الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دائماً؛ لئلا يتأخَّر عن صلاة نافلة أو فريضة متى حضر وقتها، وهو أيضاً زاهدٌ في دنياه، وقد كتب وصيته استعداداً للموت، أو للخروج للجهاد، وهكذا.
فإن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل، كما أوصاك، ولا تكن ممن يسبق غيره إلى الدنيا، ويتأخر عنهم في أعمال الآخرة، وَقَدْ رُوِيَ:((لَا تَكُنْ أَوَّلَ دَاخِلٍ السُّوقَ وَلَا آخِرَ خَارِجٍ مِنْهَا)) (1). وذلك لأنه بيت الشيطان، وقد ثبت في الحديث الصحيح:((أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا)) (2)، والله المستعان.
الأمر الثاني: إطالة الصلاة بتلذُذٍ ورغبة عظيمة:
فمن أحسَّ بلذَّةِ الصلاة لم يشعر بالوقت وهو يمرُّ، بل تمضي الساعات الطويلة كأنها دقائق، وقد قال القائل:
(1) رواه الطبراني في المعجم الكبير، 6/ 248، والبيهقي في شعب الإيمان، 13/ 193، والخطيب البغدادي، 12/ 426، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 4/ 135:((رواه الطبراني في الكبير، وفي الرواية الأولى: القاسم بن يزيد، فإن كان هو الجرمي فهو ثقة، وبقية رجاله رجال الصحيح، وفي الثانية: يزيد بن سفيان وهو ضعيف))، وقال محقق العلل المتناهية، 2/ 101:((بل هو أبو محمد القارئ شيخ صدق من الأخبار))، وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، 14/ 1180، برقم 7073، وقال:((قلت: كلا؛ ليس هو الجرمي، فإنه متقدم على الوزَّان بسنين، فإنه مات سنة (194)، وكنيته:(أبو يزيد الموصلي)، ولم أجد لأبي محمد الوزَّان ترجمة بغير ما ذكره الخطيب؛ ولذلك فلم تطمئن النفس لهذه المخالفة)).
(2)
مسلم، كتاب المساجد مواضع الصلاة، باب فَضْلِ الْجُلُوسِ فِي مُصَلَاّهُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ، برقم671.
زمانٌ تقضَّى بالمسرة ساعة
…
ويومٌ تقضَّى بالمساءة عام
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم ليلاً طويلاً، ويتلذَّذ بذلك، وقد ثبت قيامه طويلاً في أحاديث كثيرة، منها:
1 -
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((صلَّيْت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً، فأطال حتى هَمَمت بأمر سوءٍ، قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه)) (1).
2 -
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: ((صلَّيت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى فقلت: يصلِّي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مُترسِّلاً، إذا مرَّ بآية تسبيح سبَّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرَّ بتعَوُّذٍ تَعوَّذ
…
)) (2).
3 -
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: ((قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فقرأ سورة البقرة، لا يمرُّ بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمرُّ بآية عذاب إلا وقف وتعوَّذ، ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه: ((سبحان ذي الجبروت، والملكوت، والكبرياء، والعظمة))، ثم سجد بقدر قيامه، ثم قال في سجوده مثل ذلك، ثم قام فقرأ بآل عمران، ثم قرأ سورة سورة)) (3).
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب التهجد، باب طول القيام في صلاة الليل، برقم 1135، ومسلم، واللفظ له، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، برقم 773.
(2)
مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، برقم 772.
(3)
أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، برقم 873، والنسائي، كتاب الافتتاح، باب نوع آخر من الذكر في الركوع، برقم 1049، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 166.
4 -
وعن حذيفة رضي الله عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي من الليل، فصلَّى أربع ركعات، فقرأ فيهن: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، أو الأنعام)) (1).
5 -
وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: لأرمُقنَّ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة، فصلَّى ركعتين خفيفتين، ثم صلَّى ركعتين: طويلتين، طويلتين، طويلتين، ثم صلَّى ركعتين وهما دون اللّتين قبلهما، ثم صلَّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلَّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلَّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة)) (2).
