الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يرد لعشرة معانٍ أخرى، تقدم ذكرها بالتفصيل (1).
4 - السكينة:
قيل: السكينة: المهابة والرَّزانة والوقار (2).
وقيل: ما يجده القلب من الطمأنينة
…
وهي نور في القلب يسكن إلى شاهده، ويطمئن وهو مبادئ عين اليقين (3).
وقيل: السكينة: الطمأنينة (4)، وتأتي السكينة بمعنى: الوقار، والتَّأنِّي في الحركة والسير:((السكينةَ، السكينةَ)) أي الزموا السكينة (5)، وفي حديث الخروج إلى الصلاة:((فليأتِ وعليه السكينة)) (6).
وقد ذكر الله سبحانه ((السكينة)) في كتابه في ستة مواضع:
الأول: قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} (7).
الثاني: قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى
(1) تقدم ذكر ذلك بالأدلة في المبحث الرابع، البند رقم 12.
(2)
انظر: المصباح المنير، للفيومي، 1/ 283، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس، ص 486.
(3)
التعريفات للجرجاني، فصل الكاف، ص 159.
(4)
القاموس المحيط، ص 1556.
(5)
رواه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 1218،
(6)
أخرجه الإمام أحمد، 18/ 8، برقم 9022، والطبراني في معجمه الأوسط، 1/ 296، حديث رقم: 983، وصححه الألباني في الثمر المستطاب، ص 233.
(7)
سورة البقرة، الآية:248.
الْمُؤْمِنِينَ} (1).
الثالث: قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} (2).
الرابع: قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} (3).
الخامس: قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} (4).
السادس: قوله تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (5).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وأصل السكينة هي الطمأنينة والوقار، والسكون الذي ينزله الله في قلب عبده، عند اضطرابه من شدة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه، ويوجب له زيادة الإيمان، وقوة اليقين والثبات.
(1) سورة التوبة، الآية:26.
(2)
سورة التوبة، الآية:40.
(3)
سورة الفتح، الآية:4.
(4)
سورة الفتح، الآية:18.
(5)
سورة الفتح، الآية:26.
ولهذا أخبر سبحانه عن إنزالها على رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى المؤمنين في مواضع القلق والاضطراب، كيوم الهجرة، إذ هو وصاحبه في الغار، والعدو فوق رؤوسهم، لو نظر أحدهم إلى ما تحت قدميه لرآهما، وكيوم حُنَيْن، حين وَلَّوْا مدبرين من شدة بأس الكفار، لا يلوي أحد منهم على أحد، وكيوم الحديبية حين اضطربت قلوبهم من تحكُّمِ الكفار عليهم، ودخولهم تحت شروطهم التي لا تحملها النفوس، وحسبك بضعف عمر رضي الله عنه عن حملها، وهو عمر، حتى ثَبَّتَهُ اللَّهُ بالصِّدِّيق رضي الله عنه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((كل سكينة في القرآن فهي طمأنينة، إلا التي في سورة البقرة)) (1).
وفي الصحيحين عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: ((رأيت النبي صلى الله عليه وسلم نقل من تراب الخندق، حتى وارى الترابُ جلدةَ بطنه، وهو يرتجز بكلمة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
اللَّهُمَّ لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدقْنا ولا صلَّينا
فأنزلنْ سكينةً علينا
…
وثبِّت الأقدام إن لاقينا
إنَّ الأُلى قد بَغَوا علينا
…
وإنْ أرادوا فتنة أبينا)) (2)(3)
(1) أورد هذا الأثر أكثر المفسرين، انظر مثلاً: تفسير البغوي، 7/ 298، تفسير القرطبي، 16/ 264، وذكره العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري، قبل الحديث رقم 4839، والمباركفوري في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، 7/ 378.
(2)
متفق عليه: البخاري، برقم 4106، وفيه برقم 3034، ورقم 4104، ومسلم، برقم 1803، بلفظ: ((والله لولا أنت
…
)).
(3)
انظر: مدارج السالكين، 2/ 502 - 504 بتصرف.
وقال العلامة السعدي رحمه الله: ((والسكينة ما يجعله الله في القلوب وقت القلاقل، والزلازل، والمفظعات، مما يثبِّتها، ويسكِّنها، ويجعلها مطمئنة، وهي من نعم الله العظيمة على العباد)) (1)، وهي:((الثبات والطمأنينة، والسكون المُثَبِّتَة للفؤاد)) (2).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (((السكينة) إذا نزلت على القلب اطمأنّ بها، وسكنت إليها الجوارح، وخشعت، واكتسبت الوقار، وأنطقت اللسان بالصواب، والحكمة، وحالت بينه وبين قول الخنا، والفحش، واللغو، والهجر، وكل باطل. قال ابن عباس رضي الله عنهما:((كُنَّا نَتَحدَّث أن السكينة تنطق على لسان عمر وقلبه)) (3).
وكثيراً ما ينطق صاحب (السكينة) بكلام لم يكن عن فكرة منه، ولا روِّية، ولا هبة، ويستغربه هو من نفسه، كما يستغرب السامع له، وربّما لا يعلم بعد انقضائه بما صدر منه.
وأكثر ما يكون: هذا عند الحاجة، وصدق الرغبة من السائل، والمجالس، وصدق الرغبة منه: هو إلى الله، والإسراع بقلبه إلى بين يديه، وحضرته، مع تجرُّدِه من الأهواء، وتجريده النصيحة لله
(1) تيسير الكريم الرحمن، ص 333.
(2)
المرجع السابق، ص 338.
(3)
مدارج السالكين، 2/ 506، والأثر رواه الإمام أحمد، برقم 5145 عن ابن عمر، وهو عند أبي داود، برقم 2963، وابن ماجه، برقم 108، عن أبي ذر رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 108، ولم أجد رواية ابن عباس التي أشار إليها الإمام ابن القيم رحمه الله.