الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
((اخفض قليلاً)) (1).
السبب السادس والثلاثون: سجود التلاوة في الصلاة:
مما يجلب الخشوع في الصلاة سجود التلاوة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله [وفي رواية يا ويلي] أُمر ابن آدم بالسجود، فسجد فله الجنة، وأُمرت بالسجود فأبيت فلي النار)) (2)، وهذا الحديث فيه الحث على سجود التلاوة والترغيب فيه.
وسجود التلاوة سنة مؤكدة على الصحيح للتالي والمستمع (3)؛
لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم النجم بمكة فسجد
(1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب رفع الصوت بالقراءة في الصلاة، برقم 1329، والترمذي كتاب الصلاة، باب ما جاء في القراءة بالليل، برقم 447، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 254، وفي صحيح سنن أبي داود، 1/ 364.
(2)
مسلم، كتاب الإيمان، باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، برقم 81.
(3)
اختلف العلماء رحمهم الله في حكم سجود التلاوة: فذهب أبو حنيفة وأصحابه ومن وافقهم إلى أن سجود التلاوة واجب؛ لقول الله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [سورة الانشقاق، الآيتان: 20، 21]، وقالوا: هذا ذم، ولا يذم إلا على ترك واجب؛ ولأنه سجود يفعل في الصلاة، فكان واجباً كسجود الصلاة، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى، 23/ 152 - 162 وقيل: هو رواية عن الإمام أحمد، انظر: الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير، 4/ 210.
وذهب الإمام أحمد، والإمام مالك، والإمام الشافعي، وهو قول عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما إلى أن سجود التلاوة ليس بواجب بل سنة مؤكدة. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 431، و5/ 78، والمغني لابن قدامة، 3/ 364. وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز أثناء تقريره على بلوغ المرام، على الحديث رقم 362، يقول: ((
…
وهو سنة مؤكدة لفعله صلى الله عليه وسلم)).
بها، فما بقي أحد من القوم إلا سجد، غير شيخ أخذ كفَّاً من حصى أو تراب ورفعه إلى جبهته [فسجد عليه]، وقال: يكفيني هذا، فرأيته بعد ذلك قُتِلَ كافراً [وهو أمية بن خلف]))، وفي رواية: ((أول سورة أنزلت فيها سجدة {وَالنَّجْمِ} ، فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسجد من خلفه
…
)) الحديث (1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((سجد النبي صلى الله عليه وسلم[بالنجم]، وسجد معه المسلمون، والمشركون، والجن، والإنس)) (2).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة، فيسجد ونسجد معه، فنزدحم حتى ما يجد أحدنا لجبهته موضعاً يسجد عليه))، ولفظ مسلم: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن، فيقرأ سورة فيها سجدة، ونسجد معه
…
)) الحديث (3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سجدنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في {إِذَا السَّمَاءُ
(1) متفق عليه: البخاري واللفظ له. كتاب سجود القرآن، باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها، برقم 1067،وبرقم 1070،وفي كتاب مناقب الأنصار، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة، برقم 3853، والمغازي، باب قتل أبي جهل، برقم 3972، وكتاب التفسير سورة والنجم، باب {فَاسْجُدُوا لله وَاعْبُدُوا} ، برقم 4863، والألفاظ جمعت بينها من بعض هذه الروايات. وأخرجه مسلم، في كتاب المساجد، باب سجود التلاوة، برقم 576.
(2)
البخاري، كتاب سجود القرآن، باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها، برقم 1071، وكتاب التفسير، سورة النجم، باب {فَاسْجُدُوا لله وَاعْبُدُوا} ، برقم 4862.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب سجود القرآن، باب من سجد لسجود القارئ، برقم1075، وباب ازدحام الناس إذا قرأ الإمام السجدة، برقم 1076، وباب من لم يجد موضعاً للسجود مع الإمام مع الزحام، برقم 1079، ومسلم، كتاب المساجد، باب سجود التلاوة، برقم 575.
انشَقَّتْ}، و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (1).
