الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الذنوب والخطايا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الوسخ)) (1).
قوله: ((اللَّهمّ طهّرني بالثلج والبرد والماء البارد)): استعارة للمبالغة في الطهارة من الذنوب وغيرها.
قوله: ((اللهم طهرني من الذنوب والخطايا)) الذنب: الإثم بين العبد وبين الآدمي، والخطيئة: المعصية بين العبد وبين الله تعالى، كما في قوله تعالى:{وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً} (2).
قوله: ((كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ)) معناه: نقِّني نقاء كاملاً، كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس (3).
ثامناً: فَهْمُ وَتدبُّر معاني أذكار السجود:
1 -
((سبحان ربي الأعلى)) (4)[ثلاث مرات](5).
أي: تنزيهاً لك يا رب عن كل نقص في الكمال، وعن مماثلة المخلوقين، و ((الأعلى)): ثناء على الله سبحانه بالعلو، فالمُصلِّي نزل للسجود، والنزول نقص، فكان الثناء على الله بالعلو أولى؛ لتنزيهه تعالى عن النقص الذي حصل للساجد، والمراد بالعلوّ: علو المكان، وعلو الصفة، فهو سبحانه عليٌّ في ذاته، وعليٌّ في صفاته،
(1) مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، 1/ 346، برقم 477.
(2)
سورة النساء، الآية:112.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم، 4/ 193، 194.
(4)
مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، برقم 772، من حديث حذيفة رضي الله عنه.
(5)
ابن ماجه، برقم 888، وتقدم تخريجه في أذكار الركوع.
بل هو أعلى من كل شيء سبحانه وتعالى (1)، وله سبحانه الكمال المطلق: في علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر.
2 -
((سبُّوح قُدُّوس رب الملائكة والرُّوح)) (2).
3 -
((سبحانك اللَّهُمَّ ربّنا وبحمدك اللَّهُمَّ اغفر لي)) (3).
4 -
((اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلْقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)) (4).
قوله: ((وشقَّ سمعَه)) أي: طريق سمعه؛ إذ السمع ليس في الأذنين، بل في مقعد الصماخ، ((أحسن الخالقين)) أي: أحسن المصورين والموجدين؛ فإنه سبحانه الخالق الحقيقي، المنفرد بالإيجاد والإعدام (5).
5 -
((سبحان ذي الجبروت، والملكوت، والكبرياء، والعظمة)) (6).
6 -
((اللهم اغفر لي ذنبي كلَّه: دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وأوَّلَهُ وآخِرَهُ،
(1) انظر: الشرح الممتع، 3/ 171، 172.
(2)
مسلم، برقم 487، وتقدم تخريجه وشرحه في أذكار الركوع.
(3)
البخاري، برقم 794، ومسلم، برقم 484، وتقدم تخريجه وشرحه في أذكار الركوع.
(4)
مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم 771، من حديث علي رضي الله عنه.
(5)
انظر: المنهل العذب، 5/ 170.
(6)
أبو داود، برقم 883، وتقدم تخريجه وشرحه في أذكار الركوع.
وعَلانِيتَهُ وسِرَّهُ)) (1).
قوله: ((دقّه وجلّه)): أي صغيره وكبيره [قليله وكثيره]، وقدم الصغير على الكبير؛ لأن الكبائر تنشأ غالباً من عدم المبالاة بالصغائر والإصرار عليها، فكأنها وسيلة، ومن حق الوسائل أن تقدم في الذكر؛ ولأن السائل يترقَّى في سؤاله من الأدنى إلى الأعلى.
قوله: ((دقه وجله)) تفصيل بعد إجمال؛ لأنه لما قال: ((اغفر لي ذنبي كله)) تناول جميع ذنوبه مجملاً، ثم فصَّله بقوله:((دقه وجله))، وفائدته: أن التفصيل بعد الإجمال أوقع، وفيه علمان، والعلمان خير من علم واحد، وهو أعظم بالاعتراف والإقرار بما اقترف من الذنب.
قوله: ((وأوله وآخره)): المراد ما تقدم من ذنبه، وما تأخر منه.
قوله: ((علانيته وسره)): أي ظاهره وخفيه، وهو بالنسبة لغير الله تعالى؛ لأنهما عند الله سواء، والغرض من هذا كمال التواضع والإذعان من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لامتثال أمر الله سبحانه وتعالى، والتشريع للأمة، وإلا فهو صلى الله عليه وسلم معصوم من الذنوب.
وفي هذا اللفظ توكيد الدعاء، وتكثير ألفاظه، وإن أغنى بعضه عن بعض، إلا أن إطالة الدعاء تدل على محبة الداعي؛ لأن الإنسان إذا أحب شيئاً أحب طول مناجاته، فأنت متصل بالله في الدعاء، فتطويلك الدعاء، وبسطك له دليل على محبتك لمناجاة الله عز وجل، ثم
(1) مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 483.
