المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والمدينة. وبجانب ذلك، فيجب على الدّاعية أن يدرس الغزوات والفتوحات - أصول الدعوة وطرقها ٢ - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 من أخلاق الدعاة إلى الله

- ‌التعريف ببعض الكلمات التي لها صِلة بالدّعوة إلى الله على بصيرة

- ‌بيان السُّبل والوسائل التي تُعين الدّعاة على الدّعوة إلى الله على علْم وبصيرة

- ‌تعريف "الصّبر" في اللغة والاصطلاح

- ‌مجالات الصّبر وميادينه

- ‌الصّبر الذي تحلّى به أولو العزْم من الرّسُل في ميدان الدّعوة إلى الله

- ‌الدرس: 2 تابع من أخلاق الدعاة إلى الله، والثقافة الإسلامية وأثرها على العالم

- ‌تعريف الصِّدْق

- ‌الأدلّة من القرآن والسُّنّة على خُلق الصِّدق وفضْله

- ‌مراتب الصِّدق

- ‌تحديد مفهوم الثقافة والتعريف بها

- ‌خصائص الثّقافة

- ‌أثر الحضارة والثّقافة الإسلاميّة على العالَم

- ‌ما يمكن أن تقدّمه الحضارة والثقافة الإسلامية للعالَم في هذا العصر

- ‌الدرس: 3 ثقافة الداعية

- ‌ضرورة الثّقافة وأهمِّيّتها للدّعاة إلى الله

- ‌مصادر الثّقافة الإسلاميّة

- ‌تعريف السُّنّة في اللّغة والاصطلاح

- ‌السُّنّة النّبويّة ومكانتها في التشريع

- ‌الدرس: 4 العلوم التي يحتاج إليها الداعية (1)

- ‌ما يجب على الدّعاة معرفتُه ممّا يتعلّق بسُنّته صلى الله عليه وسلم

- ‌تعريف الشريعة وخصائصها

- ‌حاجة الدّعاة إلى الله إلى الفقه في أحكام الشريعة

- ‌التعريف الموجَز بأئمّة الفقه

- ‌الدرس: 5 العلوم التي يحتاج إليها الداعية (2)

- ‌التعريف باللّغة العربية

- ‌المصدر الخامس من مصادر الثقافة الإسلامية: علْم التّاريخ

- ‌العلوم الاجتماعيّة

- ‌الدرس: 6 قواعد الإفتاء، وشروط إصدار الفتوى

- ‌تعريف الإفتاء في اللغة والاصطلاح

- ‌شروط إصدار الفَتوى وآداب المُفتي والمُسْتفتي

- ‌الدرس: 7 أحوال العرب والعالم قبل الإسلام

- ‌التَّعريف بالعرب

- ‌معتقدات العالم وأديانه قبل بعثة الرَّسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الدرس: 8 منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأسلوبه في الدعوة إلى الله

- ‌التَّعريف بالمنهج وبيانُ الفرق بينه وبين الأسلوب

- ‌الأسس المنهجية التي تقوم عليها الدَّعوة إلى الله

- ‌الدرس: 9 المنهج العقلي للدعوة إلى الله

- ‌أولاً: تعريف العقل في اللغة والاصطلاح

- ‌ثانياً: مستقر العقل

- ‌ثالثاً: تعريف المنهج العقلي للدَّعوة إلى الله وارتباطه بالحواس

- ‌رابعاً: مكانة العقل في الإسلام

- ‌خامساً: الدَّعوة إلى الله تقوم على الإقناع العقليِّ

- ‌سادساً: آثار المنهج العقليِّ على المدعُوِّين

- ‌الدرس: 10 المنهج العاطفي في الدعوة إلى الله

- ‌التَّعريف بالمنهجِ العاطفِيِّ

- ‌الأسس التي يقوم عليها المنهجُ العاطفيٌّ للدَّعوة إلى الله

- ‌من دعائم وأسس دعوة الرسل

- ‌الدرس: 11 الأسس والدعائم التي تقوم عليها الدعوة إلى الله (1)

