الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصة أصحاب الفيل
وسببها أن أبرهة صاحب اليمن بنى كنيسة عظيمة، وأراد أن يجعل حج
العرب إليها مزاحمة للبيت الشريف، فأرسل إلى النجاشي يعرفه ذلك، فلما رام ذلك قصدها بعض الأعراب وأحدث بها ووضع فيها نجاسة، فلما رأى أبرهة ذلك غضب وأقسم ليطأن مكة وليهدمن البيت، فتوجه واستصحب معه طائفة عظيمة من الجنود قاصدًا مكة -شرفها الله تعالى-.
فما بلغ الغرب ذلك شق عليهم واجتمعت قبائلهم المحاربة، ووقف كثير منهم في مقابلته فكسر كل من في طريقه إلى أن وصل أرض ثقيف، فجاء إليه جماعة منهم خوفًا أن لا يهدم بيتهم المسمى باللات، فأرسلوا معه رجلًا منهم يقال له:(أبو رغال) يدله على طريق مكة ويعرفه بها، فلما وصل المغمس مات أبو رغال ودفن ورجمت الناس قبره من ذلك الحين، ولما وصل أبرهة قريبًا من مكة أرسل جماعة من أصحابه فنهبوا أموالًا وغنمًا وإبلًا لأهل مكة، وفيها مائتا بعير لعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل أبرهة خارج مكة وهو مجمع على هدم البيت، ومعه فيل عظيم يقال له:(محمود) ويقدمه في الحروب، فتفرق أهل مكة في البر خائفين منه، وخلوا البلد، وأقبل عبد المطلب حتى وصل إلى معسكر أبرهة، فأخبر أبرهة أنه سبد أهل البلد وعظيمهم فأذن له. كان عبد المطلب بهيًا ذا هيبة وجمال، فلمام رأى أبرهة عظمته جلس معه وخاطبه وألان له، ثم سأل ترجانه ماذا يريد؟ وما حاجته؟ فقال: أريد مائتي بعير لي نهبت، أريد أن يعيدها لي، فقال أبرهة للترجمان: قل له: إنك لما دخلت علي عظمتك وأحببتك ورأيت أنك ذا كمال وعقل، وأنت لست كذلك، كيف تسألني عن مائتي بعير لك؟ ! ولا تسألني وتشفع إلي أن أرجع عن هدم بيت هو قبلتك وقبلة آبائك وشرفك وشرفهم؟ ! فقال
عبد المطلب مجيبًا له: أيها الملك، إن هذه الأبل ملكي وأنا صاحبها فأنا أسألك عنها، وأطلب منك أن تعيدها علي، أما هذا البيت فأنت مأزم ومتصمم على هدمه وله رب حاضر قادر يمنعك عنه، فأعاد عليه الإبل، فانصرف عبد المطلب حتى وقف بباب الكعبة فقال:
لا هم إن العبد يمـ
…
ـنع رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهم
…
ومحالهم غدوا محالك
إن كنت تاركهم وقبـ
…
ـلتنا فأمر ما بدا لك
ثم صعد إلى جبل أبي (قبيس) هو وأصحابه فجلس به، وأصبح برهة متوجهًا إلى مكة مجمعًا على هدم البيت وإخرابه وقدم قبله محمود، فلما توجه تلقاء مكة خطوات برك الفيل فضربوه فلم يقم، ووجهوا إلى غير جهة الحرام فهرول، فكان إذا وجهوه إلى جهة الحرام برك، وإذا وجه إلى غير جهة الحرام يهرول.
وفي هذا الحال أرسل الله -جل شأنه- طيورًا سودًا من البحر يقال لها: (الأبابيل) في منقارها حجر، وفي يدها حجر مقدار العدس، لا يصيب شخصًا إلا قتله، فألقت عليهم الحجارة فأصابت جماعة منهم فهلكوا وفر الباقون هاربين، وكان ممن أصيب أبرهة، فلم يزل ينقطع جسده إلى أن وصل صنعاء اليمن فمات بها، وذلك قول الله سبحانه:{ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل (1) ألم يجعل كيدهم في تضليل (2) وأرسل عليهم طيرًا أبابيل (3) ترميهم بحجارة من سجيل (4) فجعلهم كعصف مأكول (5)} [الفيل].
انتهى، والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.