الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أفقدها لحظة التعاطف التاريخية، تلك التي كان بالإمكان جعلها نقطة مفصلية للحد من العداء المتبادل بين أميركا والعالم. والخلاصة لذلك كله هي ـ كما يجملها (سورس) ـ أنه لم يمر وقت على الولايات المتحدة تدهور فيه وضعها في العالم في وقت قياسي وقصير جداً كما هو في عهد (جورج بوش الابن) (1). http://www.aljazeera.net/books/2004/3/ - TOP
أزمة أمريكا الأخلاقية
في كتابه الجديد (القيم الأمريكية تتعرض للخطر)، يحذر (جيمي كارتر) بشدة من الاتجاه الذي تسير به الولايات المتحدة حالياً، حيث اختلطت معالم السياسة والأصولية الدينية الجامدة. ومنذ السطور الأولى في الكتاب، يعترف الرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي كارتر)، بأن هنالك تغيرات واسعة جارية على قدم وساق، داخل الولايات المتحدة، على صعيد القيم الأخلاقية الأساسية للأمة الأمريكية، وخطابها العام، وفلسفتها السياسية. ويقول:"إن الشعب الأمريكي، كان يفخر بأن يرى قوة أمريكا ونفوذها، يستخدمان لحفظ سلام الأمريكيين وسلام الآخرين، وتعزيز العدالة الاقتصادية والاجتماعية، ورفع شعار الحرية وحقوق الإنسان عالياً، وحماية نوعية البيئة في الولايات المتحدة، وتخفيف المعاناة البشرية، وتدعيم حكم القانون، والتعاون مع الشعوب الأخرى". ويقول (كارتر)، إن الأمريكيين، الذين يملكون مجتمعاً هو الأكثر تنوعاً وابتكاراً على وجه البسيطة، أدركوا قيمة تزويد المواطن الأمريكي بالمعلومات الصحيحة الدقيقة، والتعامل مع الأصوات المعارضة والمعتقدات المخالفة باحترام، وتوفير الحوار الحر والمفتوح في القضايا الخلافية. وقد ظل معظم قادة أمريكا السياسيين، يمجدون استقلالية الولايات المتحدة والمقاطعات الأمريكية، ويحاولون السيطرة على عجز الإنفاق، ويتجنبون نزعات المغامرة الخارجية، ويحافظون على الفصل بين الكنيسة والدولة، ويحمون الحريات المدنية والخصوصية الشخصية". ولكن (كارتر) يرى أن "جميع هذه الالتزامات يجري تحديها الآن".
(1) فقاعة التفوق الأميركي ـ جورج سورس ـ عرض/ كامبردج بوك ريفيوزـ الجزيرة نت ـ 22/ 3/2004م
ويضيف قائلا: "إن معظم القضايا الحساسة والمثيرة للجدل التي يواجهها الأمريكيون اليوم، قد جرت مناقشتها قبل أن يصبح رئيساً بوقت طويل، حيث أن هذه الخلافات طبيعية، ولا يمكن تجنب معظمها. ويرى (كارتر) أن هذه القضايا الخلافية، كانت تناقش بحرية وانفتاح ودون إثارة للمشاكل، ولكن نقاشها الآن بات يثير انقسامات داخل المجتمع الأمريكي لا سابق لها، حيث يعتمد الحزبان الديمقراطي والجمهوري على الإعلانات التجارية التشهيرية لكسب الانتخابات، وحيث تتسم مداولات الكونجرس بعداء متحيز، وحيث أصبح سكان أمريكا جميعاً يتبنون كلمات مثل (أحمر و أزرق) في وصف العلاقات بين الولايات الأمريكية، بل داخل الولاية الواحدة (1).
