الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن راحلته فيهريق الماء ثم يركب فيقرأ السجدة فيسجد)) (1)].
الحادي عشر: فهم وتدبر معاني التشهد:
1 -
((التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهُ إِلَاّ اللَّهُ [وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ] وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ)) (2).
قوله: ((التحيات لله)): جمع تحية، والتحية هي التعظيم، فكل لفظ يدل على التعظيم فهو تحية، والمعنى: أن كل نوع من أنواع التحيات على سبيل العموم والكمال لا يكون إلا لله عز وجل، فنحن نُعَظِّم الله سبحانه ليس لأنه بحاجة إلى ذلك، ولكن هو أهل للتعظيم، فنعظِّمه لحاجتنا لذلك.
قوله: ((والصلوات)) أي: والصلوات لله، أي: كل الصلوات: فرضها، ونفلها لله سبحانه، وجميع العبادات، وكل الأدعية التي يراد بها تعظيم الله تعالى هو مستحقها، لا أحد يستحقها، وليست حقّا لأحد سوى الله عز وجل.
(1) البخاري بصيغة الجزم، في كتاب سجود القرآن، باب سجود المسلمين مع المشركين. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 2/ 645:((وأخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح)).
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة، برقم 831، ورقم 835، ومسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم 402، وما بين المعقوفين للنسائي في السنن، برقم 1168.
قوله: ((والطيبات)): منها: ما يتعلق بالله، ومنها ما يتعلق بأعمال العباد، فما يتعلق بالله فله من الأوصاف أطيبها، ومن الأعمال أطيبها، ومن الأقوال أطيبها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله طيب
…
)) (1)، يعني: لا يقول إلا الطيب، ولا يفعل إلا الطيب، ولا يتَّصف إلا بالطيب، فالله سبحانه طيب في كل شيء: في ذاته، وصفاته، وأفعاله.
وما يتعلق بأعمال العباد: القولية والفعلية، فله سبحانه منها الطيب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((
…
لا يقبل إلا طيباً)) (2)، فإن الطيب لا يليق به إلا الطيب، ولا يقدم له إلا الطيب، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ} (3)، وما ليس بطيب فهو إلى الأرض، لا يصعد إلى السماء، وهو تعالى: لا يقبل إلاّ الطيب: من أقوال العباد، وأفعالهم، واعتقاداتهم.
قوله: ((السلام عليك)) المراد بالسلام: اسم الله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله هو السلام)) (4)، وقال الله تعالى:{الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ} (5)، ومعنى سلام الله على الرسول، أي بالحفظ، والكلاءة، والعناية، فكأننا نقول: الله عليك، أي: رقيب حافظ معتنٍ بك، حافظ لك من الآفات، وما أشبه ذلك.
(1) يأتي تخريجه في الذي بعده.
(2)
مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، برقم 1015.
(3)
سورة فاطر، الآية:10.
(4)
البخاري، كتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة، برقم 831، ومسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم 402، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(5)
سورة الحشر، الآية:23.
وقيل: السلام بمعنى التسليم، أي: ندعو له بالسلامة من كل آفة، وإن قال قائل يكون هذا الدعاء في حياته عليه الصلاة والسلام واضحاً، لكن بعد مماته، كيف يناسب أن ندعو له بالسلامة؟ والجواب ليس الدعاء بالسلامة مقصوراً في حال الحياة، فهناك أهوال يوم القيامة؛ ولهذا كان دعاء الرسل أثناء عبور الناس الصراط:((اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ)) (1)، فالمرء لا ينتهي من المخاوف والآفات بمجرد موته.
كما قد يكون السلام بمعنى أعم؛ وهو السلام على شرعه وسنته وسلامتها من أن تنالها أيدي العابثين.
قوله: ((أيُّها النبي)): منادى حُذفت منه ((يا)) النداء، والأصل: يا أيها النبي، وقيل في حكمة وصفه صلى الله عليه وسلم هنا بالنّبوّة؛ ليجتمع له الوصفان؛ فإنه وُصف بالرسالة في آخر التشهد، وإن كانت الرسالة تستلزم النبوة، فالتصريح بها أبلغ.
