الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وآمن معه كثير من قومه وأتباعه، وقد قيل: إنه هو المشار إليه في قوله تعالى: {أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين (37)} [الدخان: 37].
وذلك أنه لما آمن خالف كثير من قومه فأهلكهم الله عز وجل، وكان تبع -رحمه الله تعالى- يجمع قومه وأشراف مشيرته والملوك منهم فيذكرهم بالله عز وجل. فمن كلامه: أيها الناس إن الدهر نفد أكثره ولم يبق أهله، وإن الكثير إذا قل إلى النقصان أحرى منه إلى الزيادة، فسارعوا إلى المكارم فإنها تقربكم إلى الفلاح، واعلموا أنه من سلم من يومه لم يسلم من غده، ومن سلم من غده لم يسلم مما بعده، وإنكم لتسوون الآباء والأجداد، وتصيرون إلى ما صاروا إليه، والموت كل يوم إلى المرء قريب من حياته إليه وإليه، ولكل زمان أهل ولكل دائرة سبب، وسبب عطلان هذه الفترة التي من عز فيها بز من هو دونه، الوقوف على ظهور نبي يبعث بدينه، ويخصه بالكتاب المبين، على رسول من المرسلين رحمة للمؤمنين وحجة على الكافرين، فليكن ذلك عندكم وعند أبنائكم بعدكم قرنًا فقرن، جيلًا فجيل، ليتوقفوا ظهوره، وليجتهدوا في نصره على كافة الأعداء حتى يفي الناس له إلى أمر الله.
شهدت على أحمد أنه
…
رسول من الله بارئ النسم
فلو مد عمري إلى عمره
…
لكنت وزيرًا له وابن عم
وألزمت طاعته كل من على
…
الأرض من عرب أو عجم
قصة أصحاب الأخدود
وكان سببها أنه نزل بأرض نجران راهب متنسك عابد يقال له: فيمون،
وكان ممن اتبع النبي عيسى عليه السلام وآمن به، وكان على شريعته وملته، وكان له خباء خارج نجران، وكان بنجران رجل يعلم أهل نجران وصبيانهم الرقاء والسحر والروحانية، وكان في جملة الصبيان الذين يذهبون غليه صبي يقال له: عبد الله بن التامر، وكان ذكيًا فطنًا صاحب قابلية واستعداد، وكان إذا قصد الساحر طريقه على خباء فيمون فيجلس إليه ويتحدث معه وكان يعجبه حديثه، وكن فيمون يعلم الصبي الأحكان والدين ويخبر بالشرائع، فمال إليه الصبي وأحبه، وكان يكثر التردد عليه، وكان أهل الصبي إذا أبطأ عليهم ضربوه، وكذلك الساحر يضربه إذا أبطأ؛ لكونه يستغرق عند الراهب كثيرًا، فقال له الراهب: إذا سألك أهلك فقل: حبسني الساحر، وإذا سألك الساحر فقل: حبسني أهلي. وكان الصبي بحسن ذكائه قد تعلم من الراهب اسم الله الأعظم واستخرجه بعظمته، قأقبل يومًا فرأى حية عظيمة قد منعت الناس عن المرور في الطريق، فقال: اللهم إن كان ما عليه الراهب وما يدعوني إليه حقًا فاقتلها، فرماها بحجر فقتلها فأخبر الراهب بذلك، فقال له: يا بني إنك اليوم أفضل مني، وإنك ستبتلى فلا تدل علي، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي العلل المزمنة بدعائه إلى الله عز وجل على شريطة أن يؤمنوا فعوفي ناس كثيرون وآمنوا بالله بسببه، وكان من جملة من آمن جليس لملك تلك الأرض، وكان أعمى فدعا له عبد الله بن التامر بشريطة الإيمان بالله تعالى فأبصر وآمن بالله تعالى، فأخبر الملك بذلك فعذبه الملك، فأخبر عن الغلام فأتى به، فقال له الملك: قد بلغ مني سحرك أن تبرئ الأكمه والأبرص وتشفي المرضى.
فقال إني لا أشفي أحدًا، ولكن الله خالقنا وخالق كل شيء هو الشافي والمعافي والكافي، فعذبه الملك، فدل على الراهب فيمون فأتي به، فقال له الملك: ارجع عن دينك فلم يرجع، فنشر بالمنشار ومات -رحمه الله تعالى-، وأمر عبد الله بن التامر أن يرجع فأبى وامتنع، فأمر به أن يلقى من جبل عال فألقي فلم يصبه شيء، وأتى إليهم صحيحًا سليمًا، فأمر به أن يغرق في البحر فلم يغرق وأنجاه الله تعالى، فلم يزل على ذلك لا يؤثر فيه شيء بإذن الله تعالى، قال للملك: لا يمكنك أن تقتلني حتى تفعل على ما أشير به عليك، فقالله الملك: وما هو؟ فقال: أن تجمع أهل البلد جميعًا في صعيد واحد من الأرض، ثم تأخذ سهمًا من كنانتي فتضعه في القوس، وتقول: بسم رب
هذا الغلام وترميني به، فإنك إن فعلت ذلك قتلتني.
فجمع الملك الناس في صعيد واحد وأخذ السهم من كنانته فرماه به فوقع السهم في صدغه فوضع يدع في صدغه ومات -رحمه الله تعالى-.
فقال الناس جميعًا: آمنا برب الغلام وعملنا أنه على حق، وأسلم أهل البلد.
فقيل للملك: أرأيت ما كنت تحذر منه قد وقع، قد أسلم الناس جميعًا وآمنوا!
وأمر بالأخدود فخدت الأرض؛ أي شقت شقًا طويلًا، وأوقد نارًا فيها النيران العظيمة، وأمر بمن لم يرجع أن يلقى فيها.
فألقي أمم كثيرون فاقتحموا فيها، وجاءت امرأة ومعها طفل صغير فتقاعست عن النار، فقال لها الصبي: اصبري يا أماه فإنك على حق.
وقد ذكر الله -جل شأنه- خبر الأخدود في كتابه العزيز فقال عز من قائل: {قتل أصحاب الأخدود (4) النار ذات الوقود (5) إذ هم عليها قعود (6) وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود (7) وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد (8) الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد (9) إن الذين قتلوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق (10)} [البروج].
وقد جاءت روايات كثيرة في أصحاب الأخدود غير ما ذكرناه، ولا يبعد أن يكون هذا الأخدود قد صنع مرارًا في أيام متعددة فتنة وبلية على المؤمنين، ولكن هذه الرواية التي ذكرناها رويت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.