإنجيل بكليته حول اللاعنف والمسامحة والمسالمة، فمسخوا حلم المسيحية ألحقه بمصالحة الإنسان مع نفسه ومع الآخرين ومع الطبيعة والنفس مع العقل. وهكذا تدهورت في ظل هذه الاتجاهات المتهوده القيم الأخلاقية الدينية إلى درجة القول انك تقتل عدوك بمحبة. أنها اتجاهات مشوهة ومغشوشة وخطره وقد آن أوان كشفها وإحباطها (2). وفي دراسة قام بها كريستوفر اليسون و (مارك ميوزيك)(من علماء الاجتماع) نشرت سنة 1993م، لخصا المبادئ الأساسية للعقيدة الأصولية في أربعة مبادئ:

1ـ الكتاب المقدس وحده هاد ومرشد كاف، وبه حلول جميع مشكلات الحياة، ويجب أن يؤخذ بحرفيته لا بتأويلاته.

2ـ الإله شخص هرمي التنزل .. فعال في حياة الناس .. إليه المآب وهو القاضي يوم الحساب.

3ـ الخطيئة البشرية كلية الوجود.

4ـ الخلاص الشخصي هو المخرج الوحيد من اللعنة الأبدية، على يدي الرب العادل المنتقم.

(1) أمريكيا - أزمة ضميرـ محمد جلال عناية ص105 - ط1 2002

(2)

الصهيونية المسيحية .. أصولها ونشأتها د. يوسف الحسن - جريدة الخليج 15/ 2/2 .. 3 م عدد 8672

ص: 118

ويلف هذه المبادئ اعتقاد جازم، بأن نهاية الكون قد أزفت، وان هذه النهاية سيسبقها تجمع اليهود في الأرض المقدسة، وأن معركة كبرى ستقع في موضع بهذه الأرض يسمى (هرمجيدون) بين قوى الخير وقوى الشر، سينتصر فيها المسيحيون الأتقياء وتتم إبادة الكفار الأشرار، ثم ينزل المسيح ليحكم العالم من القدس عصراً ذهبياً، قوامه العدل والسلام يستمر ألف عام. وهناك ما يشبه الإجماع بين كثرة من علماء النفس الاجتماعي والسياسي، أن الأصولية الدينية وامتداداتها في السياسة الأمريكية متمثلة في اليمين المتطرف ترجع في جذورها العميقة إلي أسلوب التنشئة القائم على العقوبات البدنية القاسية، والى العنف وسوء المعاملة التي يتلقاها الأطفال في سنوات العمر الأولى في حياتهم. في هذا المجال يلعب الآباء غير الأسوياء أخطر دور في تشكيل شخصية هؤلاء الأطفال، ولكن التوجيه الديني الأصولي يوفر خلفية ثقافية تستند إليها قيم التنشئة، ونماذج السلوك السائد في تنشئة الأطفال. فالأصوليين البروتستانت عموماً يعتقدون أن ضرب الأطفال ضرورة لازمة لإنقاذ أرواحهم من عذاب جهنم (1).

ومما يؤكد الجذور الدينية لهذه المليشيات، هو أن كثيراً من قادتها هم من رجال الدين المتعصبين، مثل القس (نورمان أولسون)، الذي يترأس أحد جيوش مليشيا ولاية ميتشيجان، كما أننا إذا استعرضتا أسماء هذه المنظمات لطالعنا:(مؤيدو الإنجيل)، (جيش المسيح في إسرائيل)، (كنيسة إسرائيل)، (جمعية عيسى المسيح)، (جمعية الخالق)، (عصبة الدفاع المسيحي)، (زمالة مسيحيي المستقبل) .. الخ. وهذه الأبعاد الدينية في منتهى الخطورة على من يحمل هذه الأفكار المريضة، لأنها تدفعه إلى عمل أي شيء، ظنًا منه أنه على صواب، وأنه ذاهب إلى الخلد. وأهم الميليشيات التي تعتمد على العنصر الديني ميليشيا فرجينيا، التي ينتمي أغلب أعضائها إلى منظمات مسيحية متطرفة، وبعض الوجوه المشهورة دينيًا أعضاء أساسيين في هذه الميليشيا.

(1) جماعة أصولية تسيطر على السياسة الأمريكية / محمد يوسف عدس جريدة الخليج - 10ـ3ـ2003م ـ عدد 8695

ص: 119

الجذور الاجتماعية

ثمة بعداً اجتماعياً لا بد أن يُشار إليه في هذا السياق، وهو يتجلى في ملامح كثيرة أبرزها النظرة إلى (الآخر) بازدراء واحتقار، والرغبة في إبادته (1)؛ فالفكرة الأساسية التي تدعمها هذه الميليشيات بهدف اجتذاب أعضاء لها، هي أن الحكومة ستشن حرباً على الأمريكيين البيض، خصوصاً (الأنجلوساكسون)، الذين يسمون أنفسهم (المسيحيين الحقيقيين)، ويدّعون أن هذه الحرب ستكون لصالح الزنوج والأقليات والمهاجرين والروس والصينيين

بل ويتمادون في تخيل أن "الحكومة تبيع البلاد لسلطة عالمية تنفذ مؤامرة، هدفها تدمير الرجل الأبيض". ولهذا أخذت هذه المليشيات على عاتقها مهمة الدفاع عن أمريكيا، لأنها تزعم أنها أكثر حرصاً على أمريكا من الحكومة نفسها، التي يرون أنها عميلة خائنة حتى النخاع .. تستحق ما يحدث لها، لأنها تصل في خيانتها إلى حد (إعلان الحرب على الأمريكيين).

كما أن وجهاً آخر من وجوه الدور الاجتماعي لنشأة هذه التيارات، أنها تلجأ ـ أو هكذا تستشعر حقيقةـ إلى تخويف الأمريكان على مستقبلهم وأولادهم

"إنكم أيها الأمريكيون لا تسيطرون على حياتكم وأطفالكم وبيوتكم، فالحكومة تسحقكم، وتُحكِم سيطرتها على كل شيء

استعدوا للدفاع عن حريتكم، فيوم قريب سيأتي سيكون الرصاص في نفاسة الذهب والفضة" (2).

وفي سبيل تكريس هذا التصور يعمد كثير من أعضاء هذه الميليشيات إلى الانعزال عن المجتمع، وتكوين مجتمعات صغيرة منعزلة في الضواحي والقرى، وداخل أماكن مغلقة يتناوبون الحراسة عليها، وتضم زوجاتهم وأولادهم، الذين تصدر لهم أوامر واضحة بمقاطعة برامج التليفزيون، لأنه يمثل رمزاً للمجتمع الأمريكي البغيض

فجيمس جريتز يعيش وسط ولاية إيداهو مع مجموعة من

(1) هذه النظرة إلى الآخر ليست قاصرة على هذه المنظمات الإرهابية، بل إنها جزء أساسي من الثقافة الأمريكية، التي تقوم على القتل والإرهاب واحتقار الآخر وعدم احترام القانون مادام لا يحقق المصالح الأمريكية.

(2)

تستخدم الإدارة الأمريكية الحالية نفس الخطاب الغوغائي لإقناع الأمريكيين بالخطر الذي يهددهم من دول مثل العراق وإيران وكوريا وسوريا .. الخ أو ما أطلق عليه الرئيس بوش "محور الشر" وأيضاً من بعض المنظمات الإسلامية، وذلك لتبرير رغبتهم في الحرب والابادة.

ص: 120

المسلحين، ويحكمون هذه المدينة ويحرسونها، وهو يقول:"إننا مستعدون تماماً للشرطة الفيدرالية إذا احتكَّت بنا".

وفي هذا الصدد نشير إلى الجماعة المتطرفة التابعة (لتكساس) التي صدرت أوامر وزيرة العدل الأمريكية (رينو) عام 1993م بنزع أسلحتها، ورفضت الجماعة الإذعان، وقرروا الانتحار الجماعي بدلاً من الإذعان للفيدراليين، ولم يُضِع جنود الميليشيات هذه الفرصة هباءً، لكنهم نشروا شريط الانتحار بعنوان (إرهاب كلينتون ورينو)، بل وشنوا عليها حملة إعلامية واسعة النطاق، ادعوا فيها أن (رينو) شاذة جنسية، ولها علاقات مشينة متعددة مما أثر على مستقبلها السياسي.

