الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشريف -على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام-.
قصة نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام
-
وقصة ولادة مريم عليها السلام به أما صفة ولادة مريم عليها السلام به فهو أنها خرجت تغتسل في نهر في موضع خال مستور عن أعين الناس، فلما فرغت من غسلها أقبل نحوها شاب حسن الصورة والهيئة، فلما رأته قالت: قف أيها الشخص مكانك ولا تقرب نحوي إن كنت من أهل الإيمان والتقى، فقال لها: لست بشرًا إنما أنا ملك من ملائكة الله سبحانه وتعالى أرسلني الله عز وجل إليك أبشرك بأنك تأتين بمولود هو كلمة من كلمات الله، يمسح الجليل سبحانه وتعالى على ناصبته بيد رحمته وإقباله، فلا يدع فيه شيئًا مما يكره، ويفيض عليه بمعرفته ما يحتوي عليه علم الكتاب المكنون والقلم المحزون، ويلهمه الحكمة والاقتصاد واللين والتواضع، ويعلمه التوراة المنزلة على موسى عليه السلام، وينزل عليه الإنجيل مشتملة على مواعظ وحكم، ويبعثه إلى بني إسرائيل، ويقيم على تحقيق نبوته براهين قاطعة ودلائل ساطعة، فيصور الطير من الطين وينفخ فيه فيكون حيوانًا طائرًا بإذن الله تعالى، ويحيي الموتى ويشفي الأكمه -وهو الذي ولد أعمى- فيصير بصيرًا، ويداوي البرص والمجذوم وذي العاهات المزمنة بنفسه ولمسه فيشفى بإذن الله تعالى، ويخبر بما كان وما يكون من الأمور المغيبة، وما دق وما خفي في البيوت والأسرار والضمائر.
فلما قال الملك لمريم عليها السلام ذلك، قالت له: كيف يكون لي ويولد لي ذلك المولود، وليس لي بعل ولا يحل لي الخيانة والبغي، وإنما يولد المولود من رجل؟
فأجابها الملك بأن الله عز وجل قادر على إيجاد مولود بلا أب فإنه واضع الأسباب إن شاء أجرى آثار قدرته بواسطة الأسباب، وإن شاء أجرى آثار
قدرته بلا سبب، وأن الله موجد لك ذلك المولود فاثبتي ثم نفخ بفمه إلى نحرها، فخرج من فيه نور روحاني فوصل إلى جسدها والتمس بها والجمع في جوفها فاستحال في جوفها بإذن الله تعالى لحمًا ودمًا وبشرًا كاملًا فتحرك في بطنها وصار لها المخاض واستندت إلى نخلة، وكان ذلك في أيام الشتاء، والنخلة يابسة، فاخضرت وأثمرت في الحال، ووضعت نبي الله وصفوته عيسى عليه السلام كل ذلك في ساعة، فلما رأت ذلك حزنت وخشيت أن تعير به، فقالت: يا ليتني مت ولم أكن أذكر، فأنطق الله عيسى عليه السلام، فقال لها: لا تحزني إن الله قد جعل تحتك سريًا، فهزي النخلة وكلي من ثمرها وقري عينًا وطيبي نفسًا، وإن رأيت أحدًا من البشر يسألك أو يجادلك في شأني فقولي: أنا صائمة فلا أتكلم مع أحد، فاسألوا الصبي هو يجيبكم، وذهبت بعيسى عليه السلام
تحمله، فلما رآه أهلها أنكروا شأنه، وكانوا بيت خيري وصلاح ويعلمون منها التقى والعفاف، وأكثروا عليها القول في شأنه، فقالت لهم: سلوه، فقالوا: كيف نكلمه وهو طفل صغير؟ فنطق عيسى عليه السلام فقال: أشهد أن الله ربي وأني عبده وكلمته، أعطاني الكتاب والعلم والحكمة، وجعلني نبيًا وجعلني مباركًا على من اتبعني وآمن بي، وأوصاني بطاعته وبالخضوع له وبذل الدنيا والزهد فيها، وألزمني بحسن الأخلاق وأنجاني من مساوئها والبر بوالدتي والطاعة لها، وقد حفظني عز وجل مما لا يرضيه في حياتي ومماتي إن شاء الله.
