الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوضوء)) (1)، وأورده ابن كثير في تفسيره في آخر سورة الروم، ثم قال:((وهذا إسناد حسن، ومتن حسن، وفيه سرٌّ عجيب، ونبأ غريب، وهو أنه صلى الله عليه وسلم تأثر بنقصان وضوء من ائتمَّ به، فدلّ ذلك على أن صلاة المأموم متعلقة بصلاة الإمام)) (2).
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله في موضع آخر: ((فدلَّ هذا على أن إكمال الطهارة يُسهِّلُ القيام في العبادة، ويُعين على إتمامها، وإكمالها، والقيام بمشروعاتها)) (3).
وقال السندي رحمه الله تعالى عن الحديث المذكور: ((وفيه تأثير الصحبة، وأن الأكملين في أكمل الأحوال يظهر فيهم أدنى أثر، والله تعالى أعلم)) (4).
ومما تقدم يتضح: أن النقص في الطهارة يؤثر على المُصلِّي، ويتعدَّى تأثيره إلى الإمام إذا كان ذلك المُقصِّر في الوضوء يصلِّي في جماعة، والله المستعان (5).
السبب الحادي والخمسون: المحافظة على صفة الصلاة الكاملة الخاشعة من كل وجه:
أعظم الأسباب الجالبة للخشوع في الصلاة: أن يصلِّي المسلم الصلاة الكاملة من كل وجهٍ، وذلك: بإكمال شروطها قبل الدخول
(1) أحمد، 25/ 208، برقم 15872، وبرقم 15873، ورقم 15874، و 38/ 169، برقم 23072، وبرقم 23125، وحسنه محققو المسند، 25/ 211، وفي 38/ 169، 206.
(2)
تفسير القرآن العظيم، ونقله عنه محققو المسند، 25/ 210.
(3)
تفسير القرآن العظيم، 7/ 289 عند تفسير الآية 108 من سورة التوبة.
(4)
حاشية السندي على سنن النسائي، 2/ 157.
(5)
انظر: الخشوع في الصلاة، لمحمد لطفي الصباغ، ص57.
فيها، والقيام بإكمال أركانها، وواجباتها، وخشوعها، وسننها، والابتعاد عن مبطلاتها، ومكروهاتها.
وصفة الصلاة الكاملة من كل وجهٍ: أن يصلي المسلم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي؛ لحديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((
…
صلوا كما رأيتموني أصلي)) (1). فينبغي للمسلم أن يصلِّي الصلاة بخشوع النحو الآتي:
1 -
يسبغ الوضوء وهو أن يتوضأ كما أمره الله عز وجل عملاً بقوله سبحانه وتعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النساء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (2)؛ ولحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)) (3)، فيجب على المسلم العناية بالطهارة، قبل دخول الصلاة (4).
2 -
يتوجه إلى القبلة، وهي الكعبة، لقول الله تعالى:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} (5)؛ ولحديث أبي هريرة
(1) البخاري، كتاب الأذان، باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة، برقم 631.
(2)
سورة المائدة، الآية:6.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة برقم 224.
(4)
انظر: طهور المسلم للمؤلف ص63.
(5)
سورة البقرة، الآية:144.
- رضي الله عنه في قصة المسيء صلاته: ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة
…
)) (1).
3 ـ يجعل له سترة يصلِّي إليها إن كان إماماً أو منفرداً؛ لحديث سبرة بن معبدٍ الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليستترْ أحدُكم في الصلاة ولو
بسهمٍ)) (2)؛ولحديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قام أحدُكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل مؤخرة الرَّحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل فإنه يقطع صلاته: الحمار، والمرأة، والكلب الأسود)) (3). ويتأكد الدّنوُّ من السترة والصلاة إليها؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا صلى أحدُكم فليصلِّ إلى سترةٍ، وليدنُ منها)) (4). ويجعل بينه وبين سترته قدر ممر الشاة، أو قدر مكان السجود، ولا يزيد على قدر ثلاثة أذرع، وكذلك بين الصفوف؛ لحديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: ((كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 793،ومسلم بلفظه، برقم 397،وتقدم تخريجه في التحذير من ترك الخشوع في الصلاة.
(2)
أخرجه الحاكم،1/ 252، بنحوه، والطبراني في الكبير، 7/ 114 بلفظه، برقم 6539، وأحمد، 3/ 404 بلفظ:((إذا صلى أحدكم فليستتر لصلاته ولو بسهم))،وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد،2/ 58، وقال:((رجال أحمد رجال الصحيح))، وسمعت سماحة العلامة ابن باز رحمه الله يقول في تعليقه على بلوغ المرام، الحديث رقم 244:((دل هذا الحديث على تأكد السترة ولو بسهم)).
(3)
مسلم، كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم 510.
(4)
أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه، برقم 698، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 135:((حسن صحيح))، وسمعت العلامة ابن باز رحمه الله يقول في تعليقه على حديث 244 من بلوغ المرام:((إسناده جيد، وهو يدل على تأكد السترة والدّنوِّ منها)).
الجدار ممر الشاة)) (1).
وإذا أراد أحد أن يمر بين يديه ردّه، ودافعه؛ فإن لم يمتنع دافعه بقوة؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعْه، فإن أبى فليقاتلْه؛ فإنما هو شيطان)) (2). وفي رواية لمسلم: ((فإن معه القرين)) (3). ولا يجوز المرور بين يدي المصلي؛ لحديث أبي جُهيم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلمُ المارُّ بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمرَّ بين يديه)) قال أبو النضر أحد الرواة: لا أدري قال: أربعين يوماً، أو شهراً، أو سنة (4).
وسترة الإمام سترة لمن خلفه؛ لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وفيه: أنه أقبل راكباً على حمارٍ أتانٍ، وهو يومئذ قد ناهز الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بمنى في حجة الوداع يصلي بالناس إلى غير جدار، فسار ابن عباس على حماره بين يدي بعض الصف الأول، ثم نزل عنه فصف مع الناس وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر ذلك عليه أحد (5). وسمعت شيخنا
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب قدر كم ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة برقم 496، ومسلم، كتاب الصلاة، باب دنو المصلي من السترة، برقم 508، وانظر: سبل السلام للصنعاني، /145.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، بابٌ: يردُّ المصلي من مرَّ بين يديه، برقم 509، ومسلم، كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم 505.
(3)
مسلم في الكتاب والباب السابقين، برقم 506، وسمعت سماحة العلامة ابن باز أثناء شرحه لبلوغ المرام، حديث رقم 248، يقول:((وهذا يدل على أنه يشرع للمصلي إذا مر أحد بينه وبين سترته أن يرده، وظاهر النصوص الأخرى أن يردّه مطلقاً سواء كان له سترة أم لا، إلا إذا كان بعيداً، ويردّ المار بالأسهل فالأسهل كما يردُّ الصائل)).
(4)
متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب إثم المار بين يدي المصلي، برقم 510، ومسلم، كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم 507.
(5)
متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب: سترة الإمام سترة من خلفه، برقم 493، وألفاظه من هذا ومن رقم 1857، 4412، ومسلم، كتاب الصلاة، باب سترة المصلي، برقم 504.
الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول: ((هذا يدل على أن المأمومين سترتهم سترة إمامهم، فلا يضرهم من مرّ من أمامهم إذا كان لإمامهم سترة)) (1).
4 -
يكبّر تكبيرة الإحرام، قائماً، قاصداً بقلبه فعل الصلاة التي يريدها: من فريضة أو نافلة؛ تقرباً لله تعالى، قائلاً: الله أكبر، ناظراً ببصره إلى محل سجوده، رافعاً يديه مضمومتي الأصابع، ممدودة إلى حذو منكبيه، أو إلى حيال أذنيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء صلاته:((إذا قمت إلى الصلاة فكبر)) (2)، ولقول الله تعالى:{وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ} (3)؛ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله عنه: ((صلِّ قائماً، فإن لم تستطعْ فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جَنْبٍ)) (4)؛ ولحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنما الأعمال بالنيات)) (5)،ولا ينطق بلسانه بالنية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطق بها، ولا أصحابه رضي الله عنهم (6)؛ ولحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبّر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع، ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود. وفي لفظ: ((وإذا قام
(1) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري على الحديث رقم 493، في جامع سارة بالرياض، بتاريخ 10/ 6/1419هـ.
(2)
متفق عليه: البخاري، برقم 793، ومسلم، برقم 397، وتقدم تخريجه.
(3)
سورة البقرة، الآية:238.
(4)
البخاري، كتاب تقصير الصلاة، بابٌ: إذا لم يطق قاعداً صلى على جنب، برقم 1117.
(5)
متفق عليه: البخاري، برقم1، ومسلم، برقم 1907، وتقدم تخريجه.
(6)
انظر: مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز، 11/ 8.
من الركعتين رفع يديه)) (1)،
وفي حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يُحاذيَ بهما أذنيه، وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذيَ بهما أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع فقال:((سمع الله لمن حمده))، فعل مثل ذلك، وفي لفظ لمسلم:((حتى يحاذي بهما فروع أذنيه)) (2).
والأحاديث الواردة في ابتداء رفع اليدين جاءت على وجوهٍ ثلاثة:
الوجه الأول: جاء ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه ثم كبّر، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للصلاة رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه، ثم كبر)) (3)؛ ولحديث أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه يُحدِّث به في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يُحاذيَ بهما منكبيه ثم يُكبِّر)) (4).
الوجه الثاني: جاء ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كبر ثم رفع يديه، فعن أبي قلابة أنه ((رأى مالك بن الحويرث إذا صلى كبَّر ثم رفع يديه
…
وحدَّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل هكذا)) (5).
الوجه الثالث: جاء ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه مع التكبير، وانتهى منه مع انتهائه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء، برقم 735، ورقم 739، ومسلم، كتاب الصلاة، برقم 390 ..
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع، وإذا رفع، برقم 737، ومسلم واللفظ له، في كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع، وفي الرفع من الركوع، وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود، برقم 391.
(3)
مسلم، كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين، برقم 390.
(4)
أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب سنة الجلوس في التشهد برقم 828، واللفظ لأبي داود، برقم 730.
(5)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب رفع اليدين إذا كبر، برقم 737، ومسلم واللفظ له، كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين، برقم 391.
افتتح التكبير في الصلاة، فرفع يديه حين كبّر حتى جعلهما حَذْوَ منكبيه)) (1). فمن فعل صفة من هذه الصفات فقد أصاب السنة (2).
وأما النظر إلى موضع السجود، ومطأطأة الرأس، ورمي البصر نحو الأرض؛ فلما رواه البيهقي والحاكم، وشهد له حديث عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، أو لتُخْطَفَنَّ أبصارُهم)) (4).
5 -
يضع يديه على صدره بعد أن ينزلهما من الرفع، اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد؛ لحديث وائل بن حُجْر قال:((صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى على صدره)) (5)، وفي لفظ:((ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفِّه اليسرى والرُّسغ والساعد)) (6)، وهذا يَعمُّ
(1) البخاري، كتاب الأذان، باب إلى أين يرفع يديه، برقم 738، ومسلم، كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام، برقم 390.
(2)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 2/ 218، وسبل السلام للصنعاني،2/ 217، والشرح الممتع لابن عثيمين،3/ 39.
(3)
انظر: السنن الكبرى للبيهقي، 2/ 283،5/ 158، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/ 479، وأحمد، 2/ 293، وصحح الألباني ما جاء في هذه الصفة في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ص80.
(4)
مسلم، كتاب الصلاة، باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، برقم 429.
(5)
أخرجه ابن خزيمة، في صحيحه، 1/ 243، برقم 479، والحديث جاء من طرق أخرى بمعناه، وله شواهد. انظر: صحيح ابن خزيمة، 1/ 243، وصفة الصلاة للألباني، ص79، وسمعت سماحة العلامة ابن باز رحمه الله أثناء تقريره على الحديث رقم 293 من بلوغ المرام يقول:((وهكذا رواه أحمد عن قبيصة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يديه على صدره، وإسناده حسن)).
(6)
أبو داود، كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الصلاة، برقم 727، والنسائي، كتاب الافتتاح، باب موضع اليمين من الشمال في الصلاة، برقم 889، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 2/ 68 - 69، وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ص79.
القيام بعد الرفع من الركوع؛ لحديث وائل رضي الله عنه في لفظ آخر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا كان قائماً في الصلاة قبض بيمينه على شماله)) (1)، وهذا الحديث فيه صفة القبض، والأحاديث الأخرى فيها صفة وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:((إذن هاتان صفتان: الأولى قبض، والثانية وضع)) (2)، وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال:((كان الناس يؤمرون أن يضع الرَّجُلُ يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة)).
قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم)) (3)، وسمعت سماحة العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول:((وهذا يحتمل أن يكون نوعاً ثانياً، ويحتمل أن يكون المراد مثل حديث وائل)) (4).