6 -
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطَّر قدماه، فقالت: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: ((أفلا أكون عبداً شكورا)) (3).
7 -
وقالت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يصلِّي إحدى عشرة ركعة كانت تلك صلاته - يعني بالليل- فيسجد السجدة قدر ما
(1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، برقم 874، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 166.
(2)
مسلم كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ودعائه، برقم 765.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير، باب ((ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر))، برقم 4837، ومسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب إكثار الأعمال، والاجتهاد في العبادة، برقم 2820، وجاء من حديث المغيرة رضي الله عنه عند البخاري برقم 4836، ومسلم، برقم 2819.
يقرأُ أحدُكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه)) (1).
8 -
وعن عائشة رضي الله عنها في صلاة النبي من الليل في آخر حياته، قالت: ((
…
وكان يُصلِّي ليلاً طويلاً قائماً، وليلاً طويلاً قاعداً، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعداً ركع وسجد وهو قاعد
…
)) (2)(3).
9 -
وعن حفصة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى في سبحته (4) قاعداً حتى كان قبل وفاته بعام، فكان يصلِّي في سبحته قاعداً، وكان يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها)) (5).
10 -
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً قرأ المفصَّل في ركعة فقال له: ((هذَّاً كهذِّ الشعر؟ لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين من آل حم في كل ركعة)) (6).وفي لفظ: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأهن اثنتين اثنتين في
(1) البخاري، كتاب الوتر، باب ما جاء في الوتر، برقم 994.
(2)
مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز النافلة قائماً وقاعداً
…
، برقم 730.
(3)
انظر التفصيل في الصلاة قاعداً وقائماً وصفاته الثلاث: صلاة المؤمن، ص 287، وزاد المعاد، 1/ 331.
(4)
قال في النهاية، مادة (سبح):((ويقال أيضاً للذِّكْر ولصَلاةِ النَّافلة: سُبْحَة. يقال: قَضَيت سُبْحَتي)).
(5)
مسلم كتاب الصلاة المسافرين، باب جواز النافلة، قائماً وقاعداً، برقم 733.
(6)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الجمع بين السورتين في ركعة، والقراءة بالخواتيم، وبسورة قبل سورة، وبأول سورة، برقم 775، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب ترتيل القرآن واجتناب الهذّ، برقم 275 - (722).
كل ركعة)) وقال: ((عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود آخرهن من الحواميم: {حم}،الدخان، و {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} (1). وفي لفظ لمسلم: ((عشرون سورة في عشر ركعات من المفصل في تآليف عبد الله)) (2). وفي لفظ لمسلم: ((
…
هذّاً كهذِّ الشعر، إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع، إنَّ أفضل الصلاة الركوع والسجود، إني لأعلم النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن
…
)) (3).
11 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن ليلة)) (4). وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: ((قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية حتى أصبح يُردِّدها، والآية: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (5).
وهذا يدل على التنويع في القراءة في صلاة الليل على حسب ما يفتح الله به على عبده، وعلى حسب الأحوال وقوة الإيمان.
وهذا يدل على تلذُّذ النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة فهي قرُّة عينه، وراحة نفسه صلى الله عليه وسلم.
(1) البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن، برقم 4996، ورقم 5043.
(2)
مسلم، برقم 276 - (722)، وتقدم تخريجه.
(3)
مسلم، برقم275 - (722)، وتقدم تخريجه.
(4)
الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في قراءة الليل، برقم 448، وصحح إسناده الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 140.
(5)
ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في القراءة في صلاة الليل، برقم 1350، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 1/ 225، وصححه الأرنؤوط في حاشيته على جامع الأصول، 6/ 105.
* وكذلك كان أصحابه رضي الله عنهم، والتابعون لهم بإحسان: فقد كان الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه (1) يختم القرآن في ركعة كما ثبت ذلك عنه (2)، وما ذاك إلا لغيبته عن تعب طول القيام بإحساسه بلذة القرآن، وهو القائل:((لو طَهُرَتْ قلوبُكم ما شبعتُم من كلام ربكم)) (3).
* وكذا تميم الداري رضي الله عنه (4)، وسعيد بن جبير (5)، والإمام أبو حنيفة النعمان (6)، رحمهما الله يختمون القرآن في ركعة واحدة في أناسٍ لا يحصون كثرةً كما قال النووي رحمه الله (7)، ولعل هذا في ليالي الشتاء الطويلة، أضف لذلك بركة الوقت.
والأفضل أن لا يختم في أقلِّ من ثلاثة أيام؛ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه:((لا يفقه من قرأ القرآن في أقلِّ من ثلاث)) (8).
(1) استشهد رحمه الله سنة 35 هـ.
(2)
مصنف عبد الرزاق، 3/ 354، أبو عبيد في فضائل القرآن، ص 90، وابن المبارك في الزهد، ص 453، والبيهقي في السنن، 2/ 396، وتاريخ دمشق، لابن عساكر، 39/ 233.
(3)
الإمام أحمد في الزهد، ص 188، وحلية الأولياء، 7/ 300.
(4)
توفي الصحابي الجليل تميم بن أوس أبو رقية الداري سنة 40 هـ. انظر: الكاشف، 1/ 279.
(5)
توفي سعيد بن جبير سنة 95 هـ قتله الحجاج بن يوسف. انظر: الثقات لابن حبان، 4/ 275.
(6)
توفي الإمام أبو حنيفة سنة 150 هـ. انظر: تذكرة الحفاظ، 1/ 126.
(7)
توفي الإمام محيي الدين يحيى بن شرف النووي سنة 676هـ. انظر: طبقات الحفاظ للسيوطي، 513.
(8)
أبو داود، كتاب الصلاة، باب في كم يقرأ القرآن، برقم 1390، ورقم 1391، وصححهما الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 385.
* وكان أبو إسحاق السَّبيعي رحمه الله (1) لما كبر كان لا يقدر على القيام حتى يُقام، فإذا أقاموه قرأ بألف آية! وقال:((ضعفت ورقّ عظمي، إني اليوم أقوم في الصلاة فما أقرأ إلا البقرة وآل عمران)) (2).
* وأقل منه عطاء بن أبي رباح (3)؛ فإنه بعد ما كبر وضعُفَ يقوم إلى الصلاة، فيقرأ مائتي آية من البقرة وهو قائم ما يزول منه شيء ولا يتحرك)) (4).
* وقال: خالد بن دريك (5): ((كان لنا إمامٌ بالبصرة يختم بنا في شهر رمضان في كل ثلاثٍ، فمرض، فأمَّنا غيره، فختم بنا في كلِّ أربع، فرأينا أنه قد خفَّفَ)) (6). بمعنى أنه يقرأ ربع القرآن كل يوم، ومع ذلك عدُّوا صلاته خفيفة! وليس لذلك تفسيرٌ إلا أنهم كانوا إذا واجهوا ربهم تبارك وتعالى، فإنهم ينسون كل ما سواه.
* وهناك إطالةٌ للصلاة من نوعٍ آخر، وهو أن كثيراً من السلف الصالح رحمهم الله تعالى كانوا يصلون الفجر بوضوء العشاء، أي أنهم كانوا لا ينامون الليل، فيجعلونه وقتاً للعبادة والخلوة بالله عز وجل.
(1) توفي أبو إسحاق السبيعي سنة 127 هـ. انظر: الثقات لابن حبان، 5/ 177.
(2)
التهجد وقيام الليل لابن أبي الدنيا، 1/ 195، وحلية الأولياء، 4/ 339، وصفة الصفوة، 3/ 105.
(3)
توفي عطاء بن أبي رباح سنة 114، وقيل: 115هـ. انظر: تذكرة الحفاظ، 1/ 75.
(4)
شعب الإيمان للبيهقي، 1/ 146، وصفة الصفوة، 2/ 213، وتاريخ دمشق، 40/ 380.
