الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثامن
(منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأسلوبه في الدعوة إلى الله)
التَّعريف بمنهج الدَّعوة إلى الله
التَّعريف بالمنهج وبيانُ الفرق بينه وبين الأسلوب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، هدانا إلى أفضل منهج وأقوم سبيل وأرشدِ طريق، والصَّلاة والسَّلام على السِّراج المنير، البشير النَّذير، الدَّاعي إلى الحقِّ، وإلى الصِّراط المستقيم، وعلى آله وأصحابه، ومن دعا بدعوتهم إلى يوم الدِّين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد
تمهيد:
فقد تناولنا في المحاضرة السَّابقة، أحوال العرب والعالم قبل بعثة الرَّسول صلى الله عليه وسلم، ورأينا ما كانت تُعانيه البشريَّة من جاهليَّةٍ جهلاء وضلالةٍ عمياء وظُلمات بعضها فوق بعض، استمرَّت ردحاً من الزَّمن، اكتوت الإنسانيَّةُ بنيرانها قروناً عديدة، حتى أذن الله لليل الكفر أن يتبدَّدَ ولصبح الإيمان أن يتنفَّسَ ولشمس الإسلام أن تشرق على العالم، تبعثُ فيه الحياة، وتجدِّد لديه الأمل، وتوقظ فيه سنن الفطرة، ولتعيد شريعتُه صياغةَ الإنسان من جديد، عبر وحي السماء ورسالات الأنبياء، وقبل أن نوضح منهج الرَّسول صلى الله عليه وسلم وأسلوبه في الدَّعوة إلى الله، سنذكر في هذه الدرس الثامن من محاضرات أصول الدَّعوة وطرقها للمستوى الثاني، التعريف اللُّغويَّ لكلمة منهج، وما هي أنواع المناهج التي قامت عليها دعوة الإسلام، وذلك وفق العناصر التَّالية:
أولاً: تعريف المنهج:
لغةً:
المَنهج، والمِنهج، والمِنهاج: هو الطَّريق الواضح البيِّن للغاية المقصودة أو المرادة. ونهَج كمنع، ووضَح وأوضح، ونهج الطريق بمعنى سلكه، واستنهجَ الطريقُ صار نهجاً، وفلانُ يستنهج سبيلَ فلان، أي يسلُك مسلكه.
ونَهج طريقٌ نََهْجٌ بيِّن واضح، وهو النَّهج، ومنهج الطريق: وَضَحه، والمنهاج كالمِنهج، وفي التَّنزيل:
{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة:48].
وأنهج الطريق: وضح واستبان، وصار نهجاً واضحاً بيِّناً.
فالمنهاج: الطريق الواضح، واستنهج الطريق: صار نهجاً.
ونهج الأمر، وأنهج لغتان إذا وضح.
ممَّا سبق يتبين أنَّ كل تصاريف كلمة "منهج" تدور حول معنى واحد، وهو الطريق الواضح المستبان.
ومن هذا المعنى اللُّغويِّ، استُخدمت كلمة "منهاج" بمعنى الخطة المرسومة، ومنها: منهاج الدِّراسة، ومنهاج التَّعليم ونحوها، والجمع مناهج.
كما لا يخفى التَّقاربُ اللُّغويُّ، بين كلمتي منهاج وسنَّة، فكلاهما بمعنى الطَّريق، وإن زادت كلمةُ المنهج على كلمة سنة، باشتمالها على الموضوعات التي تضمَّنتها الدَّعوة إلى الله.
اصطلاحاً:
هو الطريق المؤدِّي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم، بواسطة طائفة من القواعد العامة، التي تُهيمن على سير العقل، وتُحَدَِّد عمليَّاته، حتى يصل إلى نتيجة معلومة.
