الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الطبقة الأولى الذين انتهى إليهم فقه مالك والتزموا مذهبه ممن لم يره من أهل الأندلس:
عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن جناهمة بن عباس بن مرداس السلمي
يكنى أبا مروان ونقل من خط الحكم المستنصر بالله أنه عبد الملك بن حبيب بن ربيع بن سليمان السلمي من - أنفسهم - العصار كان يعصر الأدهان ويستخرجها. أصله من طليطلة وانتقل جده سليمان إلى قرطبة وانتقل أبوه أبو حبيب وإخوته في فتنة الربض إلى إلبيرة قيل إنه من مواليهم وقيل من أنفسهم كان بالبيرة.
روى بالأندلس عن صعصعة بن سلام والغازي بن قيس وزياد بن عبد الرحمن ورحل سنة ثمان ومائتين فسمع بن الماجشون ومطرفاً وإبراهيم بن المنذر الحزامي وعبد الرحمن بن رافع الزبيدي وابن أبي أويس وعبد الله بن عبد الحكم وعبد الله بن المبارك وأصبغ بن الفرج وأسد بن موسى وجماعة سواهم وانصرف إلى الأندلس - سنة ست عشرة وقد جمع علماً عظيماً فنزل بلده إلبيرة وقد انتشر سموه في العلم والرواية فنقله
الأمير عبد الرحمن بن الحكم إلى قرطبة ورتبه في طبقة المفتيين فيها فأقام مع يحيى بن يحيى زعيمها في المشاورة والمناظرة وكان الذي بينهما شين جداً ومات يحيى قلبه فانفرد عبد الملك بعده بالرياسة.
سمع منه ابناه: محمد وعبيد الله وبقي الدين بن مخلد وابن وضاح والمغامي في جماعة وكان المغامي آخرهم موتاً. وكان عبد الملك حافظاً للفقه على مذهب مالك نبيهاً فيه: غير أنه لم يكن له علم بالحديث ولا معرفة بصحيحه من سقيمه.
وقال بن مزين وابن لبابة: عبد الملك عالم الأندلس وسئل بن الماجشون عن أعلم الرجلين: التنوخي القروي أو الأندلسي السلمي؟ فقال: السلمي مقدمه علينا أعلم من التنوخي منصرفه عنا ثم قال للسائل: أفهمت.
قال أحمد بن عبد البر: كان جماعاً للعلم كثير الكتب طويل اللسان فقيه البدن نحوياً عروضياً شاعراً نسابة إخبارياً وكان أكثر من يختلف إليه: الملوك وأبناؤهم وأهل الأدب وقال نحوه بن فحلون قال: وكان يأبى إلا معالي الأمور وكان ذاباً عن مذهب مالك.
ولما رحل قال عيسى: إنه لأفقه ممن يريد أن يأخذ عنه العلم وقال بعضهم: رأيته يخرج من الجامع وخلفه نحو ثلاثمائة بين طالب حديثه وفرائض وفقه وإعراب وقد رتب الدول عنده كل يوم ثلاثين دولة - لا يقرأ
عليه فيها شيء إلا كتبه وموطأ مالك.
وكان صواماً قواماً وكان أكثر فقهاء الأندلس وشعرائهم يعني عبد الملك أخذوا من مجلسه بحظ وقال المغامي: لو رأيت ما كان على باب بن حبيب لازدريت غيره.
ولما نعي إلى سحنون استرجع وقال: مات عالم الأندلس بل والله عالم الدنيا وهذا يرد ما روي عنه من خلاف هذا.
وذكره بن الفرضي في طبقات الأدباء فجعله صدراً فيهم وقال: كان قد جمع إلى إمامته في الفقه التبجح في الأدب والتفنن في ضروب العلم وكان فقيهاً مفتياً: نحوياً لغوياً نسابة إخبارياً عروضياً فائقاً شاعراً محسناً مرسلاً حاذقاً مؤلفاً متقناً.
ذكر بعض المشايخ أنه لما دنا من مصر في رحلته أصاب جماعة من أهلها بارزين لتلقي الرفقة على عادتهم فكلما أطل عليها رجل له هيئة ومنظر رجحوا الظن فيه. وقضوا بفراستهم عليه حتى رأوه وكان ذا منظر جميل فقال قوم: هذا فقيه وقال آخرون: بل شاعر وقال آخرون: طبيب وقال آخرون: خطيب فلما كثر اختلافهم تقدموا نحوه وأخبروه باختلافهم فيه وسألوه عما هو فقال لهم: كلكم قد أصاب وجميع ما قدرتم أحسنه والخبرة تكشف الحيرة والامتحان يجلي الإنسان فلما حط رحله
ولقي الناس شاع خبره فقعد إليه كل ذي علم فسأله عن فنه وهو يجيبه جواب محقق فعجبوا ووثقوا من ثقوب بمعلمه وأخذوا عنه وعطلوا حلق علمائهم.
وأثنى عليه بن المواز بالعلم والفقه وقال العتبي - وذكر الواضحة: رحم الله عبد الملك ما أعلم أحداً ألف على مذهب أهل المدينة تأليفه ولا لطالب أنفع من كتبه ولا أحسن من اختياره وألف كتباً كثيرة حساناً في الفقه والتاريخ والأدب منها: الكتب المسماة بالواضحة في السنن والفقه لم يؤلف مثلها والجامع وكتاب فضائل الصحابة وكتاب غريب الحديث وكتاب تفسير الموطأ وكتاب حروب الإسلام وكتاب المسجدين وكتاب سيرة الإمام - في الملحدين وكتاب طبقات الفقهاء والتابعين وكتاب مصابيح الهدى.
قال بعضهم: قسم بن الفرضي هذه الكتب وهذه الأسماء وهي كلها يجمعها كتاب واحد لأن بن حبيب إنما ألف كتابه في عشرة أجزاء: الأول: تفسير الموطأ حاشا الجامع.
الثاني: شرح الجامع.
الثالث والرابع والخامس: في حديث النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وكتاب مصابيح الهدى جزء منها ذكر فيه من الصحابة والتابعين.
والعاشر: طبقات الفقهاء وليس فيها أكثر من الأول.
وتحامل في هذا الشرح على أبي عبيد والأصمعي وغيره وانتحل كثيراً من كلام أبي عبيد وكثيراً ما يقول فيه: أخطأ شارح العراقيين وأخذ عليه فيه تصحيف قبيح وهو أضعف كتبه. ومن تواليفه: كتاب إعراب القرآن وكتاب الحسبة في الأمراض وكتاب الفرائض وكتاب السخاء واصطناع المعروف وكتاب كراهية الغناء وكتاب في النسب وفي النجوم وكتاب الجامع تأليفه وهو كتاب فيه مناسك النبي صلى الله عليه وسلم وكتاب الرغائب وكتاب الورع في العلم وكتاب الورع في المال وغيره ستة أجزاء وكتاب الربا وكتاب الحكم والعمل بالجوارح وغير ذلك.
قال بعضهم: قلت لعبد الملك: كم كتبك التي ألفت؟ قال: ألف كتاب وخمسون كتاباً. وقال عبد الأعلى بن معلى: هل رأيت كتباً تحبب عبادة الله إلى خلقه وتعرفهم به ككتب عبد الملك بن حبيب؟ يريد: كتبه في الرغائب والرهائب. ومنها: كتب المواعظ: سبعة وكتب الفضائل: سبعة فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وفضائل عمر بن عبد العزيز وفضائل مالك بن أنس وكتاب أخبار قريش وأنسابها خمسة عشر كتاباً وكتاب السلطان
وسيرة الإمام ثمانية كتب وكتاب الباه والنساء: ثمانية كتب. وغير ذلك من كتب سماعه في الحديث والفقه وتواليفه في الطب وتفسير القرآن ستون كتاباً وكتاب القارئ والناسخ والمنسوخ ورغائب القرآن وكتاب الرهون والبدء والمغازي والحدثان: خمسة وتسعون كتاباً وكتاب مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اثنان وعشرون كتاباً.
ذكر ما تحومل به عليه: قال بعضهم: كان الفقهاء يحسدون عبد الملك لتقدمه عليهم بعلوم لم يكونوا يعلمونها ولا يشرعون فيها وكان أبو عمر بن عبد البر يكذبه وكان بن وضاح لا يرضى عنه وقال: لم يسمع من أسد.
قال القاضي منذر بن سعيد: لو لم يكن من فضل عبد الملك إلا أنك لا تجد أحداً ممن يحكي عنه معارضته والرد لقوله ساواه في شيء وأكثر ما تجد أحدهم يقول: كذب عبد الملك أو أخطأ ثم لا يأتي بدليل على ما ذكره وكان لابن حبيب قارورة قد أذاب فيها اللبان والعسل يشرب منها كل غداة على الريق للحفظ وله شعر حسن فمنه:
صلاح أمري والذي أبتغي
…
هين على الرحمن في قدرته
ألف من الصفر واقلل بها
…
لعالم أوفى على بغيته
زرياب قد يأخذها قفلة
…
وصنعتي أشرف من صنعته
وله قصيدة كتب بها إلى أهله من المشرق - سنة عشر ومائتين:
أحب بلاد الغرب والغرب موطني
…
ألا كل غربي إلي حبيب
فيا جسداً أضناه شوق كأنه إذا نضيت عنه الثياب قضيب
ويا كبداً عادت رفاتاً كأنما
…
يلدغها بالكاويات طبيب
بليت وأبلاني اغترابي ونأيه
…
وطول مقامي بالحجاز أجوب
وأهلي بأقصى مغرب الشمس دارهم
…
ومن دونهم بحر أجش مهيب
وهول كريه ليله كنهاره
…
وسوق حثيث للركاب دؤوب
فما الداء إلا أن تكون بغربة
…
وحسبك داء أن يقال غريب
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
…
بأكناف نهر الثلج حين يصوب