6 -
يستفتح الصلاة بدعاء الاستفتاح وهو أنواع، يأتي بواحد منها ولا يجمع بينها، ولكن ينوِّع لكل صلاة، ومنها:
أ- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا كبر في الصلاة سكت هُنيَّة (5) قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي! أرأيتَ سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: ((أقول: اللهم باعِدْ بيني
(1) النسائي، كتاب الافتتاح، باب وضع اليمنى على الشمال في الصلاة، برقم 887، وصحح إسناده الألباني في صحيح سنن النسائي، 1/ 193.
(2)
الشرح الممتع على زاد المستقنع، 3/ 44.
(3)
البخاري، كتاب الأذان، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، برقم 740.
(4)
سمعته من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 293 من بلوغ المرام.
(5)
هنيَّة: أي وقت لطيف قصير، أو ساعة لطيفة. فتح الباري لابن حجر، مقدمة فتح الباري، ص202.
وبين خَطايايَ كما باعَدْتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نَقِّني من خَطايايَ كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنس، اللهم اغْسلْني من خَطايايَ بالثلج والماء والبَرَدِ)) (1).
ب - وإن شاء قال: ((سبحانك اللهم وبحمدك (2)، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إلهَ غيرُك)) (3).
ج - وإن شاء قال ما ثبت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة (4)
قال: ((وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونُسُكي، ومحياي،
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 743، ومسلم، برقم 598، وتقدم تخريجه في السبب الأربعين في فهم دعاء الاستفتاح.
(2)
سبحانك اللهم وبحمدك: أي سبحانك اللهم وبحمدك سبحتك، والجد هنا: العظمة))، شرح النووي،4/ 355، وقيل: أسبحك حال كوني متلبساً بحمدك. انظر: سبل السلام للصنعاني،2/ 224، وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على الروض المربع، 2/ 22:((يعني بحمدي لك، وثنائي عليك سبحتك: أي نزَّهْتك)).
(3)
مسلم، برقم 399، وتقدم تخريجه في تدبر دعاء الاستفتاح.
(4)
وفي رواية ابن خزيمة، 1/ 236، برقم 464 بلفظ:((كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبّر ويقول .. )) وقال شعيب وعبد القادر الأرناؤوط في تحقيقهما لزاد المعاد،1/ 203:((وإسناده صحيح)). وزاد ابن حبان هذه الزيادة أيضاً، 5/ 70، برقم 1772، ولفظه:((كان إذا ابتدأ الصلاة المكتوبة قال: وجهت وجهي)). وقال الحافظ ابن حجر في الفتح، 2/ 230:((وهو عند مسلم من حديث علي لكنه قيّده بصلاة الليل، وأخرجه الشافعي [في المسند 1/ 72 - 73]، وابن خزيمة، وغيرهما بلفظ: ((إذا صلى المكتوبة واعتمده الشافعي في الأم)) ا. هـ وتعقب الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله كلام ابن حجر في نقله أن مسلماً قيَّده بصلاة الليل فقال: ((هذا وهْمٌ من الشارح رحمه الله وليس في رواية مسلم تقييده بصلاة الليل فتنبه، والله أعلم)) الفتح،2/ 230. وقال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام، 2/ 223 على كلام ابن حجر رحمه الله: ((لم نجده في مسلم هذا الذي ذكره المصنف من أنه كان يقوله في صلاة الليل، وإنما ساق حديث علي رضي الله عنه هذا في قيام الليل)) ..
ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك، وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك)) (1). وإن شاء قال ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأنواع الأخرى في الاستفتاح (2).
(1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل، برقم 771.
(2)
وذكر ابن تيمية رحمه الله في كتاب: ((قاعدة في أنواع الاستفتاح)) ص31: ((أن الاستفتاح لا يختص بـ ((سبحانك اللهم))، و ((وجهت وجهي)) وغيرهما؛ بل يستفتح بكل ما روي، لكن فضل بعض الأنواع على بعض يكون بدليل آخر)).وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله أثناء شرحه لبلوغ المرام لابن حجر على الحديث رقم 287 يقول:((وواحد من أدعية الاستفتاح يكفي، ولا يجمع بين دعاءين، وما صح في صلاة النافلة يصح في الفريضة، لكن ما كان فيه طول فالأولى أن يكون في صلاة الليل)) وتقدم. وهناك أدعية للاستفتاح إضافة إلى ما تقدم منها:
1 -
عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: ((اللهم ربَّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)). مسلم، برقم 771.
2 -
عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً جاء فدخل الصف وقد حفزه النفس، فقال:((الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه)) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( .. لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها)) مسلم، برقم 600.
3 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم: ((الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً)) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( .. عجبت لها فتحت لها أبواب السماء)) مسلم، برقم 601.
4 -
عن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة رضي الله عنها: بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح قيام الليل؟ قالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحدٌ قبلك، كان إذا قام:((كبّر عشراً، وحمد عشراً، وسبَّح عشراً، وهلَّل عشراً، واستغفر عشراً، وقال: اللهم اغفر لي، واهدني، وارزقني، وعافني، أعوذ بالله من ضيق المقام يوم القيامة)). أبو داود، برقم 766، والنسائي، برقم 1617، وأحمد، 6/ 143، وصححه الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ص89، وصحيح سنن أبي داود، 1/ 146.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: ((اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيِّم السموات والأرض ومن فيهن [ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن][ولك الحمد لك ملك السموات والأرض ومن فيهن][ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض][ولك الحمد][أنت الحقُّ، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك الحق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والساعة حق][اللهم لك أسلمت، وعليك توكلت، وبك آمنت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدَّمتُ، وما أخَّرْتُ، وما أسررْتُ، وما أعلنتُ][أنت المقدِّم، وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت][أنت إلهي لا إله إلا أنت]، البخاري، برقم 6317، 7385، 7442، 7499، ومسلم مختصراً بنحوه، برقم 769. وغير ذلك من أنواع الاستفتاح، انظر: زاد المعاد لابن القيم، 1/ 202 - 207.
7 -
يقول: ((أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)) لقول الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (1)، أو يقول:((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه (2)، ونفخه (3)، ونفثه (4))) (5).
(1) سورة النحل، الآية:98.
(2)
همزه: المؤتَة: نوع من الجنون.
(3)
نفخه: الكبر.
(4)
نفثه: الشعر المذموم.
(5)
أخرجه أحمد، 3/ 50، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك، برقم 775، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم 242، وحسّنه: عبد القادر وشعيب الأرناؤوط في تخريج زاد المعاد، 1/ 204، وحسّنه الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ص90، وانظر أيضاً: مسند أحمد، 4/ 80، 85، وسنن أبي داود، برقم 764، وابن ماجه، برقم 807، وابن حبان، برقم 443، والحاكم، 1/ 235.
8 -
يقول: ((بسم الله الرحمن الرحيم، سرّاً؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: ((صلَّيْتُ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فلم يجهروا ببسم الله الرحمن الرحيم)) (1)، والبسملة آية مستقلة (2).
9 -
يقرأ الفاتحة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* الرحمن الرَّحِيمِ* مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ* إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ* اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ؛ لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) (3).
وقراءة الفاتحة تجب على كل مصلٍّ، ويدخل في ذلك المأموم في الصلاة الجهرية والسرية؛ لرواية حديث عبادة رضي الله عنه السابق، يرفعه:((لعلكم تقرؤون خلف إمامكم)) قلنا: نعم، هذّاً يا رسول الله:،قال:((لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاةَ لمن لم يقرأْ بها)) (4).وعن محمد بن أبي عائشة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(1) أحمد في المسند، 3/ 264، والنسائي، كتاب الافتتاح، باب ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، برقم 907، واللفظ له، وابن خزيمة في صحيحه، 1/ 249، برقم 495، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 1/ 197.
(2)
سمعت الإمام عبد العزيز ابن باز أثناء شرحه لحديث رقم 297 - 300 من بلوغ المرام يقول: ((والبسملة آية مستقلة ليست من الفاتحة ولا من غيرها، أنزلها الله فصلاً بين السور، إلا أنها بعض آية من سورة النمل، وهذا هو الأرجح، أما بالنسبة للآية السابعة من الفاتحة عند المحققين فهي {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} .
(3)
متفق عليه، البخاري،، برقم 756، ومسلم، برقم 394، وتقدم تخريجه.
(4)
أبو داود، كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، برقم 823، والترمذي، كتاب الصلاة، باب القراءة خلف الإمام، برقم 311،وأحمد،5/ 322، وابن حبان في الإحسان،3/ 137، برقم 1782،قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير:((وصححه أبو داود والدارقطني والترمذي، وابن حبان والحاكم والبيهقي،1/ 231)).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لعلكم تقرؤون والإمام يقرأ))؟ قالوا: إنا لنفعل، قال:((لا، إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب)) (1)،وتسقط الفاتحة عن مسبوقٍ أدرك الإمام راكعاً، لحديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:((زادك الله حرصاً ولا تَعُدْ)) (2).
ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الركعة التي أدرك ركوعها دون قراءتها، ولو كانت الركعة غير صحيحة لأمره صلى الله عليه وسلم بإعادتها.
وتسقط عن المأموم مع السهو والجهل (3).
10 -
يقول بعد الانتهاء من قراءة الفاتحة: ((آمين)) يجهر بها في الجهرية، ويُسرُّ في السِّرية، [ومعناها: اللهم استجب]؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أمِّ القرآن رفع صوته وقال:
((آمين)) (4)؛ ولحديثه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه)) (5)؛ ولحديثه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين،
(1) أحمد في المسند، 5/ 410،قال ابن حجر في التلخيص الحبير، 1/ 231:((إسناده حسن)).
(2)
البخاري، كتاب الأذان، بابٌ: إذا ركع دون الصف، برقم 783.
(3)
سمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله أثناء تقريره على شروط الصلاة وأركانها للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يذكر أن الفاتحة ركن في الصلاة في حق الإمام والمنفرد، أما المأموم فهي واجبة في حقه تسقط مع السهو والجهل، وإذا سبقه الإمام فوجده راكعاً، لحديث أبي بكرة ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الركعة.
(4)
الدارقطني في سننه، وحسّنه،1/ 311،والحاكم في المستدرك،1/ 223، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، ورواه البيهقي وقال: حسن صحيح، 2/ 57.
(5)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب جهر الإمام بالتأمين، برقم 780، ومسلم، كتاب الصلاة، باب التسميع والتحميد والتأمين، برقم 410.
فقولوا: آمين؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة غُفر له ما تقدَّم من ذنبه)) (1). ومن لم يستطعْ قراءة الفاتحة وعجز عنها قرأ غيرها مما تيسَّر من القرآن، فإن لم يكن عنده شيء قال:((سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم))؛ لحديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً، فعلِّمْني ما يجزئني منه، فقال:((قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)) (2).
11 -
يقرأ سورة بعد الفاتحة، أو ما تيسر من القرآن في ركعتي الصبح، والجمعة، وفي الركعتين الأوليين: من صلاة الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وفي جميع ركعات النفل؛ لحديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يُطوِّل في الأولى ويُقصِّر في الثانية، ويُسْمِعُ الآية أحياناً، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يُطوِّل في الأولى، وكان يُطوِّل في الركعة الأولى من صلاة الصبح ويُقصِّر في الثانية)) (3). وفي لفظ: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 782، ومسلم، برقم 410، وتقدم تخريجه.
(2)
أحمد في المسند، 4/ 353، 356، 382، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة، برقم 832، والنسائي، كتاب الافتتاح، باب ما يجزئ من القراءة لمن لا يحسن القرآن، برقم 924، وابن حبان، برقم 1805 - 1807، وصححه، والدارقطني وصححه، 1/ 313، والحاكم، 1/ 241، وصححه ووافقه الذهبي.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في الظهر، برقم 759، واللفظ له، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر، برقم 451.
الكتاب وسورة سورة، ويسمعنا الآية أحياناً)) (1)، وأما صلاة الظهر خاصة فقد ثبت ما يدل على أنه ربما قرأ في الركعتين الأخريين زيادة مع سورة الفاتحة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:((كنا نحزر (2) قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة {الم، تَنزِيلُ} السجدة، وحزرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه من الأخريين من الظهر، وفي الأخريين على النصف من ذلك)).
وفي لفظ: ((كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية [في كل ركعة] أو قال: نصف ذلك، وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر نصف ذلك)) (3).وهذا الحديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ أحياناً بزيادة على الفاتحة في الركعتين الأخريين من الظهر (4). وعن سليمان بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما رأيت رجلاً أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان لإمام كان بالمدينة، قال سليمان بن يسار: فصليت خلفه فكان يطيل الأوليين من الظهر ويخفف الأخريين، ويخفف العصر، ويقرأ في الأوليين من المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في الأوليين من العشاء من وسط المفصل، ويقرأ في الغداة بطوال المفصل)) (5)، وربما طول النبي صلى الله عليه وسلم القراءة في صلاة الظهر أكثر مما تقدَّمَ؛
(1) البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في صلاة العصر، برقم 762.
