الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عدل بكاء داود ببكاء أهل الدنيا لعدله.
قصة لقمان الحكيم
وكان عبدًا حبشيا فسح الله عليه وعلمه وفهمه وأنطق بالمعرفة والحكمة، وكان يعين داود عليه السلام وينصت له ويعازره بحكمته ومعرفته.
وناهيك بثناء الله -جل شأنه- عليه في قوله تعالى: {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد (12)} [لقمان: 12 - 19] إلى آخر الآيات.
قصة نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام
-
وهو ابن داود بن إيشا، أعطاه الله الملك والحكمة والنبوة وهو صغير،
وسأل الله سبحانه وتعالى قائلًا: إن قومي تعجز عن التدبير ولا علم لي بالقضاء، فارزقني عقلًا رزينًا، وقلبًا فهمًا، فأعطاه الله -جل شأنه- ذلك، وسأل الله تعالى شأنه أن يعطيه ملكًا لا يكون لأحد بعده، فأعطي ذلك.
وله في الحكومات العجيبة غرائب: من ذلك قصة الحرث، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ذلك في قوله -عز من قائل-:{وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين (78) ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكمًا وعلمًا} [الأنبياء: 78، 79].
والقضية أن رجلين تحاكما إلى داود عليه السلام أحدهما صاحب غنم، والآخر صاحب حرث، فدخلت الغنم ليلًا فرعته وأفسدته، فقضى داود عليه السلام لصاحب الحرث بالغنم في مقابلة زرعه، فمرا بسليمان عليه السلام فسألهما عن حكم أبيه، فأخبراه فقال: غير هذا كان أرفق بالرجلين. فأخبر داود عليه السلام بقوله فقال له: بحق التوراة ما هو الرفق بالرجلين. فقال له: ارفع إلى صاحب الحرث الغنم ينتفع بدرها ونسلها وصوفها، ويبذر صاحب الغنم الأرض، فإذا صار الزرع كهيئته يوم أكل، دفع صاحب الحرث الغنم إلى صاحبها وأخذ زرعه، فقال داود عليه السلام: القضاء ما قضيت له واستحسنه وحكم به.
ومن قصصه المشهورة المذكورة في الكتاب العزيز قصة الهدهد، وإسلام
بلقيس، وقصة النملة.
وهو أنه مر في بعض مسيره بواد السدير وهو واد قريب من الطائف، فأتى على واد النمل فسمع نملة وهو على بعد منها، تقول لأصحابها وجماعتها:{ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون (18) فتبسم ضاحكًا من قولها} [النمل: 18، 19].
وسأل الله تعالى أن يوقظه وينبهه ويشعره لمعرفة آلائه ونعمائه؛ وإنما سأل الله في هذا الموطن لوجهين عظيمين: أحدهما: تفهيم الله -جل شأنه- إياه لغات الطير والحيوان الذي لا يفهمه أحد من البشر إلا من علمه.
ثانيهما: في معرفة الحيوان والحشرات والبهائم التي لا تعقل بعظمة ما أعطاه الله عز وجل لسليمان، وما خصه به من الملك والرفعة، وذلك قوله تعالى:{وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون (17) حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون (18) فتبسم ضاحكًا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحًا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين (19)} [النمل].
وأما قصة الهدهد، فذلك في سيره بعدما توجه من زيارة البيت الشريف
قاصدًا صنعاء اليمن، تفقد الهدهد، وكان الهدهد لما رأى نزول العسكر وارتفع في الهواء لينظر ماء للجنود، فرأى أرضًا عظيمة تهبط، وسأل هدهد آخر عنها وعن أهلها، فأخبره أن ملكة هذه الأرض امرأة تسمى بلقيس، وكانت ملكة عظيمة قد ملكت أرض اليمن جميعًا وهي بلقيس ابنة شراحيل من نسل يعرب بن قحطان، فرأى الهدهد ما هم عليه من عبادة غير الله عز وجل، وكانوا يعبدون الشمس، فتفحص عن حالهم وأخبارهم، ففقده سليمان عليه السلام فغضب لذلك فقال كما أخبر الله -جل شأنه- عنه في كتابه المبين:{لأعذبنه عذابًا شديدًا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطانٍ مبينٍ (21)} [النمل]، فأقبل إليه الهدهد وأخبره بأن غيبته كانت لفائدة عظيمة؛ وهو أنه أتى أرض سبأ وأخبره بصفة ما هم عليه من القوة والشوكة والعظمة.
وسبأ هذه اسم رجل كان ملكًا من ملوكهم، واسمه عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن شادخ بن غابر بن قحطان، وكان كثير الغزو والسبي؛ فلهذا سمي سبأ، وولد له أولاد كثيرًا سموا باسمه، وبنى مدينة أيضًا سميت باسمه. فسبأ اسم الملك أصالة وللأولاد والقبيلة تبعًا.
ثم قال الهدهد لسليمان عليه السلام: إن مرجع قبائل سبأ وأرضهم ومدار أحوالهم وإن التي تملكهم امرأة ومن معها يعبدون الشمس، فعفى سليمان عليه السلام لذلك وكتب به كتابًا إلى بلقيس، وفيه: بسم الله الرحمن الرحيم. من سليمان بن داود إلى بلقيس وقومها ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين.
