الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: ((وعليك توكلت)) أي: فوَّضت أمري إليك، واعتمدتُ في كل شأني عليك.
قوله: ((وإليك أنبت)) أي: رجعت وأقبلت بهمتي وطاعتي إليك، وأعرضت عما سواك.
قوله: ((وبك خاصمت)) أي: بك أحتج وأدافع، وأقاتل من عاند فيك، وكفر بك، وأقمعه بالحجة وبالسيف.
قوله: ((وإليك حاكمت)) أي: رفعت محاكمتي إليك في كل من جحد الحق، وجعلتك الحكم بيني وبينه، لا غيرك مما كانت تحاكم إليه الجاهلية وغيرهم، من صنم وكاهن ونار وشيطان .. وغيرها، فلا أرضى إلا بحكمك، ولا أعتمد على غيرك.
قوله: ((فاغفر لي ما قدمت وما أخرت)) أي: من الذنوب.
قوله: ((وما أسررت)) بها، ((وما أعلنت)) منها؛ أي: من المعاصي والذنوب (1).
ثالثاً: فهم وتدبّر معاني الاستعاذة:
1 -
"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"
قوله: ((أعوذ بالله)) أي: ألتجئ وأعتصم به، فالله سبحانه هو الملاذ، وهو المعاذ، فاللياذ: لطلب الخير، والعياذ: للفرار من الشر.
قال الشاعر:
(1) انظر: العلم الهيب في شرح الكلم الطيب للعيني، ص 271 - 276، وشرح حصن المسلم بتصحيح المؤلف، ص 87 - 90.
يا من ألوذ به فيما أؤمله
…
ومن أعوذ به ممن أحاذره
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره
…
ولا يهيضون عظماً أنت جابره (1)
قوله: "من الشيطان": اسم: جنس يشمل الشيطان الأول الذي أُمر بالسجود لأبينا آدم عليه السلام فلم يسجد، ويشمل ذريته أيضاً، وهو من "شطن" إذا بعُد، لبُعده من رحمة الله؛ فإن الله لعنه أي: طرده وأبعده عن رحمته.
قوله: "الرجيم" فعيل بمعنى: راجم، وبمعنى: مرجوم. فهو راجم، أي: يرجم غيره بالإغواء، فهو يؤز أهل المعاصي إلى المعاصي أزاً، قال اللَّه تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} (2). وهو مرجوم: بلعنة الله، وطرده، وإبعاده عن رحمته، قال تعالى:{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} (3).
وفائدة الاستعاذة هنا: ليكون الشيطان بعيداً عن قلب المرء، وهو يتلو كتاب الله عز وجل حتى يحصل له بذلك تدبّر القرآن، وتفهّم معانيه، والانتفاع به (4).
ومن لطائف الاستعاذة: أنها طهارة للفم، مما كان يتعاطاه: من اللّغو، والرفث، وتطييب له، وتهيّؤٌ لتلاوة كلام الله، وهي استعانة
(1) تفسير القرآن العظيم، ص 21.
(2)
سورة مريم، الآية:83.
(3)
سورة الحجر، الآيتان: 34 - 35.
(4)
انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير، ص 21، والشرح الممتع، 3/ 71 - 73.
بالله، واعتراف له بالقدرة، وللعبد بالضعف، والعجز عن مقاومة العدو المبين، الباطني، الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه، الذي يراه وهو لا يراه، فهو في مقابل ذلك يستعين بالذي يرى الشيطان، ولا يراه الشيطان، فالمسلم يلجأ إلى الله من الشيطان أن يضرَّه في دينه أو دنياه، بصدِّه عن فعل ما أُمر به، أو بحثِّه على فعل ما نُهي عنه (1).
2 -
((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه)) (2).
قوله: ((من همزه)): فسَّره بعض الرواة بالمؤتة، بضم الميم، وفتح التاء: نوع من الجنون والصرع يعتري الإنسان، فإذا أفاق عاد إليه عقله.
قوله: ((ونفخه)): فسَّره الراوي بالكِبْر، وكان الكِبْر من نفخ الشيطان؛ لأنه ينفخ في الشخص بالوسوسة، فيعتقد عظم نفسه، وحقارة غيره.
قوله: ((ونفثه)): فسَّره الراوي بالشعر، والمراد: الشعر المذموم كالهجاء (3)؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن من الشعر حِكَماً)) (4).
(1) انظر: تفسير القرآن العظيم، ص 21،طبعة دار السلام، وطبعة دار عالم الكتب المحققة،1/ 174.
(2)
أحمد في مسنده، 3/ 50، برقم 11374، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بسبحانك، 1/ 490، برقم 775، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، 2/ 9، برقم 242، وحسَّن إسناده الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ص 96.
(3)
انظر: سبل السلام، كتاب الصلاة، باب التعوذ قبل القراءة، 1/ 278، الحديث رقم 256.
(4)
الترمذي، كتاب الأدب، باب ما جاء أن من الشعر حكمة، 5/ 126، برقم 2845، وقال: حديث حسن صحيح. من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم 2215، وهو في صحيح البخاري، برقم 6145 بلفظ:((إن من الشعر حكمة)) عن أبي بن كعب رضي الله عنه.