الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصادر الثّقافة الإسلاميّة
إنّ مهمّة الدّعاة إلى الله مهمّة صعبة، ورسالة جليلة وعظيمة، توجب على مَن ينزل إلى ساحة الدّعوة: أن يكون واسعَ الاطّلاع، غزير الثقافة، مُحباً للقراءة، شغوفا بالمعرفة، يتنقل بين العلوم والمعارف مثْل النحلة التي تنتقل من زهرة إلى زهرة، ومن روضة إلى أخرى، تمتصّ الرحيق وترتشف العبير، لتخرجه عسلاً مصفىً فيه شفاء للناس. ونجد طعْم ورائحة العسل يحمل بين مذاقه نوعَ الزّهر والعبير الذي أخذت عصارته، وكذلك القارئ وطالب الثقافة، يظهر بين ثنايا عقله وأطراف لسانه، معالمُ وملامحُ ما قرأه وتثقّف به، ويصبح ذلك من مكوِّنات شخصيته. فإن سلامة الفكر، وصحة الاعتقاد، وحسْن المنطق، وروعة الأداء، هي دعائم الدّاعي إلى الله. فإنّ التأثير في جمهور المسلمين وغيرهم، واستمالتهم وإقناعهم، له أساليب متعدّدة من القول، وفنون مختلفة من البيان، وحُسن الاطلاع، ولا سيما في هذا العصر الذي تكاثرت وتضاربت فيه الآراء والأفكار، وتنوّعت فيه الحضارات والثقافات، وغدا كلّ صاحب فكْر يَبذل قصارى جهْده لنشْر معتقده ولو كان باطلاً أو منحرفاً. وأصبحت السيطرة على الرأي العام وتوجيهه لرأي معيّن من فوق المنابر، وفي المحافل وعبْر أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، يحظى باهتمام علماء النفس والتربية والاجتماع. وصار فنّ التوجيه والإرشاد علْماً له أصول وقواعد، يتسلّح بالتقنية العلمية العالية، وبأحدث أساليب التكنولوجيا الحديثة، ممّا يجعل موقف الدّعاة إلى الله وسط هذه الأمواج العاتية من الأفكار، صعباً للغاية. فإن لم يُعدّوا أنفسهم علمياً وثقافياً، وإن لم يتمرّسوا على كلّ
وسائل الإقناع، وإن لم يتزوّدوا بشتّى أنواع العلوم والمعارف، فإنّ زمام التوجيه سيُفلت من أيديهم، ويتولاّه قومٌ تربّوْا على الثقافة والفكر الغربي، ورضعوا لِبان العلمانية والإلحاد، فأضاعوا البلاد وأفسدوا العباد. ولهذا قيل عن ثقافة الدّعاة، وعن جوب الاهتمام بتكوينهم لمواجهة كلّ ألوان الغزو الفكري:"إن الدّاعي يبدأ من حيث تنتهي كلّ التخصصات"؛ ولذا فإن تنمية عقله، وغذاء فكره، وتكوين شخصيته، وبلوغ الغاية المرجوّة من دعوته ترتكز وتؤسَّس على مصادر الثقافة الإسلامية التي تنفرد بالتكامل والإحاطة والشمول، وتتميّز بالاستقلال التام عن روافد الثقافات الأخرى التي انقطعت صِلتُها بوحي السماء ورسالات الأنبياء.
وهذه المصادر هي:
أوّلاً: القرآن الكريم.
تعريفه لغة: "القرآن": مصدر على وزن "فعلان" -بالضّم- كغُفران وشُكران. تقول: قرأتُه قرْءاً، وقراءة، وقرآناً، بمعنى واحد، أي: تلوْتُه تلاوةً.
وقد جاء استعمال "القرآن" الكريم بهذا المعنى المصدري في قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} .
تعريفه في الاصطلاح: هو كلام الله المُنزَل على رسوله صلى الله عليه وسلم المُتعبَّد بتلاوته، المُعجِز بآياته، المُتحدَّى به الإنس والجن.
أسماء القرآن الكريم: وردت في القرآن الكريم أسماء كثيرة أطلقها الله سبحانه وتعالى عليه، غير أنّ أشهرها وممّا صار يُعرف به هو:{الْقُرْآن} . قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي
هِيَ أَقْوَمُ}.
وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} .
ومن الأسماء التي سمّى الله بها القرآن الكريم ما يلي:
{الْكِتَاب} : قال تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} .
{الْفُرْقَان} : قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} .
{الذِّكْر} : قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .
{تَنْزِيل} : قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وقد جاء في كتاب "البرهان لعلوم القرآن" للزركشي: أنّ الله سمّى القرآن الكريم بخمسة وخمسين اسماً، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمَّى وعلوّ منزلته، وسمُوّ مكانته.
أوصاف القرآن الكريم:
وصف الحقّ تبارك وتعالى القرآن الكريم بأوصاف كثيرة، منها:
{بُرْهَان} و {نُور} : قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} .
{مَوْعِظَة} و {شِفَاء} ، و {هُدىً} ، و {رَحْمَة}: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} .
{مُبَارَك} و {مُصَدِّق} : قال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ، وقال تعالى:{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} .
{مُبِين} : قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} .
{بُشْرَى} : قال تعالى: {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} .
{عَزِيز} : قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} .
{مَجِيد} و {مَحْفُوظ} : قال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} .
{بَشِير} و {نَذِير} : قال تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً} .
نزول القرآن الكريم:
تنزّل القرآن الكريم مُفرّقاً على مدى ثلاثة وعشرين عاماً، وفْق الأحداث والأمور المتعلّقة بالدّعوة إلى الله، وحسب الحاجة التي تكون سببا للنّزول، ولِيُثبِّت به فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم، ولِيَكون أبلغَ في التّحدّي، وأوضح في بيان الحجّة، وأظهرَ لأوجه الإعجاز، وأسهل على حفْظه وتدبّر آياته وتفهّم معانيه؛ قال تعالى:{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} ، وقال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَاّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} .