فلما سمعوا منه هذا القول علموا أن ذلك لا يكون إلا ممن اجتباه الله واصطفاه، وتحققوا براءة مريم عليها السلام وطهارتها، ونشأ عيسى عليه السلام بأحسن نشأة وأكملها، ولما شب عليه السلام وكبر أسلمته أمهم إلى المعلم فقال له المعلم: قل: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال عيسى وما بسم الله الرحمن الرحيم؟ فقال المعلم: لا أدري، فقال عيسى عليه السلام الباء: بهاء الله، والسين: سناؤه، والميم: مجده، والله: إله الآلهة، والرحمن: رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم: رحيم الآخرة.
واتفق له عليه السلام وهو في المكتب صغيرًا أنه كان يخبر الصبيان بما في بيوتهم وما يأكلون وما يصنعه آباؤهم في دورهم، فتعب أبو الصبيان فمنعوهم معنه وحبسوهم في بيوتهم. فجاء عيسى عليه السلام يسأل عنهم فقيل له: ليس هنا أحد. فقال: من في هذا الموضع؟ فقالوا له: خنازير، فقالك ذلك يكون إن شاء الله فمسخوا خنازير.
ومن قصته العجيبة عليه السلام أن أمه عليها السلام أسلمته إلى صباع ليتعلم حرفة الصباغة، فقال له المعلم في بعض الأيام: إني أريد السفر، وعلم له كل ثوب بخيط من النوع الذي يريده، فجمع عيسى عليه السلام جميع الأثواب ووضعهم في حب واحد في آن واحد، فلما جاء الصباغ قال له: أين الثياب فأراهم إياه وقد جعلهم في حب واحد، فقال له: لقد أفسدت علي. فقال له: تعال أريك، فجعل يقول بسم الله الرحمن الرحيم، ويخرج كل ثوب باللون الذي أراده الصباغ، فلما رأى ذلك آمن به وأحبه واعترف بكرامة الله تعالى له.
ولما بلغ من العمر ثلاثين عامًا أمره الله سبحانه وتعالى بإظهار الدعوة والحث على نشر سنن الفضائل وتهذيب الأخلاق، فدعا إلى الله عز وجل.
فلما أظهر ذلك آذاه اليهود، فخرج هو وأمه فارين ممن آذاهم، فمرا ببلدة فأضافهم رجل وأكرمهم، وأقاما عنده، فلما كان في بعض الأيام رأت مريم عليها السلام امرأة الرجل حزينة، فسألتها من ذلك فأخبرتها أن لهم ملكًا جبارًا، وأن له عادة على كل واحد من أهل البلد في كل سنة أن يضيفه هو وجنوده يومًا، فقالت لها مريم: لا تحزني، فإن لي ابنًا لا يسأل لله شيئًا إلا أعطاه، وطلبت مريم من عيس عليه السلام أن يدعو لهم، فقال لها: ربما يصير من ذلك شرًا، فقال: قد أكرمونا فلا بد أن ندعو لهم، فأمرهم أن يملؤوا القدور والخوابي ماء، فاستحالت القدور مرقًا ولحمًا، واستحالت الخوابي خمرًا، فأكل الملك هو وجنوده وشربوا، وأنكروا حسن الطعام والشراب ولذته، فتفحص الملك عن ذلك، فأخبره الرجل بدعوة عيسى لهم، وكان للملك ابنًا قد مات قريبًا، فقال: إن رجلًا أجاب الله دعاءه في الطعام ليجيب دعوته في إحياء ابني، فسأل من عيسى أن يسأل لله سبحانه وتعالى في حياة ابنه، فقال له
عيسى عليه السلام بشرط أن تتركوني أتوجه عنكم، فدعا الله -جل شأنه-، فأحيى ابن الملك.