(2)
نحزر: نقدر. انظر: المصباح المنير للفيومي، 1/ 133.
(3)
أخرجه مسلم، في كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر، برقم 452، وأحمد، 3/ 85، وما بين المعقوفين من مسند أحمد، 3/ 85.
(4)
انظر: نيل الأوطار للشوكاني، 1/ 802.
(5)
النسائي بنحوه، كتاب الافتتاح، باب القراءة في المغرب بقصار المفصل، برقم 983، وأحمد واللفظ له، 2/ 329،وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في فتح الباري وبلوغ المرام، انظر: نيل الأوطار، 1/ 813، وصحح إسناده الإمام ابن باز أثناء شرح الروض المربع، 2/ 34، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 1/ 212، برقم 939.
لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ، ثم يأتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يُطوِّلُها)) (1)،
وثبت من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ((كان يصلي الصبح وينصرف الرجل فيعرف جليسه، وكان يقرأ في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة)) (2)، وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول في القراءة في الصلوات الخمس:((الأفضل في الفجر من طوال المفصل (3)، وفي الظهر والعصر والعشاء من أواسطه، وفي المغرب من قصاره؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في الأغلب، ولا بأس أن يقرأ من قصاره في الصبح في السفر والمرض، لكن الأفضل ما تقدم؛ لحديث سليمان بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه (4) عن النبي صلى الله عليه وسلم)) (5).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في قراءته صلى الله عليه وسلم بعد الفاتحة: ((فإذا فرغ من الفاتحة أخذ في سورة غيرها، وكان يطيلها تارة، ويخففها
(1) مسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر، برقم 454 ..
(2)
متفق عليه: البخاري، برقم 547، ومسلم، برقم 647، وتقدم تخريجه.
(3)
حزب المفصل من سورة ق إلى سورة الناس، وطواله من ق إلى عم، وأواسطه منها إلى الضحى، والقصار إلى الآخر: انظر: حاشية الروض المربع لابن القاسم،2/ 34، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير، قال في سورة ق: ((هي أول الحزب المفصل على الصحيح وقيل: من الحجرات، 4/ 221.
(4)
النسائي، برقم 983، وأحمد، 2/ 329، وتقدم تخريجه.
(5)
سمعته منه أثناء شرحه على الروض المربع، 2/ 34.
لعارض من سفر أو غيره، ويتوسط فيها غالباً)) (1). قلت: الأفضل في ذلك مراعاة فعل النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأوقات، والأحوال، والأزمان (2).
(1) زاد المعاد في هدي خير العباد، 1/ 209.
(2)
فقد ثبت غير ما تقدم على النحو الآتي:
1 -
قرأ في صلاة المغرب بالمرسلات [البخاري، برقم 763، 4429، ومسلم، برقم 462] والأعراف [البخاري، برقم 764]، والطور [البخاري، برقم 765، 3050، 4023، 4854، ومسلم، برقم 463]، والدخان [النسائي، برقم 988،قال الأرناؤوط في تحقيقه لزاد المعاد،1/ 211: ((ورجاله ثقات وسنده حسن]، وقرأ بقصار المفصل [النسائي، برقم 983،وذكر الألباني أن الطبراني في الكبير أخرج بإسناد صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بالأنفال في الركعتين [صفة الصلاة، ص115].
2 -
وأما في العشاء، فنقل أبو هريرة: إذا السماء انشقت [البخاري، برقم 766 - 768] والتين والزيتون من حديث البراء [البخاري، برقم 767، 769، ومسلم، برقم 464] ووقت لمعاذ بسبح اسم ربك الأعلى، واقرأ باسم ربك، والليل إذا يغشى، والشمس وضحاها، والضحى، ونحو ذلك [مسلم، برقم 465].
3 -
وأما في الفجر فكان يقرأ في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة [البخاري، برقم 547، ومسلم، 647] وتقدم تخريجه، وقرأ المؤمنون [البخاري، كتاب الأذان، باب الجمع بين سورتين في ركعة، والقراءة بالخواتيم، وبسورة قبل سورة، وبأول سورة، ومسلم، برقم 455] وقرأ بسورة ق والقرآن المجيد [مسلم، برقم 457 - 458] وبسورة التكوير [مسلم، برقم 456] وبسورة الروم [أحمد، 3/ 472، والنسائي، 2/ 156، وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ((وهذا إسناد حسن، ومتن حسن))، وحسنه الأرناؤوط في تحقيقه لزاد المعاد، 1/ 209] وقرأ بسورة إذا زلزلت في الركعتين كلتيهما [أبو داود، برقم 816، وحسّنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 154].وقرأ بسورة الطور في صلاة الصبح عند طواف الوداع لحجة الوداع [البخاري
…
تعليقاً].وقرأ بالمعوذتين [أخرجه النسائي من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه،برقم 952،وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، برقم 912]،وقرأ بالواقعة ونحوها من السور [صحيح ابن خزيمة، 1/ 265،برقم 531،وصحح إسناده الألباني في صفة الصلاة، ص106].وكان يقرأ في فجر الجمعة: الم تنزيل السجدة، وهل أتى على الإنسان [البخاري، برقم 891،ومسلم، برقم 879].
4 -
أما في صلاة الظهر فكان يُطوِّلُها أحياناً لما تقدم، فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ ثم يدرك الركعة الأولى [مسلم، 454 وتقدم]، وأحياناً يقرأ بقدر قراءة ((ألم* تنزيل)) السجدة في الركعتين الأوليين، وفي الركعتين الأخريين قدر النصف من ذلك، وأحياناً يقرأ في الركعتين الأوليين بقدر ثلاثين آية في كل ركعة، والركعتين الأخريين بقدر خمس عشرة آية في كل ركعة [مسلم، برقم 452، وأحمد، 3/ 85]، وقرأ الليل إذا يغشى [مسلم، برقم 459]، وسبح اسم ربك الأعلى [مسلم، برقم 460]، وكان يقرأ بالسماء والطارق، والسماء ذات البروج، ونحوهما من السور [أبو داود، برقم 805، والترمذي، برقم 307، والنسائي، 2/ 166، برقم 979، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 212، برقم 935]، وفي صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقون [مسلم، برقم 879]، أو بسبح والغاشية [مسلم، برقم 878]، أو بالجمعة والغاشية [مسلم، برقم 63 (878)].
5 -
أما صلاة العصر فقد تقدم أنه قرأ في الأوليين بقدر نصف ((ألم* تنزيل)) السجدة، وفي لفظ أنه قرأ بقدر خمس عشرة آية في كل ركعة [مسلم، برقم 452، وأحمد، 3/ 85. وتقدم]، وكان يقرأ بالسماء والطارق، والسماء ذات البروج ونحوهما من السور [أبو داود، برقم 805 والترمذي، برقم 307، والنسائي، برقم 979، وتقدم]، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله ((والعصر فعلى النصف من قراءة الظهر إذا طالت، وبقدرها إذا قصرت)) [زاد المعاد، 1/ 210].
6 -
أما الأعياد فكان صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بـ ((ق)) و ((اقتربت)) [مسلم، برقم 891]، أو بسبح والغاشية [مسلم، برقم 878]، فهذه سنته صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فقد أمر بالتخفيف؛ لأن في الناس:[((الصغير، والكبير، والضعيف، والمريض، وذا الحاجة))][مسلم، برقم 466]، ((فإذا صلى وحده فليصلِّ كيف شاء)) [مسلم، برقم 467]، وقال صلى الله عليه وسلم:((إني لأدخل في الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأخفف من شدة وجدِ أمه)) [مسلم، برقم 470]، فالتخفيف أمر نسبي يرجع إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وواظب عليه لا إلى شهوة المأمومين، وهديه الذي كان واظب عليه هو الحاكم على كل ما تنازع فيه المتنازعون، ويدل عليه ما رواه النسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف ويؤمُّنا بالصافات)) [النسائي، 2/ 95، برقم 826]، وصححه الأرناؤوط في تحقيق زاد المعاد، 1/ 214، قال ابن القيم رحمه الله:((فالقراءة بالصافات من التخفيف الذي أمر به والله أعلم)) 1/ 214. ((وكان يُطوّل الأوليين ويقصر الأخريين من كل صلاة)) [البخاري، 770، ومسلم، 453].
عن السعدي عن أبيه أو عن عمه قال: رمقتُ النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، فكان يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول:((سبحان الله وبحمده ثلاثاً)). أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب مقدار الركوع والسجود، برقم 885، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 250.
وعن سعيد بن جبير قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى - يعني عمر بن عبد العزيز - قال: فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات. سنن أبي داود، برقم 896، والنسائي، برقم 1135،
2/ 224، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود، ص 72. وأحمد، برقم 1261،
20/ 100، وضعفه المحققون، لكن قول أنس:((ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الغلام - يعني عمر بن عبد العزيز)) روي بأسانيد يرتقي بعضها إلى الصحة. قاله المحققون لمسند أحمد، 20/ 100، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 322 ((ما صليت وراء إمام أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من إمامكم هذا)) قال زيد بن أسلم: وكان عمر بن عبد العزيز يتم الركوع والسجود، ويخفف القيام والقعود.
12 -
إذا فرغ من القراءة كلها سكت سكتة بقدر ما يترادُّ إليه نَفَسُه حتى لا يصل القراءة بالركوع، بخلاف السكتة الأولى قبل قراءة الفاتحة؛ فإنه يقرأ فيها دعاء الاستفتاح فتكون بقدره؛ لحديث الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه كان يسكت سكتتين: إذا استفتح الصلاة وإذا فرغ من القراءة كلها)) (1). قال الترمذي: ((وهو قول غير واحد من أهل العلم يستحبون للإمام أن يسكت بعدما يفتتح الصلاة، وبعد الفراغ من القراءة وبه يقول أحمد وإسحاق وأصحابنا)) (2).
(1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب السكتة عند الافتتاح، برقم 778، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في السكتتين في الصلاة، برقم 251، وحسنه، وأحمد في المسند، 5/ 23، وقال الترمذي: قال محمد: قال علي بن عبد الله: ((حديث الحسن عن سمرة حديث صحيح وقد سمع منه)) 1/ 342، وقال الإمام ابن القيم بعد أن ذكر الخلاف في موضع السكتتين هل أحدهما بعد ولا الضالين أم أنها بعد الفراغ من القراءة كلها، أم أنها ثلاث سكتات؟ قال:((وقد صح حديث السكتتين من رواية سمرة، وأبي بن كعب، وعمران بن حصين)) زاد المعاد، 1/ 208، وقال أحمد محمد شاكر في تحقيقه لسنن الترمذي، 1/ 143:((وفي سماع الحسن عن سمرة خلاف طويل قديم والصحيح أنه سمع منه كما رجَّحه ابن المديني، والبخاري، والترمذي، والحاكم وغيرهم)).
(2)
انظر: فتاوى ابن تيمية 22/ 338 وقال: ((لا يُسْتَحَبُّ إلا سكتتان)) وذكر أن الأولى للاستفتاح، والثانية عند الفراغ من القراءة للاستراحة والفصل بينها وبين الركوع، وأما السكوت عقب الفاتحة فلا يَسْتَحبّه أحمد والجمهور. وذكر الإمام ابن باز في مجموع فتاويه،11/ 84 أن الثابت سكتتان: الأولى تسمى سكتة الاستفتاح، والثانية عند آخر القراءة قبل الركوع، وأما الثالثة بعد الفاتحة فالحديث فيها ضعيف فالأفضل تركها.
13 -
يركع مكبراً رافعاً يديه إلى حذو منكبيه، أو أذنيه، جاعلاً رأسه حيال ظهره، واضعاً يديه على ركبتيه، مفرقاً أصابع يديه؛ لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} (1)؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة المسيء صلاته وفيه: ((ثم اركع حتى تطمئنَّ راكعاً)) (2)؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع)) (3)، وفي لفظ:((إنه كان يصلي بهم فيكبر كلما خفض ورفع فإذا انصرف قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم)) (4)؛ ولحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع
…
)) (5)،وفي حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه:((كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه)) (6)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها: ((وكان إذا ركع لم
(1) سورة الحج، الآية:77.
(2)
متفق عليه: البخاري، برقم 757، ومسلم، برقم 397، وتقدم تخريجه.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب التكبير إذا قام من السجود، برقم 789، ومسلم، كتاب الصلاة، باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع إلا رفعه من الركوع فيقول فيه:((سمع الله لمن حمده)) برقم 392.
(4)
البخاري، برقم 785، ومسلم، برقم 392، وتقدم تخريجه.
(5)
متفق عليه: البخاري، برقم 735، ومسلم، برقم 390، وتقدم تخريجه.
(6)
متفق عليه: البخاري، برقم 737، ومسلم، برقم 391، وتقدم تخريجه.
