الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاركْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيْمَ، إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ)) (1).
الثالث عشر: فهم وتدبُّر معاني الاستعاذة والدعاء قبل السلام من الصلاة:
1 -
((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ)) (2).
قوله: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ)) أي: من العذاب الحاصل منها، وقد ورد في صفات جهنم، وصفات العذاب فيها في الكتاب والسنة ما تقشعرّ منه الجلود، نسأل الله السلامة منها، والاستعاذة هنا تشمل عذاب جهنم، ومن فعل الأسباب المؤدية إلى عذاب جهنم؛ لأن الإنسان بين أمرين: إما عصمة من الذنوب، فهنا إعاذة الله من فعل السبب، وإما عفو عن الذنوب، وهنا إعاذة الله من أثر السبب.
قوله: ((عذاب القبر)): أي: من عذاب البرزخ الذي بين موت الداعي، وبين قيام الساعة، فليس المراد بالقبر هنا مدفن الميت؛ لأن الإنسان حقيقة لا يدري هل يموت ويدفن؟ أو يموت وتأكله السباع، أو يحترق ويكون رماداً، فالداعي يستحضر بهذا القول: العذاب الذي يكون للإنسان بعد موته إلى قيام الساعة.
(1) البخاري مع الفتح، 6/ 407، كتاب أحاديث الأنبياء، باب: حدثنا موسى بن إسماعيل، برقم 3369، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، 1/ 306، برقم 407، واللفظ له.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم 1377، ومسلم، بلفظه في كتاب المساجد، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم 588.
قوله: ((ومن فتنة المحيا والممات)): أي: اختبار المرء في دينه في حياته، وفي مماته، وأصل الفتنة: الامتحان والاختبار، وفتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا وشهواتها، والجهالات، أو الابتلاء مع زوال الصبر ونحو ذلك، وهي فتنة عظيمة وشديدة، وقلّ من يتخلَّص منها إلا من شاء الله، وهي تدور على شيئين: شبهات، وشهوات.
أما الشبهات - ومنشؤها الجهل - فتعرض للإنسان يلتبس عليه الحق بالباطل، فيرى الباطل حقاً، والحق باطلاً، وإذا رأى الحق باطلاً تجنبه، وإذا رأى الباطل حقاً فعله، وهذه فتنة عظيمة؛ فما أكثر الذين يرون الربا حقاً فينتهكونه، وما أكثر الذين يرون غش الناس في البيع والشراء شطارة وجودة، وما أكثر الذين يرون النظر إلى النساء تلذذاً وتمتعاً وحُرِّيَّة.
وأما الشهوات - ومنشؤها الهوَى - فإن الإنسان يعرف الحق لكن لا يريده فله هوى مخالف لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فأنت تسأل الله العافية من أمراض القلوب التي هي أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات.
وأما فتنة الممات فيراد بها ما يكون عند الموت في آخر الحياة، وما يكون بعد الموت مباشرة من سؤال الملكين للميت في قبره عن ربه، ودينه، ونبيِّه، والإنسان عند موته ووداع العمل صائر إمَّا إلى سعادة، وإمَّا إلى شقاوة، ضعيف النفس، ضعيف الإرادة، ضيق الصدر، فيأتيه الشيطان ليغويه؛ لأن هذا وقت المغنم للشيطان، حتى
أنه - كما قال أهل العلم - قد يعرض للإنسان الأديان اليهودية والنصرانية بصورة أبيه وأمه، والعياذ بالله تعالى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وعرض الْأَدْيَان عِنْدَ الْمَوْتِ عَلَى الْعَبْدِ لَيْسَ أَمْراً عَامّاً لِكُلِّ أَحَدٍ، وَلَا هُوَ أَيْضاً مَنْفِيّ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، بَلْ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَا تُعْرَضُ عَلَيْهِ الْأَدْيَانُ، وَمِنْهُمْ مَنْ تُعْرَضُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا الَّتِي أَمَرَنَا الرسول صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَعِيذَ فِي صَلَاتِنَا مِنْهَا، وَوَقْت الْمَوْتِ يَكُونُ الشَّيْطَانُ أَحْرَصَ مَا يَكُونُ عَلَى إغْوَاءِ بَنِي آدَمَ)) (1).
