الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والواجب في هذه الصفات بنوعيها: إثباتُها لله عز وجل على حسب المعنى الَّذي يليق بكماله سبحانه وتعالى وهو المعنى الحقيقيُّ لها، الَّذي الَّذي ليس فيه تمثيلٌ ولا تعطيلٌ ولا تحريفٌ ولا تكييف، وأن نقول ما قاله الإمام الشَّافعيُّ رضي الله عنه:"آمنتُ بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وهكذا، فقد ألقينا الضوء على الرُّكنين الأساسيَّين، والرَّكيزتين من الأسس والرَّكائز التَّي تقوم عليها الدَّعوة إلى الله، وهما الإيمان بوجود الله وتوحيده، أما عن بقية أسس الدَّعوة وركائزها، فهذا موضوع المحاضرة القادمة -إن شاء الله-.
الدرس: 11 الأسس والدعائم التي تقوم عليها الدعوة إلى الله (1)
.
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الحادي عشر
(الأسس والدعائم التَّي تقوم عليها الدَّعوة إلى الله (1))
1 -
تابع الأسس والدعائم الَّتي قامت عليها دعوة الرَّسول صلى الله عليه وسلم
الإيمان بالغيب
الحمدُ لله، هدانا إلى الإيمان، وأنعم علينا بنعمة الإسلام، والصَّلاة والسَّلام على خير الأنام، الَّذي أرسله للنَّاس كافَّةً بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى آله وأصحابه الَّذين آمنوا برسالته وصدَّقوا بدعوته، فأجرى اللهُ الخيرَ على أيديهم للخلق أجمعين.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
…
تمهيد:
فقد تناولنا في اللِّقاء السَّابق من ركائز وأسس الدَّعوة إلى الله، الإيمان بوجود الله ووحدانيته، وفي هذه المحاضرة نتابع الحديث -إن شاء الله- حول تلك الأسس، والَّتي جاءت في قوله تعالى:
من الأسس والدَّعائم الَّتي قامت عليها الرِّسالات السَّماويَّة منذ أن خلق الله آدم عليه السلام، وإلى بِعثة الرَّسول صلى الله عليه وسلم وستظلُّ قائمةً وساريةً -إن شاء الله- إلى يوم القيامة: الإيمان بالغيب؛ وهو كلُّ ما لا يدركه العقل والحواسُّ، ولا يُعرف حقيقته إلا عن طريق الرُّسل المرسلة والكتب المُنزلة.
والإيمان بالغيب دعامة كل دين، وأساس كل ملة وشريعة، وهو الفيصل بين المؤمن والكافر، والمتدين والملحد، وهو المميز للإنسان عن سائر المخلوقات الَّتي تشاركه الحياةَ على ظهر هذه الأرض، فهو يسمو بالإنسان عن الحيوان، ويغرس في نفسه الأمل، فلا يتسرب اليأس إلى قلبه والقنوط في نفسه، إن أخفقت آماله في الدنيا، وتعثرت خطى أمانيه في الحياة؛ لاعتقاده الصادق ويقينه القاطع: أن ما عند الله في الآخرة خير وأبقى.
والإيمان بالغيب، يولِّد في قلب الإنسان المسلم معانيَ كثيرةً، كالخوف من الله ومراقبته في السِّرِّ والعلن، والإيمان بالقضاء والقدر، والعزة وإباء الضيم، والتَّرفع عن الدَّنايا، والشجاعة والإقدام، والصُّمود في مواجهة ما يعتري الإنسانَ خلال مسيرة
حياته، من مصائب أو شدائد أو محن؛ لأنَّه موقنٌ ومعتقدٌ تمام الاعتقاد في الجزاء العادل والنَّعيم المقيم يوم القيامة، ولقد ذكر القرآن الكريم في صدر سورة البقرة، أنَّ الإيمان بالغيب من الصِّفات الملازمة للمؤمنين، قال تعالى:
قال الإمام ابن كثير:
"إنَّ المؤمنين موصوفون بالإيمان بالغيب قولاً واعتقاداً وعملاً، وقد تدخل الخشية لله في معنى الإيمان الَّذي هو تصديقُ القول بالعمل، والإيمان كلمة جامعة للإيمان بالله وكتبه ورسله وباليوم الآخر".
ويقول ابن كثير رحمه الله:
" {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وجنته وناره، ولقائه، ويؤمنون بالحياة بعد الموت، وبالبعث، فهذا غيب كله. وعن ابن عباس وابن مسعود وعن ناس من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم: أما الغيب فما غاب عن العباد من أمر الجنة والنار، مما ذكر في القرآن".