يشخص رأسه (1)
ولم يصوِّبه ولكن بين ذلك)) (2)؛ ولحديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنه قال لنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه [وفرج بين أصابعه] ثم هصر (3) ظهره
…
)) (4). وفي لفظ: ((ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه، كأنه قابضٌ عليهما، ووتَّر (5) يديه فتجافى عن جنبيه .. )) (6).وفي حديث رفاعة بن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك)) (7)،
وعن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فكان إذا ركع سوَّى ظهره حتى لو صُبَّ عليه الماء لاستقرّ)) (8). ويطمئن في ركوعه؛ لقول حذيفة رضي الله عنه لرجلٍ
(1) لم يشخص رأسه: الإشخاص هو الرفع، ولم يصوِّبه: أي لم يخفضه خفضاً بليغاً ولكن بين ذلك: أي بين الرفع والخفض ..
(2)
مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به، وصفة الركوع والاعتدال منه
…
برقم 498.
(3)
هصر ظهره: أي ثناه إلى الأرض، النهاية، 5/ 264.
(4)
البخاري، كتاب الأذان، باب سنة الجلوس في التشهد، برقم 828، وما بين المعقوفين لأبي داود في سننه، كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة، برقم 731 ورقم 730 وفي أوله عن محمد بن عمرو بن عطاء قال سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصححهما الألباني في صحيح سنن أبي داود،1/ 141.
(5)
ووتَّر يديه: أي عوّجهما من التوتير وهو جعل الوَتَر على القوس، فتجافى عن جنبيه: أي نحَّى مرفقيه عن جنبيه حتى كأن يديه على الوتر وجنبه كالقوس. عون المعبود،2/ 429.
(6)
أبو داود، كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة، برقم 734، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 141. ورواه الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء أنه يجافي يديه عن جنبيه في الركوع، برقم 260، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/ 83.
(7)
أبو داود، كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، برقم 859، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 765، 1/ 162 ..
(8)
سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، برقم 872،وله شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد،2/ 123،وعزاه للطبراني في الكبير وأبي يعلى وقال: رجاله موثقون.
رآه لا يتمُّ الركوع والسجود، فقال له:((ما صلَّيتَ، ولو مُتَّ مُتَّ على غير الفطرة التي فطر الله [عليها] محمداً صلى الله عليه وسلم)) (1)، وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال:((كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم، وسجوده، وقعوده بين السجدتين، وإذا رفع رأسه من الركوع ما خلا القيام والقعود قريباً من السواء)) (2).
14 -
يقول في الركوع: ((سبحان ربي العظيم)) والأفضل [ثلاثاً]؛ لحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول في ركوعه: ((سبحان ربي العظيم)) وفي سجوده ((سبحان ربي الأعلى)) (3)، وفي رواية:((سبحان ربي العظيم)) ثلاث مرات، وإذا سجد قال:((سبحان ربي الأعلى)) ثلاث مرات (4)، وإن شاء زاد على ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك ما يأتي:
أولاً: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)) يتأوَّل القرآن (5).
(1) البخاري، كتاب الأذان، باب إذا لم يتم الركوع، برقم 791، ورواه برقم 389، و808، وما بين المعقوفين للكشميهني كما في فتح الباري، 2/ 275.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، بابٌ: وحد إتمام الركوع والاعتدال فيه والطمأنينة، برقم 792، وباب المكث بين السجدتين، برقم 820،ورواه برقم 801، و820،ومسلم، كتاب الصلاة، باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفهما في تمام برقم 471.
(3)
مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، برقم 772، وأبو داود بلفظه في كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، برقم 871.
(4)
ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، برقم 888، وصحح الألباني هذه الزيادة لشواهدها الكثيرة عن جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً وقولاً. انظر: إرواء الغليل،2/ 39 - 40، وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني، ص136، وصحيح سنن ابن ماجه، 1/ 147.
(5)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم 794، 817، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 484.
ثانياً: وقالت رضي الله عنها: كان صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: ((سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، ربُّ الملائكة والروح)) (1).
ثالثاً: وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه: ((سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة))، ثم سجد بقدر قيامه، ثم قال في سجوده مثل ذلك (2).
رابعاً: وفي حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال: ((اللهم لك ركعتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، خشع لك سمعي وبصري ومُخّي وعظمي وعَصَبي)) (3).
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن في الركوع والسجود فقال: ((ألا وإني نُهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، وأما الركوع فعظِّموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقَمِنٌ (4) أن يُستجاب لكم)) (5).
15 -
يرفع رأسه من الركوع (6) رافعاً يديه حذو منكبيه أو أذنيه (7)
قائلاً: سمع الله لمن حمده - إذا كان إماماً أو منفرداً - ويقولان بعد قيامهما: ((ربنا
(1) مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 487.
(2)
أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، برقم 883، والنسائي، كتاب الإمامة، باب نوع آخر من الذكر في الركوع، برقم 1049، وصححه الألباني، في صحيح سنن أبي داود، 1/ 166.
(3)
مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، برقم 771.
(4)
قمن: أي حقيق وجدير.
(5)
مسلم، كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم 479.
(6)
لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء صلاته: ((ثم ارفع حتى تعدل قائماً)) البخاري، برقم 757، ومسلم، برقم 1397.
(7)
لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما البخاري، برقم 735،ومسلم، برقم 390، ولحديث
مالك بن الحويرث رضي الله عنه،البخاري، برقم 737،ومسلم، برقم 391،وتقدم تخريجهما.
ولك الحمد))؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: ((سمع الله لمن حمده)) قال: ((اللهم ربنا ولك الحمد)) (1). أما إن كان مأموماً فإنه يقول عند الرفع: ((ربنا ولك الحمد))؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربَّنا لك الحمد؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) (2). وقوله: ((اللهم ربَّنا لك الحمد)) ثبت لها أربعة أنواع:
النوع الأول: ((ربنا لك الحمد)) لحديث أبي هريرة رضي الله عنه:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم:((ربنا لك الحمد)) (3).
النوع الثاني: ((ربنا ولك الحمد))؛ لحديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنما جُعل الإمام ليُؤتمَّ به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)) (4).
النوع الثالث: ((اللهم ربَّنا لك الحمد))؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربَّنا
(1) البخاري، كتاب الأذان، باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع، برقم 795.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب فضل اللهم ربنا لك الحمد، برقم 796، ومسلم، كتاب الصلاة، باب التسميع والتحميد والتأمين، برقم 409.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب التكبير إذا قام من السجود، برقم 789، ومسلم، كتاب الصلاة، باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة إلا رفعه من الركوع، برقم 392.
(4)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة، برقم 732، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم 411.
لك الحمد، فإنه من وافق قولُه قولَ الملائكة غُفر له ما تقدَّم من ذنبه)) (1).
النوع الرابع: ((اللهم ربَّنا ولك الحمد))؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده، قال:((اللهم ربنا ولك الحمد)) (2)، فالأفضل أن يقول هذا تارة، وهذا تارة، وهذا تارة، وهذا تارة؛ لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم،والأفضل للإمام والمنفرد والمأموم أن يزيدوا بعد:((ربنا ولك الحمد)) فيقولوا: ((حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه)) (3)((ملء السموات، وملء الأرض، [وما بينهما] وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحقّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) ((اللهم طهِّرْني بالثلج، والبَرَدِ، والماء البارد، اللهم طهِّرْني من الذنوب والخطايا كما يُنَقَّى الثوبُ الأبيضُ من الوسخ (4))) (5)،
((لربي الحمد)) يكررها؛ لحديث حذيفة رضي الله عنه يرفعه: ((ثم رفع رأسه من الركوع فكان قيامه نحواً من ركوعه يقول: (لربي الحمد)) (6).
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 796، ومسلم، برقم 409، وتقدم تخريجه.
(2)
البخاري، برقم 95، وتقدم تخريجه.
(3)
لحديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال: كنا يوماً نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف قال من المتكلم؟ قال: أنا. قال: ((رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول)) البخاري، كتاب الأذان، بابٌ حدثنا معاذ بن فضالة، برقم 799.
(4)
وفي لفظ: ((من الدرن))، وفي لفظ:((من الدنس)).
(5)
لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض. الحديث أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم 477، وقوله ((وما بينهما)) زيادة لابن عباس رضي الله عنهما في صحيح مسلم، برقم 478 ..
(6)
أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، برقم 874، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 166.
والأفضل للإمام والمنفرد والمأموم أن يضع كل منهم يده اليمنى على اليسرى على صدره بعد الرفع من الركوع كما فعل في قيامه قبل الركوع؛ لحديث وائل رضي الله عنه قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً في الصلاة قبض بيمينه على شماله)) (1).
ويطمئنُّ في قيامه بعد الرفع من الركوع، فعن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: إني لا آلو أن أصلِّيَ بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، قال: فكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً، حتى يقول القائل قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل قد نسي (2). ويقول في هذا الركن الأذكارَ المشروعةَ سوى ما تقدم إذا شاء (3).
16ـ يسجد مُكبِّراً، واضعاً ركبتيه قبل يديه إذا تيسر ذلك، فإن شقَّ عليه قدّم يديه قبل ركبتيه، لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (4)؛ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة المسيء صلاته: ((ثم اسجدْ حتى تطمئنَّ ساجداً)) (5)؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه: ((ثم يُكبّر حين يهوي ساجداً)) (6)؛ ولحديث
(1) النسائي، برقم 887 وتقدم تخريجه.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب المكث بين السجدتين، برقم 821، ومسلم، كتاب الصلاة، باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام، برقم 472.
(3)
هناك أذكار أخرى لم تذكر، انظر: صحيح مسلم، برقم 176 برواياته، وسنن أبي داود، برقم 874، وصفة الصلاة للألباني، ص141 - 144.
(4)
سورة الحج، الآية:77.
(5)
البخاري، برقم 757، وتقدم تخريجه.
(6)
متفق عليه: البخاري، برقم 789، ومسلم، برقم 392، وتقدم تخريجه.
وائل بن حُجْرٍ رضي الله عنه قال: ((رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه)) (1).
ويستقبل بأصابع يديه ورجليه القبلة؛ لحديث أبي حُمَيد الساعدي رضي الله عنه وفيه: ((فإذا سجد وضع يديه غير مفترشٍ ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة)) (2)، ويضمُّ أصابعَ يديه ويمدّها؛ لحديث علقمة بن واثلة عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد ضمّ أصابعه (3)؛ ولحديث وائل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ((كان إذا ركع فرَّج بين أصابعه وإذا سجد ضمّ أصابعه)) (4)؛ ولحديث أبي حُميد، وفيه:
(1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم 838، و839، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين، برقم 268، والنسائي، كتاب الافتتاح، باب أول ما يصل من الإنسان في سجوده، برقم 1089، وسنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، برقم 882، وابن خزيمة، برقم 626، والحاكم، 1/ 226، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((هذا هو الصحيح الذي رواه شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر
…
)).وأما حديث أبي هريرة يرفعه: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) [رواه أبو داود، برقم 840، والنسائي، برقم 1091، والترمذي، برقم 269، وأحمد، 2/ 381]، فالحديث والله أعلم قد وقع فيه وَهْم من بعض الرواة؛ فإن أوله يخالف آخره؛ فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير؛ فإن البعير إنما يضع يديه أولاً)) زاد المعاد، 1/ 223 - 231، وسمعت الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله أثناء شرحه لبلوغ المرام، الحديث رقم 330 يقول: ((كثر الكلام في هذا والأرجح ما قاله ابن القيم، وهو تقديم الركبتين؛ لحديث وائل بن حجر ويتأيد بأول حديث أبي هريرة، فلو قدم يديه لوافق البعير، ولعله وقع وَهْم فقال الراوي: وليضع يديه قبل ركبتيه، وأن أصله: وليضع ركبتيه قبل يديه وهذا هو أظهر وأقرب
…
وهو من باب السنن وعليه كثير من الصحابة، وهو قول الأكثرين)). واختار هذا القول العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع، 3/ 154 - 159، وانظر: فتاوى ابن تيمية،22/ 449.
(2)
البخاري، كتاب الأذان، باب سنة الجلوس في التشهد، برقم 828.
(3)
صحيح ابن خزيمة، كتاب الصلاة، باب ضم أصابع اليدين في السجود، برقم 642.
(4)
أخرجه الحاكم، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، 1/ 224.
((واستقبل بأطراف أصابعه القبلة)) (1)، ويفتح أصابع رجليه؛ لحديث أبي حميد وفيه:((ثم جافى عضدَيْه عن جنبيه وفتح أصابع رجليه)) (2)، ويكون سجوده على أعضائه السبعة: الجبهة مع الأنف، واليدين، والركبتين، وبطون أصابع الرجلين؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة - وأشار بيده على أنفه - واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين، ولا نكفُت الثياب والشعر)) وفي لفظ لمسلم: ((ولا أكفّ ثوباً ولا شعراً)) (3)،
ويجافي عضديه عن جنبيه؛ لحديث عبد الله بن مالك بن بُحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم ((كان إذا صلَّى فرَّج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه)) (4)، ويجافي بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويفرّج بين فخذيه؛ لحديث أبي حميد رضي الله عنه وفيه:((وإذا سجد فرَّج بين فخذيه، غير حامل بطنه على شيء من فخذيه)) (5)، ويجعل كفيه حذو منكبيه؛ لحديث أبي حُميد رضي الله عنه وفيه: ((ثم سجد فأمكن أنفه وجبهته، ونحَّى يديه عن جنبيه ووضع كفيه حذو
(1) صحيح ابن خزيمة، كتاب الصلاة، باب استقبال أطراف أصابع اليدين من القبلة في السجود، برقم 643.
(2)
ابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فتح أصابع الرجلين في السجود والاستقبال بأطرافهن القبلة، برقم 651، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة، برقم 730.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب السجود على الأنف، برقم 812، ومسلم، كتاب الصلاة، باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس في الصلاة، برقم 490 ..
(4)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، بابٌ: يبدي ضبعيه ويجافي في السجود، برقم 807، مسلم، كتاب الصلاة، باب الاعتدال في السجود، ووضع الكفين على الأرض ورفع المرفقين عن الجنبين، ورفع البطن عن الفخذين في السجود، برقم 495.
(5)
أبو داود، كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة، برقم 735.
منكبيه)) (1)، أو يجعلهما حذو أذنيه؛ لحديث وائل بن حجر رضي الله عنه وفيه:((ثم سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه)) (2)، وهو مثل حديث البراء عندما سئل: أين كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع وجهه إذا سجد؟ فقال: ((بين كفيه)) (3)، ويرفع ذراعيه عن الأرض؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اعتدلوا في السجود، ولا يبسُطْ أحدُكم ذراعيه انبساطَ الكلب)) (4)؛ ولحديث البراء رضي الله عنه يرفعه: ((إذا سَجَدْتَ فضَعْ كفيك وارفعْ مرفقيك)) (5). ويضم قدميه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها وفيه: ((فوجدته ساجداً راصّاً عقبيه مستقبلاً بأطراف أصابعه القبلة)) (6)، وينصبهما؛ لحديث عائشة رضي الله عنها وفيه:((فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدمه [وفي نسخة قدميه] وهو في المسجد، وهما منصوبتان)) (7).
17ـ يقول في السجود: ((سبحان ربي الأعلى)) والأفضل ثلاثاً؛
(1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة، برقم 734، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في السجود على الجبهة والأنف، برقم 270،وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 242.
(2)
النسائي، كتاب الافتتاح، باب موضع اليمين من الشمال في الصلاة، برقم 889، صححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 194.
(3)
الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء أين يضع الرجل وجهه إذا سجد، برقم 271، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/ 86.
(4)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب لا يفترش ذراعيه في السجود، برقم 822، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الاعتدال في السجود، برقم 493.
(5)
مسلم، كتاب الصلاة، باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض ورفع المرفقين عن الجنبين ورفع البطن عن الفخذين في السجود، برقم 494.
(6)
صحيح ابن خزيمة، برقم 654،والبيهقي، 2/ 116، قال المحقق: إسناده صحيح.
(7)
مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 486.
لحديث حذيفة رضي الله عنه (1)، وإن شاء زاد على ذلك ما ثبت في الأحاديث الأخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك ما يأتي:
أولاً: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)) لحديث عائشة رضي الله عنها (2).
ثانياً: ((سُبُّوحٌ، قُدُّوسٌ، ربُّ الملائكة والروح))؛ لحديث عائشة رضي الله عنها (3).
ثالثاً: ((سبحان ذي الجبروت، والملكوت، والكبرياء، والعظمة)) (4).
رابعاً: ((اللهم لك سجدتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، سجد وجهي للذي خلقه وصوَّره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين))؛ لحديث علي رضي الله عنه (5).
خامساً: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك))؛لحديث عائشة رضي الله عنها (6).
سادساً: ((اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقّه وجلّه، وأوّله وآخره، وعلانيته وسرّه))؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في سجوده (7).
ويكثر من الدعاء في السجود، ويسأل ربه من خيري: الدنيا،
(1) مسلم، برقم 772 وابن ماجه، برقم 888، وتقدم تخريجه.
(2)
متفق عليه: البخاري، برقم 794، ومسلم، برقم 484، وتقدم تخريجه.
(3)
مسلم، برقم 487، وتقدم تخريجه.
(4)
أبو داود، برقم 883، والنسائي، برقم 1049، وتقدم تخريجه.
(5)
مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 771.
(6)
مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 486.
(7)
مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 483.
والآخرة، سواءٌ كانت الصلاة فرضاً أو نفلاً؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء)) (1)؛ ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: ((أما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمِنٌ أن يُستجاب لكم)) (2).
18 -
يرفع رأسه من السجود مكبّراً، ويعتدل جالساً؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة المسيء صلاته، وفيه:((ثم ارفع حتى تطمئن جالساً)) (3)؛ ولحديثه رضي الله عنه وفيه: ((ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود)) (4)، ويفرش قدمه اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى ويستقبل بأصابعه القبلة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها وفيه:((وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى)) (5)؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((من سنة الصلاة أن تنصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعه القبلة، والجلوس على اليسرى)) (6)، ويضع يديه على فخذيه؛ لحديث عبد الله بن الزبير عن أبيه رضي الله عنهما يرفعه، وفيه:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو، وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى)) (7)،أو يضع كفيه على ركبتيه؛
(1) مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 482.
(2)
مسلم، برقم 479، وتقدم تخريجه.
(3)
البخاري، برقم 757، وتقدم تخريجه.
(4)
متفق عليه: البخاري، برقم 789، و803، ومسلم، برقم 396، وتقدم تخريجه.
(5)
مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة، برقم 498.
(6)
النسائي، كتاب الافتتاح، باب الاستقبال بأطراف أصابع القدم القبلة عند القعود للتشهد، برقم 1158، وأبو داود في الصلاة، باب كيف الجلوس في التشهد، برقم 958، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 2/ 23.
(7)
مسلم، كتاب المساجد، باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين، برقم 113 - (579).
لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يرفعه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه)) (1)،
أو يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى ويلقم كفه اليسرى ركبته))؛ لحديث عبد الله بن الزبير عن أبيه رضي الله عنهما (2)، فعلى هذا حصل ثلاث صفات لوضع الكفين هي:
أولاً: الكف اليمنى على الفخذ اليمنى، واليسرى على اليسرى.
ثانياً: الكف اليمنى على الركبة اليمنى، واليسرى على اليسرى.
ثالثاً: الكف اليمنى على الفخذ اليمنى، واليسرى على الفخذ اليسرى، ويلقم كفه اليسرى ركبته (3).
أما كيفية: وضع الكفين؛ فإنه يبسط يده اليسرى؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما يرفعه، وفيه:((ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها)) (4)، ويضع ذراعيه على فخذيه؛ لحديث وائل بن حجر رضي الله عنه يرفعه، وفيه:((وضع ذراعيه على فخذيه)) (5)، أما اليد اليمنى فيقبض منها الخنصر
(1) مسلم، كتاب المساجد، باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين، برقم 114 - (580) ..
(2)
مسلم، برقم 113 - 579، وتقدم تخريجه في الحاشية التي قبل السابقة.
(3)
وسمعت سماحة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وضعهما على فخذيه، ووضعهما على ركبتيه، ووضعهما على فخذيه وأطراف أصابعه على ركبتيه)) سمعته منه أثناء شرحه للروض المربع بالجامع الكبير في فجر الأحد 3/ 8/1419هـ.
(4)
النسائي، كتاب السهو، باب بسط اليسرى على الركبة، برقم 1269، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 272.
(5)
النسائي، كتاب السهو، باب موضع الذراعين، برقم 1264، وصحح إسناده الألباني في صحيح سنن النسائي، 1/ 270.
والبنصر ويحلّق الإبهام مع الوسطى، ويجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى؛ لحديث وائل بن حجر رضي الله عنه يرفعه، وفيه:((فاستقبل القبلة فكبر فرفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم أخذ شماله بيمينه، فلما أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك ووضع يديه على ركبتيه، فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما مثل ذلك، فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من يديه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، وحدّ مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، وقبض اثنتين وحلَّق حلقة - ورأيته يقول: هكذا - وأشار بشر بالسبابة من اليمنى وحلق الإبهام والوسطى)) (1)، وهذا اختيار الإمام ابن القيم-رحمه الله (2)
أن المصلي يفعل هذه الصفة بين السجدتين (3).
(1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الصلاة، برقم 726،ورقم 957، والنسائي، كتاب السهو، باب موضع المرفقين، برقم 1265،وأحمد في المسند،4/ 318، وابن حبان ((موارد)) برقم 485،وابن خزيمة في صحيحه،1/ 354،برقم 714، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود،1/ 140 و180،وصحيح سنن النسائي،1/ 270،وأخرجه أيضاً ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، برقم 912.
(2)
زاد المعاد، 1/ 238 ..
(3)
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((ولم يرد في السنة لا في حديث صحيح ولا ضعيف ولا حسن أن اليد اليمنى تكون مبسوطة على الرجل اليمنى، وإنما ورد أنها تقبض: يقبض الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى
…
إذا جلس في الصلاة [مسلم برقم 580]، وفي بعض الألفاظ إذا جلس في التشهد [مسلم، برقم 580]، وكلاهما في صحيح مسلم، فنحن إذا أخذنا كلمة ((إذا جلس في الصلاة)) قلنا: هذا عام في جميع الجلسات، وقوله:((إذا جلس في التشهد)) في بعض الألفاظ لا يدل على التخصيص؛ لأن لدينا قاعدة ذكرها الأصوليون، وممن كان يذكرها دائماً الشوكاني في نيل الأوطار، والشنقيطي في أضواء البيان: أنه إذا ذكر بعض أفراد العام بحكم يطابق العام فإن ذلك لا يدل على التخصيص، إنما التخصيص أن يذكر بعض أفراد العام بحكم يخالف العام)) الشرح الممتع، 3/ 178.
قلت: وسمعت الإمام شيخنا عبد العزيز ابن باز يذكر أن السبابة يحركها عند الدعاء فقط أما في غير الدعاء فلا يحركها، وبين السجدتين يبسطها ولا يشير، أما رواية أنه كان يشير بين السجدتين فالأقرب والله أعلم أنها وَهْم؛ لأن الأحاديث الصحيحة أنه كان يضعها على فخذه أو على ركبته ممدودة، ولو أنه أشار بين السجدتين لحديث وائل لا حرج، لكن الأقرب عندي أنه وَهْم؛ لأن الأحاديث الصحيحة فيها البسط في التشهد، أما بين السجدتين فيبسطها أيضاً ولا يشير أما في التشهد فيبسطها ويشير، وفي النسائي حديث فيه بعض الضعف أنه كان يبسطها لكن بانحناءٍ قليل والأمر في هذا سهل)) سمعته منه رحمه الله أثناء شرحه لبلوغ المرام، الحديث رقم 282.
19 -
يقول بين السجدتين: ((ربِّ اغفرْ لي، ربِّ اغفر لي))؛ لحديث حذيفة رضي الله عنه يرفعه: ((وكان يقعد بين السجدتين نحواً من سجوده وكان يقول: ((ربّ اغفر لي، رب اغفر لي)) (1). وإن شاء زاد على ذلك فقال: ((اللهم اغفر لي، وارحمني [وعافني، واهدني] واجبرني، وارزقني، وارفعني))؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: ((اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، واهدني، وارزقني)) (2)، ولفظ ابن ماجه:((ربِّ اغفر لي، وارحمني، واجبرني، وارزقني، وارفعني)) (3).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل هذا الركن بقدر السجود (4)؛ لحديث البراء رضي الله عنه قال: ((كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده، وبين السجدتين، وإذا رفع رأسه من
(1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، برقم 874، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم 897، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم 335، وصحيح سنن ابن ماجه، 1/ 148.
(2)
سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين، برقم 850.
(3)
سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما يقول بين السجدتين، برقم 897، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود،1/ 160،وصحيح سنن ابن ماجه،1/ 148.
(4)
انظر: زاد المعاد لابن القيم، 1/ 239.
الركوع، ما خلا القيام والقعود قريباً من السواء)) (1).
20 -
يسجد السجدة الثانية مكبّراً، ويفعل فيها كما فعل في السجدة الأولى؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في حديث المسيء صلاته:((ثم اسجد حتى تَطمئنَّ ساجداً، ثم ارفع حتى تَطمئنَّ جالساً، ثم اسجدْ حتى تَطمئنَّ ساجداً، ثم افعلْ ذلك في صلاتك كلها)) (2)؛ ولحديثه رضي الله عنه وفيه: ((ثم يُكبِّر حين يَهوي ساجداً، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود، ثم يُكبِّر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها، حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس)) (3).