قوله: ((ومن شر فتنة المسيح الدجال)): المسيح الدجال أعظم فتنة في الدنيا على وجه الأرض منذ خُلق آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا ما من نبيٍّ من نوح إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهم إلا أنذر قومه منه، تنويهاً بشأنه، وتحذيراً منه.
وفتنة المسيح الدجال من فتن الدنيا؛ لأن الأموات قد سلموا من فتنته.
وهذه الفتن الأربع هي مجامع الشرِّ كله؛ فإن الشر إما عذاب الآخرة، وإما سببه، والعذاب نوعان: عذاب في البرزخ، وعذاب في الآخرة، وأسبابه: الفتنة، وهي نوعان: كبرى وصغرى، فالكبرى فتنة الدجال وفتنة الممات، والصغرى فتنة الحياة التي يمكن تداركها بالتوبة، بخلاف فتنة الممات وفتنة الدجال؛ فإن المفتون فيهما لا يتداركها (2).
2 -
((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة
(1) الاختيارات الفقهية، ص 85.
(2)
انظر الشرح الممتع، 3/ 237 - 266، وحاشية الروض المربع، 2/ 74.
المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم)) (1).
قوله: ((المأثم والمغرم)): المأثم هو الأمر الذي يأثم به الإنسان، أو هو الإثم نفسه، والمغرم هو الدَّين، بدليل تمام الحديث: فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم يا رسول الله فقال: ((إن الرجل إذا غرم: حَدَّث فكذب، ووعد فأخلف))، ويُراد به ما استدين فيما يكرهه الله تعالى، أو فيما يجوز، ثم عجز عن أدائه، فأما دينٌ احتيج إليه شرعاً، ويقدر على أدائه فلا يستعاذ منه (2).
2 -
((اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم)) (3).
قوله: ((اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)): فيه أن الإنسان كثير التقصير، وإن كان صدِّيقاً؛ لأن النعم عليه كثيرة، وقوته لا تطيق بأداء أقل القليل من شكرها، بل شكره من جملة النعم - أيضاً-، فيحتاج إلى شكر هو أيضاً، فما بقي له إلا العجز والاعتراف بالتقصير الكثير.
وقُدِّم هذا الاعتراف على سؤال المغفرة تأدُّباً، كما وقع لأبينا آدم وأُمِّنا حواء عليهما السلام في قوله تعالى:{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين} (4).
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم 832، ومسلم، كتاب المساجد، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم 589.
(2)
المنهل العذب، 5/ 329.
(3)
البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم 834، ومسلم، كتاب المساجد، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم 589.
(4)
سورة الأعراف، الآية:23.
4 -
((اللهم اغفر لي ما قدمتُ، وما أخَّرتُ، وما أسررتُ، وما أعلنتُ، وما أسرفتُ، وما أنت أعلمُ به منِّي، أنت المقدِّم، وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت)) (1).
قوله: ((أنت المقدم)) أي: ما تشاء إلى رحمتك بتوفيقه إلى طاعتك.
قوله: ((وأنت المؤخر)) لمن تشاء عن رحمتك بعدم توفيقه لطاعتك، كما اقتضته حكمتك (2).
5 -
((اللَّهُمَّ أعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسْنِ عِبَادَتِكَ)) (3).
قوله: ((ذكرك)) يشتمل على جميع أنواع الثناء حتى قراءة القرآن، والاشتغال بالعلم الديني، وغير ذلك من أنواع الذكر المشروع.
وإنما قَدَّم الذكر على الشكر؛ لأن العبد إذا لم يكن ذاكراً لم يكن شاكراً، كما تقَدَّمَ في قوله تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} (4).
قوله: ((وحُسنِ عبادتك)) قيد بالحسن؛ لأن العبادة الحسنة هي العبادة الخالصة، فالعبادة إذا لم تكن خالصة [صواباً على السنة] لا تقبل، ولا تنفع صاحبها (5).
6 -
((اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وأعُوذُ
(1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم 771.
(2)
انظر المنهل العذب 8/ 174.
(3)
أبو داود، 2/ 86، برقم 1522، والنسائي، 3/ 53، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 284. عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، ويأتي تخريجه في صفة الصلاة الكاملة الخاشعة.
(4)
سورة البقرة، الآية:152.
(5)
انظر: شرح حصن المسلم بتصحيح المؤلف، ص 131.
بِكَ مِنْ أنْ أُرَدَّ إلى أرْذَلِ العُمْرِ، وأعُوْذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ)) (1).
قوله: ((البخل)) أي: منع إنفاق المال، بعد الحصول عليه، وحبه وإمساكه.
قوله: ((الجبن)) أي: تَهَيُّب الإقدام على ما لا ينبغي أن يُخاف.
قوله: ((أن أُردَّ إلى أرذلِ العمر)) هو البلوغ إلى حدٍّ في الهرم، يعود معه كالطفل؛ في سخف العقل، وقلة الفهم، وضعف القوة.
والأرذل: هو الرَّديء من كل شيء.
قوله: ((فتنة الدنيا)) ومعنى الفتنة: الاختبار، قال شعبة رحمه الله:((يعني: فتنة الدَّجَّال))، وفي إطلاق الدنيا على الدجال، إشارة إلى أن فتنته أعظم الفتن الكائنة في الدنيا، وقد ورد ذلك صريحاً في قول النبيّ صلى الله عليه وسلم:((إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم، أعظم من فتنة الدجال)) (2).
ومعنى ((ذرأ)): خلق.
قوله: ((عذاب القبر)) فيه إثبات لعذاب القبر؛ فأهل السنة والجماعة يؤمنون بفتنة القبر وعذابه ونعيمه؛ فأما الفتنة: فإن الناس يفتنون في قبورهم، فيقال للرجل: من ربك؟ ومَا دينك؟ ومَن نبيك؟ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} (3)؛
(1) البخاري مع الفتح، 6/ 35، برقم 2822. عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(2)
رواه ابن ماجه، كتاب الفتن، باب فتنة الدجال وخروج عيسى بن مريم وخروج يأجوج ومأجوج، برقم 4077، وصححه الألباني، انظر قصة المسيح الدجال له، ص 49.
(3)
سورة إبراهيم، الآية:27.
فيقول المؤمن: ربي الله، والإسلام ديني، ومحمد نبيي، وأما المرتاب فيقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فيضرب بمرزبةٍ من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين: الإنس والجن (1)، ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب!!
7 -
((اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ الجَنَّةَ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ)) (2).
أي: اللهم إني أطلب منك الفوز بالجنة، وأن تجيرني من عذاب النار.
ويتضمن هذا الدعاء طلب التوفيق والهداية إلى الأعمال الصالحة المبتغى بها وجه الله تعالى، التي هي سبب للفوز بالجنة، وطلب البعد عن الأعمال السيئة، التي هي سبب لعذاب النار (3).
8 -
((اللَّهُمَّ بعِلْمِكَ الغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الخَلْقِ؛ أحْيِني مَا عَلِمْتَ الحَيَاةَ خَيْراً لِي، وتَوَفَّنِي إذَا عَلِمْتَ الوَفَاةَ خَيْراً لي، اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ خَشْيَتَكَ فِي الغَيْبِ والشَّهَادَةِ، وأسْألُكَ كَلِمَةَ الحَقِّ فِي الرِّضَا والغَضَبِ، وأسْألُكَ القَصْدَ فِي الغِنَى والفَقْرِ، وأسْألُكَ نَعِيماً لا يَنْفَدُ، وأسْألُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لا تَنْقَطِعُ، وأسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ القَضَاءِ، وأسْألُكَ بَرْدَ العَيْشِ بَعْدَ المَوْتِ، وأسْألُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، ولَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِيْنَةِ
(1) هذا معنى حديث رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الميت يسمع خفق النعال، برقم 1338، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، برقم 2870.
(2)
أبو داود، كتاب الصلاة، باب في تخفيف الصلاة، برقم 792، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب الجوامع من الدعاء، برقم 3846، وانظر: صحيح ابن ماجه، 2/ 328.
(3)
انظر: شرح حصن المسلم بتصحيح المؤلف، ص 132 - 133.
الإيْمَانِ، واجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ)) (1).
قوله: ((ما علمت الحياة خيراً لي)) أي: إذا كانت الحياة خيراً لي في علمك للغيب، وكذلك التقدير في قوله:((وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي)) أي: إذا كانت الوفاة خيراً لي في علمك.
قوله: ((خشيتك في الغيب والشهادة)) أي: فيما غاب عني وفيما أشاهده، والمراد منه: الخشية في جميع الأحوال.
قوله: ((كلمة الحق)) أي: التكلم بالحق؛ والمراد: العون والتوفيق على التكلم بالحق.
قوله: ((في الرضا والغضب)) أي: في حالة الرضا وحالة الغضب، أو المعنى: عند رضاء الراضي، وعند غضب الغاضب.
قوله: ((القصد)) القصد من الأمور؛ أي: المعتدل الذي لا يميل على أحد طرفي التفريط والإفراط؛ يعني: أسألك الاعتدال والوسط في الفقر والغنى، لا فقراً بالتفريط، ولا غِنَىً بالإفراط؛ لأن الفقر جداً يستدعي ترك الصبر، المؤدي إلى ارتكاب الطعن في التقدير، والتكلم بأنواع البشاعة، والغنى جداً يؤدي إلى الطغيان والفساد، وخير الأمور أوسطها.
قوله: ((نعيماً لا ينفد)) أي: لا يفرغ، وهو نعيم الجنة.
قوله: ((قرة عين لا تنقطع)) كناية عن السرور والفرح، يقال: قرَّتْ
(1) النسائي، كتاب التطبيق، نوع آخر من الدعاء، 4/ 54، 55، برقم 1305، وأحمد، 4/ 364، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 281.
عيناه؛ أي: سُرَّ بذلك وفرح، وقيل معناه: بلوغ الأُمنية حتى ترضى النفس، وتسكن العين، ولا تستشرف إلى غيره.
قوله: ((وأسألك الرضا بعد القضاء)) أي: بعد قضائك عليَّ بشيء من الخير والشر؛ أما في الخير فيرضى به ويقنع به، ولا يتكلَّف في طلب الزيادة، ويشكر على ما أوتي به، وأما في الشر فيصبر عليه ولا يكفر.
قوله: ((وأسألك برد العيش بعد الموت)) كناية عن الراحة بعد الموت.
قوله: ((وأسألك لذة النظر إلى وجهك)) إنما سأل هنا لذَّة النظر ولم يكتف بسؤال النظر، مبالغة في الرؤية وكثرتها؛ لأنه فرق بين رؤية ورؤية.
قوله: ((والشوق)) أي: أسألك لذة الشوق إلى لقائك؛ والشوق هو تعلق النفس بالشيء.
قوله: ((في غير ضراء)) متعلّق بقوله: ((أحيني إذا علمت الحياة خيراً لي)) أي: أحيني إذا أردت حياتي في غير ضراء مضرّة، ولا فتنة مضلّة، وتوفني إذا أردت وفاتي في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة عند الموت.
والضراء: الحالة التي تضر، وهي نقيض السراء.
ووصف الضراء بالمضرة، والفتنة بالمضلة للتأكيد والمبالغة.
قوله: ((اللهم زينا بزينة الإيمان)) أي: بشرائعه؛ لأن الشرائع زينة الإيمان؛ يعني: وفقنا لأداء طاعتك وإقامة شرائعك، حتى تكون لنا زينة في الدنيا والآخرة.
قوله: ((هداة)) جمع هادي؛ أي: اجمع لنا فينا بين الهدى
والاهتداء (1).
9 -
((اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ يَا أللهُ بأنَّكَ الوَاحِدُ الأحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، أنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ)) (2).
قوله: ((بأنك)) الباء سببية؛ أي: بسبب أنك الواحد.
قوله: ((الواحد الأحد)) لا فرق بين الواحد والأحد؛ أي: الفرد الذي لا نظير له، ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله تعالى؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله.
قوله: ((الصمد)) هو الذي يُصمد إليه في الحاجات؛ أي: يُقصد لكونه قادراً على قضائها، قال الزجاج رحمه الله:((الصمد السيد الذي انتهى إليه السؤدد، فلا سيد فوقه))، وقيل: هو المستغني عن كلِّ أحد، والمحتاج إليه كلُّ أحد، وقيل: هو الذي لا جوف له؛ قال الشعبي رحمه الله: ((هو الذي لا يأكل الطعام، ولا يشرب الشراب)).
قوله: ((الذي لم يلد ولم يولد)) أي: ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة.
