الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
((التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله)) تقديره: التحيات، والمباركات، والصلوات، والطيبات لله، ولكن حُذفت الواو اختصاراً، وهو جائز معروف في اللغة، ومعنى الحديث: إن التحيات وما بعدها مستحقة لله تعالى، ولا تصلح حقيقتها لغيره (1).
3 -
((التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ)) (2).
الثاني عشر: فهم وتدبر معاني الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
-:
1 -
((اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)) (3).
قوله: ((اللهم)) معناها: يا الله، لكن حُذفت ((يا)) النداء، وعُوّض عنها بالميم، وجُعلت في الآخر تيمناً بالبداءة باسم الله عز وجل، وكانت ميماً، ولم تكن جيماً، ولا حاء مثلاً؛ لأن الميم أدل على الجمع؛ ولهذا
(1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 4/ 198.
(2)
مسلم، في الموضع الذي قبل السابق، برقم 404، وما بين المعقوفين عند النسائي، برقم 1173، وأبو داود، برقم 971.
(3)
البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حدثنا موسى بن إسماعيل، برقم 3370 من حديث كعب بن عجرة، وهذا أكمل لفظ في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء حديث كعب هذا مختصراً في البخاري، برقم 4797، ورقم 6357، وفي مسلم، برقم 406.
تجتمع الشفتان فيها، فكأن الداعي جمع قلبه على ربه ودعا.
و ((اللهم)) ((الله)) منادى مبنيٌّ على الضّمِّ في محلّ نصب، ومعنى الله: أي: ذو الألوهية الذي يألَهُه كل من تعبّد له سبحانه وتعالى.
((صلِّ على محمد)) وأحسن ما قيل في معناها ما ذكره أبو العالية رحمه الله: أن صلاة الله على نبيه: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، أي: عند ملائكتك المقربين، وقيل: معناه عظِّمْهُ في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته، وتضعيف أجره ومثوبته، وما ورد بصيغة الأمر موجَّهاً من المخلوق إلى الخالق، فهو دعاء؛ لأن المخلوق لا يأمر الخالق سبحانه.
قوله: ((وعلى آل محمد)) أي: وصلِّ على آل محمد، وهم أتباعه على دينه، لكن لو قيل: وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه، صار المراد بآله: قرابته المؤمنون، وبأصحابه: من رآه مؤمناً به ومات على ذلك، وبأتباعه: أتباعه على دينه إلى يوم القيامة.
قوله: ((كما صليت على إبراهيم)): الكاف هنا للتعليل، وهنا توسل بفعل الله السابق لتحقيق الفعل اللاحق؛ يعني: كما أنك سبحانك سبق الفضل منك إلى إبراهيم عليه السلام وأتباعه، فألحق الفضل منك على محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه، فأتباع إبراهيم فيهم الأنبياء الذين ليس في أتباع محمد مثلهم، فإذا طُلب للنبي صلى الله عليه وسلم ولأتباعه من الصلاة عليه مثل ما لإبراهيم وأتباعه، وفيهم الأنبياء حصل لأتباع محمد من ذلك ما يليق بهم؛ فإنهم لا يبلغون مراتب الأنبياء، وتبقى الزيادة التي للأنبياء - وفيهم إبراهيم - لمحمد صلى الله عليه وسلم، فيحصل له من المزية ما لا يحصل لغيره (1).
وقد اشتهر الخلاف والتساؤل بين العلماء عن وجه التشبيه في قوله: ((كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم))؛ لأن المقرر أن المشبه دون المشبه به، والواقع هنا عكسه؛ إذ أن محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وقضية كونه أفضل؛ أن تكون الصلاة المطلوبة أفضل من كل صلاة حصلت أو تحصل.
واستحسن كثير من العلماء قول من قال: ((إن آل إبراهيم فيهم الأنبياء الذين ليس في آل محمد مثلهم، فإذا طُلب للنبي صلى الله عليه وسلم ولآله من الصلاة عليه مثل ما لإبراهيم وآله وفيهم الأنبياء؛ حصل لآل محمد من ذلك ما يليق بهم؛ فإنهم لا يبلغون مراتب الأنبياء، وتبقى الزيادة التي للأنبياء - وفيهم إبراهيم - لمحمد صلى الله عليه وسلم، فيحصل له من المزية
(1) انظر: الشرح الممتع، لابن عثيمين، 3/ 230 - 232، وقد ذكر الخلاف عند العلماء: هل الكاف في قوله: ((كما صليت على آل إبراهيم)) للتشبيه أو للتعليل، فراجع هذا المسألة هناك تفصيلاً.
ما لا يحصل لغيره)).
قال العلامة ابن القيم رحمه الله مُعلِّقاً على هذا القول: ((وهذا أحسن ما قيل، وأحسن منه أن يقال: محمد صلى الله عليه وسلم هو من آل إبراهيم، بل هو خير آل إبراهيم، كما روى علي بن طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (1)؛ قال ابن عباس: ((محمد من آل
(1) سورة آل عمران، الآية:33.