(5)
خالد بن دريك: ثقة من التابعين، ولم يرو عن أحد من الصحابة، ولم يذكر أحد تاريخ وفاته، ميزان الاعتدال، 2/ 410، تقريب التهذيب، 1/ 257.
(6)
شعب الإيمان للبيهقي، 3/ 178.
منهم التابعي الجليل سعيد بن المسيَّب رحمه الله الذي ذُكر عنه أنه صلَّى الغداة بوضوء العشاء خمسين سنة (1)، هذا وهو إمام التابعين، وسيِّدُهم، فليس في فعله منكرٌ ينكر عليه، ثم إن ذلك ليس لسنةٍ ولا سنتين، ولو فرضنا أن العدد المذكور مبالغٌ فيه، فلن تكون الحقيقة أقل من النصف منه.
* وَصَلَّى سليمان التيمي البصري رحمه الله (2) الصبح بوضوء العشاء أربعين سنة (3)، ويقال فيه كما قيل فيما قبله.
ولكن سنة النبي صلى الله عليه وسلم هي المُتَّبعة، ولم يكن يفعل ذلك، فعن أنس رضي الله عنه قال: ((جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم!؟ قد غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّرَ، فقال أحدهم: أمَّا أنا فأصلِّي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخرُ: أنا أعتزل النساء، ولا أتزوج أبداً، فجاء إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكنِّي أصوم وأفطر، وأُصلِّي وأرقد، وأتزوّج النساء، فمن رغب
(1) وفيات الأعيان لابن خلكان، 2/ 375، والمدهش لابن الجوزي، ص 431، ومرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان، لليافعي، 1/ 84،ومنظومة مصباح الراوي، عبد الله بن فودي، ص 215.
(2)
توفي رحمه الله 143 هـ. الثقات لابن حبان، 4/ 103، تذكرة الحفاظ، 1/ 113.
(3)
ذكر صلاة الفجر بوضوء العشاء مصادر كثيرة، منها: الطبقات الكبرى لابن سعد،
7/ 252، شعب الإيمان للبيهقي، 1/ 160، وحلية الأولياء، لأبي نعيم، 3/ 28، وإحياء علوم الدين للغزالي، 1/ 356 ..
عن سنتي فليس مني)) (1).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته، وكان إذا نام من الليل، أو مرض، صلَّى من النهار ثنتي عشرة ركعة، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى الصباح، وما صام شهراً متتابعاً إلا رمضان)) (2).
* ومن السلف الصالح من كان يَجْتَهِدُ في العبادة حتى لو قيل له: إن غداً القيامة ما استطاع أن يزيد في عبادته شيئاً؛ لأنه قد أتى منها بأكثر ما يقدر، منهم: أبو مسلم الخولاني رحمه الله (3)، الذي كان يقول:((لو قيل: إن جهنم تسعر ما استطعت أن أزيد في عملي)) (4).
* ومنهم منصور بن زاذان الواسطي (5)، وصفوان بن سليم
(1) متفق عليه: البخاري، واللفظ له، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، برقم 5063، ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه
…
، برقم 1401.
(2)
مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جامع صلاة الليل، برقم 141 - (746)، وانظر المسألة في زاد المعاد لابن القيم، 1/ 322، و2/ 81، وسلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، 1/ 108، شرح الحديث رقم 67: ((لقد نزلت عليَّ الليلة آية
…
))، والصيام في الإسلام للمؤلف في ذكر صيام شعبان كاملاً، وذكر قيام عشر رمضان الأخيرة، فإن فيه الجمع بين الأحاديث.
(3)
أبو مسلم الخولاني الزاهد الشامي اسمه عبد الله بن ثوب ثقة عابد من الثانية رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يدركه وعاش إلى زمن يزيد بن معاوية، مات قريباً من سنة اثنتين وستين. تذكرة الحفاظ للذهبي، 1/ 40، تقريب التهذيب، 1/ 673.