قوله: ((كفواً)) أي: مثلاً ونداً ونظيراً (3).
10 -
((اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ بأنَّ لَكَ الحَمْدَ، لَا إلَهَ إلَاّ أنْتَ، وَحْدَكَ
(1) انظر: العلم الهيب في شرح الكلم الطيب، ص 309 - 313.
(2)
أخرجه النسائي بلفظه، كتاب التطبيق، نوع آخر من الدعاء، 3/ 52، وأحمد، 4/ 238، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 280.
(3)
انظر: شرح حصن المسلم بتصحيح المؤلف، ص 136.
لا شَرِيكَ لَكَ، المَنَّانُ، يَا بَدِيعَ السَّمَواتِ والأرْضِ، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، إنِّي أسْألُكَ الجَنَّةَ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ)) (1).
قوله: ((المنَّان)) أي: كثير العطاء، من المنَّة بمعنى النِّعمة، والمنَّة مذمومة من الخلق؛ لأنهم لا يملكون شيئاً، قال صاحب ((الصحاح)):((مَنَّ عليه هنا؛ أي: أنعم، والمنَّان من أسماء الله تعالى)).
قوله: ((يا بديع السموات والأرض)) أي: مبدعها ومخترعها لا على مثال سبق.
قوله: ((يا ذا الجلال والإكرام)) أي: صاحب العظمة، والسلطان والإنعام، والإحسان.
وجاء في نهاية الحديث؛ قوله صلى الله عليه وسلم: ((لقد دعا الله باسمه الأعظم، الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعْطَى)).
قال الطيبي رحمه الله: ((فيه دلالة على أن لله تعالى اسماً أعظم إذا دُعي به أجاب)).
قال الشوكاني رحمه الله: ((قد اختلف في تعيين الاسم الأعظم على نحو أربعين قولاً)).
قال ابن حجر رحمه الله: ((وأرجحها من حيث السند: الله لا إله إلا هو الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً
(1) رواه أهل السنن: أبو داود، كتاب الوتر، باب الدعاء، برقم 1495، والنسائي، كتاب التطبيق، نوع آخر من الدعاء، 3/ 52، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب اسم الله الأعظم، برقم 3858، والترمذي، كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في دعاء الحفظ، برقم 3544، وانظر: صحيح ابن ماجه، 2/ 329.
أحد)).
وقال الجزري رحمه الله: ((وعندي أن الاسم الأعظم: لا إله إلا هو الحي القيوم)).
ورجح ذلك ابن القيم وغيره، والله أعلم (1).
11 -
((اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ بأَنِّي أشْهَدُ أنَّكَ أنْتَ اللهُ لا إلَهَ إلَاّ أنْتَ، الأحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ)) (2). وتقدم شرحه قبل حديث واحد.
12 -
((السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة
الله)) (3)(4)، تقدّم معنى السلام في شرح كلمات التشهد، والسنة أن ينوي بالسلام الخروج من الصلاة، والسلام على الحاضرين عن يمينه وشماله، وعلى الملائكة؛ لأدلة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((
…
ثم يسلم على أخيه: من على يمينه وشماله)) (5).
(1) انظر: شرح حصن المسلم بتصحيح المؤلف، ص 137.
(2)
أبو داود، كتاب الوتر، باب الدعاء، 2/ 62، برقم 1493، والترمذي، كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب جامع الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، 5/ 515، برقم 3475، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب اسم الله الأعظم، 2/ 1267، برقم 3857، وأحمد، 5/ 360، برقم 22965، وانظر: صحيح ابن ماجه، 2/ 329، وصحيح الترمذي، 3/ 163.
(3)
انظر: صحيح مسلم، برقم 431، ورقم 581، 582.
(4)
قال الإمام الصنعاني رحمه الله في سبل السلام، 2/ 330:((وحديث التسليمتين رواه خمسة عشر من الصحابة، كلهم بدون زيادة وبركاته إلا في رواية وائل، ورواية عن ابن مسعود))، فقال المحقق:((بل ضُعِّف ذلك، ثم ذكر تسعة وعشرين صحابياًّ، وخرَّج رواياتهم))، سبل السلام، 2/ 330.
(5)
مسلم، برقم 431، وانظر: صلاة المؤمن للمؤلف، 1/ 257.