الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامساً: الدَّعوة إلى الله تقوم على الإقناع العقليِّ
إنَّ قواعدَ الإسلام وأركانَ الإيمان، يقومان على أسسٍ من الإقناع العقليِّ والبراهين السَّاطعة والأدلة اليقينيَّة الواضحة والمحجَّة البيضاء الناصعة، فالدعوة إلى الله، لا تعرف التقليد الأعمى، ولا تحمل الناس بالقهر والإكراه على اعتناق عقائدها، ولا تسوق البشر لتشريعاتها وأحكامها كما يُساق القطيع دون فكر أو إرادة، كما أنَّ الدَّعوة إلى الله لا تتطلب من الشخص أن يُبادر باعتناق الإسلام، من خلال عاطفة جيَّاشة أو تأثُّر بموقف معيَّن، وإنَّما تأمره بأن يتريَّث في الأمر، وأن يتعمَّق في البحث، حتى يطمئنَّ قلبُه، وينشرحَ صدره، ويثبت عقله، وتصدق نيته، وتصحَّ عزيمته.
والقرآن الكريم كتاب الدعوة إلى الله، تتلألأ آياتُه، وتسطع شمسُ توجيهاته للإنسانيَّة كلِّها، بالدَّعوة إلى الحوار الهادئ، والنقاش المهذب، والجدال بالتي هي أحسن. فالإسلام العظيم لا يضيق ذرعاً بآراء الغير، وإنَّما يردُّ عليها بالصدق، ويُزيل ما علق بالذِّهن من شبهات، بالإقناع العقلي، بل يتحدَّى الخصم ويطلب منه أن يأتي بما عنده من حجج، وبما لديه من براهين، قال تعالى:
وقال تعالى:
{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون:117].
فالبرهان الحجة، وبرهن عليه أقام البرهان.
وقد ذكر الحق -تبارك- أن القرآن الكريم، قد جاء بالبرهان الساطع والنور المبين، قال تعالى:
يقول الإمام ابن كثير، في تفسير هذه الآية:
"يقولُ الله مخاطباً جميع الناس، ومخبراً بأنه قد جاءهم منه برهانٌ عظيم، وهو الدَّليل القاطع للعذر والحجَّة، والمُزيل للشُّبهة، ولهذا قال -تعالى-:
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} ، أي ضياءً واضحاً على الحقِّ".
ولقد وضع القرآن الكريم، قواعد الإقناع وأصول المحاجَّة الفكرية والمجادلة، كما يلي:
1 -
أن لا يجادل الإنسانُ إلا في الحقِّ، وألا يُحاجج إلا عن علم ويقين، فقد زعم اليهود والنصارى انتساب إبراهيم عليه السلام لكلٍّ منهما، وهذا جهل منهم بحقائق العلم والتاريخ، فإنَّ زمنه عليه السلام كان قبل نزول التوراة على موسى والإنجيل على عيسى عليهما السلام، فكيف يتجادلون ويتحاجُّون في أمر يتصادمُ مع العقل، قال تعالى:
2 -
نهى القرآنُ الكريم العقلَ، عن أن يحاجج في الأمور البديهية والمسلَّم بها، ومن ذلك طلبُ الحجة على وجود الله، فهذا أمر ثابت بالفطرة وبالآيات الكونية وببعثة الرسل وإنزال الكتب، وتصريف شؤون الكون وتدبير أحوال الخلق، ورغم هذا كلِّه يطلبون مزيداً من الحجج تعسُّفاً، قال تعالى:
قال تعالى:
3 -
القرآن الكريم، دعا إلى التَّفكير العقليِّ الجماعيِّ؛ لأنَّ التقاء العقول وتلاقي الأفكار يؤدِّيان إلى الوقوف على الحقيقة، وتبيُّن وجه الصَّواب، قال -تعالى- مخاطباً المشركين وداعياً لهم للاجتماع والنَّظر بصدق وموضوعيَّة، فيما نسبوه لرسول الله صلى الله عليه وسلم زوراً وبهتاناً؛ فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يُقدِّم لهم موعظةً في كيفيَّة التفكير واتِّخاذ القرار والحكم على الأمور، فقال -جلَّ شأنه-:
{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيد} [سبأ:46] ولهذا شرع الإسلام الشُّورى، في قوله تعالى:
{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38].
وفي قوله تعالى:
4 -
أمر اللهُ البشر أن يزيلوا غشاوةَ العقول، ويتفكَّروا في الكون من حولهم، ويتدبَّروا في صنع الله المتقن، وبديع خلقه المبهر، ليكون ذلك دافعاً للإقناع، حاملاً على الإيمان، قال تعالى:
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:190 - 191].
وقال تعالى:
{وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة:126].
وقال تعالى: