الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتوجه صالح عليه السلام إلى البيت الشريف (هو) ومن آمن به، وكانوا نحوا من أربعة آلاف رجل بعد هلاك قومه، فأقام يعبد الله عز وجل ويمجده إلى أن توفي، ودفن عند البيت الشريف - عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام -.
قصة نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام
-
بعثة الله رسولا إلى الأمم الطاغية من قوم نمرود بن كنعان، فدعا إلى الله عز وجل
وجاهد في الله حق جهاده فأوذي كثيرا، ثم نصره الله تعالى، فدعا قومه إلى الله سبحانه وتعالى، وترك ما هم عليه من عبادة الأصنام، وحاجهم في ذلك، وبكت عليهم، وبين لهم فساد ما هم عليه، وأرشدهم إلى أن الذي يستحق العبادة هو من ينفع ويضر، فلم يجد ذلك فيهم، فتركهم إلى أن ذهبوا لمجتمع لهم وعيد من أعيادهم، فعمد إلى أصنامهم فكسرها جميعا إلا صنما واحدا كبيرا.
فلما جاؤوا ووجدوا آلهتهم على تلك الحالة حزنوا لذلك كثيرا، وتشاوروا فيما بينهم:(من فعل هذا بالهتنآ)(الأنبياء: 59)، فقال: إبراهيم عليه السلام تبكيتا عليهم: (فعله كبيرهم هذا فسلوهم إن كانوا ينطقون)(الأنبياء: 63)، ثم قالوا فيما بينهم وتحققوا أن الفاعل لذلك إبراهيم عليه السلام لما سبق منه من الطعن في آلهتهم وتقبيح ما هم عليه، فعرضوا أمرهم على ملكهم، وكان ملكهم نمرود بن كنعان، وكان من طغاة الملوك وجبابرتهم، قد مد الله سبحانه وتعالى له في العمر وبسط له في الرزق وأعطاه من القوة والشوكة أمرا عظيما وحالا فخيما، فطغى بذلك، وبغى وتكبر، وكان قد ملك من الأرض جانبا عظيما، فأخبر بفعل إبراهيم عليه السلام بآلهتهم، فبعث إليه وهدده وخوفه،
فلم يخف ولم يرجع، بل نوه حينئذ بشأن التوحيد وأعلن بصادق التفريد، وحقر آلهتهم التحقير العظيم، ونقص آراءهم وعقولهم، فأرهبه الملك ولم يفتك فيه لكون أبيه آزر كان من أتباعه، فلم يرجع إبراهيم عليه السلام لما منحه الله عز وجل من قوة اليقين، وما خصه به من الوصول والتمكين، فلم يزل الملك يخوفه بالقتل، ويعرضه على السجن، فلم يزده ذلك إلا قوة في توكله على الله سبحانه وتعالى واعتمادا عليه، وطرح ما سواه لعلمه أنه إن نفعه الله فلا ضار له، وإن ضره فلا مانع له، كل ذلك لقوة إيمانه وخلوص يقينه، فإن التوكل ثمرة اليقين.
فلما رأى الملك أنه لا يرجع عما هو عليه، جعل له منجنيقا، والمنجنيق: عبارة عن أخشاب يربط أطرافها بالسلاسل والحبال ويرمى بها من محل شاهق، فهو الشيء الذي يرمى بها إلى محل بعيد بغاية الشدة والقوة، فأمر الملك وهو نمرود بن كنعان بجمع الحطب والأخشاب، فجمعت وأوقدها في حفرة عظيمة بعد أن حفرت تلك الحفرة القامات الطويلة، فوضعت الأخشاب فيها والحطب الكثير، وأوقدت أياما عديدة حتى صارت في أشد ما يكون من الحرارة، بحيث لا يمكن أن يمر بها ولو من البعد، فأمر بالمنجنيق من بعد، فلما فارق المنجنيق وهو في الهواء نازلا إلى مستوقد النار يعرض له ملك من ملائكة الله عز وجل، فقال له: ألك حاجة يا إبراهيم الخليل؟ فقال أما إليك فلا، فقال له: الآن تدعو الله سبحانه وتعالى. فقال: علمه
بحالي يغني عن سؤالي، فلما وصل إلى النار جعلها الله - جل شأنه - عليه بردا وسلاما، فجلس فيها يقدس الله سبحانه وتعالى ويعظمه، قال الله تعالى في كتابه العزيز:(قلنا ينار كونى بردا وسلما على إبرهيم)(الأنبياء: 69) فأقام فيها سبعة أيام يرزق من فضل الله سبحانه وتعالى وإحسانه وجوده وأنزل الله - جل شأنه - في تلك النار روضة من رياض لطفه وكرمه، فلما رأوا ذلك رجعوا إلى ملكهم وأخبروه بذلك وأخرجوا إبراهيم عليه السلام وجاؤوا به إلى الملك، فتعجب من ذلك وقال لإبراهيم عليه السلام: من أنجاك؟ فقال: أنجاني الله الذي لا إله إلا هو ربنا ورب كل شيء له السماوات والأرض، فترك حال إبراهيم عليه السلام ومن آمن به ممن هدى الله قلبه بالإيمان.
وأما الملك، فلم يزده هو ومن تابعه من أهل الشقاء رؤية هذه الآية إلا إصرارا على العناد والكفر، وأما نبي الله إبراهيم عليه السلام فإنه بعد أن يئس من إيمانهم خرج هو ومن تبعه على التوحيد لله والإيمان من أرض بابل، وكانت هي مسكنه، وأمر بقصد الشام واتخاذها وطنا ودارا والسكن بأوريشلم، وهي بيت المقدس، (فسار) قاصدا نحوها، وكان ممن صحبه ابن أخيه لوط عليه السلام وزوجته سارة، فمر في طريقه بجبار من الملوك فأعجبته سارة زوجة إبراهيم عليه السلام وأراد أخذها وغصبها، وكان إذا أعجبته امرأة أخذها، فإن كان لها زوج قتله، فلما فهم إبراهيم عليه السلام منه ذلك قال لها: إن سألك عني فقولي: هو أخي، فإني أخوك في الإسلام والإيمان بالله تعالى، فأرسل الملك إلى إبراهيم عليه السلام وقال له: ما هذه منك؟ فقال: أختي، فطلبها الملك وخلى بها، فلما أراد أن يمد يده إليها، سألت الله سبحانه وتعالى قائلة: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بنبيك عليه السلام وحصنت فرجي إلا على زوجي فامنعه عني، فأرسل الله -جل شأنه - شيئا فغطه، حتى كاد يموت، فدعت الله بأن يطلقه، فإنه إن