(4)
الزهد للإمام أحمد بن حنبل،1/ 392، وحلية الأولياء، 2/ 124.
(5)
منصور بن زاذان أبو المغيرة الثقفي ثقة ثبت عابد، مات سنة 129هـ. تقريب التهذيب،2/ 214.
القرشي (1)، وعبد الرحمن بن أبي نعم الكوفي (2)، وحماد بن سلمة البصري (3) رحمهم الله تعالى.
* وبلغ التلذذ بالعبادة عند بعضهم مبلغاً حتى تمنّى على الله تعالى أن يرزقه الصلاة في قبره، ليلتذّ بها في القبر كما التذّ بها في الدنيا، فهذا ثابت بن أسلم البناني البصري رحمه الله (4) يقول:((اللَّهُمَّ إنْ كُنْت أَعْطَيْت أَحَداً الصَّلَاةَ فِي قَبْرِهِ، فَأَعْطِنِي الصَّلَاةَ فِي قَبْرِي)) (5)، فأعطاها إياه، فرآه من دفنه - وهو أبو سنان - يصلي في القبر. وأقسم آخر أنه رآه في المنام يصلي في القبر بثياب خضر (6):
يُحْيُونَ لَيْلَهُمْ بِطَاعَةِ رَبِّهِمْ
…
بِتِلاوَةٍ وَتَضَرُّعٍ وَسُؤَالِ
وَعُيُونُهُمْ تَجْرِي بِفَيْضِ دُمُوعِهِمْ
…
مِثْلَ انْهِمَالِ الْوَابِلِ الْهَطَّالِ
فِي اللَّيْلِ رُهْبَانٌ وَعِنْدَ جِهَادِهِمْ
…
لِعَدُوِّهِمْ مِنْ أَشْجَعِ الأَبْطَالِ
بِوُجُوهِهِمْ أَثَرُ السُّجُودِ لِرَبِّهِمْ
…
وَبِهَا أَشِعَةُ نُورِهِ الْمُتَلالِي (7)
(1) صفوان بن سليم المدني أبو عبد الله الزهري ثقة عابد، مات سنة 132هـ. تقريب التهذيب، 1/ 276.
(2)
عبد الرحمن بن أبي نعم العابد مات قبل المائة. تقريب التهذيب، 1/ 602.
(3)
حماد بن سلمة يكنى أبا سلمة بصري، ثقة رجل صالح، توفي سنة 167هـ. تهذيب الكمال، 7/ 265، ومعرفة الثقات للعجلي، 1/ 319.
(4)
ثابت بن أسلم البناني، تابعي ثقة رجل صالح، مات سنة 127هـ .. معرفة الثقات للعجلي، 1/ 259. مولد العلماء ووفياتهم، 1/ 296.
(5)
مصنف ابن أبي شيبة، 14/ 50، الطبقات الكبرى لابن سعد، 7/ 232.
(6)
ذكر صلاة ثابت البناني في قبره بعد موته بعض المصادر، انظر مثلاً: تهذيب الكمال،
4/ 348، وسير أعلام النبلاء، 5/ 232، طبقات الأولياء لابن الملقن، ص 20.
(7)
ذكر الأبيات ضمن قصيدة طويلة الإمام ابن القيم في كتابه النفيس إغاثة اللهفان،
1/ 237، وبدأها بقوله: ((وقال آخر، وأحسن ما شاء
…
)) ثم أدرج القصيدة بطولها.
قال الشاطبي رحمه الله (1): ((ما ذُكر عن الأولين من الأعمال الشاقة التي لا يطيقها إلا الأفراد؛ الذين هيأهم الله لها، وهيأها لهم، وحببها إليهم، ولم يكونوا بذلك مخالفين للسنة بل كانوا معدودين في السابقين، جعلنا الله منهم؛ وذلك لأن العلَّة التي لأجلها نُهيَ عن العمل الشاق مفقودة في حقهم، فلم ينتهض النهي في حقهم)) (2).