إن تكثير ألفاظ الدعاء يظهر فيه من التفصيل ما يدل على شدة افتقار الإنسان إلى ربه في كل حال، فالله الغني ونحن الفقراء، واستحضار الإنسان لذنوبه؛ لأن للذنوب أنواعاً، فإذا زيد في الدعاء استحضرت (1).
7 -
((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعاَفاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لا أَحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)) (2).
قوله: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك)) أي: أتحصَّن بفعلٍ يوجب رضاك من فعلٍ يوجب سخطك، وهذا من باب التوسل برضاء الله أن يعيذك من سخطه، فأنت الآن استجرت من الشيء بضده، فجعلت الرضاء وسيلة تتخلَّص به من السخط، والمراد: أسألك التوفيق لفعل الطاعات الموجبة لرضاك، وأسألك الحفظ من المعاصي الموجبة لسخطك.
قوله: ((وبمعافاتك من عقوبتك)) المعافاة هي: أن يعافيك الله من كل بليَّة في الدين، أو في الدنيا، وضد المعافاة: العقوبة، والعقوبة لا تكون إلا بذنب، وإذا استعذت بمعافاة الله من عقوبته، فإنك تستعيذ من ذنوبك حتى يعفو الله عنك، إما بمجرد فضله، وإما بالهداية إلى أسباب التوبة.
(1) انظر: المنهل العذب، 5/ 326، الشرح الممتع، 3/ 183، 5/ 404، والعلم الهيب،
ص 294، وشرح حصن المسلم بتصحيح المؤلف، ص 110.
(2)
مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 486.
قوله: ((وأعوذ بك منك)): لا يمكن أن تستعيذ من الله إلا بالله إذ لا أحد يعيذك من الله إلا الله، فهو الذي يعيذني مما أراد بي من سوء، ومعلوم أن الله سبحانه وتعالى قد يريد بك سوءاً، ولكن إذا استعذت به منه أعاذك، وفي هذا غاية اللجوء إلى الله وأن الإنسان يقر بقلبه ولسانه أنه لا مرجع له إلا ربه سبحانه وتعالى، قال الخطابي رحمه الله:((في هذا الكلام معنى لطيف، وهو أنه قد استعاذ بالله تعالى، وسأله أن يجيره برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، والرضاء والسخط ضدان متقابلان، وكذلك المعافاة والمؤاخذة بالعقوبة، فلمَّا صار إلى ذكر ما لا ضد له - وهو الله سبحانه - أعاذ به منه لا غير، ومعنى ذلك الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من حق عبادته والثناء عليه)) (1).
قوله: ((لا أُحصي ثناء عليك)) أي: لا أطيقه، ولا أبلغه، ولا أصل إليه، وقيل: لا أحيط به، وقال مالك رحمه الله: معناه: لا أُحصي: نعمتك، وإحسانك، والثناء بها عليك، وإن اجتهدتُ في الثناء عليك.
والثناء هو: تكرار الوصف بالكمال، ففي الحديث القدسي: قال الله تعالى: ((قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْن، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ اللَّهُ: ((حَمِدَنِي عَبْدِي))، وَإِذَا قَالَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ اللَّه تعالى: ((أَثْنَى عَلَيَّ
(1) معالم السنن، 1/ 421.
عَبْدِي
…
)) (1).
فلا يمكن أن تُحصي الثناء على الله أبداً ولو بقيت أبد الآبدين؛ وذلك؛ لأن أفعال الله غير محصورة، وكل فعل من أفعاله فهو كمال، وأقواله غير محصورة، وكل قول من أقواله فهو كمال، وما يدفع عن عباده أيضاً غير محصور، فالثناء على الله لا يمكن أن يصل الإنسان منه إلى غاية ما يجب لله من الثناء مهما بلغ من الثناء على الله، وغاية الإنسان أن يعترف بالنقص والتقصير، فيقول:((لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)) أي: أنت يا ربنا كما أثنيت على نفسك، أما نحن فلا نستطيع أن نُحصي الثناء عليك، وفي هذا من الإقرار بكمال صفات الله ما هو ظاهر معلوم.
وفي قوله: ((أنت كما أثنيت على نفسك)): اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء على الله تعالى، وأنه لا يقدر على بلوغ حقيقته وإحصائه إلا هو تعالى؛ ولهذا عدل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن التفصيل والإحصاء والتعيين، ووكَّل ذلك إلى الله سبحانه وتعالى المحيط بكل شيء جملةً وتفصيلاً، وكما أنه لا نهاية لصفاته كذلك لا نهاية للثناء عليه؛ لأن الثناء تابع للمثنى عليه، وكل ثناء أُثني به عليه - وإن كثر وطال وبولغ فيه - فقدر الله أعظم، وسلطانه أعز، وصفاته أكبر وأكثر، وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ (2).
(1) مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم 395 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 4/ 204، والشرح الممتع، 4/ 49 - 51، والمنهل العذب، 5/ 327، ومعالم السنن للخطابي، 1/ 421.