قوله: ((ورحمة الله)) أي: ورحمة الله عليك، والرحمة إذا قُرِنت بالمغفرة، أو بالسلام، صار المراد بها: ما يحصل به المطلوب، والمغفرة والسلام: ما يزول به المرهوب، وإن أُفردت شملت الأمرين جميعاً، فأنت بعد أن دعوت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلام، دعوت له بالرحمة؛ ليزول المرهوب، ويحصل له المطلوب.
قوله: ((وبركاته)): جمع بِرْكَة: وهي الخير الكثير الثابت، فندعو
(1) البخاري، كتاب الأذان، باب فضل السجود، برقم 806، ومسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، برقم 182، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبارك فيه بكثرة أتباعه، وكثرة عمل أتباعه؛ لأن كل عمل صالح يفعله أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فله مثل أجورهم إلى يوم القيامة، وبهذا يُردُّ على من يُهدون ثواب القُرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن هذا بدعة ضلالة.
قوله: ((السلام علينا)): السلام هنا بنفس ما مضى في ((السلام عليك))، ونون الجماعة في ((علينا)) يراد بها الشخص نفسه، وجميع الأمة المحمدية، واستدل به على استحباب البداءة بالنفس في الدعاء، ومنه قول نوح وإبراهيم عليهما السلام في القرآن.
قوله: ((وعلى عباد الله الصالحين)): هذا تعميم بعد تخصيص؛ لأن عباد الله الصالحين هم: كل عبد صالح في السماء والأرض، حي أو ميت، من الآدميين والملائكة، والجن، وعباد الله هم الذين تعبَّدوا لله: أي تذللوا له بالطاعة امتثالاً للأمر، واجتناباً للنهي، فالعبادة مبنيَّةٌ على أمرين: الحب، والتعظيم.
فبالحب يكون طلب الوصول إلى مرضاة المعبود، وبالتعظيم يكون الهرب من الوقوع في معصيته؛ لأنك تحبه فتطلبه، وتعظمه فتخافه. وأما شرطا قبول العبادة فهما: الإخلاص لله، والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} (1).
وعباد الله الصالحون هم الذين صلحت سرائرهم وظواهرهم بأمرين:
(1) سورة الكهف، الآية:110.
الأول: بإخلاص العبادة لله، والثاني: بمتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وضد ذلك عباد الله الفاسدون، إما بالسرائر، وإما بالظواهر، فالمشرك فاسد بالسريرة، والمبتدع فاسد الظاهر؛ لأن بعض المبتدعة يريد الخير، لكنه فاسد الظاهر لم يمش على الطريق الذي رسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشرك فاسد الباطن، ولو عمل عملاً ظاهره الصحة والصلاح مثل المرائي.
قوله: ((أشهد أنْ لا إلهَ إلَاّ الله)): أشهد، أبلغ من قول: أُخبر؛ لأن الخبر قد يكون عن سماع، والشهادة لا تكون إلا عن قطع، كأنما يشاهد الإنسان بعينيه.
وهذه كلمة التوحيد التي أُرسل بها جميع الرسل، ومعناها: لا معبود حق إلاّ الله.
قوله: ((وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)): شهادة بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم عبدٌ لله، لا شريك، فهو بشر مثلنا تميّز عنا بالوحي، وبما جبله الله عليه من العبادة والأخلاق، وبأنه رسولٌ أرسله الله جلّ وعلا، وجعله واسطة بينه وبين الخلق في تبليغ شرعه فقط (1).
2 -
((التَّحِيَّاتُ، الْمُبَارَكَاتُ، الصَّلَوَاتُ، الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ)) (2).
(1) انظر: الشرح الممتع، 3/ 203 - 219، والمنهل العذب، 6/ 71 - 73، وحاشية الروض المربع، 2/ 66 - 69.
(2)
مسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم 403 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.