إبراهيم))، وهذا نص [فإنه] إذا دخل (1) غيره من الأنبياء الذين هم من ذرية إبراهيم في آله؛ فدخول رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى؛ فيكون قولنا:((كما صليت على آل إبراهيم)) متناولاً للصلاة عليه وعلى سائر النبيين من ذرية إبراهيم، ثم قد أمرنا الله تعالى أن نُصلِّي عليه وعلى آله خصوصاً؛ بقدر ما صلينا عليه مع سائر آل إبراهيم عموماً وهو فيهم، ويحصل لآله من ذلك ما يليق بهم، ويبقى الباقي كله له صلى الله عليه وسلم)).
قال: ((ولا ريب أن الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أكمل من الصلاة الحاصلة له دونهم، فيطلب له من الصلاة هذا الأمر العظيم الذي هو أفضل مما لإبراهيم قطعاً، ويظهر حينئذٍ فائدة التشبيه وجريه على أصله، وأن المطلوب له من الصلاة بهذا اللفظ أعظم من المطلوب له بغيره؛ فإنه إذا كان المطلوب بالدعاء إنما هو مثل المشبه به، وله أوفر نصيب منه؛ صار له من المشبه المطلوب أكثر مما لإبراهيم وغيره، وانضاف إلى ذلك مما له من المشبه به من الحصة التي لم تحصل لغيره، فظهر بهذا من فضله وشرفه على إبراهيم، وعلى كلٍّ من آله - وفيهم النبيون - ما هو اللائق به، وصارت هذه الصلاة دالة على هذا التفضيل وتابعة له، وهي من موجباته ومقتضياته)) (2).
قوله: ((إنك حميد مجيد)): حميد بمعنى فاعل، وبمعنى مفعول،
(1) [انظر: جلاء الأفهام، لابن القيم، ص 290، وانظر التفصيل في ذلك هذا المرجع من ص 287 - 291، وهو الفصل السادس من جلاء الأفهام.
(2)
انظر: المرجع السابق، ص 290، وشرح حصن المسلم بتصحيح المؤلف، ص 123 - 124.
فهو حامد ومحمود، حامد لعباده وأوليائه الذين قاموا بأمره، ومحمود يُحمد عز وجل على ما له من صفات الكمال في ذاته، وصفاته، وأفعاله بألسنة خلقه.
وأما ((مجيد)) فهي: فعيل بمعنى فاعل، أي: ذو المجد، والمجد هو: العظمة وكمال السلطان، وهو كالتعليل لما قبله؛ لأن المطلوب تكريم الله لنبيه، وثناؤه عليه في الملأ الأعلى، والتنويه به، وزيادة تقريبه، وذلك مما يستلزم طلب الحمد والمجد.
قوله: "اللهم بارك على محمد" أي: أنزل البركة على محمد صلى الله عليه وسلم، والبركة مأخوذة من البِرْكَةِ، وهو مجتمع الماء، ولا يكون إلا على وجه الكثرة، والقرار، والثبوت، وعليه: فالبركة هي كثرة الخيرات، ودوامها، واستمرارها في العمل، وفي الأثر: أما البركة في العمل: فبأن يوفق الله الإنسان لعمل لا يوفق له من نُزعت منه البركة.
وأما البركة في الأثر: فبأن يكون لعمله آثارٌ جليلة نافعة ينتفع بها الناس، ولا شك أن بركة النبي صلى الله عليه وسلم لا نظير لها؛ وذلك لأن الله جعل أمته أكثر الأمم؛ ولأن اجتهادهم في الخير أكثر من اجتهاد غيرهم، فبورك له صلى الله عليه وسلم فيمن اتبعه، وبورك له في عمل من اتبعه.
قوله: ((وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم)) توسلٌ بفعل الله السابق إلى فعله اللاحق، كأنك تقول: كما أنك يا رب قد تفضّلت على أتباع إبراهيم، وباركت عليهم، فبارك على محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه (1).
(1) انظر: الشرح الممتع، 3/ 234، والمنهل العذب، 6/ 85 - 87.
2 -
((اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَآلِ إبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)) (1).
3 -
((اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ؛ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَآلِ إبْرَاهِيمَ)) (2).
فائدة: لا يُشرع تلفيقُ صيغة صلاة واحدة من مجموع هذه الصيغ، وكذلك يقال في صيغ التشهد المتقدمة، وكذلك صيغ الاستفتاحات، لا يجمع بين ذلك، بل ذلك بدعة في الدين، وإنما السنة أن يقال هذا تارة، وهذا تارة، وهذا تارة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَطَرْدُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنْ يَذْكُرَ التَّشَهُّدَ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمَأْثُورَةِ، وَأَنْ يُقَالَ الِاسْتِفْتَاحُ بِجَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمَأْثُورَةِ، وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَسْتَحِبَّهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ، بَلْ عَمِلُوا بِخِلَافِهِ، فَهُوَ بِدْعَةٌ فِي الشَّرْعِ، فَاسِدٌ فِي الْعَقْلِ)) (3).
4 -
((اللهمَّ صَلِّ عَلَى مُحمَّدٍ وعَلَى أزواجِهِ وذُرِّيتهِ، كمَا صَلَّيْتَ علَى آلِ إبْراهيمَ، وبَارِكْ عَلى مُحمَّدٍ، وَعَلَى أزْوَاجِهِ وذُرِّيَّتِهِ، كمَا
(1) النسائي، كتاب السهو، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، 3/ 48، برقم 1290، من حديث طلحة رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ص 166.
(2)
البخاري، كتاب الدعوات، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 6358.
(3)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 22/ 458.