الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن عجائبه أنه بنى مسجداً عظيماً فيه نحو عشرين سارية عظاماً فقالوا له: من يرفع هذه السواري؟ قال: الذي خلقها فأصبحت السواري مرفوعة ورؤوسها عليها. وأصاب الناس بصفاقس قحط: فخرج بهم أبو خارجة واستسقى فما انصرفوا حتى سقوا وتوفي سنة عشر ومائتين رحمه الله تعالى وله ست وثمانون سنة.
القاضي عياض
هو أبو الفضل: عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى بن عياض بن محمد بن عبد الله بن موسى بن عياض اليحصبي الإمام العلامة يكنى أبا الفضل سبتي الدار والميلاد أندلسي الأصل.
قال ولده محمد: كان أجدادنا في القديم بالأندلس ثم انتقلوا إلى مدينة فاس وكان لهم استقرار بالقيروان لا أدري قبل حلولهم بالأندلس أو بعد ذلك وانتقل عمرون إلى سبتة بعد سكنى فاس.
كان القاضي أبو الفضل إمام وقته في الحديث وعلومه عالماً بالتفسير وجميع علومه فقيهاً أصولياً عالماً بالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم بصيراً بالأحكام عاقداً للشروط حافظاً لمذهب مالك رحمه الله تعالى شاعراً مجيداً رباناً من الأدب خطيباً بليغاً صبوراً حليماً جميل العشرة جواداً سمحاً كثير الصدقة دءوباً على العمل صلباً في الحق.
رحل إلى الأندلس - سنة سبع وخمسمائة - طالباً للعلم فأخذ بقرطبة عن القاضي أبي عبد الله: محمد بن علي بن حمدين وأبي الحسين بن سراج وعن أبي محمد بن عتاب وغيرهم وأجاز له أبو علي الغساني وأخذ بالمشرق عن القاضي أبي علي: حسين بن محمد الصدفي وغيره وعني بلقاء الشيوخ والأخذ عنهم وأخذ عن أبي عبد الله المازري كتب إليه يستجيزه وأجاز له الشيخ أبو بكر الطرطوشي.
ومن شيوخه: القاضي أبو الوليد بن رشد قال صاحب الصلة البشكوالية: وأظنه سمع من ابن رشد وقد اجتمع له من الشيوخ - بين من سمع منه وبين من أجاز له: مائة شيخ.
وذكر ولده محمد منهم: أحمد بن بقي وأحمد بن محمد بن مكحول وأبو الطاهر: أحمد بن محمد السلفي والحسن بن محمد بن سكرة والقاضي أبو بكر بن العربي والحسن بن علي بن طريف وخلف بن إبراهيم بن النحاس
ومحمد بن أحمد بن الحاج القرطبي وعبد الله بن محمد الخشني وعبد الله بن محمد البطليوسي وعبد الرحمن بن بقي بن مخلد وعبد الرحمن بن العجوز وغيرهم ممن يطول ذكرهم.
قال صاحب الصلة: وجمع من الحديث كثيراً وله عناية كبيرة به واهتمام بجمعه وتقييده وهو من أهل التفنن في العلم واليقظة والفهم وبعد عوده من الأندلس أجلسه أهل سبتة للمناظرة عليه في المدونة وهو بن ثلاثين سنة أو ينيف عنها ثم أجلس للشورى ثم ولي قضاء بلده مدة طويلة حمدت سيرته فيها ثم نقل إلى قضاء غرناطة في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة ولم يطل أمره بها ثم ولي قضاء سبتة ثانياً.
قال صاحب الصلة: وقدم علينا قرطبة فأخذنا عنه بعض ما عنده. قال بن الخطيب: وبنى الزيادة الغربية في الجامع الأعظم وبنى في جبل المينا الراتبة الشهيرة وعظم صيته ولما ظهر أمر الموحدين بادر إلى المسابقة بالدخول في طاعتهم ورحل إلى لقاء أميرهم بمدينة سلا فأجزل صلته وأوجب بره - إلى أن اضطربت أمور الموحدين عام ثلاثة وأربعين وخمسمائة فتلاشت حاله ولحق بمراكش مشرداً به عن وطنه فكانت بها وفاته.
وله التصانيف المفيدة البديعة منها: إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم
ومنها: كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم أبدع فيه كل الإبداع وسلم له اكفاؤه كفايته فيه ولم ينازعه أحد من الانفراد به ولا أنكروا مزية السبق إليه بل تشوفوا للوقوف عليه وأنصفوا في الاستفادة منه وحمله الناس عنه وطارت نسخه شرقاً وغرباً وكتاب مشارق الأنوار في تفسير غريب حديث الموطأ والبخاري ومسلم وضبط الألفاظ والتنبيه على مواضع الأوهام والتصحيفات وضبط أسماء الرجال وهو كتاب لو كتب بالذهب أو وزن بالجوهر لكان قليلاً في حقه وفيه أنشد بعضهم:
مشارق أنوار تبدت بسبتة
…
ومن عجب كون المشارق بالغرب؟
وكتاب التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة جمع فيه غرائب من ضبط الألفاظ وتحرير المسائل وكتاب ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك وكتاب الإعلام بحدود قواعد الإسلام وكتاب الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع وكتاب: بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد وكتاب الغنية في شيوخه وكتاب المعجم في شيوخ بن سكرة وكتاب نظم البرهان على حجة جزم الأذان وكتاب مسألة الأهل المشروط بينهم التزاور.
ومما لم يكمله: المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان وكتاب العيون الستة في أخبار سبتة وكتاب غنية الكاتب وبغية الطالب في الصدور والترسل
وكتاب الأجوبة المحبرة على الأسئلة المتخيرة وكتاب أجوبة القرطبيين وكتاب أجوبته عما نزل في أيام قضائه من نوازل الأحكام في سفر وكتاب: سر السراة في أدب القضاة وكتاب خطبه وكان لا يخطب إلا بإنشائه.
وله شعر كثير حسن رائق فمنه قوله:
يا من تحمل عني غير مكترث
…
لكنه للضنا والسقم أوصى بي
تركتني مستهام القلب ذا حرق
…
أخا جوى وتباريح وأوصاب
أراقب النجم في جنح الدجا سحراً
…
كأنني راصد للنجم أوصابي
وما وجدت لذيذ النوم بعدكم
…
إلا جنى حنظل في الطعم أوصاب
وله رحمه الله تعالى:
الله يعلم أني منذ لم أركم
…
كطائر خانه ريش الجناحين
فلو قدرت ركبت الريح نحوكم
…
فإن بعدكم عني جنى حيني
وله من أبيات:
إن البخيل بلحظه أو لفظه
…
أو عطفه أو رفقه لبخيل
وله في خامات الزرع بينها شقائق النعمان هبت عليها رياح:
انظر إلى الزرع وخاماته
…
تحكي وقد ماست أمام الرياح
كتيبة خضراء مهزومة
…
شقائق النعمان فيها جراح
وله غير ذلك كثير.
كان مولد القاضي عياض بسبتة في شهر شعبان سنة ست وتسعين وأربعمائة وتوفي بمراكش في شهر جمادى الأخيرة وقيل في شهر رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة وقيل: إنه مات مسموماً سمه يهودي ودفن رحمه الله تعالى بباب إيلان داخل المدينة.
وعياض بكسر العين المهملة وفتح الياء المثناة من تحت وبعد الألف ضاد معجمة. واليحصبي بفتح الياء المثناة من تحت وسكون الحاء المهملة وضم الصاد المهملة وفتحها وكسرها وبعدها ياء موحدة نسبة إلى يحصب بن مالك قبيلة من حمير. وسبتة مدينة مشهورة وغرناطة مدينة بالأندلس وهي بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة ثم نون مفتوحة بعدها ألف وبعد الألف طاء مهملة ثم هاء ويقال فيها إغرناطة بألف قبل الغين.