21 -
يرفع رأسه مُكبّراً، ويجلس جلسة خفيفة تسمى جلسة الاستراحة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة المسيء صلاته وفيه:((ثم اسجدْ حتى تطمئنَّ ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها))، قال أبو أسامة في الأخير:((حتى تستوي قائماً)) (4)؛ ولحديثه الآخر، وفيه:((ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس)) (5)، أما جلسة الاستراحة؛ فلحديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه: ((أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلّي فإذا
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 792، ومسلم، برقم 471، وتقدم تخريجه.
(2)
البخاري، برقم 793، وتقدم تخريجه.
(3)
متفق عليه: البخاري، برقم 789، ومسلم، برقم 396، وتقدم تخريجه.
(4)
البخاري، برقم 6251،وتقدم تخريجه، وقد جاء لفظ الحديث عند القيام من السجدة الثانية في رواية أخرى:((ثم ارفع حتى تستوي قائماً ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) البخاري، برقم 6667.
(5)
متفق عليه: البخاري، برقم 789، ومسلم، برقم 396، وتقدم تخريجه.
كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستويَ قاعداً)) (1)، وجاءت جلسة الاستراحة في لفظ آخر من حديث مالك:((أنه صلى بأصحابه، فكان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض في الركعة الأولى)) (2).
وقد ذكرت هذه القعدة في بعض ألفاظ رواية حديث المسيء صلاته، ولفظها: ((ثم اسجدْ حتى تطمئنَّ ساجداً، ثم ارفعْ حتى تطمئنَّ جالساً، ثم اسجدْ حتى تطمئنَّ ساجداً، ثم ارفعْ حتى تطمئنَّ جالساً، ثم افعلْ
ذلك في صلاتك كلها)) (3)، وجاءت هذه الجلسة من حديث أبي حُميد وفيه: ((ثم يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن جنبيه، ثم يرفع رأسه
ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذا سجد،
ثم يسجد، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، حتى يرجع كل عظم إلى موضعه (4)،ثم يصنع في الأخرى
(1) البخاري، كتاب الأذان، باب من استوى قاعداً في وتر من صلاته ثم نهض، برقم 823، وفي لفظ للبخاري:((وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام)) برقم 824.
(2)
البخاري، كتاب الأذان، من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، برقم 677.
(3)
البخاري، برقم 625، وتقدم تخريجه.
(4)
وسمعت الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله أثناء شرحه لبلوغ المرام، الحديث رقم 323، يقول:((تنازع الناس في هذا، قوم قالوا محمولة على أنه لما ثقل، أو لأسباب أخرى كالمرض. وقال آخرون بل هي سنة؛ لأن الحديث صحيح ولا وجه للعدول عنه، وهذا أظهر؛ لأن الأصل فيما يخبر به عنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة سنة من سنن الصلاة، فلا يقيد، فتقييدها بالثقل أو المرض يحتاج إلى دليل. وهناك حجة ثانية لجلسة الاستراحة، وهو ما ثبت عند أحمد وأبي داود وغيرهما بإسناد جيد عن أبي حميد الساعدي أنه ذكر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوماً في عشرة من الصحابة وذكر جلسة الاستراحة، فلما فرغ صدقوه، فهذه الجلسة ثبتت عن اثني عشر إن كان أبو حميد الحادي عشر، وإذا كان هو العاشر فثبتت عن أحد عشر صحابيّاً مع رواية مالك بن الحويرث، وصفة هذه الجلسة: هي جلسة خفيفة مثل الجلسة بين السجدتين، ليس فيها ذكر ولا دعاء)).
قلت: وقد جاءت هذه الجلسة عن صحابي آخر وهو أبو هريرة رضي الله عنه في بعض روايات البخاري لحديث المسيء صلاته، برقم 625، وتقدم تخريجه، وانظر: سبل السلام للصنعاني، 2/ 292.
مثل ذلك)) (1).
22 -
ينهض على صدور قدميه وركبتيه مكبّراً قائماً إلى الركعة الثانية، معتمداً على فخذيه إن تيسر له ذلك؛ لحديث وائل وفيه:((وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه)) (2)، وإن شقَّ عليه اعتمد على الأرض؛ لحديث مالك بن الحويرث، وفيه:((وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام)) (3).
23 -
يصلي الركعة الثانية كالأولى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: ((ثم افعلْ ذلك في صلاتك كلها)) (4) إلا في خمسة أمور:
الأمر الأول: تكبيرة الإحرام، فلا يكبر تكبيرة الإحرام؛ لأنها للدخول في الصلاة.
الأمر الثاني: السكوت فلا يسكت في الركعة الثانية؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض للركعة الثانية استفتح القراءة بـ {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ولم يسكت)) (5).
(1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة، برقم 730،وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود،1/ 140، وجلسة الاستراحة عند القيام للركعة الثانية والرابعة.
(2)
أبو داود، برقم 838، والترمذي، برقم 268، والنسائي، برقم 1089، وابن ماجه، برقم 882 وغيرهم، وتقدم تخريجه.
(3)
البخاري، برقم 824، وتقدم تخريجه.
(4)
متفق عليه: البخاري، برقم 793، ومسلم، برقم 397، وتقدم تخريجه.
(5)
مسلم، كتاب المساجد، باب ما يقول بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم 599.
الأمر الثالث: الاستفتاح، فلا يستفتح في الركعة الثانية؛ لأن الاستفتاح تفتتح به الصلاة بعد تكبيرة الإحرام؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض للركعة الثانية استفتح القراءة بـ ((الحمد لله رب العالمين)) (1).
الأمر الرابع: لا يُطوِّلها كالأولى؛ بل تكون أقصر من الأولى في كل صلاة؛ لحديث أبي قتادة رضي الله عنه وفيه: ((يُطوِّل في الأولى ويُقصِّر في الثانية)) (2). وكان صلى الله عليه وسلم يُطوِّل الأوليين ويُقصِّر الأخريين من كل صلاة (3).
الأمر الخامس: لا يجدد النية؛ للاكتفاء باستصحابها؛ لأنه لو نوى الدخول بنية جديدة في الركعة الثانية لبطلت الركعة الأولى لقطعه استصحاب النية (4).أما التعوذ فقيل: يشرع في كل ركعة؛ لأنه حال بين القراءتين أذكار وأفعال فيستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في كل ركعة؛ ولقول الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (5)، وهذا هو الأفضل (6)، وقيل: تختص الاستعاذة بالركعة
(1) مسلم، برقم 599، وتقدم تخريجه في الحاشية السابقة.
(2)
مسلم، كتاب الصلاة، باب الجهر بالقراءة في الصبح، برقم 451.
(3)
متفق عليه: البخاري، برقم 770، ومسلم، برقم 453.
(4)
انظر: حاشية الروض المربع، للعلامة عبد الرحمن القاسم، 2/ 62، والشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين، 3/ 196.
(5)
سورة النحل، الآية:98.
(6)
واختار هذا القول شيخ الإسلام في الاختيارات الفقهية، ص50 فقال:((ويستحب التعوذ أول كل قراءة))، وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله أثناء شرحه للروض المربع، 2/ 62، فجر الأحد 3/ 8/1419هـ في الجامع الكبير في مدينة الرياض، يقول:((الأفضل أن يتعوذ في كل ركعة هذا هو الأفضل لعموم الأدلة، وإن اكتفى بالتعوذ في الأولى فلا حرج، والأفضل أن يتعوذ في كل ركعة حتى لو تعوذ في الأولى))، وقال العلامة المرداوي في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف:((قلت: وهو الأصح دليلاً)) 3/ 530،وقال النووي في المجموع 3/ 530:((والأصح في مذهبنا استحبابه)).
الأولى؛ لأن الصلاة جملة واحدة لم يتخلل القراءتين فيها سكوت، بل ذكر، فالقراءة فيها كلها كالقراءة الواحدة فيكفي فيها استعاذة واحدة (1)، إلا إذا لم يستعذ في الركعة الأولى فيتعوذ في الثانية (2).
وأما البسملة فتستحب في كل ركعة؛ لأنها تستفتح بها السورة (3).
24 -
إذا كانت الصلاة ثنائية: أي ركعتين: كصلاة الفجر، والجمعة، والعيدين، جلس للتشهد بعد فراغه من السجدة الثانية من الركعة الثانية، ناصباً رجله اليمنى، مفترشاً رجله اليسرى؛ لحديث أبي حُميد رضي الله عنه يرفعه وفيه:((وإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى)) (4)،وصفة جلوسه في هذا كجلوسه بين السجدتين سواء (5)،فيضع يده اليسرى على فخذه اليسرى أو ركبته اليسرى، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويقبض أصابع اليمنى كلها إلا السبابة فيشير بها إلى التوحيد؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما:((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى)) (6)،أو يُحَلِّق الإبهام والوسطى، ويقبض الخنصر والبنصر، ويشير بالسبابة؛ لحديث وائل بن حجر رضي الله عنه قال: ((رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد
(1) قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد: ((الاكتفاء باستعاذة واحدة أظهر)) 1/ 242، وانظر: المغني لابن قدامة، 2/ 216.
(2)
انظر: المقنع والشرح الكبير، لابن قدامة،3/ 530،والشرح الممتع لابن عثيمين، 3/ 196.
(3)
انظر: حاشية الروض المربع لابن قاسم، 2/ 62.
(4)
البخاري، برقم 828، تقدم تخريجه.
(5)
زاد المعاد، 1/ 242.
(6)
مسلم، كتاب المساجد، باب صفة الجلوس في الصلاة، وكيفية وضع اليدين على الفخذين، برقم 116 - (580)، و114 - (580).
حلَّق الإبهام والوسطى ورفع التي تليها يدعو بها في التشهد)) (1)،
أو يعقد ثلاثاً وخمسين ويشير بالسبابة، وصفتها أن يجعل الإبهام
مفتوحة تحت المسبِّحة، وهي أن يجعل الإبهام في أصل الوسطى أو
يعطف الإبهام إلى أصلها (2) لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى
ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى (3)،
وعقد ثلاثاً وخمسين (4)، وأشار
(1) ابن ماجه، برقم 912، وتقدم تخريجه.
(2)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 86، وسبل السلام للصنعاني، 2/ 308، 310، والتلخيص الحبير لابن حجر، 1/ 262.
(3)
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((جاء في هذا عدة روايات:
1ـ تارة يضع يديه على فخذيه.
2ـ وتارة يضعهما على ركبتيه.
3 -
وتارة يضع يديه على فخذيه وأطراف الأصابع على ركبتيه.
وأما ما يتعلق باليمنى فجاء فيها ما في حديث ابن عمر. وجاء فيها ما في حديث وائل، وهو أنه يعقد الإبهام والوسطى ويشير بالسبابة ويقبض الخنصر والبنصر، وخلاصة ما جاء في ذلك ثلاث صور:
1 -
تارة يقبض الأصابع كلها ويشير بالسبابة.
2 -
وتارة يحلق الإبهام والوسطى ويقبض الخنصر والبنصر ويشير بالسبابة.
3 -
وتارة يعقد ثلاثاً وخمسين ويشير بالسبابة، وقيل في هذه الصفة: إنه يجعل طرف الإبهام في أصل الوسطى، والإشارة بالإصبع إشارة إلى التوحيد، والأقرب أنه كان يفعل هذا تارة وهذا تارة، وهذا تارة: أي صفة قبض اليد والإشارة بالسبابة)) سمعته من سماحته رحمه الله أثناء شرحه لبلوغ المرام الحديث رقم 332.
(4)
وقيل في صفة ثلاثة وخمسين أقوال يفسر بعضها بعضاً، فقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير:((وصورتها أن يجعل الإبهام معترضة تحت المسبّحة)) 1/ 262، وقال الإمام النووي:((واعلم أن قوله: عقد ثلاثاً وخمسين شرطه عند أهل الحساب أن يضع طرف الخنصر على البنصر، وليس ذلك مراداً هاهنا، بل المراد أن يضع الخنصر على الراحة ويكون على الصورة التي يسميها أهل الحساب تسعة وخمسين والله أعلم)). شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 86، ومراده ((بسط الخنصر إلى أصل الإبهام مما يلي الكف وبسط البنصر فوقها، وبسط الوسطى فوقها، وعطف الإبهام إلى أصلها)) انظر: سبل السلام، 2/ 301. وقال الإمام الصنعاني نقلاً عن ابن حجر في التلخيص:((صورتها أن يجعل الإبهام مفتوحة تحت المسبِّحة)) هكذا نقل ولعلها في نسخة فنقلها الصنعاني، وقد تقدم كلام الحافظ آنفاً، انظر: سبل السلام، 2/ 308، أما ما ذكر الصنعاني، 2/ 310 في طريقة العرب في الحساب لهذه الصورة فهي: عقد الخنصر والبنصر والوسطى وعطف الإبهام إلى أصلها)) 2/ 310، وسمعت سماحة الإمام ابن باز يقول أثناء شرحه لبلوغ المرام، الحديث رقم 332:((وقيل في هذه الصفة: إنه يجعل طرف الإبهام في أصل الوسطى)).
بالسبابة)) (1) فظهر ثلاثة أنواع لليد اليمنى:
النوع الأول: قبض الأصابع كلها، والإشارة بالسبابة.
النوع الثاني: تحليق الإبهام والوسطى، وقبض الخنصر والبنصر، والإشارة بالسبابة.
النوع الثالث: عقد ثلاثاً وخمسين، والإشارة بالسبابة، وكلها صحيحة، وينظر أثناء جلوسه إلى إشارة سبابته؛ لحديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه:((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في التشهد وضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بالسبابة، لا يجاوز بصره إشارته)) (2)؛ ولحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وفيه: ((فوضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام في القبلة، ورمى ببصره إليها أو
(1) مسلم، كتاب المساجد، باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين، برقم 115 - ((580)).
(2)
النسائي، كتاب السهو، باب موضع البنصر عند الإشارة وتحريك السبابة، برقم 1275، وقال الألباني في صحيح سنن النسائي:((حسن صحيح)) 1/ 272.
نحوها، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع)) (1).
ويشير بالسبابة عند ذكر الله عز وجل حال الدعاء موجهة إلى القبلة، هذا هو السنة (2) يحركها إلى القبلة عند ذكر الله تعالى يدعو بها (3)،
ولا يحركها في غير ذكر الله والدعاء، بل تبقى منصوبة (4)، ويدل على تحريكها عند الدعاء حديث وائل بن حجر رضي الله عنه وفيه: ((ثم قعد وافترش رجله اليسرى، ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حدَّ مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض اثنتين من أصابعه وحلَّق
(1) النسائي، كتاب الافتتاح، باب موضع البصر في التشهد، برقم 1660، وقال الألباني في صحيح سنن النسائي: حسن صحيح، 1/ 250.
(2)
قال الإمام النووي: ((والسنة أن لا يجاوز بصره إشارته، وفيه حديث صحيح في سنن أبي داود، ويشير بها موجهة إلى القبلة، وينوي بالإشارة التوحيد والإخلاص والله أعلم))، شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 85.
(3)
اختلف العلماء في موضع الإشارة بالسبابة، فقيل:
1 -
يحركها عند ذكر الله فقط.
2 -
وقيل: عند ذكر الله وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم.
3 -
وقيل: يشير بها في جميع التشهد أي يحركها تحريكاً دائماً.
4 -
وقيل: يشير عند ((إلا الله)).
والصواب أنه يشير بها عند الدعاء وذكر الله فقط، وتبقى منصوبة فيما عدا ذلك. انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، 3/ 535 - 536، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/ 66 - 68، وسبل السلام، 2/ 308 - 309، وشرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 85، والمغني لابن قدامة، 2/ 119، والشرح الكبير لابن قدامة، 3/ 532، والشرح الممتع لابن عثيمين، 3/ 200 - 202.
(4)
وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله أثناء شرحه للروض المربع، 2/ 64، في فجر الأحد 3/ 8/1419هـ يرجح:((أن السبابة لا يحركها عند الإشارة، وإنما تبقى منصوبة، إلا عند الدعاء فيحركها، ثم قال: والصواب أنها تحرك عند الدعاء، أما غير الدعاء فلا يحركها وإنما يشير بها)).
حلقة، ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها)) (1)،ودلَّ على عدم تحريكها دائماً حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما:((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحرِّكها)) (2)، فالجمع بين الحديثين سهل: فنفي التحريك يراد به التحريك الدائم، وإثبات التحريك يراد به التحريك عند الدعاء (3)،
وتكون الإشارة بالسبَّاحة من اليد اليمنى، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإشارة بإصبع واحدة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً كان يدعو بإصبعيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أحِّدْ، أحِّدْ)) (4) وعن سعد قال: مرَّ عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصابعيَّ، فقال:((أحِّدْ، أحِّدْ)) وأشار بالسبابة (5)، والحكمة في الإشارة بالسبَّاحة إلى أن المعبود سبحانه وتعالى واحد، وينوي بالإشارة التوحيد والإخلاص فيه، فيكون جامعاً في التوحيد بين القول، والفعل،
(1) النسائي، كتاب الافتتاح، باب موضع اليمين من الشمال في الصلاة، برقم 890، وكتاب السهو باب قبض الاثنتين من أصابع اليد اليمنى، وعقد الوسطى والإبهام منها وتحريك الأصبع، برقم 1268، وصححه الألباني، في صحيح النسائي، 1/ 194، و1/ 271، وفي صحيح سنن أبي داود، 1/ 140، 180، وقد أخرجه أيضاً أبو داود، برقم 957، وأحمد 4/ 318، وتقدم تخريجه.
(2)
النسائي، كتاب السهو، باب بسط اليسرى على الركبة، برقم 1270، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب الإشارة في التشهد، برقم 989، وصححه النووي في المجموع 3/ 454، وقال الأرنؤوط في حاشية زاد المعاد، 1/ 238:((وسنده صحيح)).
(3)
وبهذا جمع البيهقي في السنن الكبرى، 2/ 132، وانظر: سبل السلام، 2/ 309، والشرح الممتع للعلامة محمد بن صالح العثيمين، 3/ 202 ..
(4)
الترمذي، كتاب الدعوات، بابٌ: حدثنا محمد بن بشار، برقم 3557، وقال:((هذا حديث حسن صحيح غريب)) والنسائي، كتاب السهو، باب النهي عن الإشارة بإصبعين وبأي إصبع يشير، برقم 1272 وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 1/ 272.
(5)
النسائي، كتاب السهو، باب النهي عن الإشارة بإصبعين وبأي إصبع يشير، برقم 1273، وصححه الألباني، في صحيح سنن النسائي، 1/ 272.
والاعتقاد (1)،
فعلى ما تقدم يشير بالسبَّاحة عند ذكر الله يدعو بها (2).
25 -
يقرأ التشهد في هذا الجلوس، فيقول: ((التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله [وحده لا شريك له]
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)) (3)، وهذا أصح ما ثبت في
التشهد (4)
ثم يقول: ((اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت
(1) انظر: نيل الأوطار للشوكاني، 2/ 68، وسبل السلام للصنعاني، 2/ 309 ..
(2)
واختلف العلماء في معنى كلمة ذكر الله، فقيل: عند ذكر الجلالة، وعلى هذا فإذا قال:((التحيات لله)) يشير ((السلام عليك أيها النبي ورحمة الله)) يشير، ((السلام علينا وعلى عباد الله)) يشير، ((أشهد أن لا إله إلا الله)) يشير، فهذه أربع مرات في التشهد الأول، ((اللهم صلِّ)) يشير، ((اللهم بارك)) يشير، ((أعوذ بالله من عذاب جهنم)) يشير، وقيل: يشير بها عند الدعاء، فكلما دعوت حركت إشارة إلى علو المدعو سبحانه وتعالى، وعلى هذا فإذا قال:((السلام عليك أيها النبي)) يشير؛ لأن السلام خبر بمعنى الدعاء، ((السلام علينا)) يشير، ((اللهم صلّ على محمد)) يشير، ((اللهم بارك على محمد)) يشير، ((أعوذ بالله من عذاب جهنم)) يشير، ((ومن عذاب القبر)) يشير، ((ومن فتنة المحيا والممات)) يشير، ((ومن فتنة المسيح الدجال)) يشير، وكلما دعا يشير. انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين،3/ 201 - 202،قلت: والظاهر والله أعلم أنه يشير عند لفظ الجلالة، وعند الضمير الذي يعود عليه، وعند الدعاء إشارة إلى علو المدعو سبحانه، وتقدم.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب التشهد في الصلاة، برقم 831، ورقم 835، ومسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم 402 عن ابن مسعود رضي الله عنه ولفظه عند البخاري قال:((كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ فإنكم إذا قلتم ذلك أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو)). هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم:((ثم ليتخير من المسألة ما شاء)) أما زيادة ((وحده لا شريك له)) فهي للنسائي في السنن، برقم 1168.
(4)
وإن شاء المصلي أن ينوع في التشهد فقد جاء له عدة صيغ منها:
1 -
حديث عبد الله بن مسعود السابق وهو أصح ما ورد.
2 -
حديث ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه: ((التحيات المباركات، الصلوات، الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله)) مسلم برقم 403.
3 -
حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ولفظه: ((التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)) مسلم برقم 404. وزاد النسائي برقم 1173، وأبو داود برقم 971، ((وحده لا شريك له)).
4 -
حديث ابن عمر رضي الله عنهما ولفظه: مثل حديث ابن مسعود رضي الله عنه. أبو داود، برقم 971، وصححه الألباني، 1/ 182، إلا أنه قال: زدت فيها ((وبركاته)) وقال: ((زدت فيها وحده لا شريك له)).
5 -
حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولفظه: ((التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات لله، الصلوات لله، السلام عليك
…
)) كتشهد ابن مسعود. مالك، برقم 53، والبيهقي، 2/ 144، والدارقطني، 1/ 351، وعبد الرزاق، برقم 3067، وقال الزيلعي في نصب الراية، 1/ 422:((وهذا إسناد صحيح)) وهو موقوف له حكم الرفع، وبأي تشهد يتشهد مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز، ولكن أصحها وأفضلها ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه انظر: المغني لابن قدامة، 2/ 221 - 222. وانظر: صفة الصلاة للألباني، ص172 - 177.
على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)) (1)، وهذا أكمل ما ثبت في الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم (2)،
ويستعيذ بالله من
(1) البخاري، كتاب الأنبياء، بابٌ: حدثنا موسى بن إسماعيل، برقم 3370.
(2)
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جاءت في روايات على أنواع منها:
1 -
حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؛ فإن الله قد علمنا كيف نسلم؟ قال: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد
…
وذكر حديث كعب السابق في كتاب الأنبياء في صحيح البخاري برقم 3370.
2 -
وحديث كعب بن عجرة الآخر، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال:((قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد)). البخاري، برقم 4797، ورقم 6357، ومسلم، برقم 406.
3 -
حديث أبي مسعود الأنصاري، وفيه: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((قولوا: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم)). مسلم، برقم 405.
4 -
حديث أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: ((قولوا: اللهم صلّ على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)) البخاري، برقم 3369، ورقم 6360، ومسلم، برقم 407، واللفظ له.
5 -
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك فكيف نصلي؟ قال: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد عبدك ورسولك، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم)) البخاري، برقم 6358.
6 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قلنا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال:((قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت [وباركت] على إبراهيم وآل إبراهيم [في العالمين] إنك حميد مجيد)). النسائي في عمل اليوم والليلة، برقم 47، وعزاه ابن القيم في جلاء الأفهام، ص44 إلى محمد بن إسحاق السراج، ثم قال: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وما بين المعقوفين للسراج، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 1/ 159.
أربع: فيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال))؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تشهد أحدُكم فليستعِذْ بالله من أربعٍ، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم .. الحديث)). ولفظ مسلم: ((إذا فرغ أحدُكم من التشهد الآخر، فليتعوَّذْ بالله من أربعٍ: من
عذاب جهنم
…
الحديث)) (1)، ويدعو بما شاء، ومن ذلك ما يلي:
أولاً: عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثَم والمغرَم)) قالت: فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم يا رسول الله! فقال: ((إن الرجل إذا غرم حدَّث فكذَب ووعدَ فأخلَف)) (2).
ثانياً: ((اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم))؛ لحديث أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: ((قل اللهم
…
)) الحديث (3). وفي رواية لمسلم: ((علمني دعاءً أدعو به في صلاتي وفي بيتي)) (4).
ثالثاً: ((اللهم اغفر لي ما قدَّمْتُ، وما أخَّرتُ، وما أسررْتُ، وما أعلنتُ، وما أنت أعلمُ به مني، أنت المقدِّم، وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت))؛ لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفيه: ثم يكون من آخر ما يقول
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم 1377، بلفظ:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)).ومسلم، بلفظه، في كتاب المساجد، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم 588.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم 832، ومسلم، كتاب المساجد، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم 589.
(3)
متفق عليه، البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم 834، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب الدعوات والتعوذات، برقم 2705.
(4)
مسلم، برقم 48 - ((2705)).
بين التشهد والتسليم: ((اللهم اغفر لي
…
)) الحديث (1).
رابعاً: ((اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك [من] أن أُردّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر))؛ لحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه كان يعلِّم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم الغلمان الكتابة ويقول: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ منهن دبر الصلاة)) (2). وفي رواية: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا هؤلاء الكلمات كما تُعلَّم الكتابةُ)) (3).
خامساً: ((اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك)) لحديث معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده، وقال:((يا معاذ، والله إني لأحبك، والله إني لأحبك)) فقال: ((أوصيك يا معاذ، لا تَدَعَنَّ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ تقول: اللهم أعني
…
)) الحديث (4).
سادساً: ((اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار))؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجلٍ: ((ما تقول في الصلاة؟)) قال: أتشهد، ثم أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، أما والله ما أُحسنُ دندنَتَك، ولا دندنةَ مُعاذ، قال:((حولها نُدندِنُ)) (5).
(1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم 771.