فمنهج الدَّعوة: "هو الخطة الكلية، والنظام العام، الذي يحدِّد الإطار العام لكلِّ جوانب الدَّعوة، وهو الَّذي يجمع كافة جزئيَّات قضاياها، ويُنسِّق بينها لتتكامل ولتحقِّقَ ما يُراد منها على الوجه الصَّحيح".
فمن خلال التَّعريف اللُّغويِّ والاصطلاحيِّ لكلمة "المنهج"، يتضح أنَّ الدَّعوة إلى الله، بما تحمل بين ثناياها من العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق، وما تضمَّنته من أخبار الرُّسل والأمم السابقة وأحوال الآخرة، هي ذات طريق واضح ومنهج مبين، تدركه الفطر النقيَّة والعقول الواعية والنفوس المستقيمة والبصائر المستنيرة، فالدَّعوة إلى الله ليس فيها غموض الفلاسفة ولا ألغاز الكهَّان ولا هرطقة المشعوذين ولا تمتمة السحرة ولا تقعُّر المتفيهقين، إنَّما هو منهجٌ ظاهر وطريق بارز يلامس قلوب البشر جميعاً، وقد أخبر القرآن الكريم عن وضوح هذا المنهج، قال تعالى:
وقال تعالى:
وعن جلاء هذا المنهج وظهوره، قال جلَّ شأنه:
وهذا السبيل البيِّن الواضح، هو ما أمر الله المسلمين بالدُّعاء به، كلَّما توجَّهوا إلى الله بالصَّلاة، فقال تعالى:
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6].
ثم حدَّدت الآية: من هم أصحاب المنهج القويم والصراط المستقيم، فقال تعالى:
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:6]،
وهم الأنبياء والمرسلون، ومن سار على منهجهم، وممن جاءوا في قوله تعالى:
أما الطُّرق الأخرى والمناهج المختلفة، التي لا يأمن المسلمون عواقبَها، ويُخشى عليهم من آثارها السيئة ونتائجها الوخيمة، فقد تضمَّنت سورة الفاتحة وجوبَ دعاء المسلم في صلواته: أن يُجنِّبه الله تعالى طريق الضالين ومنهج المفسدين فقال تعالى:
{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7].
ثم أُمِرَ المسلمون بالتَّأمين بقولهم "آمين".
ولقد حدَّد الرَّسول صلى الله عليه وسلم أصحاب الطرق المنحرفة والعقائد الباطلة والمناهج الفاسدة، فسمَّاهم الرَّسول صلى الله عليه وسلم بالاسم: أنَّهم اليهود والنَّصارى.
فقد روي عن أبي ذر رضي الله عنه: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن المغضوب عليهم، قال:((اليهود)) قلت: الضَّالين، قال:((النصارى)).
وجاء عن ابن عباس، وابن مسعود، وعن أُناسٍ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم:(({غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} اليهود، {وَلا الضَّالِّينَ} النصارى)).
وهذا ما تخوَّف منه صلى الله عليه وسلم وخشيه على أمته منهم، وحذَّر من اتِّباع مناهجهم الضَّالَّة، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لتَتَبعُنَّ سَنَنَ مَن قبلكم، شبراً بشبرٍ، وذراعاً بذراع، حتَّى
لو دخلوا جُحر ضبٍّ خربٍ لدخلتم فيه، فقالوا: اليهود والنَّصارى؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ومَن غيرُهم؟!)).
وهذا ما ينطق به حالُ المسلمين في هذه الأيَّام، من إعراضهم عن منهج الله وإقبالهم واندفاعهم وهرولتهم، دون تدبُّر إلى مناهج الغرب في تقليد أعمى وغباء مستحكم، حتى غدت حياتهم ضنكاً وأمرهم بؤساً وأحوالهم هواناً وذلاً، وقد بين القرآن الكريم عاقبة الذين يُعرضون عن منهج الله، فقال تعالى:
هذا تعريف بمنهج الدَّعوة القويم والحضِّ عليه، والتَّبصير بمنهج الضَّالِّين والتَّحذير منه.
ثانياً: الفرق بين منهج الدَّعوة وأساليب الدَّعوة:
بعض الباحثين لا يفرق بين المنهج والأسلوب، أو قد يضعُ أحدَهما مكان الآخر، وفي الحقيقة إنَّ بينهما اشتراكاً في المعنى اللُّغويِّ، وقد سبق بيان المعنى اللُّغوي لكلمة منهج.
أما تعريف الأسلوب لغةً: الأساليب جمع أسلوب، وهو في اللغة الطريق، يقال: سلكت أسلوبَ فلان أي طريقته ومذهبه، وأسلوبُ الكاتب طريقته في الكتابة، يقال: أخذ فلان في أساليب القول، أي أفانينه.
تعريف الأسلوب في الاصطلاح: طريقة الدَّاعي في دعوته، أو كيفية تطبيق المنهج.
فمن خلال التَّعريف اللُّغوي لكلٍّ منهما، نجد اشتراك كلٍّ من المنهج والأسلوب في المعنى اللغوي وهو الطريق، ويبدو الفرق واضحاً والمفهوم متغايراً، من خلال التعريف الاصطلاحي، كما يلي:
أولاً: المناهج الدعوية، هي قضايا وموضوعات الدَّعوة التي جاءت في قوله تعالى:
وجاء هذا المنهج الرَّبَّانيُّ، في قوله تعالى:
هذه هي مناهج الدَّعوة وموضوعاتها، التي جاءت بها الرِّسالات السَّماويَّة من لدن آدم عليه السلام إلى سيِّدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم.
أمَّا الأساليب، فهي كيفية وطرق تطبيق قضايا المنهج.
والمثال على ذلك: "إذا كانت العبادة في الإسلام منهجاً ونظاماً؛ فإنَّ من أساليبها الصلاة والصيام والحج والزَّكاة
…
إلخ".
ثانياً: إنَّ منهج الدَّعوة ربَّانيٌّ، كلُّه من عند الله تعالى، وقد جاء مفصَّلاً في الكتاب والسنة، ولا مجال فيه لاجتهاد مجتهد أو رأي بشر.
أمَّا الوسائل والأساليب، فقد جاءت في صورة قواعد كلية وأسس عامة، لكي يتَّخذ المسلمون من الوسائل والأساليب، لتوضيح منهج الإسلام وقضاياه، بما يتلاءم مع ظروف الزمان والمكان.
والمثال على ذلك قوله تعالى:
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].
فهذه الآية، توضح أنَّ من يسلك سبيل الدَّعوة إلى الله، فينبغي عليه أن يأخذ بالأساليب التالية:
الحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالَّتي هي أحسن.
هذه الأساليب التي أشار إليها القرآن الكريم، إشارةً موجزةً دون تفصيل.
فيأتي العلماء ويوضحون مفهوم الحكمة، والفرق بينها وبين العلم، وما هي ضوابط الحكمة؟ وما هو الإطار الذي يتحرك فيه الدَّاعية بالحِكمة والفطانة وحسن الوعي؟ ومدى الحكمة في ترتيب أولويَّات موضوعات الدَّعوة ومنهجها.
ثم يوضِّحون أساليبَ الموعظة الحسنة: هل بالوعظ والإرشاد؟ أم بالوعد والوعيد؟ وهل تشملُ الكتابة، أو استخدام أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة، أم تتضمَّن التربية والتعليم؟
وكذلك المجادلة بالتي هي أحسن: ما ضوابطها؟ ما أصناف المدعوين الذين يتوجه إليهم الدُّعاة بالمجادلة؟ ومتى يتوقف الإنسان عن الجدال.
كلُّ هذه الأمور وغيرُها تدخل في مجال أساليب الدَّعوة، مما سنوضحه في ثنايا هذه المحاضرات.
ومن هنا يتضح الفرق بين مناهج الدَّعوة وأساليبها.