الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة: قال الشافعي -رضي الله تعالى عنه- في مختصر البويطي: لا يحل تفسير المتشابه إلا بسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن أحد من الصحابة أو إجماع العلماء، «هذا نصه» .
فصل وأما كلام الصوفية
-رضي الله تعالى عنهم- في القرآن فليس بتفسير.
قال ابن الصلاح في فتاويه: وجدت عن الإمام أبي الحسن الواحدي المفسر أنه قال: صنف أبو عبد الرحمن السلمي «حقائق التفسير» فإن كان قد اعتقد أن ذلك فقد كفر.
قال ابن الصلاح: وأنا أقول: الظن بمن يوثق به منهم، إذ قال شيئًا من ذلك أنه لم يذكره تفسيرًا، ولا ذهب به مذهب الشرح للكلمة، فإنه لو كان كذلك كانوا قد سلكوا مسلك الباطنية، وإنما ذلك منهم لنظير ما ورد به القرآن؛ فإن النظير يذكر بالنظير؛ ومع ذلك، فيا ليتهم لم يتساهلوا بمثل ذلك لما فيه من الإبهام والإلباس.
وقال النسفي في عقائده: النصوص على ظاهرها والعدول عنها إلى معان [يدعيها أهل الباطن إلحاد. قال التفتازاني في شرحه: سميت الملاحدة لادعائهم أن النصوص ليست على ظاهرها، بل لها] معان باطنية لا يعرفها إلا المعلم، وقصدهم بذلك نفس الشريعة بالكلية.
قال: وأما ما يذهب إليه بعض المحققين من أن النصوص [محمولة] على ظواهرها، ومع ذلك فيها إشارات خفية إلى دقائق تنكشف على أرباب السلوك يمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة فهو من كمال الإيمان ومحض العرفان.
قلت: والقسم الأول: هم الباطنية من الإسماعيلية القائلين بأن معاني القرآن
كلها مراد بها غير ظاهرها وأنه لا يفهمها إلا المعلم، وهو (الإمام) عندهم الذي يعتقدون فيه الحلول، وهم قوم أهل ضلالة وعماية.
والقسم الثاني: هم الصوفية (-قدس الله سرهم-) وسئل شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني عن رجل قال: في قوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده} [البقرة: 255] أن معناه: من ذل؛ أي من الذل، «ذي» إشارة إلى النفس. «يشف» من الشفاء جواب «من» . «ع» أمر من الوعي، فأفتى بأنه ملحد. وقد قال تعالى:{إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا} [فصلت: 40]، قال ابن عباس [-رضي الله تعالى عنهما-] هو أن يوضع الكلام على غير موضعه أخرجه ابن أبي حاتم. فإن قلت: فقد أخرج الفريابي: [حدثنا] سفيان، عن يونس بن عبيد، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل آية ظهر وبطن، [ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع]» . وأخرج
الطبراني وأبو يعلى والبزار وغيرهم عن ابن مسعود موقوفًا: «إن هذا القرآن ليس منه إلا له حد ولكل حد مطلع» .
قال الحافظ السيوطي في «الإتقان» : قلت: أما الظهر والبطن ففي معناه أوجه: أحدها: أنك إذا بحثت عن باطنها، وقسته على ظاهرها وقفت على معناها.
والثاني: أن ما من آية إلا عمل بها قوم، ولها قوم سيعملون بها، كما قال ابن مسعود فيما أخرجه ابن أبي حاتم.
الثالث: أن ظاهرها لفظها وباطنه تأويلها.
الرابع: قال أبو عبيد -وهو أشبهها بالصواب-: أن القصص التي قصها الله عن الأمم الماضية، وما عقبهم به ظاهرها الإخبار بهلاك الأولين، وإنما هو حديث (حدث) به (عن قوم)، وباطنها وعظ الآخرين وتحذير أن يفعلوا كفعلهم فيحل بهم مثل ما حل بهم.
وحكى ابن النقيب قولًا خامسًا: أن ظهرها ما ظهر من معانيها لأهل العلم
بالظاهر، وبطنها ما تضمنته من الأسرار التي أطلع الله عليها أرباب الحقائق. ومعنى قوله:«ولكل حرف حد» ؛ أي منتهى فيما أراد الله [من معناه، وقيل]: لكل حكم مقدار من الثواب والعقاب.
ومعنى قوله: «ولكل حد مطلع» لكل غامض من المعاني والأحكام مطلع يتوصل به إلى معرفته، ويوقف على المراد به.
وقيل: كل ما يستحقه من الثواب والعقاب يطلع عليه في الآخرة عند المجازاة.
وقال بعضهم: الظاهر التلاوة، والباطن الفهم، والحد أحكام الحلال والحرام، والمطلع الإشراف على الوعد والوعيد.
قال السيوطي: قلت: يؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال: إن القرآن ذو شجون، وفنون، وظهور، وبطون، لا تنقضي عجائبه÷ ولا تبلغ غايته، فمن أوغل فيه برفق نجا، ومن أوغل فيه بعنف هوى، أخبار وأمثال، وحلال وحرام، وناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، وظهر وبطن، فظهره التلاوة وبطنه التأويل، فجالسوا به العلماء، وجانبوا به السفهاء.
قلت: وقد سبق الكلام في معنى ظاهر القرآن وباطنه، وحده ومطلعه، في نوع مخصوص أول الكتاب.
وقال ابن سبع في «شفاء الصدور» : ورد عن أبي الدرداء أنه قال: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يجعل للقرآن وجوهًا.
وقال ابن مسعود: من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن. قال: وهذا الذي قالاه لا يحصل بمجرد تفسير الظاهر. وقد قال بعض العلماء: لكل آية ستون ألف فهم؛ فهذا [يدل] على أن في فهم معاني القرآن [مجالًا] رحبًا ومتسعًا بالغًا، وأن المنقول من ظاهر التفسير ليس منتهى الإدراك فيه بالنقل والسماع لا بد منه في ظاهر التفسير ليتقي به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع الفهم والاستنباط، ولا يجوز التهاون في حفظ التفسير الظاهر بل لا بد منه أولا إذ لا يطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر، ومن ادعى بلوغ فهم أسرار القرآن، ولم يحكم التفسير الظاهر فهو كمن ادعى البلوغ إلى صدر البيت قبل أن يجاوز الباب. انتهى.
وقال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله في كتابه: «لطائف المنن» : اعلم أن تفسير هذه الطائفة لكلام الله وكلام رسوله بالمعاني العربية ليس إحالة للظاهر عن ظاهره، ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جلبت الآية له، ودلت عليه في عرف اللسان، وثم أفهام باطنه تفهم عند الآية والحديث لمن فتح الله قلبه.