الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق
إذا ظهرت آثار الخشوع على الجوارح، ولم يكن في القلب شيء منه، فهذا خشوع النفاق؛ ولهذا قال حذيفة رضي الله عنه:((إياكم وخشوع النفاق، فقيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعاً، والقلب ليس بخاشع)) (1).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وقال بعض العارفين: حسن أدب الظاهر عنوان أدب الباطن، ورأى بعضهم رجلاً خاشع المنكبين والبدن، فقال: يا فلان، الخشوع ها هنا - وأشار إلى صدره- لا ها هنا- وأشار إلى منكبيه-،
…
)) (2)، ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً طأطأ رقبته في الصلاة فقال:((يا صاحب الرقبة، ارفع رقبتك، ليس الخشوع في الرقاب، إنما الخشوع في القلوب)) (3).
ورأت عائشة رضي الله عنها شباباً يمشون ويتماوتون في مشيتهم، فقالت لأصحابها: من هؤلاء؟ قالوا نُسَّاك (أي عُبَّاد)، فقالت:((كان عمر بن الخطاب إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع، وإذا أطعم أشبع، وكان هو الناسك حقّاً)) (4).
(1) ذكره ابن القيم في مدارج السالكين، 1/ 521، وابن رجب في كتاب الخشوع في الصلاة، ص 13، وأخرجه الديلمي، في مسند الفردوس، 2/ 204، برقم 3007، وابن عدي، في الكامل في الضعفاء، 3/ 455، ترجمة رقم871.
(2)
ذكره ابن القيم في: مدارج السالكين، 1/ 521، والأثر في حلية الأولياء، 10/ 230، واعتبره صاحب كتاب تكميل النفع، ص 123غير صحيح نسبته لعمر رضي الله عنه.
(3)
مدارج السالكين، 1/ 521، وأورده صاحب إحياء علوم الدين، 5/ 41.
(4)
مدارج السالكين، 1/ 521، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح السماوي بتخريج أحاديث القاضي البيضاوي، 2/ 916:((وَكَأَنَّهُ أَخذه من الْفَائِق))، وقال العجلوني في كشف الخفاء، 1/ 452:((وهو في النهاية والفائق وغيرهما)).
وقال الفضيل: ((كان يُكْرَهُ أن يُرِيَ الرجلُ من الخشوع أكثر مما في قلبه)) (1).
وقال حذيفة رضي الله عنه: ((أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ورُبَّ مُصَلٍّ لا خير فيه، ويوشك أن تدخل مسجد الجماعة، فلا ترى فيهم خاشعاً)) (2).
وقال سهل: ((من خشع قلبه لم يقرب منه الشيطان)) (3)(4).
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: ((والفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق، أن خشوع الإيمان هو خشوع القلب لله بالتعظيم، والإجلال، والوقار، والمهابة، والحياء، فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل، والخجل، والحب، والحياء، وشهود نعم الله وجناياته هو، فيخشع القلب لا محالة، فيتبعه خشوع الجوارح.
وأما خشوع النفاق، فيبدو على الجوارح تصنُّعاً وتكلُّفاً، والقلب غير خاشع، وكان بعض الصحابة يقول: أعوذ بالله من خشوع النفاق، قيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن يُرى الجسد خاشعاً، والقلب غير خاشع، فالخاشع لله عبد قد خمدت نيران شهوته،
(1) مدارج السالكين، 1/ 521، وذكره القشيري في رسالته الشهيرة، ص 68.
(2)
مصنف ابن أبي شيبة، 7/ 140، برقم 34808، وحلية الأولياء، 1/ 281، وقال المناوي في فيض القدير، 3/ 114:((قال الزين العراقي في شرح الترمذي وتبعه الهيثمي: فيه عمران القطان ضعفه ابن معين، والنسائي، ووثقه أحمد)).
(3)
ذكره الثعالبي في تفسيره، 3/ 64 وعزاه لسهل التستري أيضاً، ومثله الفيروزأبادي في بصائر ذوي التمييز، 1/ 722.
(4)
ذكر هذه الآثار ابن القيم في مدارج السالكين، 1/ 521 - 522.
وسكن دخانها عن صدره، فانجلى الصدر، وأشرق فيه نور العظمة، فماتت شهوات النفس للخوف والوقار الذي حُشِيَ به، وخمدت الجوارح، وتوقّر القلب، واطمأنّ إلى الله وذكره بالسكينة التي نزلت عليه من ربه، فصار مُخبِتاً له، والمخبت (1) المطمئنّ، فإن الخبت من الأرض ما اطمأنّ (2) فاستنقع فيه الماء.
فكذلك القلب المخبت قد خشع واطمأن (3) كالبقعة المطمئنة من الأرض التي يجري إليها الماء فيستقر فيها، وعلامته أن يسجد بين يدي ربه - إجلالاً، وذُلاًّ، وانكساراً بين يديه - سجدة، لا يرفع رأسه عنها حتى يلقاه
…
فهذا خشوع الإيمان.
وأما التماوت، وخشوع النفاق، فهو حالُ عبدٍ تكلَّف إسكان الجوارح تَصنُّعاً، ومراعاة، ونفسه في الباطن شابة طرية ذات شهوات، وإرادات، فهو يتخشع (4) في الظاهر، وحية الوادي، وأسد الغابة رابض بين جنبيه ينتظر الفريسة)) (5).
(1) انظر: مفردات غريب القرآن للراغب، ص 141.
(2)
وفي مخطوطة: (ما تطامن).
(3)
وفي بعض المخطوطات: (ما تطامن).
(4)
وفي مخطوطة: (متخشع).
(5)
كتاب الروح لابن القيم، تحقيق د. بسام علي سلامة العموش، الطبعة الأولى 1406هـ، نشر دار ابن تيمية، المملكة العربية السعودية، الرياض، 2/ 694 - 695.