- ‌الإيمان بالغيب

- ‌صلة الملائكة بالبشر

- ‌تصحيح عقيدة البشر عن الملائكة

- ‌وجوب الإيمان بجميع الأنبياء والرسل

- ‌الإسلام هو الكلمة الجامعة التي انضوت تحتها الرِّسالات السَّماوية جميعها

- ‌الدرس: 12 الأسس والدعائم التي تقوم عليها الدعوة إلى الله (2)

- ‌وجوب الاعتقاد بأنَّهم أكمل الخلق علماً وعملاً، وأصدقهم عقيدة وقولاً، وأعظم الناس أخلاقاً وفضلاً

- ‌النُّبوَّة والرِّسالة قاصرةٌ على الرِّجال فقط

- ‌الإيمان بأنَّ الله سبحانه وتعالى لم يخصَّ الأنبياء والمرسلين بطبائع غيرِ الطَّبائع البشريَّة

- ‌وجوب الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين، الوارد ذكرهم في القرآن الكريم، وعدم التَّفرقة بينهم

- ‌وجوب الاعتقاد والإيمان أنهم جميعا -عليهم الصلاة والسلام- قد بلغوا رسالات الله على الوجه الأكمل

- ‌الاقتصار على ما جاء في القرآن الكريم أو السنة الشريفة بشأن الأنبياء والمرسلين

- ‌الآثار المترتبة على وجوب الإيمان بالأنبياء والمرسلين

- ‌الدرس: 13 الأسس والدعائم التي تقوم عليها الدعوة إلى الله (3)

- ‌تمهيد حول الإيمان بالكتب المنزلة

- ‌يجب الإيمان والتَّصديق بالكتب الَّتي أنزلها الله على أنبيائه ورسله

- ‌حقيقة ما بين يدي أهل الكتاب -اليهود والنصارى- من التوراة والإنجيل الآن وما ينبغي أن يكون عليه موقف المسلمين من كل منهما

- ‌مراحل الكتابين (التوراة والإنجيل) أولا اليهود

- ‌اليهود والتَّوراة

- ‌الدرس: 14 الأسس والدعائم التي تقوم عليها الدعوة إلى الله (4)

- ‌ما جاء في عقائد اليهود في حقِّ الله -تعالى

- ‌افتراؤهم على أنبياء الله ورسله

- ‌ما يتعلق بحقيقة الأناجيل التي بين يدي النصارى

- ‌موقف النَّاس من عيسى عليه السلام

- ‌حقيقة الأناجيل التي بين يدي النصارى

- ‌حكم الإيمان باليوم الآخر وأهمِّيَّته

- ‌فتنة القبر وسؤال الملكين

- ‌عذابُ القبر ونعيمه

- ‌أشراط الساعة وأماراتها

الفصل: والمدينة. وبجانب ذلك، فيجب على الدّاعية أن يدرس الغزوات والفتوحات

والمدينة. وبجانب ذلك، فيجب على الدّاعية أن يدرس الغزوات والفتوحات خلال تاريخ الإسلام، وأن يقف على أسباب انتصارات المسلمين، وأسباب هزيمتهم.

هذه بعض المصادر الأصلية، والعلوم الشرعية، التي ينبغي أن يتزوّد بها الدّعاة إلى الله، لكي تتّسع معارفُهم وتنمو ثقافتهم؛ وبهذا ينفسح أمامهم ميدان الدّعوة وتكثر موضوعاتها، ويخرجون من دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى دائرة أشمل وأوسع.

أمّا عن ثقافة العصر، ودراسة المذاهب والتيارات المعاصرة، فهذا موضوع المحاضرة القادمة -إن شاء الله-.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

2 -

ثقافة الدّعاة إلى الله

‌العلوم الاجتماعيّة

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ}.

