الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصة أهل الكهف
وكانوا من جملة أهل الروم وأشرافهم، وبادهم (دقسوس)، وهي التي يقال لها الآن:(طرسوس)، وكانوا ممن آمن بعيسى عليه السلام، وكانوا على الطريقة المستحسنة، فأخبروا فيوس الملك عنهم، فهددهم بالقتل، فهربوا منه إلى جبل عظيم فيه مغارة، وجلسوا يعبدون الله تعالى، وفي مسيرهم إلى المغارة تبعهم كلب مؤالف لهم فطردوه فلم يرجع عنهم، وكان يجلس معهم على قريب من باب المغارة. وكانوا كلهم شبابًا صغارًا، وكانوا يبعثون كل يوم شخصًا منهم يقال له: تمليخا يشتري لهم ما يحتاجون إليه، ويتجسس لهم
ممن فيه ما يقال في شأنهم، سأل عنهم الملك فأخبر أنهم في كهف في جبل كذا وكذا، فأمرهم بالكهف أن يسد ويبنى، فيموتوا فيه، وكان الله عز وجل قد ألقى عليهم النوم فناموا في المغارة فسدت عليهم وكان محلًا مهيأ لهم، كتب أسماءهم وجعلها في لوح من رصاص، وبناه في موضعهم عند باب المغارة، وصورة الكتابة أن مكسالميتا، ومخشالمينا، ويلبخا، ومرطوسن وكيسوطوس، ويبرونس، ودينوس، وينطوس، كانوا فئة هربوا من ملكهم راقيوس الجبار مخافة أن يفتنهم فدخلوا هذا الكهف، فلما أخبر أنهم في الكهف أمر به فشد عليهم بالحجارة، وإنا كتبنا شأنهم وخبرهم ليعلم ذلك من عثر عليهم، وألقى الله -جل شأنه- عليهم النوم ومنع عنهم الآفات والعوارض ثلاثمائة عام، ومات ذلك الملك الجبار، وولي بعده ملوك إلى أن ولي ناودسبوس، وكان ملكًا عظيمًا صالحًا، وكان متبعًا لعيسى عليه السلام وأظهر ملة عيسى عليه السلام، وكان يسأل الله -جل شأنه- أن يظهر في أيام بينة في إثبات البعث والنشور لتكون آية للناظرين ومدفعًا للمعاندين.
وفي زمنه أتى راعٍ إلى ذلك البناء المسدود فهدمه ورماه ليستكن في المغارة، ففي هذه المدة استيقظ الفتية النائمون في الكهف، وذلك بعد مضي ثلاثمائة عام، فظنوا أنهم ناموا يومًا أو بعض يوم. فبعثوا أخاهم تمليخا
ليشتري لهم طعامًا يأكلونه وأن يكون حذرًا لا يفطنون له ويتجسس عن أخبار الملك وما يقال في شأنهم، فلما وصل تمليخا إلى المدينة رأى أمورًا وأشياء أنكرها، وتخير منها لظنه أنه إنما غاب عن المدينة يومًا واحدًا، فرأى إشارات وعمات تدل على أن الدين قد تغير بدين الحق وطريقة الإيمان، ونظر إلى الملأ فلم يعرف منهم أحدًا، فظن أنه تخيل أو ذاهل أو أن بعقله جنون، فأراد أن يرجع ثم عزم على أن يشتري لإخوته طعامًا، فأتى إلى صاحب الطعام فأعطاه دراهم عه ورقًا وهي الفضة، فلما رأى صاحب الطعام تلك الدراهم لأن عليها طابع راقيوس، فقطع أنه قد ظفر بكنز فأعرضها على أصحاب دراهم إياها، فأنكروها جميعًا، ثم أقبلوا على تمليخا قائلين له: أرنا موضع الكنز ونحن لا نظهر عليك أحدًا، فلم يدر ما يقول وتحير، فاجتمع الناس عليه ورأوا الدراهم ووضع بعضهم رمداءه في عنقه، وذهب به إلى والي البلد وهو يبكي ويستغيث، وفي ظنه أنهم قد شعروا بحال إيمانهن وأنهم يذهبون به إلى الملك الجبار، فجعل يتحسر ويقول: أين إخوتي عني فإنا تعاهدنا أن نكون جميعًا حياتنا ومماتنا، ووقوفنا بين يدي الجبار وإظهار كلمة الحق لديه. فدخلوا به على الأمير وأراه الدراهم فسألوه: فقال: أنا فلان بن فلان فلم يعرفه أحد، وقال له بعض الحاضرين: أظهر الكنز الذي وجدته، فإنك إن لم تظهره أوجعناك ضربًا وألمًا، فقال بعض الحاضرين: إنه مجنون، وقال
آخرون: إنه ليس به جنون، وبين رأيه فظهر ذلك ليخلص، فاشتد الكرب بتمليخا، فقال لهم: إني أسألكم عن أمر فأجيبوني عنه: ماذا فعل الملك راقيوس؟ فقالوا له: قد مضى من ملك راقيوس مدة عظيمة طويلة. فقال لهم: أنا أخبركم عن شأني وحال ورفقة لي أكرهنا الملك على الكفر بعد الإيمان، فهربنا منه خوفًا من الفتنة والتجأنا إلى مغارة، وبالأمس كنت أنا في هذه البلدة وأتيت اليوم ووقع لي ما ترون.
وكان الأمير موفقًا ذا رأي وعقل، فقال لجلسائه: أمهلوا على الرجل ولعلها أن تكون آية أظهره الله عز وجل وأجاب دعوة ملكنا الصالح، فهلموا نتوجه وننظر في شأن هذه الفتية، وكانوا بعد أن قاموا من نومهم على حالهم من الشباب وبهاء المنظر ونضارة الشباب.
فتوجه الأمير ومن معه جميعًا وتمليخا معهم حتى أتوا المغارة، وكان الفتية قد فقدوا أخاهم واستبطؤوه فحزنوا لذلك كثيرًا فدخل عليهم قبل الجماعة، وأخبرهم بما صار له، ثم دخل الأمير ومن معه وتكلموا معهم، وأرسلوا إلى الملك وأخبروا بما صار، فأتى إليهم وجلس معهم ورأوا الأسماء المكتوبة في اللوح الرصاص بباب المغارة، فازداد بذلك إيمانهم ويقينهم، فشكر الله عز وجل الملك على هذه الآية العظيمة والنعمة الجزيلة.
ثم ودعهم الملك ومن معهم وانصرفوا، وألقى الله -جل شأنه- عليهم النوم، وعمر الملك على باب المغارة مسجدًا عظيمًا، وجعل في ذلك المكان عيدًا في كل عام يأتي الناس إليه ويتبركون بذلك الموضع، وألقى الله -جل شأنه- هيبة وإجلالًا على ذلك الغار، فلا يستطيع الدخول ولا الوصول إليهم.