الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه هي جذور الثقافة الأوربية التي تحاول فرض أجندتها على العالَم الإسلامي، وإحلالها محلّ الثقافة الإسلامية.
وإننا إذ نضع معالم وملامح الحضارة والثقافة الأوربية بين أعين مَن يُروِّجون لحضارة أوروبا وثقافتها، نبيِّن لهم أن هناك فرقاً شاسعاً بين الحضارتيْن واختلافاً بين الثقافتيْن.
فهل تستوي حضرة وثقافة وحي السماء ورسالات الأنبياء، مع الحضارة والثقافة المادية التي لا تقيم وزناً لِدِين ولا تحترم خُلُقاً أو فضيلة؟
أثر الحضارة والثّقافة الإسلاميّة على العالَم
لقد اتّضح لنا أثَر الحضارتيْن اليونانية والرومانية على قارّة أوروبا في العنصر الثاني من هذه المحاضرة، وتبيّن لنا أنّ معظم ثقافتها وسلوكها امتدادٌ لهما، بجانب النصرانية التي عبثت بها الأيدي والعقول، فلم تصل إلى أوروبا بالصورة الحقيقية التي جاء بها عيسى عليه السلام، والتي لا تختلف في جوهرها عن كلّ رسالات السماء.
وقبل أن نبيِّن أثَر الثقافة الإسلامية على العالَم، ينبغي أن نذْكر ما تتميّز به حضارة الإسلام وثقافته، ونحدِّد بإيجاز معالِمَها وملامحها، ومن خلال تلك المعالم تتّضح صورة الدّعاة إلى الله، وتكوين شخصيّتهم وإعدادهم الإعداد العلْمي والثقافي، الذي يعمّ خيره ويكثر نفعه -إن شاء الله تعالى-.
خصائص الحضارة الإسلامية وثقافتها:
تتميّز ثقافة الإسلام وتنفرد عن غيرها من الثقافات الأخرى بما يلي:
أولاً: مرتبطة بوحي السماء من خلال القرآن الكريم الذي تكفّل الله بحفْظه، وتعهّد بصوْنه، وما زال عطاؤه متجدِّداً ومستمراً إلى قيام الساعة؛ هذا، بجانب
سُنّة الرسول صلى الله عليه وسلم. وكلاهما -القرآن والسُّنّة- عطاء حضاري وعقائدي وثقافي، يصوغ عقل الأمّة وفكْرها صياغة خاصة متميزة ومتفرّدة، في كلّ مجالات الحياة الفكرية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وسائر النّظم التشريعية.
ثانياً: الوجه الحضاري والثقافي للإسلام يقوم على طلَب المعرفة من كلّ وجه، واستخدام العقل في تحصيل العلوم والمعارف التي تقوم على البحث والنظر والتجارب العمليّة، على أن تُضبط هذه المعارف والثقافات بمعيار الخير والشر، وتوزن بميزان الإسلام. فما يفيد الإنسانية من أوجه الخير والنفع فالإسلام يباركه ويزكّيه، وما يعود على المجتمعات البشرية بالشر والفساد والإلحاد العقائدي والانحلال الخُلُقي، فإن الإسلام يقف له بالمرصاد، ويكشف زيف ثقافته ويحذّر من أسلوبه ووسائله.
ثالثاً: الحضارة والثقافة في الإسلام توازن وتعادل بين مقوِّمات الروح ورغبات الجسد، بحيث لا يطغى جانبٌ على جانب آخَر. ويتساوى في إطار شرع الله العمل للدنيا والآخِرة على قدم المساواة، قال تعالى:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} .
رابعاً: إن الحضارة والثقافة الإسلامية حضارة وثقافة إنسانية عالمية، لا تقتصر على جنس معيّن، ولا تتوقّف عند زمان ومكان مُحدّد؛ بل هي كالغيث والرّزق، يسوقها الله للمؤمن والكافر، والصالح والطالح، والتّقيّ والفاجر؛ قال تعالى موضّحاً رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم للعالمين:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} .
فلم يوصِد المسلمون أبواب حضارتهم وثقافتهم في وجْه أحَد، بدليل: أنّ النهضة الأوربية الحديثة أُقيم صرحُها على أساس من الحضارة والثقافة الإسلامية في بلاد الأندلس، ولكن أوروبا والعالَم الغربي لم يحفظ هذا الجميل، ولم يَصُن هذا المعروف، فأخذ الحضارة والثقافة الإسلامية بيدٍ، واعتدى على المسلمين وديارهم باليد الأخرى، وما زال العدوان مستمراً.
خامساً: الحضارة والثقافة الإسلامية لها خصائصها المميّزة ومعالمها البارزة؛ فالمسلم في أي مكان حلّ فيه وارتحل منه معروفةٌ شخصيّته ومعلومة ثقافته، لا يذوب في أيّ حضارة ولا تحتويه أيُّ ثقافة، يعايش كل عصر بلُغته، ويأخذ من الآخرين بما يتلاءم مع دِينه. وهو سخي العطاء للآخّرين، يتعامل معهم على أساس الأصل الواحد في الخلْق والوحدة الإنسانية في النشأة والحياة والمصير.
سادساً: الحضارة والثقافة الإسلامية تقوم على السّماحة واحترام إنسانية الآخَرين. فهي ثقافة تنبذ العنف، وتنأى عمّا يثير الحقد في النفوس. وقد حدد الإسلام الميادين التي يتسامح فيها المسلم، وتبرز فيها أخلاقه، ويسمو بها سلوكه؛ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:
أ- مبادرة الناس بالتحية والسلام، وحُسن الحديث، قال تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً} .
ب- التعامل الإنساني بالمعروف والحسنى بين البشر جميعاً في شؤون الحياة، قال صلى الله عليه وسلم:((رحِم الله رجلاً سمْحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى))، رواه البخاري.
ج- أن لا تمتدّ يدُ مسلم إلى أخيه المسلم، أو إلى ذمِّيٍّ أو مُعاهَد بقتْل أو سلْب مال وانتهاك عِرض، قال تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} .
د- أنّ ثقافة الإسلام تقوم على السماحة واليُسر، وعدم التّشدّد والغلوّ في الدِّين من غير دليل شرعي؛ فعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الدِّين يُسْر لا عُسْر، ولن يُشادّ أحدٌ الدِّين إلاّ غلَبهُ؛ فسدِّدوا، وقاربوا، وأبشروا
…
)) الحديث.
وقد روى الإمام البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت:((ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمريْن إلاّ اختار أيْسرَهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبْعدَ الناس منه. وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لِنفسه في شيء قط، إلاّ أن تُنتَهَك حُرمةُ الله، فينتقم بها لله تعالى)).
ففي هذا الحديث الشريف: تحديد لحدود السماحة واليُسر وضوابطهما، وتصحيح للاعتقاد الخاطئ الذي يُروِّج له البعض مِن أنّ السماحة والتيسير معناهما: الانفلاتُ من قيود الدِّين وحدود الشرع، والتكاسل على أداء الطاعات، والتساهل في القيام بالعبادات، والاندفاع نحو رغبات النفس، والأخذ من ثقافة الآخرين دون تمحيص لها، تحت مقولة:"إن الدِّين يُسرٌ لا عسر".
هذه بعض معالم وملامح الثقافة الإسلامية.
أثر الحضارة والثقافة الإسلامية على العالَم:
أولاً: أعادت الإنسانيةَ إلى فِطرتها، وعرّفت البشرية بخالِقها.