الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقل أن إلياس أيضًا رفع بجسده لكن الهبوط والنزول؛ أي وقت أراد وشاء بإذن الله عز وجل.
وأما القسم الثالث- وهو المعراج السري
فهو عبارة عن التدرج في المقامات والترقي في الصفات والمعاملات، فيترقى السالك من مقام إلى مقام، ومن طور إلى طور، فيعرج بسره إلى حضرة المعارف الربانية، والحقائق الصمدانية، وينتقل من الصفات الحيوانية إلى الصفات الملكية، ويتخلق بالأخلاق الربانية، فيعرج من عالم الناسوت إلى حضائر الجبروت، ثم إلى مشاهد اللاهوت. وكذلك ينتقل من المجاهدات والسلوك إلى الفناء. وفيه شهود حضرة الأفعال، ثم يرتقي منه إلى شهود حضرة الأسماء والصفات، ومنه إلى مشاهده اللذات، فهذا هو العروج السري، وهو أجل المعارج، وأرقاها وأعلاها.
الكلام في معنى قول الله عز وجل: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد
الحرام إلى المسجد الأقصا الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} [الإسراء: 1] على طريق أهل الإشارة والعارفين بما فتح الله به من وراء الغيب.
{سبحان الذي
…
} أتى بالتسبيح في افتتاح هذه السورة إشارة إلى التعجب والتعظيم مما وهبه الله عز وجل لعبده ونبيه من الإسراء، وبما فتح عليه من المعارف والأنوار؛ فإن كلمة {سبحان} يؤتى بها على وجه التعظيم للشيء والتفخيم لشأنه.
{أسرى بعبده} ؛ أي جذبه إلى حضرتهن واختصه بمحبته، وأفاض عليه أسرار معارفه، ونشر عليه عوارفه ولطائفه.
والجذبة عبارة عن الأخذة وهي جذبة القلب بواسطة الروح، وإدخالهما في حضرة الملكوت، ووجههما في حضرة اللاهوت، وهذه الجذبة شأنها عظيم، ومآلها فخيم. وقد قال في تعريفها النبي صلى الله عليه وسلم: جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين، صاحب الجذبة تطور له المقامات، صاحب الجذبة تقرب له المسافات، صاحب الجذبة ذرة منه توازي أعمال كثير من الخلائق، صاحب الجذبة يقول في سائر الطرائق: نقابس الحقائق، صاحب الجذبة محبوب، صاحب الجذبة مطلوب، صاحب الجذبة مشافه للعوالم العلوية، محادث للأرواح العلية، غارق في بحار الأحدية، مطموس في معاني الصمدية.
والعبد هو المتصف بأعلى المكملات النازع في سائر المقامات.
{ليلًا} ؛ أي ليل عالم الستر وظلمة الخفاء؛ فإن الليل خفاء، وكتم، وستر. والجذبة من أسرار الله لا يطلع عليه إلا الله، أو من أطلعه الحق سبحانه وتعالى، جذب سر عبده سرًّا، وقربه إلى حضرته.
{من المسجد الحرام} [الإسراء: 1]؛ أي حضرة قلبه؛ فإنه محرم بربه؛ فإن
القلب بيت الحق الحقيقي، ومسكنه الحقيقي يسع الحق -جل شأنه-، وما تسعه أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي، محرم عن وجود ما سواه فيه، أو حضور ما عداه به.
{إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1] مجمع الأرواح، وحقيقة الحقائق، وأصل الفيض، وممتد الإيجاد؛ وإنما سمي «أقصى» لكونه أبعد الموجودات، وأعلاها، وأرقاها.
{لنريه من آياتنا} [الإسراء: 1] إذا فني في الروح الكلي رأى {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} [فصلت: 53] فإذا دخل عالم السر وحان، ورفض عالم الناسوت، شهد الأشياء على ما كانت عليه قبل أن تكون، منفردًا ليس معه شيء، وكان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما كان.
{إنه هو السميع البصير} ؛ أي محمد لما فني فناء صار هو السميع البصير، «لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها
…
» إلى آخر الحديث.
مناسبة لما سبق في تفسير قول الله عز وجل بما فتح الله به من وراء القلب: {والنجم إذا هوى (1) ما ضل صاحبكم وما غوى (2)} [النجم: 1، 2] أقسم الحق -جل شأنه- بالنجم، وقد اختلفوا في مثل هذه المقسمات بها: فقال بعضهم: المقسم به محذوف، تقديره: ورب النجم، ورب الليل، ورب الشمس، وأمثالها. وقال بعضهم: المقسم به هو عين هذه الأشياء؛ وإنما كانت عظيمة لكونه مظهرًا من مظاهره، وأثرًا من آثاره، وقد حقق العلم ماهيته، وخصصت الإرادة ذاتها، وأبرزت القدرة وجودها، فكيف لا تكون عظيمة، وهي أثر لعظيم. قال الشاعر: إذا رأيت الله في فاعلًا
…
رأيت جميع الكائنات شهودا حمد بعض العارفين شيئًا مما يستقدم، هل حمدته على وجه التواضع؟ فقال: لا ليس هو حقيرًا حتى أقص بذلك التواضع، وكيف يكون حقيرًا وقد أوجده الله سبحانه وتعالى وأبرزه.
فالإقسام بالمظاهر له وجه ظاهر. والنجم هو كواكب السماء النيرة المشرقة.
{أفتمارونه على ما يرى (12)} [النجم: 12]؛ أي مال للهوى.
{ما ضل صاحبكم وما غوى (2)} [النجم: 2]؛ أي ما عدل عن طريق
الصواب.
{وما ينطق عن الهوى} [النجم: 3]؛ أي ما يقول عن نفسه ولا يتكلم عن حدسه.
وتميل إليه على وجه حظها وشهوتها لا على وجه إيثار الحق.
{إن هو} [النجم: 4]؛ أي ما يقوله وما يخبر به.
{إلا وحي يوحى (4)} [النجم: 4] والوحي هو: الإعلام خفاء، وهو أي الوحي عبارة عن التجلي الإلهي على قلب خواصته بواسطة الملك، بغير واسطته، فيسمعون الخطاب ويشاهدون المعاني المقدس.
{علمه شدي القوى (5)} [النجم: 5] هو الله -جل شأنه-.
{ذو مرة} [النجم: 6]؛ أي أصاب ما يريد وما يختاره.
{فاستوى} [النجم: 6]؛ أي الحق -جل شأنه-.
{هو} [النجم: 7]؛ أي محمد صلى الله عليه وسلم.
{بالأفق الأعلى (7) ثم دنا} [النجم: 7] محمد. {فتدلى} [النجم: 8] الحق له بالتجلي اللاهوتي، والمظهر الجبروتي، فكان قربه من حضرة ربه مقدر بقاب قوسين أو أدنى.
{فأوحى} ؛ أي الله عز وجل.
{إلى عبده} [النجم: 10] محمد صلى الله عليه وسلم.
{ما أوحى} [النجم: 10]؛ أي الذي أوحى.
{ما كذب الفؤاد} [النجم: 11]؛ أي فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم.
{ما رأى} [النجم: 11]؛ أي الذي رآه.
{أفتمارونه} [النجم: 12]؛ أي تحاجونه.
{على ما يرى} [النجم: 12]؛ أي الذي يراه ويتحقق به ويكشف الله عز وجل عنه.
{ولقد رآه} [النجم: 13]؛ أي رأى ربه عز وجل بعين بصيرته المحيطة ببصره وبذات وجوده.
{نزلة أخرى} [النجم: 13]؛ أي مرة أخرى، والأولى هي التي تقدمت عند قوله:{فاستوى} .
{عن سدرة المنتهى (14)} [النجم: 14]، وهي حضرة الأرواح ومنتهى العوالم وهي مبدا الموجودات، وهي الحقيقة المحمدية والروح الكلي.
{عندها جنة المأوى (15)} [النجم: 15]؛ أي جنة مأوى العارفين، ونعيم الواصلين.
{إذ يغشى السدرة ما يغشى (16)} [النجم: 17] من الأرواح وتعلقها بها من كل جانب ورجوعها إليه من كل موضع.
{ما زاغ البصر} [النجم: 17] بصر محمد صلى الله عليه وسلم فيما رآه من غشيان هذه الأرواح لهذه الحقيقة وكثرتها ولمعان أنوارها واستمداها من ماهيتها.
{وما طغى} [النجم: 17]؛ أي لم يتجاوز رؤية هذه العجائب عن شهود التجلي الإلهي فيها، والمعنى الصمداني لديها.
{لقد رأى} [النجم: 18]؛ أي أبصر وشاهد؛ أي عجائب من عروجه إلى العالم الأعلى، وشهوده السماوات، وقطعه عوالم الكون ودخوله إلى حضرة الروح الكلي، وانغماسه في اللاهوت الأكبر، فهذه {من آيات ربه الكبرى} [النجم: 18]؛ أي العظمى والعليا. وصلى الله على سيدنا محمد ولي المؤمنين، وعلى آله وأصحابه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.