الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: الخشوع لله في الصلاة علم نافع وعمل صالح
الخشوع علم نافع، وهو عمل صالح من أعمال القلوب، ويتبعها عمل الجوارح، للأحاديث الآتية:
1 -
عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:((كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: ((هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ)) فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه: كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا، وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ؟! فَوَاللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا! فَقَالَ:((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ (1) يَا زِيَادُ! إِنْ كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ؟)).
قَالَ جُبَيْرٌ: فَلَقِيتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَقُلْتُ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، قَالَ: صَدَقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، إِنْ شِئْتَ لَأُحَدِّثَنَّكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنْ النَّاسِ: الْخُشُوعُ؛ يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ الجَامِعِ فَلَا تَرَى فِيهِ رَجُلاً خَاشِعاً)) (2).
(1) ثكلتك أمك: أي فقدتك، وأصله الدعاء بالموت، ثم يستعمل في التعجب. انظر: تحفة الأحوذي للمباركفوري، 7/ 413.
(2)
أخرجه الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في ذهاب العلم، برقم 2653، وقال:((هذا حديث حسن غريب))، والدرامي، 1/ 75، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/ 59، وأخرجه أيضاً أحمد في المسند من حديث جبير، عن عوف بن مالك، وساق الحديث بنحوه، برقم 23990، والنسائي في الكبرى، برقم 5878، وابن حبان، برقم 4572، ورقم 6720.
2 -
عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أوَّلُ ما يُرْفَعُ مِنَ النّاسِ الخُشُوعُ)) (1).
3 -
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في دعائه: ((
…
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا)) (2).
وقلب لا يخشع: علمه لا ينفع، وصوته لا يسمع، ودعاؤه لا يرفع (3).
قال الإمام ابن رجب رحمه الله: ((فالعلم النافع هو ما باشر القلوب، فأوجب لها السكينة، والخشية، والإخبات لله، والتواضع، والانكسار، وإذا لم يباشر القلب ذلك من العلم، وإنما كان على اللسان، فهو حجة الله على ابن آدم يقوم على صاحبه، وغيره كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب يرسخ فيه نفع صاحبه.
وقال الحسن رحمه الله: العلم علمان: علم باللسان، وعلم
(1) الطبراني في الكبير، برقم 7183 مرفوعاً، قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 2/ 136:
(( .. وفيه عمران بن داوود القطان ضعفه ابن معين، والنسائي، ووثقه أحمد، وابن حبان)) وقد جاء موقوفاً على شداد عند أحمد، برقم 23990، وصححه محققو المسند، وأخرج هذا الموقوف النسائي في الكبرى، برقم 5878،وابن حبان، برقم 4572،ورقم 6720، وله شاهد عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم،قال:((أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعاً)) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، 2/ 136، وقال:((رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن)). ثم حديث شداد لا يقال بالرأي والاجتهاد، فله حكم الرفع.
(2)
مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب في الأدعية، برقم 2722.
(3)
الخشوع في الصلاة لابن رجب، ص 19.
بالقلب، فعلم القلب هو العلم النافع، وعلم اللسان حجة الله على ابن آدم)) (1).
وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (2)، وقال عز وجل:{أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (3).
ووصف اللَّه العلماء من أهل الكتاب قبلنا بالخشوع، فقال سبحانه:{قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} (4)، وقوله سبحانه في وصف هؤلاء الذين أوتوا العلم، ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً: مدحٌ لمن أوجب له سماع كتاب الخشوع لله عز وجل في قلبه)) (5).
(1) الخشوع في الصلاة لابن رجب ص 16. وذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية، 1/ 83 مرفوعاً، وقال هذا حديث لا يصح، وضعفه الألباني في تخريج كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص 24.
(2)
سورة فاطر، الآية:28.
(3)
سورة الزمر، الآية:9.
(4)
سورة الإسراء، الآيات: 107 - 109.
(5)
الخشوع في الصلاة لابن رجب، ص17.