* وإذا كان هذا في الزمن الغابر، فلا تزال لذَّة الصلاة مستمرةً إلى يومنا هذا، والحمد لله، وممن أُثر عنهم المحافظة على قيام الليل سفراً وحضراً، شيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله (3)، فقد ذكر مَنْ صاحبه في سفره برّاً من الرياض إلى مكة أنه عندما جاءت الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل، قال الشيخ: ما رأيكم لو نمنا هنا ثم في الصباح نكمل السفر، فوافق من معه، ثم ناموا، والشيخ طلب ماءً فتوضأ ثم شرع يُصلِّي ما شاء الله له، ثم نام، ولما قاموا لصلاة الفجر وجدوا الشيخ قد سبقهم للقيام وهو يصلي (4)(5).
ودعي مرةً إلى جدة - وكان بمكة - فأجاب الدعوة، ولم يعد إلى منزله بمكة إلا في الساعة الثانية ليلاً، فنام من معه، فلما جاءت
(1) إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي، توفي سنة 790هـ. هدية العارفين للبغدادي، 1/ 18، وفهرس الفهارس والأثبات 1/ 191.
(2)
الموافقات للشاطبي، 2/ 244.
(3)
ولد عام 1330هـ، وتوفي 20/ 1/ 1420هـ. وانظر: الإنجاز في ترجمة الشيخ عبد العزيز ابن باز، عبد الرحمن الرحمة، 236، 237.
(4)
الإنجاز في ترجمة الشيخ عبد العزيز ابن باز، عبد الرحمن الرحمة، 236، 237.
(5)
وانظر: لذة العبادة، للحميدان، ص 10 - 21.
الساعة التي يقوم فيها للتهجد - وهي الساعة الثالثة بعد منتصف الليل - إذا هو يوقظ من نام معه للصلاة، ثم قام يصلي حتى الفجر، وبعد الصلاة ألقى كلمة، ثم أخذ يستمع إلى المعاملات
…
وهكذا حسب برنامجه اليومي! فلم يترك رحمه الله قيام الليل مع إرهاقه واختلاف برنامجه (1).
* وكان ما تقدم عندما ينسى المصلّي نفسه برغبته العظيمة، وتلذّذه بالعبادة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كانت الصلاة قرّة عينه، كما قال صلى الله عليه وسلم:((حُبِّبَ إليَّ النساء، والطيب، وجعلت قُرَّة عيني في الصلاة)) (2)، وقال صلى الله عليه وسلم:((يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)) (3).
وأما الأمة فقد قال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((خذوا من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا)) (4).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الدين يسر، ولن يشادَّ الدين أحدٌ إلا غلَبه، فسدِّدُوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا
(1) الإنجاز في ترجمة الشيخ عبد العزيز ابن باز، عبد الرحمن الرحمة، 237، 238.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الصوم، باب صوم شعبان، برقم 1970، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره، برقم 782.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، برقم 39، ومسلم كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة الله، برقم 2816.
(4)
متفق عليه: البخاري، كتاب الصوم، باب صوم شعبان، برقم 1970، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره، برقم 782.
بالغدوة والروحة، وشيءٍ من الدّلجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا)) (1)(2).
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((وهذا يدلُّ على أن الأفضل في حقنا القصد، وعدم التطويل الذي يشقُّ علينا حتى لا نملَّ، وحتى لا نفتر من العبادة، فالمؤمن يصلِّي ويجتهد، ويتعبَّد، لكن من غير مشقة، بل يتوسط في كل الأمور حتى لا يملَّ العبادة)) (3).
ولهذا جاء في حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ((
…
ليصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد)) (4).
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، برقم 39، ومسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة الله، برقم 2816.
(2)
انظر أحاديث كثيرة في النهي عن التشديد في العبادة، وأن أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قلَّ، في صلاة المؤمن في صلاة التطوع البند السادس للمؤلف،
ص 291.
(3)
سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الأحاديث رقم 1257 - 1262.
(4)
متفق عليه: البخاري، أبواب التهجد، باب ما يكره من التشديد في العبادة، برقم 1150، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره، برقم 784.