والصلاة والسلام على أشرف الخلْق وخاتم الرسل، الذي علّمه الله ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيماً. وبعد:

هذا، وما يجب ملاحظته: أن الدّعاة إلى الله ليس لهم حدّ من الثقافة يقفون عنده، ولا يقتصرون على نوع من العلوم والمعارف لا يتجاوزونه؛ وإنّما هم بِحُكم عملهم، وبحجم الرسالة التي يقومون ويتشرّفون بحمل أعبائها ويتحمّلون تبعاتها، يجب عليهم أن يكونوا دائرة معارف واسعة متحرّكة، ومكتبةً علمية ثقافية متنقّلة، يجد كلّ شخص عندهم ما يحتاجه من أجوبة لما يدور في عقله من أسئلة عن الدِّين والدنيا، وأن يكونوا كماء النهر العذب الذي يروي ظمأ كلّ من يغترف منه. والأمر لا يقتصر على علوم الشريعة الإسلامية فقط، ولكن ينبغي أن يتّسع عقله وفكره وثقافته لِيشمل العلوم الإنسانية التي لها عميق الصّلة بجوانب الحياة الاجتماعية، ولا سيما في هذا العصر الذي تقدّمت فيه وسائل المواصلات والاتصالات، وأصبح العالَم قرية صغيرة يُسمع ويُشاهد ما يدور من أحداث في أنحاء المعموة لحظة وقوعه، وغدَتْ حدود الدّول وسماؤها مفتوحة على كلّ الثقافات والحضارات.

ولم يَعُد في مقدور أيّ دولة مهما كانت قوّتها، أن توصد الحدود وتغلق الأبواب في وجه الغزو الفكري؛ فالقنوات الفضائية والبثّ الإعلامي المباشر يقتحم على

ص: 131

الناس بيوتهم، ويصل إلى مخادعهم، فضلاً عن التقنية العلْمية العالية، واستعمال كلّ وسائل التأثير على العقل، وكلّ عوامل الإغراء لتغيير السلوك.

كل هذه الأمور تزيد مِن عبء الدّعاة، وتُلقي على عاتقهم مهمّة صيانة معتقدات الأمّة، والمحافظة على خصائصها الدينية وثوابتها الثقافية. والمعارف الإنسانية التي ينبغي للدّعاة أن يطّلعوا عليها وتكون لهم صلة وثيقة بها هي على النحو التالي:

إنّ ممّا ينفرد به الإسلام، وتتميّز به شرائعه: أنه دين اجتماعي، يهتمّ بشؤون الناس، وينظّم كلّ أمور حياتهم، ويضع الضوابط الشرعية في شتّى مجالات الحياة، ومن ذلك:

أ- مجال الأسْرة:

اعتنى الإسلام بالأسْرة عناية خاصّة، وأوْلاها بالتشريعات والأحكام التي تحافظ على تماسُكها، وتصون روابطها. وجاءت النصوص من القرآن الكريم والسُّنّة تعالج ما يطرأ عليها من مشاكل. وقد أفاض الحق تبارك وتعالى والرسول صلى الله عليه وسلم في بيان وتوضيح الأمور التالية:

- الأسْرة ضرورة فِطْرية وحاجة إنسانية لا يستغني بشرٌ سويّ عنها، وهي سُنّة من سُنن الأنبياء والمرسلين، قال تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} .

ص: 132

وقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} .

2 -

حدّد الإسلام طبيعة العلاقة بين الرجُل والمرأة، وأنها لا تقف على مجرّد العلاقات الجنسية فقط، كشأن الذكورة والأنوثة في عالَم الكائنات الأخرى التي تقتصر العلاقة على لحظة مباشرة التلقيح فقط، ثم يمضي الذّكر والأنثى كلّ إلى حال سبيله، وقد يلتقيان في مرعىً واحدٍ أو على مورد ماء مشترَك فيتلاطمان ويتصارعان، وقد يركل ذكر الحيوان الأنثى التي لقّحها وحملت منه، فيُسقط ما في بطنها وهو لا يدري أن ما في أحشائها هو ابنه؛ وهذا ما آلت إليه العلاقة بين المرأة والرجل في الحضارة الغربية، حيث اقتصرت العلاقة بينهما على إرواء الشهوة الجنسية، ولو بعيدة عن أُطُر الزواج، ولو تعدّدت العلاقة مع أكثر من رجُل في وقت واحد، ممّا أدّى إلى اختلاط الأنساب، وإضعاف الصِّلات، وجعلها تتوقّف على مرحلة القوّة والفحولة للّرجل والأنوثة والجاذبية للأنثى. أمّا ما وراء ذلك من مراحل العمر المتقدّمة، فقد تنقطع صِلة كلّ منهما بالآخر، وأحياناً كثيرةً لا يعرف الرّجل أين مصير ابنه من ثمرة اللقاء المحرّم، وقد يتزوج من ابنته وهو لا يدري.