(2)
البخاري، كتاب الجهاد، باب ما يُتعوذ من الجبن، برقم 2822، ورقم 6365، 6374، 6390.
(3)
البخاري، كتاب الدعوات، باب التعوذ من فتنة الدنيا، برقم 6390.
(4)
أبو داود، كتاب الصلاة، باب الاستغفار، برقم 1522، والنسائي كتاب السهو، باب نوع آخر من الدعاء، برقم 1303، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 184.
(5)
ابن ماجه، كتاب الدعاء، باب الجوامع من الدعاء، برقم 3847،وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/ 328، و1/ 150. ورواه أبو داود، في كتاب الصلاة، باب في تخفيف الصلاة، برقم 792.
سابعاً: ((اللهم إني أسألك يا الله بأنك الواحد، الأحد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم))؛لحديث مِحْجَن بن الأدرع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فإذا هو برجل قد قضى صلاته، وهو يتشهد، ويقول:((اللهم إني أسألك يا الله .. )) وفي آخره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قد غفر له)) ثلاثاً (1).
ثامناً: ((اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، المنان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم إني أسألك
…
]؛ لحديث أنس رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، ورجل يصلي، ثم دعا: ((اللهم إني أسألك بأن لك الحمد
…
)) الحديث وفي آخره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعيَ به أجاب، وإذا سُئلَ به أَعطَى)) (2).
تاسعاً: ((اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد))؛ لحديث بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: ((اللهم إني أسألك
…
)) الحديث، وفي آخره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لقد سأل
(1) النسائي، كتاب السهو، باب الدعاء بعد الذكر، برقم 1301، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول بعد التشهد، برقم 985،وأحمد، 4/ 338،وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 280، وصحيح أبي داود، 1/ 185.
(2)
أبو داود، كتاب الوتر، باب الدعاء، برقم 1495،وابن ماجه كتاب الدعاء، باب اسم الله الأعظم، برقم 3858،والبخاري، في الأدب المفرد، برقم 705،وصححه الألباني في صحيح أبي داود،1/ 279، وأخرجه أحمد في المسند،3/ 158، 3/ 245،والطبراني في الكبير، برقم 4722 وذكر الألباني أنه وجد في رواية في آخره:((أسألك الجنة وأعوذ بك من النار)) فلتراجع، انظر: صفة الصلاة له، ص204.
الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعيَ به أجاب، وإذا سُئلَ به أعطى)) (1).
عاشراً: ((اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضى والغضب، وأسألك القصد في الغنى والفقر، وأسألك نعيماً لا ينفدُ، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك بَرْدَ العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مُضرَّة ولا فتنة مُضلَّة، اللهم زيِّنا بزينة الإيمان، واجعلنا هداةً مهتدين))؛ لحديث عمار رضي الله عنه أنه صلى بأصحابه فأوجز في صلاته، فقال له بعض القوم: لقد خففت أو أوجزت الصلاة، فقال: أمَّا على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر هذه الدعوات (2).
ويدعو بما يشاء من خير الدنيا والآخرة، وإذا دعا لوالديه أو غيرهما من المسلمين فلا بأس، سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود رضي الله عنه لَمَّا علمه التشهد:((ثم ليتخيّرْ من الدعاء أعجبه إليه فيدعو)) وفي لفظ: ((ثم ليتخيّرْ من المسألة ما شاء)) (3)، وهذا يعمّ جميع ما ينفع في الدنيا والآخرة (4).
(1) أبو داود، كتاب الوتر، باب الدعاء برقم 1493، والترمذي، كتاب الدعوات، باب جامع الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم برقم 3475،وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب اسم الله الأعظم، برقم 3857، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه،2/ 239.
(2)
النسائي، كتاب السهو، باب نوع آخر، برقم 1306، وأحمد، 4/ 364، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 1/ 281.
(3)
البخاري، برقم 831، 835، ومسلم، برقم 402، وتقدم تخريجه.
(4)
انظر: كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، للإمام ابن باز، ص18.
26 -
ثم يسلِّم عن يمينه وشماله قائلاً: ((السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله))؛ لحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((علام تُومئون بأيديكم كأنها أذناب خيلٍ شُمُسٍ، إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه، من على يمينه وشماله)) (1)،وعن أبي معمر أن أميراً كان بمكة يُسلِّمُ تسليمتين، فقال عبد الله: أنَّى عَلِقَها؟ (2) قال الحكم في حديثه: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله)) (3)،وعن عامر بن سعد عن أبيه قال:((كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسلِّم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده)) (4)، وينصرف عن يمينه وعن شماله لا حرج في شيء من ذلك (5).
27 -
إن كانت الصلاة ثلاثية: كصلاة المغرب، أو رباعية: كالظهر، والعصر، والعشاء، اكتفى بالتشهد الأول والأفضل أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم (6)
(1) مسلم، كتاب الصلاة، باب الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة باليد ورفعها عند السلام، برقم 431.
(2)
أنى علقها: أي من أين حصل على هذه السنة، وظفر بها فكأنه تعجب.
(3)
مسلم، كتاب المساجد، باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها وكيفيته، برقم 581.
(4)
مسلم، كتاب المساجد، الباب السابق، برقم 582، قال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام: ((وحديث التسليمتين رواه خمسة عشر من الصحابة
…
كلها بدون زيادة وبركاته إلا في رواية وائل، ورواية عن ابن مسعود)) فقال المحقق:((بل ضعف ذلك، ثم ذكر تسعة وعشرين صحابيّاً، وخرج رواياتهم)) سبل السلام، 2/ 330.
(5)
البخاري، برقم 852، ومسلم، برقم 707، 708.
(6)
الأفضل أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول؛ لعموم الأدلة، وكان الشعبي لا يرى بأساً أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وكذلك قال الشافعي، انظر: المغني لابن قدامة، 2/ 223، وقال المرداوي في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، 3/ 540 ((واختار ابن هبيرة زيادة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، واختاره الآجري، وزاد وعلى آله))، وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يوم الأحد 3/ 8/1419هـ أثناء شرحه للروض المربع، 2/ 70، 73، يقول:((والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول أفضل وهي آكد في الثاني لعموم الأدلة)).
وسمعته مرة يستدل على استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بآخر حديث ابن مسعود رضي الله عنه في التشهد: ((ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه)) ((ثم ليتخير من المسألة ما شاء))، ولكن لو وقف في التشهد الأول على ((وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)) كفى والحمد لله. وانظر: زاد المعاد لابن القيم،1/ 245،وصفة الصلاة للألباني، ص177،والشرح الممتع،3/ 226،ومجموع فتاوى الإمام ابن باز، 11/ 161، 202.
كما تقدّم آنفاً، ثم ينهض على صدور قدميه وعلى ركبتيه معتمداً على فخذيه مكبراً رافعاً يديه حذو أذنيه أو منكبيه؛ لحديث وائل رضي الله عنه، وفيه:((وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه)) (1)؛ ولحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وفيه: ((وإذا قام من الركعتين رفع يديه)) (2)؛ ولحديث أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه وفيه: ((ثم إذا قام من الركعتين كبَّر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة ثم يصنع ذلك في بقية صلاته)) (3)، ويضع يديه على صدره؛ لحديث وائل بن حجر رضي الله عنه وفيه:((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً في الصلاة قبض يمينه على شماله)) (4)، ويقرأ الفاتحة سرّاً فقط، وإن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة على الفاتحة في بعض الأحيان فلا بأس؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه (5). ويصلي الثالثة من المغرب، والثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء كالركعة الثانية كما تقدّم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث
(1) أبو داود، برقم 838، والترمذي، برقم 268، والنسائي، برقم 1089، وابن ماجه، برقم 882، وغيرهم، وتقدم تخريجه.
(2)
متفق عليه واللفظ للبخاري: البخاري، برقم 739،ومسلم، برقم 390،وتقدم تخريجه.
(3)
البخاري، برقم 828، واللفظ لأبي داود، برقم 730، وتقدم تخريجه.
(4)
النسائي، برقم 887، وتقدم تخريجه.
(5)
أخرجه مسلم، برقم 452، وتقدم تخريجه.
المسيء صلاته بعد أن علَّمه الركعة الأولى: ((ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) (1).
28 -
يجلس في التشهد الأخير متورِّكاً (2)؛
لحديث أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه وفيه: ((فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى
ونصب الأخرى وقعد على مقعدته)) (3). وفي لفظ: ((حتى إذا
كانت السجدة التي فيها التسليم أخّر رجله اليسرى وقعد متوركاً
على شقه الأيسر)) قالوا: صدقت هكذا كان يصلي صلى الله عليه وسلم (4) وهذا
هو الأفضل: أن يفترش في التشهد الأول (5)، ويتورك في
(1) البخاري، برقم 824، ومسلم، برقم 397، وتقدم تخريجه.
(2)
اختلف أهل العلم في موضع التورك في أي التشهدين يكون:
1 -
قال قوم: يتورك في التشهد الأول والثاني، وهذا مذهب مالك رحمه الله.
2 -
وقال قوم: يفترش اليسرى فيهما وينصب اليمنى، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله.
3 -
وقال قوم: يتورك في كل تشهد يليه السلام ويفترش في غيره، وهو قول الشافعي رحمه الله.
4 -
وقال قوم: يتورك في كل صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما، ويفترش في غير ذلك، وهو قول الإمام أحمد رحمه الله. انظر: زاد المعاد لابن القيم 1/ 243، وشرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 84، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/ 54، والمغني لابن قدامة، 2/ 225، 226، 227، 228، وقال النووي: ((ومذهب الشافعي يفترش في الأول ويتورك في الأخير ووافق الأقوال السابقة إلا أنه لم يذكر مذهب الإمام أحمد. شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 84.
(3)
البخاري، كتاب الأذان، باب سنة الجلوس في التشهد، برقم 828.
(4)
أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الافتتاح، رقم 730،وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 141.
(5)
قال الإمام النووي رحمه الله: ((وقد سبق اختلاف العلماء في أن الأفضل في الجلوس في التشهدين التورك أم الافتراش، فمذهب مالك وطائفة تفضيل التورك فيهما، ومذهب أبي حنيفة وطائفة تفضيل الافتراش، ومذهب الشافعي
…
وطائفة يفترش في الأول ويتورك في الأخير، لحديث أبي حميد الساعدي ورفقته في صحيح البخاري، وهو صريح في الفرق بين التشهدين، قال الشافعي - رحمه الله تعالى -:((والأحاديث الواردة بتورك أو افتراش مطلقة لم يبين فيها أنه في التشهدين أو أحدهما، وقد بيّنه أبو حميد ورفقته ووصفوا الافتراش في الأول، والتورك في الأخير، وهذا مبين فوجب حمل ذلك المجمل عليه، والله أعلم)). شرح النووي، 5/ 84.
الأخير (1)
لفعله صلى الله عليه وسلم (2).
(1) وقيل: جاء التورك على ثلاثة أنواع هي:
النوع الأول: يخرج الرجل اليسرى من الجانب الأيمن مفروشة ويجلس على مقعدته على الأرض وتكون الرجل اليمنى منصوبة؛ لحديث أبي حميد وفيه: ((وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته)). البخاري، برقم 828، وفي رواية:((حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخَّر رجله اليسرى وقعد متوركاً على شِقِّه الأيسر)) أبو داود، برقم 730، ورقم 963، 964.
النوع الثاني: يجلس متوركاً ويفرش القدمين جميعاً ويخرجهما من الجانب الأيمن، لحديث أبي حميد وفيه:((فإذا كانت الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض وأخرج قدميه من ناحية واحدة)) أبو داود، برقم 965، ورقم 731، وابن حبان ((موارد)) برقم 491، وانظر: صحيح ابن خزيمة، 1/ 347، وابن حبان ((إحسان))، برقم 1867، والبيهقي، 2/ 128، وصححه الألباني في صفة الصلاة، ص197.
النوع الثالث: يفرش قدمه اليمنى ويدخل اليسرى بين فخذ وساق الرجل اليمنى؛ لحديث عبد الله بن الزبير عن أبيه يرفعه: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى)). مسلم، برقم 579، قال الإمام ابن القيم: ولعله كان يفعل هذا تارة، وهذا تارة، زاد المعاد، 1/ 253، وقال العلامة ابن عثيمين:((وعلى هذا ينبغي أن يفعل الإنسان هذا مرة، وهذا مرة))، وهذا بناء على القاعدة: أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة ينبغي أن تفعل على جميع الوجوه الواردة؛ لأن هذا أبلغ في الاتباع، من الاقتصار على شيء واحد، انظر: الشرح الممتع، 3/ 300، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 22/ 335 - 337، والمغني لابن قدامة، 2/ 227 - 228، وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني، ص997، ونيل الأوطار، 2/ 54 - 55.
(2)
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله أثناء شرحه للروض المربع، 2/ 82 في يوم الأحد 10/ 8/1419هـ يقول:((السنة التورك في التشهد الأخير وينصب اليمنى، والتشهد الأول يفرش اليسرى وينصب اليمنى)).