فلما رأى أهل البلد ذلك قالوا: قد ظلمنا الملك كثيرًا، فلما أرا أن يموت يريد أن يظلمنا ابنه كذلك فاقتلوهم وإياه، فتركهم عيسى عليه السلام وخرج من البلدة.
وكانت هذه من معجزاته عليه الصلاة والسلام.
وهدى الله به أناسًا كثيرين، فمنهم الحواريون: وهم أنصاره وخاصته، فتوجه بهم راجعين إلى بني إسرائيل وأظهر الدعوة فآمن به من سبقت له السعادة، وكفر به من سبقت له الشقاوة، وبعث أتباعه وتلاميذه إلى الأقطار لإشاعة الخير وإفادة المعرفة بالله عز وجل، وكان من أرسلهم رجلين من جماعته إلى أنطاكية، وهما اللذان ذكرهما الله عز وجل في كتابه العزيز. فلما وصلا خارج المدينة رأيا رجلًا يرعى فسألهما عن شأنهما، فأخبراه أنهما رسولان لتعليم الإيمان بالله تعالى ومعرفة جلاله وكبريائه، ويسألهما: هل لكما علامة على ذلك ودلالة؟ فقالا: نعم، نبرئ الأكمه والأبرص، ونشفي المرضى ونحيي الموتى بإذن الله تعالى، وكان عنده ابن مريض، فدعوا له فشفي فآمن بهم، وكان يقال له: حبيب النجار، وليس هذا حبيب الذي كان في زمن موسى عليه السلام.
ثم دخلا أنطاكية ودعوا إلى الله -جل شأنه-، وبرهنوا بشفاء الأمراض والأسقام، فهدى الله عز وجل بهم أناسًا وبلغ خبرهم الملك، فدعاهم وسألهم عن
شأنهم وما يدعون إليه، فذكروا أنهم يدعون إلى تعظيم الله تعالى وتوحيده، وخلع عبادة ما سواه، وكانت الروم واليونان عبدة أصنام. فأعرض الملك عنهما وأمر بحبسهما حينًا، وقال: لعلي أنظر في شأنهما، فبلغ عيسى عليه السلام حبس أصحابه، فأرسل إليهم أكبر أصحابه وتلامذته وأعزهم وهو شمعون الصفا، وهو الذي قال عز وجل في شأنه:{فعززنا بثالث} [يس: 14]، وكان شمعون صاحب فطنة ومعرفة وهو رئيس الحواريين، فدخل المدينة وتلطف وصحب حاشية الملك وصاحبهم بما حسن موقعه لديهم، فأعجبوا به كثيرًا، فأوصلوا خبره إلى الملك فاستدناه وجالسه ونادمه فوجده غاية ونهاية في حسن المخاطبة ولطف المحادثة، وكان يظهر بهم أنه على دينهم وعلى ما هم عليه، فلما مضت مدة وعلم أن الملك ق استأنس به، فجرى ذكر الرجلين المحبوسين، فقال له شمعون: هل سألتهما عن حقيقتهما وما هما عليه، وهل طلبت منهما بينة على ما يدعون ودليلًا على ذلك، فقال: لا لأني غلبني الغضب أن أستفسر عن هذا الشأن، فأشار إليه يدعوهم ويسألهم واستفسر عن شأنهم، فدعاهم وسألهم ما يدعون إليه، فقالا: ندعو إلى الله عز وجل إلهنا وإله كل شيء، فقال لهم شمعون: صفا إلهكما وأوجزا، فقالا: إلهنا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فقال لهما: وهل لكما علامة على صدق ما ادعيتماه؟ فقالا: نعم، نبرئ الأكمه، وهو الذي ولد لا أعين له بإذن الله عز وجل، فأحضر الملك غلامًا ممسوح العينين فوضعا في عينه طينًا مقدار العينين، ثم نفخا فيهما بإذن الله تعالى، فصار له عينان وأبصر، فلما رأى الملك ذلك عجب منه، فخلى شمعون بالملك وقال له: هل يمكن لو دعونا هؤلاء الأصنام تفعل كما فعل رب هؤلاء؟ [فقال له الملك: أنت منا لا خفاء عليك لا تقدر هذه الأصنام أن تفعل شيئًا، ثم قال للملك: سلهم أن يحيوا ميتًا قد مات، فسألهم الملك فقال لهم، فأحضر ابنًا لدهقان قد مات منذ سبعة أيام، فأحيوه بإذن الله تعالى، وقام صحيحًا وأخبرهم أن ما هم عليه باطل، وأن ما يدعو إليه هؤلاء حق، وأخبرهم أنه رأى شابًا حسن الوجه يدخل