فذهب الهدهد بالكتاب حتى ألقاه على صدر بلقيس، فقرأت الكتاب ورأت الخاتم، فألقى الله الرعب والتعظيم في قلبها لسليمان، فخرجت وجلست على سرير ملكها فاستشارت قومها في الحال وما يكون الأمر، فأشاروا عليها
قائلين: إن لنا قوةً ومنعةً وشوكةً، وإن أراد سليمان الحرب فنحن أولو قوة وأولو بأس شديد، والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين، فردت إليهم بأن الرأي الملاطفة والمحاسنة ودفع الضرر، فإن الملوك إذا دخلوا محلًا أفسدوه وأفسدوا برعاياه والضعفة من أهله، ولكن الرأي أن أرسل إليه هدية، وأنطر ماذا يأتي به المرسلون، وأتحقق بذلك حقيقة ما هو عليه وما هو فيه من القوة والمنعة، وهل هو ملك أو نبي مرسل؟ وألبست في جملة الهدية جواري ألبستهم لباس الرجال، وغلمانًا ألبستهم لباس النساء لتختبر هل يميز بينهم بمجرد النظر أو لا.
ثم قالت للأمير المرسول إليه: انظر إلى الرجل إذا دخلت عليه، فإن نظر إليك نظر المغضب فاعلم أنه ملك، فلا يهولنك منظره فأنا أعز منه، وإن رأيت الرجل باشًا لطيفًا فاعلم أنه نبي مرسل فتفهم قوله وراء الأبواب.
فلما أقبلت الرسل أوحي إلى سليمان عليه السلام بحقيقة ما جاؤوا به، فأمر الجن أن يجعلوا مجلسًا عظيمًا وزينوه بأعظم الزينة، وصف فيه الجنود والأتباع وحشر فيه العوالم، فلما رأى المرسلون ما احتوى عليه مجلس سليمان هابوه وارتاعوا لذلك كثيرًا وعظموا شأن ملكه، فلما دخلوا عليه رأوا من البشاشة واللطف ولين الجانب ما لا يعهد عند غيره من الملوك، ثم لما قدموا له
الهدية والوصائف والوصيفان، ميز بين الوصيفان بنور النبوة وفراسة الولاية، وأعاد الرسل ورد الهدية، وقال: لا حاجة لي بالدنيا فإن الله عز وجل أعطاني ما لم يعطه لأحد غيري، وإنما حاجتي أن يدخلوا في طاعة الله وعبادته، ويتركوا عبادة ما سواه ويطيعوا أمري، فإن لم يفعلوا ذلك أتيناهم بجنود لا يقدرون على ملاقاتهم، وعساكر لا يستطيعون مدافعتهم.
فلما رجع الرسل إليها وأخبروها بما رأوا من جلالته وعظمته، وتمييزه بين الوصائف والوصيفان، وقوله لهم، أرسلت إليه قائلة: إني قادمةٌ عليك، فتوجهت في قومها وأكابر رهطها، فلما أقبلت قريبًا من سليمان، قال لجلسائه من الجن والإنس: أيكم يقدر أن يأتيني بسريرها وتخت ملكها التي تجلس عليه ليكون ذلك سببًا إلى إيمانها وطريقًا إلى تقوية إيقانها؛ لأنها جعلته في موضع بعيد وأقفلت عليه سبعة أبواب، فقال واحد من الجان:{أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك} [النمل: 39]، فسكت سليمان ثم قال وزيره وصاحبه وهو آصف بن برخيا، وكان من أولياء الله وخاصته وأهل التصريف التام والقول
النافذ في الوجوه، وكان صاحب اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى فقال:{أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} [النمل: 40]. فلم يمض هذا القول إلا والسرير بين يدي سليمان عليه السلام، فما رآه سليمان أثنى على الله تعالى خيرًا وشكر تفضلًا لله ونعمائه كما قال تعالى حاكيا عن شأنه:{هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم} [النمل: 40].
ولما دخلت بلقيس على سليمان ورأت ما خصه الله تعالى به ازدادت معرفتها به وإذعانها، وأمر سليمان عليه السلام أن يغير في السرير ويبدل لتجهيله فلما رأت السرير، قيل لها:«أهكذا عرشك؟ » قالت: «كأنه هو» ، ولم تقل: هو؛ لكونها ترددت في ذلك، وأخبر سليمان عليه السلام بجمال بلقيس وبهائها، فأعجب بها، وأخبر أنها كثيرة شعر الساقين، فأراد أن يختبر ذلك
بالنظر، فأمر أتباعه أن يجعلوا موضعًا واسعًا كله بالبلور المموج الأبيض الصافي بحيث يظن الرائي أنه ماء، فجلس هو في صدر الموضع، وطلب بلقيس، فلما رأت الصرح ظنته ماء فكشفت عن ساقيها فرأى الشعر كما ذكر له، وكان سببًا في إيمانها وزيادة في يقينها، فأسلمت هي ومن تبعها وتزوج بها سليمان عليه السلام، وذلك قوله تعالى:{قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجةً وكشفت عن ساقيها قال إنه صرحٌ ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين (44)} [النمل: 44].