ويتساءل كارتر: ما الذي أثار هذه الخلافات الحادة، وولد في الوقت ذاته ذلك الابتعاد السحيق عن قيم أمريكا التقليدية؟ ويجيب عن هذا التساؤل، قائلاً:"إن أحد العوامل لذلك هو رد فعل الأمة الأمريكية على هجوم 11 سبتمبر 2001 م الإرهابي، حيث أدركت شدة الإرهاب، وديمومته، وطبيعته الكونية. ولكن هذا العامل ليس الوحيد في نظر (كارتر)، بل هناك عوامل أخرى منها: حقن الأموال الطائلة في شريان العملية السياسية، والنفوذ غير المسبوق للشركات والمصالح الخاصة في مداولات الحكومة، التي باتت تتجه إلى السرية بصورة متزايدة. ولكن العامل الأهم، كما يقول (كارتر)، هو أن الأصوليين أصبحوا بصورة متزايدة متنفذين في شؤون الدين والحكومة، كما أفلحوا في تغيير الفوارق الدقيقة في النقاش التاريخي، ليصبح جامداً متصلباً يختزل الأمور إلى أبيض أو أسود، حيث يلقى كل من يجرؤ على المخالفة الازدراء والاحتقار الشخصي. وفي الوقت ذاته يقول (كارتر): "وحّد هؤلاء المحافظون الدينيون والسياسيون جهودهم، وأزالوا المسافة التي كانت تحترم في السابق، بين الكنيسة والدولة. وقد عزز ذلك قوة نفر من (المحافظين الجدد) المتنفذين، الذين تمكنوا من تطبيق فلسفتهم التي طال احتباسها، على صعيدي السياسة المحلية والسياسة الخارجية. حيث جرى تبني تفسير ضيق للمعتقدات
(1) القيم الأمريكية تتعرض للخطر ـ تأليف: جيمي كارتر عرض: عمر عدس ـ جريدة الخليج الإماراتية - عدد 9709 بتاريخ 18ـ12ـ2005
الدينية، واعتماد هذا التفسير باعتباره الأجندة الصارمة لحزب سياسي. وقامت الجماعات الضاغطة القوية، سواء داخل الحكومة أو خارجها، بتحريف الإيمان الأمريكي المثير للإعجاب بمشروع حر، أصبح حقاً للمواطنين الأثرياء ثراء فاحشاً، يخولهم تكديس المزيد من الثروة وتمريرها جميعها إلى أحفادهم. حيث يجري منح الفوائد من تجارة الأسهم والدخل المتأتي من حصص الأرباح وضعاً ضرائبياً مميزاً، بالمقارنة مع الأجور التي يتقاضاها معلمو المدارس ورجال الإطفاء".
ويقتطف كارتر وصف أحد أصدقائه للفلسفة الاقتصادية الجديدة لواشنطن، الذي يقول فيه إنها فلسفة تقوم على أن المد المتصاعد يرفع على سطحه جميع اليخوت.
ويصف المؤلف ما فعلته الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، فيقول:"إنها أعلنت الاستقلال عن القيود التي تفرضها المنظمات الدولية، وتنكرت للعديد من الاتفاقيات الدولية القائمة منذ زمن طويل، بما في ذلك قرارات قضائية، واتفاقيات أسلحة نووية، وقيود على الأسلحة البيولوجية، وحماية البيئة، ونظام العدل الدولي، ومعاملة السجناء الإنسانية". ويتابع قائلاً: "وحتى مع انخراط قواتنا في القتال، ومواجهة أمريكا خطر المزيد من الهجمات الإرهابية، أهملت الولايات المتحدة التحالفات مع الدول التي تحتاج إلى الانضمام إليها في الحرب الطويلة الأمد مع الإرهاب. وكانت جميع هذه الأعمال السياسية بتنسيق من أولئك الذين يعتقدون أن الاستخدام الأمثل للقوة والنفوذ الأمريكيين الهائلين، يجب ألا يخضع لقيود يمارسها الأجانب. وبصرف النظر عن التكاليف والنفقات، يتحرق بعض الزعماء شوقاً، وبصورة علنية، إلى خلق إمبراطورية أمريكية مهيمنة على العالم برمته. حيث لم يعد يعتبر ضرورياً مراعاة قيود تحد من مهاجمة دول أخرى عسكرياً، شريطة أن تدْعي مصادر استخبارية غالباً ما تكون غير مؤكدة، إن السياسات العسكرية أو السياسية لهذه الدول يمكن أن تكون خطرة على الولايات المتحدة في نهاية الأمر. فما أن يتم وصم هذه الدول بأنها (محور شر)، حتى تصبح منبوذة، ولا يعود ممكناً القبول بها شريكة في التفاوض، وتصبح حياة أفراد شعوبها غير مهمة من ثم"(1).
(1) القيم الأمريكية تتعرض للخطر- جيمي كارتر- عرض عمر عدس ـ جريدة الخليج - عدد 9709 - 18ـ12ـ2005