الجذور الاقتصادية

يرى البعض أن تطبيق (ريجان) لسياسات (مالتون فريدمان) الاقتصادية كان أحد أسباب انتشار هذه الأفكار نظرًا لأن أفكار (مالتون) كانت تركز على إطلاق العنان لقوى السوق وتخفيض الضرائب على الأغنياء، وهو ما أدى لتركز الثورة في أيدي القلة، ففي نهاية الثمانينيات أصبح دخل 5% من الأمريكان يفوق دخل 40% من الشعب، وأصبحت ثروة 1% تفوق ثروة 90% من الأمريكان، وهو ما أدى لثورة هذه القطاعات، وتولد أحقادها على الحكومة الفيدرالية، فهذه الميليشيات ترى أن على الحكومة أن تكف عن فرض الضرائب؛ لأنها (سرقة للمواطن)، وأن الفيدراليين يحاولون حرمانه من الأمن بوضع قيود على السلاح، تمهيداً لإذلاله ونهبه وتجريده من قوته.

ولا يسفر هذا النموذج من الرأسمالية ذات القيم المادية عن شيء إلاّ الجريمة، والجريمة المنظمة، وما شاكلهما. وقد أوردت شركة الإذاعة الوطنية NBC عام 1997م في تقرير لها عن مدينة لوس أنجيلوس، ما يفيد أن أغلبية ال 150 ألفا من أعضاء العصابات المسلحة من المراهقين. ويلقي حوالي 9000 شخصاً سنويا حتفهم علي أيدي تلك العصابات، منهم 25 في المئة من المارّة الأبرياء. وفي ثقافة المادة والنمو الاقتصادي والرغبات المباحة، يغذي هؤلاء المراهقين بالثقافة، التي تشجعهم على العنف وتحرضهم علي الجريمة لأنها تجارة مربحة، فالمال في النظام الانكلوـ ساكسوني الرأسمالي هو المقياس النهائي للنجاح. وقد باعت شركة إنتر ـ سكوب

ص: 121

ريكوردز)، التي تتخذ من لوس أنجيلوس مقراً لها والمملوكة جزئياً لشركة سيغرام أكثر من مليون نسخة من ألبوم لفرقة الروك أند رول الشيطانية، الذي يحمل عنوان "نجم المسيح المزيف". وتستمد (مارلين مانسون) صاحبة الألبوم اسمها من المغني الرئيس فيها الذي يتكون اسمه من مقطعين هما (مارلين) و (مانسون)، حيث المقطع الأول يشير إلي (مارلين مونرو) التي أنهت حياتها بالانتحار، بينما يشير الثاني إلى (تشارلز مانسون) السفاح الذي عرف بارتكاب جرائم جماعية. وتقوم كلمات الأغاني في الألبوم علي الجريمة والانتحار واليأس، كما أن كثيراً منها لا يمكن طباعته (1).

أما الجانب السياسي والعسكري، فيأتي هو الآخر في قائمة الأسباب التي أدت لتكون هذه الميليشيات، إذا أخذنا في الاعتبار أن نسبة لا بأس بها من قادتها، ممن لهم مواقف معينة من سياسات أمريكا، خاصة فيما يخص تدخل جيشها في العالم الخارجي، سواء في فيتنام أم العراق وكوسوفا، ومن أشهر هؤلاء كولونيل جيمس جريتز، وهو من فرقة (القبعات الخضراء)، التي اشتركت في فيتنام، وأعمق من ذلك أنهم يجدون لأنفسهم عمقاً تاريخياً؛ فهم يرون أنهم امتداد للمنظمات المسلحة، التي حاربت الاستعمار البريطاني منذ 200 عام تقريبًا، وقاتلت الهنود الحمر حتى توسعت أمريكا إلى المحيط الهادي. والأخطر من هذه وتلك أن يجدوا سياسيين يلتقون معهم في أفكارهم المتطرفة؛ (فنيوت جينجرتش)، الذي يوصف بـ (الجمهوري المتطرف) يقول في أحد برامجه الانتخابية - وذلك في تصريح للتايم: إن واشنطن مكان بشع ويجب أن يُنسف بالديناميت، وإننا نملك الثقاب ومستعدون لإشعال الفتيل ونسف الكونجرس!!!.