أمّا الإسلام العظيم، فقد حدد الهدف من تكوين الأسرة، فقال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .

وقد حدّد الإسلام العلاقة الفِطرية بين الرجل والمرأة، وجعَلها لا تتمّ إلاّ داخل إطار زواجٍ مشروع، مكتملٍ الأركان والشروط قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} .

ص: 133

ومن أجْل هذا، حرّم الإسلام تحريماً شديداً، ونهى نهياً قاطعاً عن أيّ علاقة قبل الزواج تحت أيّ مسمّى تعارفت عليه النظم الأوربية. ولكي يقطع الإسلام أي علاقة غير شرعية، حرّم الدوافع والأسباب التي تُؤدِّي إلى هذه الصِّلات الآثمة؛ فحرّم التّبرج والاختلاط، وأمَر بستْر العورة، وغضّ البصر، وعدم إبداء الزينة، إلا للزّوج ومحارم المرأة.

3 -

وضَع الإسلام قواعد الاختيار، وشروط كلّ من الزوج المحمود والزوجة المحمودة، فقال تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} .

وقال صلى الله عليه وسلم: ((تُنكح المرأة لأرْبع: لِمالِها، ولِحسبِها، ولِجمالِها، ولِدينِها. فاظفر بذات الدِّين تَرِبَتْ يداك))، رواه البخاري.

وعن الزوج، قال صلى الله عليه وسلم:((إذا أتاكم مَن تَرضَوْن دِينه وخُلُقه فأنكِحوه. إلاّ تفعلوا تَكُنْ فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير))، رواه الترمذي وقال:"حديث حسَن".

وقد حذّر الرسول صلى الله عليه وسلم من عواقب سوء الاختيار، أو التغاضي عن شرط الدِّين فقال:((لا تَزوَّجوا النّساء لِحُسنِهنّ، فعسى حُسنُهن أنْ يُرْديَهنّ. ولا تزوّجوهنّ لأموالهنّ، فعسى أموالهنّ أن تُطغيَهنّ. ولكن تَزوَّجوهنّ على الدِّين؛ ولأمَة خرقاء سوداء ذات دين أفْضل))، رواه ابن ماجة.

4 -

وضَع الإسلام التشريعات والضوابط التي تضمن استقرار الأسْرة واستمرارها، فشرع ما يلي:

أ- جواز نظَر كلٍّ منهما للآخَر، لقوله صلى الله عليه وسلم:((إذا خطَب أحدُكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه لِنكاحها فلْيفْعلْ!)).

ص: 134

وقال صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة: ((انظرْ إليها، فإن هذا حريٌّ أن يُؤدَم بينكما)).

ب- وجوب الصّداق، قال تعالى:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} .

ج- وجوب استكمال أركان الزواج، وذلك بتحقّق الشروط التي وصَفَها الإسلام وهي: المهر، وليّ الزوجة الذي يتولّى عقد النكاح، شاهدا عدْل، الإيجاب والقبول، الإعلان. وله مظاهر شرعية حدّدها الإسلام، ومنها: إعلامه، وعقده في المساجد، اللهو البريء البعيد عن مظاهر الموسيقى والغناء الذي يثير الغرائز ويُحرّك كوامن الشهوات، إقامة وليمة للأهل والأصدقاء دون سرف أو خيلاء.

5 -

حدّد الإسلام حقوق وواجبات كلّ من الزوج والزوجة على الآخَر. فللزوجة:

أ- حقّ النفقة وفْق إمكانات الزوج، قال تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ مَا آتَاهَا} .

ب- حُسْن المعاشرة، قال تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} .

ج- عدم تتبّع العثرات، والتغاضي عن الهفوات، إلاّ عن شيء قد حرّمه الله، أو أتتْ من الأفعال القبيحة التي تتنافى وحرمة الأعراض، قال صلى الله عليه وسلم:((لا يفرك -أي: يبغض- مؤمن مؤمنة، إن كَرِه منها خُلُقاً، رضي منها آخَر)).

6 -

وضَع الإسلام التشريعات التي تصون الأسرة، وتحميها من التّصدّع، ومن ذلك:

ص: 135

أ- النهي عن سوء معاملة كلّ منها للآخَر.