هؤلاء الثلاثة معه العالم العلوي وأشار إلى شمعون أيضًا، فآمن حينئذ الملك هو وكثير من أتباعه، وكفر أهل المدينة وأرادوا إهلاك الرسل فخرجوا من بين أظهرهم، وأقبل حبيب النجار الذي آمن أولًا، وهو المذكور في قول الله تعالى:{وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى} إلى قوله تعالى: {وإليه ترجعون} [يس: 20 - 22]، فنصح أهل المينة وعرفهم جلابة المرسلين وما هم عليه من الحق، فاجتمعوا عليه وقتلوه، فرفع الله روحه للعالم العلوي وحضائر التقدير، وذلك قوله تعالى:{قيل ادخل الجنة} [يس: 26]. ثم أهلك الله بعد موته من كفر من أهل المدينة بصيحة واحدة، وذلك قوله عز وجل:{وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين (28) إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون (29)} [يس: 28، 29].
ومن قصصه العجيبة -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- قصة (المائدة) التي ذكرها الله تعالى في القرآن العظيم، وذلك أنه سأل الحواريون قبل ثبوت قدهم ورسوخهم في المعرفة من عيسى عليه السلام أن يسأل الله عز وجل أن ينزل عليهم مائدة من السماء تكون لهم عيدًا وسرورًا وعلامة على صحة النبوة وتثبتًا وزيادة في الإيمان واليقين، فلما سألوه ذلك لبس عيسى عليه السلام صوفًا، وسأل الله عز وجل وقال:{اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء} [المائدة: 114]، فنزلت سفرة بين غمامتين غمامة فوقها وغمامة تحتها، وهم ينظرون إليها وهي تهوي منقضة حتى سقطت بين أيديهم، وأكل منها المرضى فعوفوا بإ ذن الله تعالى، وكانت آية عظيمة ونعمة عليهم من الله جليلة، ثم رفعت وكانت تنزل أيامًا يوم بعد يوم، وذلك قول الله تعالى: {إذ قال الحواريون يا عيسى ابن
مريم هل يستطيع ربك أ، ينزل علينا مائدة من السماء
…
} إلى آخر الآيات [المائدة: 12 - 15].
ولما شك فيها بعض أهل البغي ونسب ذلك إلى السحر؛ قال الله تعالى مخاطبًا لعيسى عليه السلام: من كفر بعد ما أنزلت عذبته عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين.
ولما بلغ عيسى من العمر ثلاثًا وثلاثين سنة اجتمع اليهود على قتله، فأخبره الله عز وجل بذلك، وأخبره أني رافعك إلى السماء وإلى العالم العلوي المقدس عن الأعراض والعلل، فلما هموا بقتله دخل بيتًا ليس فيه منفذ، فرفعه الله عز وجل من شقق ذلك البيت وأدخل اليهود رجلًا ينظر لهم أين هو؟ فلما أبطأ عليهم الرجل دخلوا لينظروا إليه، فإذا هو قد ألقى الله عز وجل عليه شبه عيسى عليه السلام فأخذوه وصلبوه.
وقد اختلفوا هل مات عيسى عليه السلام ثم أحياه الله تعالى بعد الرفع أو رفع حيًا؟ الله أعلم بذلك.
وهذا آخر ما أوردناه من قصص الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- المذكورين في القرآن المجيد الذي لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.