ولا يتصور أن تنبت هذه الأفكار المهووسة من فراغ، لكنها تحتاج إلى تربة خصبة ـربما يكون (جينجرتش) أحد النبت الزاهر فيهاـ، لكن الأكيد أنه ليس إلا نبتاً خبيثاً. ولكن من هذه التربة نستطيع قياس مدى اشتعال قلبها بالأفكار المجنونة إذا علمنا أن الـ (سي إن إن) والتايم قد نظمتا استطلاع رأي بعد 9 أيام من انفجار أوكلاهوما 1995م فكانت النتائج تعبر عن (البارانويا)، التي تنتشر بين نسبة كبيرة من الأمريكيين المشاركين في الاستطلاع، ففي حين أيَّد 36% فقط تفكيك

(1) إمبراطورية الشر الجديدة ـ عبد الحي زلوم ـ القدس العربي 27/ 1ـ 3/ 2/2003م

ص: 122

الميليشيات، فإن 21% وصفها بأنها وطنية تماماً، و30% بأنها حسنة النية، ودافع 27% عن حق الميليشيات في اقتناء السلاح وتخزينه. وقد تكتمل الصورة إذا علمنا أن كلينتون في حديث له مع التليفزيون الأمريكي في خضم الغضب، الذي ساد الشارع الأمريكي عقيب تفجيرات أوكلاهوما لم يجرؤ على إدانة هذه الميليشيات، وإنما أثبت حقهم في ارتداء أزياء عسكرية وتكوين ميليشيات وحمل السلاح، لكنه فقط طالب باستعطاف هذه الميليشيات ألا تتصدى للسلطات حين تطبق القانون!!. ورغم أن كلينتون نفسه كان قد أحس خطر هذه الأفكار حين كان حاكماً لولاية (أركنسو)، وحاول حظر تكوينها، إلا أنه وُوجه بمقاومة شديدة من المجلس التشريعي للولاية والأهالي فأعلن تراجعه.

إذن الأمر ليس ميليشيات بعينها ولا فئات أو شراذم، لكنه يقترب من أن يكون تياراً أصيلاً داخل المجتمع الأمريكي يستشعر خطراً غامضاً، ويبحث عن عدو، ويحاول أن ينطح الصخور، فيُدمي قرنه الوعل!. وقد عرض (روجيه جارودى) في كتابه (أمريكيا طليعة الانحطاط) لموعظة ساخرة اقترحها كتاب (مليفان) حول (تكلفة التنمية) سماها (موعظة طاحونة الشيطان) حاول خلالها توضيح العلاقة بين تطور الاقتصاد، وتطور الإنسان في ظل النظام الأمريكي، والذي افرز ما يمكن أن نسميه ثقافة العنف. فالعنف في المجتمع الأمريكي يفوق مثيله في المجتمعات الأخرى، فوفقا للإحصائيات الأخيرة فقد كان هناك أكثر من مئتي مليون قطعة سلاح موزعة بين أيدي المدنيين في الولايات المتحدة أي ما يوازي قطعة سلاح لكل مواطن أمريكي وقد فاق عدد متاجر بيع الأسلحة المئة ألف، كل هذا وغيره من الأدلة التي ساقها الكاتب تدل من وجهة نظره على مدى النزعة العنفية لدى الأميركيين (1).

وفي سياق تناوله بدأ الكاتب استعراض الموضوع منذ نشأة الولايات المتحدة الأمريكية وأول أبناء العم سام "كريستوفر كولومبس" والذي بمجرد أن وطأت قدماه أرض الهنود الحمر - والتي عرفت بأمريكا فيما بعد - أخذ يكتب في مذكراته عن مدى تخلف هؤلاء القوم وعدم معرفتهم بأي نوع للأسلحة سوى العصي والحراب، ثم

(1) حضارة الدم وحصادها .. فصول من تاريخ الإرهاب الأمريكي- د. نزار بشير - الزهراء للإعلام العربي - القاهرة - طبعة أولى - 2003 - العرب اليوم 2005 - 11 - 19

ص: 123