ج- حُسن رعاية كلّ منهما للآخَر.

د- أن لا يترك الزوج لزوجته الحبْل على الغارب، ولا يمنحها الحُرّية المُطلَقة، وفي نفس الوقت لا يضيِّق عليها الخناق، وأن لا يسيء بها الظن وتتملّكه الشكوك.

هـ- حرمة دخول غير ذوي المحارم على النساء.

وحرمة مصادقة الرجال الأجانب، والاختلاط المثير للفتنة والشّبهة.

ز- حرمة إبداء الزينة إلاّ للزوج.

ح- يجب على وليّ الأمر والمجتمع مَنْع كلّ ما يسيء للعلاقة بين الزوجيْن، وأن يَمْنع التحريض على إفساد العلاقة بينهما، تحت دعاوى حُرّية المرأة وحقوقها ومساواتها بالرجل؛ فهذه أمور لا يراد منها إلاّ إفساد العلاقة الفطرية بينهما، وتحطيم الأسرة وانهيارها، فينشأ جيل فاقد الحنان، ضعيف الانتماء، فيسهل السّيطرة عليه وعلى وطنه.

7 -

عالج الإسلام تصدّع الأسرة بما جاء في القرآن الكريم، بتدرّج وسائل الإصلاح على النحو التالي:

قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} .

وهؤلاء لا مشاكل بينهم ولا خوف عليهم، إذ كلّ من الزوجين يعرف ما له من حقوق وما عليه من واجبات.

ص: 136

أمّا من ساءت العلاقة بينهما وبدت بوادر تصدع الأسرة وانهيارها، فقد وضحت الآية وسائل العلاج، فقال تعالى:{وَاللَاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً} .

فإذا فشلت كلّ المحاولات، وأصبحت الحياة جحيماً لا يُطاق، وأصبح لا مفرّ من الفُرقة، فشرَع الإسلام الطّلاق، ووضع له الضوابط التي تصون حقوق الزوجية، وأتاح فُرص الرجعة في الطلاق خلال مرتيْن أثناء العدّة، وبعدها بعقد ومهر جديد.

هذا عرْض موجَز لصيانة الإسلام للأسرة، وفي ذلك حفْظ للمجتمع، وتوثيق لعُرى التّواصل والتراحم.

وعلى الدّعاة: وجوب الاهتمام بحقوق الأسْرة وواجباتها، وأن يكونوا على فقه بأحكام الزواج والطلاق، وعلى بصيرة وثقافة بكلّ ما يتعلّق بأحوال الأسرة في الإسلام في كل جوانبها من علاقة الأبناء بالآباء، ووجوب مراعاة صِلة الرّحِم، وكذلك العلاقات الاجتماعية وما ينتج عن هذه العلاقات من قضايا وأمور يجب على الدّاعية أن يعالجها على ضوء القرآن الكريم والسّنّة النبوية، والأحكام الشرعية التي تُنظّم ذلك. ولن يتسنّى هذا إلاّ بمزيد من العلْم والاطّلاع والثقافة، والانفعال والاهتمام بشؤون الأسْرة في الإسلام.

وإنّ ما ذكرناه من ذلك ما هو إلاّ تعريف مُجمَل وبيان عامّ يضيق المقام عن بسْطه، وتوجيه للدّعاة أن يُولوا اهتمامهم بقضايا الأسْرة، لا سيما هذه الأيام التي تُوجَّه فيها سهام الأعداء للأسرة المسلمة لهَدْم خصائصها التي تنفرد بها وتتميّز عن الأمم الأخرى.

ص: 137

ب- مجال الاقتصاد:

الجوانب الاقتصادية من الأمور الضرورية في حياة المجتمعات، وهي من أكبر عوامل الصّراع بين الأمم؛ فمن أجل الاقتصاد نشأت حروب، ودُمِّرت دُوَل، واندثرت حضارات.