وهذه الأحاديث تدل على أهمية سجود التلاوة ومشروعيته المؤكدة وعناية النبي صلى الله عليه وسلم به، ولكن دلت الأدلة الأخرى على عدم الوجوب، فقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة، قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال:((يا أيها الناس إنما نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه)) ولم يسجد عمر رضي الله عنه، وفي لفظ:((إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء)) (2).
ومن أوضح الأدلة على أن سجود التلاوة سنة مؤكدة وليس بواجب حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم
{وَالنَّجْمِ} فلم يسجد فيها)) (3).
ورجّح الإمام النووي والحافظ ابن حجر، وابن قدامة رحمهم الله أن حديث زيد بن ثابت هذا محمول على بيان جواز عدم السجود، وأنه سنة مؤكدة وليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً لأمره بالسجود ولو بعد ذلك (4)، وقال الحافظ ابن حجر: ((وأقوى الأدلة
(1) مسلم، كتاب المساجد، باب سجود التلاوة، برقم 108 - (578).
(2)
البخاري، كتاب سجود القرآن، باب من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود، برقم 1077.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب سجود القرآن، باب من قرأ السجدة ولم يسجد، برقم 1072، 1073 ومسلم، كتاب المساجد، باب سجود التلاوة، برقم 577.
(4)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 81، والمغني لابن قدامة، 2/ 365، وفتح الباري لابن حجر، 2/ 555.
على نفي الوجوب حديث عمر المذكور في هذا الباب)) (1)، وتعقبه الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله -فبين ((أن أقوى منه وأوضح في الدلالة على عدم وجوب سجود التلاوة: قراءة زيد بن ثابت على النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم، فلم يسجد فيها، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالسجود، ولو كان واجباً لأمره به)) (2).
وسجود المستمع إذا سجد القارئ، وإذا لم يسجد لم يسجد؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:((كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة، فيسجد، ونسجد معه فنزدحم حتى ما يجد أحدنا لجبهته موضعاً يسجد عليه)) (3)، وقال ابن مسعود رضي الله عنه لتميم بن حَذْلم - وهو غلام - فقرأ عليه سجدة فقال:((اسجد فأنت إمامنا فيها)) (4)، فالمستمع الذي ينصت للقارئ ويتابعه في الاستماع يسجد مع القارئ إذا سجد، وإذا لم يسجد فلا (5).
أما السامع الذي لا يقصد سماع القرآن وإنما مرَّ فسمع القراءة وسجد القارئ، فإنه لا يلزمه السجود، قيل لعمران بن حصين رضي الله عنه: الرجل يسمع السجدة ولم يجلس لها، قال:((أرأيت لو قعد لها))
(1) فتح الباري، 2/ 558.
(2)
حاشية الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز على فتح الباري لابن حجر، 2/ 558.
(3)
متفق عليه: البخاري، برقم 1075، ومسلم، برقم 575، وتقدم تخريجه.
(4)
البخاري، كتاب سجود القرآن، باب من سجد لسجود القارئ، رقم الباب 8، قبل الحديث رقم1075، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري،2/ 556:((وصله سعيد بن منصور)).
(5)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 2/ 558، والمغني لابن قدامة، 2/ 366، والشرح الممتع لابن عثيمين، 4/ 131.
كأنه لا يوجبه عليه (1). وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: ((ما لهذا غدونا)) (2)، وقال عثمان رضي الله عنه:((إنما السجدة على من استمعها)) (3)، وأما المستمع بقصدٍ فقال ابن بطال:((وأجمعوا على أن القارئ إذا سجد لزم المستمع أن يسجد)) (4).
فقد فرَّق بعض العلماء بين السامع والمستمع بما دلت عليه هذه
الآثار (5).
وعدد سجدات القرآن ومواضعها، خمس عشرة سجدة (6)
في
(1) البخاري معلقاً، كتاب سجود القرآن، باب من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود، قبل الحديث رقم 1087، وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أنه وصله ابن أبي شيبة بمعناه، ثم صحح إسناده ابن حجر في الفتح، 2/ 558.
(2)
أخرجه البخاري معلقاً في الكتاب والباب السابقين، وذكر ابن حجر أنه طرف من أثر وصله عبد الرزاق قال: مرَّ سلمان على قوم قعود فقرؤوا السجدة فسجدوا، فقيل له فقال:((ليس لهذا غدونا))، قال الحافظ في الفتح، 2/ 558:((وإسناده صحيح)).
(3)
البخاري معلقاً في الكتاب والباب السابقين، وذكر الحافظ في الفتح، 2/ 558 أن عبد الرزاق وصله، وابن أبي شيبة قال: والطريقان صحيحان.
(4)
فتح الباري، لابن حجر، 2/ 556،وانظر: نيل الأوطار للشوكاني، 2/ 309.
(5)
انظر: فتح الباري، لابن حجر، 2/ 558، وقال الإمام النووي رحمه الله في حكم سجود التلاوة للسامع:((وهو سنة للقارئ والمستمع له، ويستحب أيضاً للسامع الذي لا يسمع لكن لا يتأكد في حقه تأكده في حق المستمع المصغي))، شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 78.
(6)
اختلف العلماء في عدد سجدات التلاوة: فقيل: خمس عشرة سجدة، وهو رواية عن الإمام أحمد وبعض أصحاب الشافعي وهو الصواب.
وقيل: أربع عشرة سجدة وهو المشهور في مذهب الإمام أحمد، وهو رواية عن الشافعي وأبي حنيفة، لكن الحنابلة أسقطوا سجدة ص، والأحناف أسقطوا السجدة الثانية من الحج، وقيل: إحدى عشرة سجدة، وهو رواية عن الإمام مالك ومن تبعه.
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 81، والمغني لابن قدامة، 2/ 352، والمقنع والشرح الكبير ومعهما الإنصاف، 4/ 220، والشرح الممتع، لابن عثيمين، 4/ 134.
المواضع الآتية:
الموضع الأول: آخر سورة الأعراف، عند قوله تعالى:{وَلَهُ يَسْجُدُونَ} (1).
الموضع الثاني: في الرعد عند قوله تعالى: {وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} (2).
الموضع الثالث: في النحل عند قوله تعالى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (3).
الموضع الرابع: في الإسراء عند قوله تعالى: {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} (4).
الموضع الخامس: في سورة مريم عند قوله: {خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} (5).
الموضع السادس: في سورة الحج عند قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ
مَا يَشَاءُ} (6).
الموضع السابع: في سورة الحج عند قوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (7).
الموضع الثامن: في سورة الفرقان عند قوله تعالى: {وَزَادَهُمْ نُفُوراً} (8).
(1) سورة الأعراف، الآية:206.
(2)
سورة الرعد، الآية:15.
(3)
سورة النحل، الآية:50.
(4)
سورة الإسراء، الآية:109.
(5)
سورة مريم، الآية:58.
(6)
سورة الحج، الآية:18.
(7)
سورة الحج، الآية، 77.
(8)
سورة الفرقان، الآية:60.
الموضع التاسع: في سورة النمل، عند قوله تعالى:{رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (1).
الموضع العاشر: في سورة {الم} السجدة، عند قوله تعالى:{وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} (2).
الموضع الحادي عشر: في سورة ص، عند قوله:{وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} (3).
الموضع الثاني عشر: في سورة فصلت، عند قوله تعالى:{وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} (4).
وهذا قول الجمهور من العلماء، وقال الإمام مالك رحمه الله وطائفة من السلف، بل عند قوله تعالى:{إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (5).
(1) سورة النمل، الآية:26.
(2)
سورة السجدة، الآية:15.
(3)
سورة ص الآية:24، وسجدة ص ثبت بها الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:((ليس (ص) من عزائم السجود، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها))، [صحيح البخاري، كتاب سجود القرآن، باب سجدة ص، برقم 1061، وكتاب أحاديث الأنبياء، باب {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ}، برقم 3422] ومعنى ص ليس من عزائم السجود: ((أي ما وردت العزيمة على فعله كصيغة الأمر مثلاً، بناء على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند من لا يقول بالوجوب))، فتح الباري لابن حجر، 2/ 552.وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز-رحمه الله أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 363 يقول: ((هذا الحديث يدل على ثبوت سجدة ((ص))،والصواب أنه يُسجد بها في الصلاة وخارجها، أما ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما فهو من اجتهاده، وقد دل على سجدة ((ص)) فعل النبي صلى الله عليه وسلم وكفى)).
(4)
سورة فصلت، الآية:38.