وعن أهميَّة الإيمان بالغيب، ومكانة من يؤمنون به، ورد هذا الحديثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرق متعدِّدة، نذكر منها ما رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيُّ الخلقِ أعجبُ إليكم إيماناً؟)) قالوا: الملائكة، قال:((وما لَهم لا يؤمنون، وهم عند ربهم؟)) قالوا: فالنَّبيُّون. قال: ((وما لَهم لا يؤمنون، والوحيُ ينزل عليهم؟)) قالوا: فنحن. قال: ((وما لكم لا تؤمنون، وأنا بين أظهركم؟)) قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أعجبَ الخلقِ إليَّ إيماناً: لَقومٌ يكونون بعدكم، يجدون صُحُفاً فيها كِتاب، يؤمنون بما فيها)).
ولأهميَّة قضيَّة الإيمان بالغيب، في عقيدة المسلم؛ فقد ذكرت في القرآن الكريم كلمة الغيب ومشتقاتُها في ستة وخمسين موضعاً.
والإيمان بالغيب يشمل الأمور التَّالية:
1 -
الإيمان بالملائكة:
من دعائم الإيمان وأركانه: التَّصديق بوجود الملائكة، والمقصود به الاعتقاد الجازم بأنَّ لله ملائكة، وهم موجودون ومخلوقون من نور، وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون به، وأنهم قائمون بوظائفهم الَّتي أمرهم الله بالقيام بها، فهم نوع من مخلوقات الله، يجب الإيمان بهم، وبالاعتقاد في وجودهم، وبما ورد في حقِّهم من صفات وأعمال، في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصانٍ ولا تحريف".
قال تعالى:
وفي الحديث الَّذي أخرجه الإمامان البخاري ومسلم، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث جبريل، حينما سأل الرَّسول صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم:((أَنْ تُؤْمِنَ: بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)).
فوجود الملائكة ثابت بالأدلة القطعيَّة، من الكتاب والسنة فمن ينتقص قدرهم أو ينكر وجودهم كافر بإجماع الأمة، قال تعالى:
{مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:98].
قال تعالى:
صفاتهم الخِلقيَّة:
إنَّ المُتتبِّع لآيات القرآن الكريم، يلاحظ أنَّ الحديث عنهم لم يتعرض بالتَّفصيل لتكوينهم الخلقي، إلا على سبيل الإجمال، قال تعالى:
وقال تعالى:
{وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْراً * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً * عُذْراً أَوْ نُذْراً} [المرسلات:1 - 6].
فقد جاء في تفسيرها أنَّهم الملائكة، وقيل: الريح.
وقد أخرج البخاريُّ ومسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ((أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريلَ عليه السلام له ستمائة جناح)) البخاري.
ولقد بيَّن الرَّسول صلى الله عليه وسلم المادَّة الَّتي خُلقت منها الملائكة، فعن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((خُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ)).
وقد وصفهم الله تبارك وتعالى في سورة النازعات فقال تعالى:
{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً} [النَّازعات:1 - 5].
ومن خصائص الملائكة، القدرةُ على التَّشكل بصورة البشر، كما جاء في قوله تعالى في شأن مريم عليها السلام:
وكما جاء في حديث عمر رضي الله عنه حين جاء جبريل في صورة رجل يعلم الصحابة معنى الإسلام والإيمان والإحسان، وكان يأتي أحياناً في صورة دحية الكلبي، الَّذي كان رائع الجمال وحَسَنَ الهيئة.
أعمالهم:
تحدَّث القرآن الكريم عن كثرة أعمال الملائكة، وتنوُّع وتعدُّد ما يقومون به من أمورٍ يكلِّفهم بها الله، كما أنَّهم وثيقو الصِّلة بالعباد، وممَّا أشار إليه القرآنُ الكريمُ في هذا الشأن، ما يلي:
أولاً: النُّزول بالوحي: ولقد اختُصَّ به جبريل عليه السلام قال تعالى:
{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [النمل:193 - 195].
وقال تعالى:
وقال تعالى:
فروح القدس، هو جبريل عليه السلام.
ثانياً: التَّسبيح والسجود لله: قال تعالى:
{إِنَّ الَّذينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف:206].
وقال تعالى:
{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} [الرعد:13].
وقال تعالى:
{وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [الزمر:75].
وقال عزَّ شأنه:
{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:19 - 20].
وقد ذكر القرآن الكريم قصة خلق آدم، وامتثال الملائكة وطاعتهم المطلقة، حينما أمرهم الله بالسجود، قال تعالى:
وقال تعالى:
ثالثاً: حملة العرش: بالهيئة الَّتي ذكرها الحق تبارك وتعالى في قوله:
{وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:17].
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ: مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ وعنقه، مخفقُ الطَّير سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ)).)) رواه أبو داود بإسناد جيد، ورجاله رجال ثقاة.
وقال تعالى:
{الَّذينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} [غافر:7].
رابعاً: خزنة النار والجنة: لقد وصف الله خزنة النار وحرَّاسَها من الملائكة بأنَّهم غلاظ شداد، قال تعالى:
وقد سُمِّي خازن النار باسم مالك.
وقد ذكر القرآنُ استغاثة الكافرين به، قال تعالى:
{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77].
وقال تعالى: