الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيستلذُّ الطاعة، ويتحمَّل المشاق في رضى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم (1).
والتلذذ بالصلاة يكون بأمرين:
الأمر الأول: المبادرة والتبكير برغبةٍ ولذَّةٍ إلى الصلاة:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يبادر إلى الصلاة، فقد كان يكون مع أهله، فإذا أذَّنَ المؤذِّنُ خَرَج وتَرَكَهُم (2)؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:((كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ خَرَجَ)) (3).
وقد كان صلى الله عليه وسلم يحثُّ الناس ويرغِّبهم في المبادرة إلى الصلاة، وإلى الصف الأول، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ (4) لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ (5) وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً)) (6).
(1) عقيدة المسلم، 1/ 69، للمؤلف.
(2)
البخاري، كتاب أبواب التهجد، باب من نام أول الليل وأحيا آخره، برقم 1146، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 739. ولفظه عند البخاري:((قال الأسود: سألت عائشة رضي الله عنها: كيف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ قالت: كان ينام أوَّله، ويقوم آخره، فيصلِّي، ثم يرجع إلى فراشه فإذا أذَّن المؤذن وثب، فإن كانت به حاجة اغتسل، وإلا توضأ وخرج)).
(3)
البخاري، كتاب النفقات، باب خدمة الرجل في أهله، برقم 5363، وأحمد، 42/ 467، برقم 25710، والترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب 45 حدثنا هناد، برقم 2489.
(4)
التهجير: هو التبكير إلى الصلاة.
(5)
العتمة: صلاة العشاء.
(6)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الاستهام في الأذان، برقم 615، ومسلم، كتاب الصلاة باب تسوية الصفوف وإقامتها، برقم 437.
* وكان الصحابي عبد الله بن رواحة رضي الله عنه (1) إذا أراد أن يخرج من بيته صلى ركعتين، وإذا دخل داره صلى ركعتين، وإذا دخل بيته صلى ركعتين، لا يدع ذلك أبداً (2).
وقد مدحه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((رَحِمَ اللهُ أخي عَبْدَاللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ كانَ أَيْنَما أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ أَناخَ)) (3).
فهو رضي الله عنه من ناحيةٍ يُحِبُّ أن يستقبل بيته ويفارقه على ذكرٍ لله عز وجل، ومن ناحية أخرى لا يُحِبُّ أن يُؤَخِّر الصلاة عن وقتها، ولو كان في شغلٍ أو على سفر، وذلك منه حباً للصلاة، واستباقاً للمناجاة.
وإذا كان هذا في الصلاة، ففي سائر الطاعات كذلك.
* وتسابق أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في أبوابِ الخير مشهور، معروف (4).
(1) استشهد بمؤتة سنة ثمان للهجرة. الإصابة، 4/ 83.
(2)
تاريخ دمشق، 28/ 91، وسير أعلام النبلاء، 1/ 233، والإصابة، 4/ 84.
(3)
أخرجه الطبراني في الكبير، 12/ 322، برقم 13241، تاريخ دمشق، 28/ 85، وتاريخ الإسلام للذهبي، 9/ 658، وبنحوه في مصنف ابن أبي شيبة، 13/ 358، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 9/ 316:((إسناده حسن)). وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع الصغير، 3/ 366، برقم 3096.
(4)
أخرجه أبو داود، كتاب الزكاة، باب الرخصة في ذلك، برقم 1678، ولفظه: عن عمر بن الخطاب ((أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالاً عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ، إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْماً، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ". قُلْتُ مِثْلَهُ.
قَالَ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ". قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَداً. وأخرجه الترمذي، برقم 3675، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 466.
* قال الصحابي عدي بن حاتم رضي الله عنه (1): ((ما جاء وقت صلاةٍ قطُّ إلا وقد أخذتُ لهَا أُهْبَتها، وما جاءت إلا وأنا إليها بالأشواق)) (2)، فهو يستعدّ للصلاة قبل وقتها، ويتشوَّق للدخول فيها.
* وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ (3): ((مَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةٍ، إِلَاّ وَأَنَا فِي الْمَسْجِدِ)) (4)، فلولا أنه مشتاقٌ للقاء الله تعالى ما بادر إلى المسجد قبل الأذان منذ ثلاثين سنة.
* وكان الإمام القارئ عاصم بن أبي النجود الأسدي رحمه الله (5) إذا صلَّى ينتصب كأنَّه عود، وكان يكون يوم الجمعة في المسجد إلى العصر، وكان عابداً خيّراً يصلي كثيراً جداً، ربما أتى حاجة، فإذا رأى مسجداً، قال:((مِلْ بِنَا، فإن حاجتنا لا تفوت))، ثم يدخل، فيصلي (6)، وهذا منه رحمه الله شوق للصلاة، وهمٌّ بها كل وقت.
* وقال محمد بن سماعة القاضي التميمي الكوفي رحمه الله (7): ((مكثت أربعين سنة لم تفتني التكبيرة الأولى إلا يوماً واحداً ماتت
(1) ذكر تاريخ وفاته ابن الأثير في أسد الغابة سنة 67 هـ، 4/ 8.
(2)
تاريخ دمشق، 40/ 87، وذكره في تهذيب الكمال، 19، 529.
(3)
توفي سعيد بن المسيب سنة 94 هـ، وقيل: 93، وقيل: 95هـ، والأول أصح. سير أعلام النبلاء، 4/ 245.
(4)
مصنف بن أبي شيبة، 1/ 351، والكنى والأسماء، للدولابي، 2/ 615، والمقصد الأرشد، لابن مفلح، 1/ 341، وحلية الأولياء، لأبي نعيم، 2/ 162.
(5)
توفي في سنة 128هـ. سير أعلام النبلاء، 5/ 260.
(6)
سير أعلام النبلاء، 5/ 359، ومعرفة القراء الكبار، للذهبي، 1/ 93.
(7)
توفي ابن سماعة سنة 233هـ. تاج التراجم في طبقات الحنفية، لابن قطلوبغا، ص 19.
فيه أمي)) (1). وهذا أقل درجةً من سعيد بن المسيب؛ لأنه يذكر التكبيرة الأولى، لا الحضور قبل الأذان.
والشيطان يحرص على أن يؤخر المؤمن عن المبادرة إلى الطاعات، فجاء في الحديث الصحيح:((يَعْقِدُ الشَّيطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأسِ أحَدِكُمْ، إِذَا هُوَ نَامَ، ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَويلٌ فَارْقُدْ، فَإن اسْتَيقَظَ فَذَكَرَ اللهَ تَعَالَى انحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإنْ تَوَضّأ انْحَلّتْ عُقدَةٌ، فَإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فَأصْبَحَ نَشِيطاً طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإلَاّ أصْبحَ خَبيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ)) (2).
وهذا التسابق إلى الطاعات ليس داخلاً في العجلة المذمومة، بل بيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ((التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ خَيْرٌ إِلَاّ فِي عَمَلِ الآخِرَةِ)) (3).
* وما أحسن ما وصف به يونس بن عُبيدٍ رحمه الله ((أنه كان لا يحضره أمرٌ من الله إلا كان له مستعداً)) (4)، فهو مثلاً على وضوءٍ
(1) تاريخ بغداد، 5/ 341، وتهذيب الكمال، 25/ 319، وسير أعلام النبلاء، 646، وتاريخ الإسلام للذهبي، 17/ 325.
(2)
البخاري، أبواب التهجد، باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصلِّ بالليل، برقم 1142، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح، برقم 776.
(3)
أبو داود، كتاب الأدب، باب في الرفق، برقم 4810، والحاكم، 1/ 132، برقم 213، وقال:((صحيح على شرط الشيخين))، والبيهقي، السنن الكبرى، 10/ 194، برقم 20592، وشعب الإيمان، 6/ 335، برقم 8411، وأبو يعلى، 2/ 123، برقم 792، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة،4/ 293، برقم 1734.
(4)
انظر ترجمة يونس بن عبيد في: سير أعلام النبلاء، 6/ 288 وما بعدها.