(5)
سورة فصلت، الآية:37.
الموضع الثالث عشر: في آخر سورة النجم، عند قوله تعالى:{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} (1).
الموضع الرابع عشر: في سورة الانشقاق عند قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} (2).
الموضع الخامس عشر: في آخر سورة العلق عند قوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (3). وسجدتا سورة الحج جاء فيهما خبر خالد بن معدان رضي الله عنه قال: ((فضلت سورة الحج بسجدتين)) (4)، وجاء في خبر عقبة بن عامر، وزاد:((فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما)) (5).
وسجود التلاوة في الصلاة الجهرية ثابت؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه
(1) سورة النجم، الآية:62.
(2)
سورة الانشقاق، الآية:21.
(3)
سورة العلق، الآية:19.
(4)
ذكره الحافظ في بلوغ المرام، برقم 366، وعزاه إلى أبي داود في المراسيل، وسمعت سماحة العلامة ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على هذا الخبر:((لا بأس بإسناده عند أبي داود، وأيد ذلك ما بعده)).
(5)
الترمذي، كتاب الجمعة، باب ما جاء في السجدة في الحج، برقم 578، قال الترمذي: ليس إسناده بذاك القوي. وأخرجه أبو داود، كتاب سجود القرآن، باب تفريع أبواب السجود، برقم 1402، والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 388، وفي صحيح الترمذي، 1/ 319 وضعف الحافظ ابن حجر إسناده في البلوغ، وسمعت الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول:((يُعضد بالمرسل قبله، وابن كثير أنكر تضعيفه؛ لأن ابن لهيعة صرح بالسماع، والمعروف عند العلماء ضعف ابن لهيعة مطلقاً، لكن يعضد حديثه مرسل أبي داود، فيرفع الحديث إلى درجة الحسن المقبول الذي يحتج به)). وقال: ((عدد السجدات خمس عشرة سجدة: ثلاث في المفصل: النجم والانشقاق، والعلق، وسجدتان في الحج، وعشر مجمع عليها، والصواب سنية الجميع))، سمعت ذلك من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 366، 367.
أنه صلى بأصحابه صلاة العشاء فقرأ: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} فسجد، فقيل له: ما هذه؟ قال: ((سجدت فيها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه)) (1).
وصفة سجود التلاوة: أنَّ من قرأ آية سجدة أو كان يستمع لها، فإنه يستحب له أن يستقبل القبلة ويكبر، ويسجد ثم يقول دعاء السجود، ثم يرفع من السجود بدون تكبير، ولا تشهد، ولا سلام (2)؛
لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن، فإذا مرَّ بالسجدة كبَّر وسجد وسجدنا معه)) (3). وإذا كان سجود
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الجهر في العشاء، برقم 766، وباب القراءة في العشاء بالسجدة، برقم 678، ومسلم، كتاب المساجد، باب سجود التلاوة، برقم 578.
(2)
اختلف أهل العلم هل يشترط لسجود التلاوة ما يشترط لصلاة النفل: من الطهارة من الحدث والنجس، وستر العورة، واستقبال القبلة أم لا يشترط ذلك؟ رجح الإمام النووي أنه يشترط ذلك، ورجح الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية أن ذلك لا يشترط كما كان ابن عمر يفعل، [صحيح البخاري في كتاب سجود القرآن، باب سجود المشركين مع المسلمين رقم الباب 5]، لكن قال:((هي بشروط الصلاة أفضل، ولا ينبغي أن يخل بذلك إلا بعذر))،انظر: شرح النووي على صحيح مسلم،5/ 82، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 23/ 165 - 170 ورجح عدم الاشتراط ابن القيم في تهذيب السنن،1/ 53 - 56، وسمعت سماحة الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يرجح أن الطهارة لسجود التلاوة لا تجب وإن كان ذلك خلاف ما عليه الجمهور، لأنها مستحبة لأسباب تقع في القراءة، والقراءة لا تجب لها الطهارة، فما كان من توابع القراءة فكذلك، وقول الجمهور ليس بحجة فلا تلزم موافقتهم بغير دليل. سمعته من سماحته رحمه الله أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 369 عندما سئل هل تشترط الطهارة لسجود التلاوة؟ وانظر للفائدة في معرفة الخلاف: المغني لابن قدامة، 2/ 358،ونيل الأوطار للشوكاني،2/ 313،وقال:((أما ستر العورة والاستقبال فقيل إنه معتبر اتفاقاً))، وفتح الباري لابن حجر، 2/ 553 - 554، وسبل السلام للصنعاني، 2/ 379، والشرح الممتع لابن عثيمين، 4/ 126، وفتاوى ابن باز، 11/ 406 - 415 ..
