الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمرة فيه، كما هو شأن العالَم المعاصر، الذي فقد اتِّزانه وأفسد حواسه وعقله، بالفن الهابط والأدب الساقط والقول المبتذل، قال -تعالى- عن عناصر التمكين في الأرض ونتائج إفسادها:
وقد تحدَّث القرآن الكريم عن مشاهد الخزي والذل والهوان يوم القيامة، لمن ضلَّت قلوبهم وعقولهم، قال تعالى:
واستكمالاً لمشهد الحواس والقلوب يوم القيامة، يقول الله تعالى:
ممَّا سبق من هذه الآيات، يتَّضح مدى الارتباط الوثيق، وتبعة المسؤولية، وتحمُّل الثَّواب والعقاب، لكلٍّ من الحواس ومراكز التفكر والتدبر في الإنسان.
رابعاً: مكانة العقل في الإسلام
يحظَى العقلُ في رحاب الإسلام، بمنزلة كريمةٍ ومرتبةٍ عالية، فبسببه كرَّم اللهُ الإنسان واستخلفه في أرضه وائتمنه على بعض أسرار كونه، وفضَّله على كثيرٍ من خلقه، قال تعالى:
هذا التَّفضيل وذلكم التَّكريم، ليس لكون الإنسان يأكل أو يشرب أو يتناسل، فهذه صفات يشترك فيها مع ما يدبُّ معه على هذه الأرض، بل هو أقلُّ تزوُّداً وأضعفُ نسلاً من كثير من هذه الدَّوابِّ، وإنَّما شرف بما وهبه الله من عقل يفكر به، ولسانٍ ينطق به، وبما أودعه بين حنايا نفسه من مَلَكَاتٍ جعلته أهلاً وجديراً بما خلقه الله من أجله وكلَّفه به، وتتَّضح مكانة العقل في الإسلام، من خلال الأمور التالية:
1 -
جعل الإسلامُ العقلَ من ضروريات الإنسان الخمسة، التي يجب المحافظة عليها، وهي: الدِّين، النَّفس، العقل، النَّسل، المال.
وشرع من الأحكام والحدود، ما يحمي العقل ويصونُه من التَّلَف، فحرمت الخمر وكل مسكر من مشروب أو مأكول يخامر العقل ويغطيه، وشرع الإسلام حدَّ شارب الخمر، صيانةً له وحفظاً.
2 -
العقل يسمو بالإنسان على الملائكة:
إذ إنَّ الله خلق الملائكة بعقل دون شهوة، وخلق الدَّوابَّ بشهوة من غير عقل، أمَّا الإنسان فهو مُرَكَّبٌ من عقل وشهوة، فمَن ارتقى مِن البشر بعقله وتغلَّب على شهواته، كان عند الله أفضلَ من الملائكة، بدليل أنَّ الله يباهي بعبده الصَّائم الملائكةَ، كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمَّا من تغلَّبت شهوتُه على عقله، فإنَّه ينزل إلى مرتبةٍ أقلَّ من الحيوان.
3 -
الأحكام الشرعيَّة في الإسلام، مرتبطةٌ ببلوغ الإنسان واكتمال عقله، وتسقُط عنه التكاليف الشرعيَّة، إذا ما زال عقله بمرض أو جنون أو إغماء أو نوم، قال صلى الله عليه وسلم:((رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ)).
4 -
أمر اللهُ الإنسان، أن ينشط عقله ويوقظ ذاكرته، كلَّما اعتراهما الغفلة والنسيان، يذكرهما بالعبادة وذكر الله، ليظلَّ العقلُ يقظاً، قال تعالى:
{وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً} [الكهف:24].
ولهذا كان من دعاء المؤمنين، أن يحفظ الله عقولَهم من النِّسيان والخطأ، فذكر الله تبارك وتعالى دعاءهم:
{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:226].
5 -
بين الحق تبارك وتعالى أنَّ الكفر والإلحاد وفساد العقيدة وانحراف السلوك، سببُه غشاوة العقول واضطراب الفكر واعتلال النظر، قال تعالى:
{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} [الأنفال:22].
وقال تعالى:
{وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} [يس:62].
قال تعالى:
قال تعالى:
فهذه الآيات تشير بوضوح، إلى أنَّ انحراف العقل عن الفكر الصحيح، وتعطيل الحواسِّ عَمَّا حولَها في الأنفس والآفاق، من آيات القدرة ودلائل العظمة، هو انتكاسٌ للفطرة، وتمرُّدٌ على رسالة الإنسان في هذا الكون، والانحدار إلى مرتبة الحيوانيَّة، كما قال تعالى: