الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{لنريه من آياتنا} ؛ يعني النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي يريه الله عز وجل من آياته. والآية: هي العلامة والدليل ليزداد بذلك يقينًا وعرفانًا واطمئنانًا.
{إنه} ؛ أي الله عز وجل.
{هو السميع} لأقوال عباده {البصير} بأحوال خلقه.
واعلم -أيدنا الله وإياك- أن الإسراء الذي هو عبارة عن العروج على ثلاثة أقسام:
القسم الأول- عروج روحاني
وهو عبارة عن تجرد الروح من الهيكل الجسماني وبلوغها إلى ما بعد من الأرض البعيدة، أو صعودها إلى العالم العلوي، وخرقها الحجب، واتصالها إلى ما شاء الله تعالى من العالم العلوي بحسب قوة استعدادها، فما الأرواح ما لها قوة الصعود إلى سمائين وثلاثة، ومنهم إلى ما لا نهاية في العلو وخرق حجب العوالم العلوية، وتتنعم بالمخاض المقدسية وتستمد الفيض من واهب الفيض من العالم العلوي.
وصاحب الإسراء الروحاني يرى جسده حاضرًا ولا يشاهد جليسه ولا ترقيه، فقد يكون مع المخاطبة والاشتغال.
وقد روى بعض المشايخ أنه حضر مجلس بعض الأكابر فقال ذلك الكبير:
أيهما أفضل العقل أم الروح. قال ذلك الشخص: فرأيت الشيخ قد صعدت روحه إلى العالم العلوي، فتبعته بروحي فلم يزل يصعد، وأتبعه إلى انتهيت إلى السماء الرابعة، فاشتغلت برؤية من فيها، وصعدت روح الشيخ ثم عدت إلى المجلس والشيخ مستغرق، فلما أفاق أجاب السائل: بأن العقل أفضل من الروح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صعد هو وجبريل إلى العالم العلوي انتهى جبريل إلى حده ووقف، وكان روحًا، وارتفع محمد صلى الله عليه وسلم إلى المقامات العلية وكان عقلًا.
واعلم أن مقصود القائل في هذه الحكاية، أنه عقل ليس مقصوده بالعقل الذي هو عبارة: عن الإدراك الموضوع في الدماغ؛ بل المقصود أن الروح الإنسانية إذا تكلمت بالمعارف وخرجت إلى العالم العلوي صار لها قوة تلك المعاني وبسببها يقوى عروجها وصعودها، بخلاف أرواح الملائكة، فإنه ليس لها هذا التعقل، فلهذا ارتفع النبي صلى الله عليه وسلم وترقى، ووقف جبريل عليه السلام عند حده، وما تعطيه روحانيته.
وقد تقدم أن صاحب العروج الروحاني لا يشعر بعروجه جليسه. وبعض أهل العروج الروحاني تفارق روحه جسده ويبقى جسده كالفخار بلا إحساس له ولا حركة، ثم تعود الروح إلى الجسد. وقد نقل ذلك عن الشيخ يحيى السهرودي.
وإذا صار للجسد والنفس مناسبة بالروح الآمري صار لها استيلاء على الجسد، وصار الجسد تحت سيطرتها وتدبيرها، فإذا صعدت روح من هذه صفته، رأى في تعلقه أن الصعود حاصل للروح والجسد، وإن كان في ظاهر الرؤية الجسد باق في مركزه، والروح كذلك.
وصاحب غلبة الروح على الجسد، يرى روحه ممتدة من موضعها إلى العالم العلوي، من غير مفارقة للجسد، وإلى ما فوق ذلك من السماوات