(3)
أبو داود، كتاب سجود القرآن، باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب أو في غير صلاة، برقم 1413، وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام:((إسناده لين))، وضعفه الألباني في إرواء الغليل، برقم 472، وأخرجه الحاكم في المستدرك عن عُبيد الله، 1/ 222، وقال صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، ولكن الحاكم لم يذكر التكبير في النسخة الموجودة عندي، وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول:((يتقوى الحديث برواية الحاكم، فتكون التكبيرة عند السجود فقط إلا إذا كان في الصلاة فإنه يكبر مع كل خفض ورفع))، سمعته أثناء تقريره رحمه الله على بلوغ المرام، الحديث رقم 369، وهكذا الشوكاني في نيل الأوطار، رأى ثبوته عن عبيد الله المصغر، 2/ 311، والصنعاني في سبل السلام، 2/ 386.
التلاوة في الصلاة، فإنه يكبر حين يسجد وحين ينهض من السجود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الصلاة في كل خفض ورفع (1)، وقد قال صلى الله عليه وسلم:((صلوا كما رأيتموني أصلي)) (2)، وإذا قرأ السجدة في الصلاة في آخر السورة، فإن شاء ركع، وإن شاء سجد ثم قام فقرأ شيئاً من القرآن ثم ركع، وإن شاء سجد ثم قام فركع من غير قراءة)) (3).
والدعاء في سجود التلاوة، يدعو بمثل دعائه في سجود الصلاة، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن بالليل [يقول في السجدة مراراً](4): ((سجد وجهي للذي خلقه [وصوَّره] (5) وشقَّ سمعَه وبصرَه، بحوله وقوته [فتبارك الله أحسن الخالقين])) (6)(7).
(1) رجح هذا كله الإمام ابن باز في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة،11/ 406 - 410، وانظر: المختارات الجلية من المسائل الفقهية للسعدي، ص49.
(2)
البخاري، برقم 595، وتقدم تخريجه.
(3)
نقله ابن قدامة في المغني، 2/ 369.
(4)
من سنن أبي داود، برقم1414.
(5)
من سنن البيهقي، 2/ 325.
(6)
أبو داود، كتاب سجود القرآن، باب ما يقول إذا سجد، برقم 1414، والترمذي، كتاب الجمعة، باب ما جاء ما يقول في سجود القرآن، برقم 580، والنسائي، كتاب التطبيق، باب نوع آخر، برقم 1129، وأحمد، 6/ 217، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 265.
(7)
من المستدرك للحاكم، 1/ 220.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني رأيت البارحة فيما يرى النائم كأني أصلي إلى أصل شجرة، فقرأت السجدة فسجدْتُ، فسَجَدَتِ الشجرةُ لسجودي، فسمعتها تقول:((اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، [وتقبَّلْها مني كما تقبَّلْتها من عبدك داود])). قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سجدة ثم سجد، فسمعته يقول في سجوده مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة)) (1).
ويشرع في سجود التلاوة ما يشرع في سجود الصلاة (2).
والصواب أن سجود التلاوة يجوز في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها؛ لأنه من ذوات الأسباب (3).
(1) الترمذي، كتاب الجمعة، باب ما جاء ما يقول في سجود القرآن، برقم 579، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب سجود القرآن، برقم 1053، وعنده (اللهم احطط) بدلاً من ((اللهم اكتب))،ما بين المعقوفين من سنن الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي،1/ 180، وصحيح سنن ابن ماجه، 1/ 173.
(2)
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للإمام عبد العزيز بن باز، 11/ 407، وانظر: الشرح الممتع، 4/ 144.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 82، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/ 313، ومجموع فتاوى ابن باز، 11/ 291.