الاقتصاد يُثير قلق السّاسة والزعماء، ويؤرّق عقول العلماء والمفكِّرين، وهذا أحد أسباب التّوتر والقلق في الأمم، ومن عوامل الثورات والفتن بين الشعوب. والاقتصاد في الفكر الإسلامي له مكانة متميّزة، وله بين أحكام الشريعة الإسلامية فرائض وواجبات ونظم مقنّنة من خلال ما جاء في الكتاب والسُّنّة، وفِكر سلَف الأمّة وخلَفِها.

وسوف يتناول هذا المبحث النقاط التالية:

أولاً: تعريف الاقتصاد:

"الاقتصاد" في اللغة معناه: القصد، أي التّوسّط والاعتدال، ومنه قوله تعالى:{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} ، وقوله تعالى:{مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ} .

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((

ولا عالَ من اقتصد))، رواه الطبراني في الأوسط.

وعرّفه العزّ بن عبد السّلام بأنه: "رتبهٌ بين رُتبتيْن، ومنزلة بيْن منزلتيْن".

الأولى: هي التّفريط -التقصير-، والثانية هي الإفراط -الإسراف-.

وللاقتصاد في الإسلام أمثلة كثيرة، منها:

عدم الإسراف في استعمال المياه والاقتصاد فيها، ولو كان الإنسان على نهر جارٍ، والاقتصاد في العبادة، وفي الموعظة، والأكل والشرب، والنّفقة؛ والأدلة على ذلك من القرآن والسُّنّة كثيرة.

ص: 138

وقد ربَط الله بين الجانب الاقتصادي في الإسلام -من خلال فريضة الزّكاة- وبين العقيدة الإسلامية، وهذا يمثل جانباً هاماً من مكوّنات الإسلام وخصائصه العقائدية والتشريعية.

ويمكن توضيح الأسُس العقائدية للإسلام فيما يلي:

أولاً: الإنسان بوجه عام مستخلَف في الأرض، لعمارتها واستثمار خيراتها، قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} .

وقال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} .

ثانياً: إن الأرض خاصّة والكون عامّة مُسخّر للإنسان ومُذلَّل له، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} .

وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} .

ثالثاً: إنّ تسخير الأرض للإنسان يقتضي انتفاع البشَر بما خلَق الله في الكون، قال تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} .

رابعاً: إنّ السّعي في طلب الرزق، والانتفاع بما خلَق الله، ليس غاية في حق ذاته، وإنما هو وسيلة ضرورية تقتضيها طبيعة الإنسان وفِطْرته، وأنّ الغاية: إرضاء الله بعمل الخير، وشكْره على نِعَمه، ومراعاة حقوقه، قال تعالى:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْض ِ} .

ص: 139

وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: ((نِعْم المالُ الصّالح للرّجُل الصّالح!)).

وقال صلى الله عليه وسلم: ((تعِس عبْدُ الدِّينار، تعِس عبْدُ الدِّرهم، تَعِس عبْدُ القطيفة)).

خامساً: استخلاف الله للإنسان عامّ لبني البشر جميعاً، وتسخير الأرض للإنسانية كلّها دون تخصيص.

سادساً: ما يقتنيه الإنسان نتيجة للكسب الماليّ لا يعطي صاحبَه امتيازاً خاصاً، كما أن فقدانه لا ينقص من قَدْر الإنسان، قال تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} .

سابعاً: يتحمّل كلّ إنسان نتيجة عملِه ونشاطه، وهو مسؤول أمام الله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((

وعن ماله مِن أين اكتسبه وفيما أنفَقَه)).

وهناك مسؤولية مدنيّة في العقود والمعاملات، يتولى تنظيمها وليّ الأمر، بشرط أن يكون هذا التنظيم في حدود ما شرَعه الله، وأن لا يُباح من المعاملات ما أجمعت الأدلّة على تحريمه، كالربا، والغش، والاحتكار، وأكْل أموال الناس بالباطل.

هذه الأسس تجعل النشاط الاقتصادي في المجتمع المسلم مرتبطاً بعقيدة الإسلام.

الأسس الأخلاقية للاقتصاد في الإسلام:

ينضبط الاقتصاد في الإسلام بضوابط أخلاقية يتفرّد بها ويتميّز عن غيره. ومن هذه الأسس:

أولاً: الاستغناء عن الغير، وكفّ الإنسان نفسه وأسْرته عن الحاجة وذلّ المسالة، أمْر شرعيّ وواجب دينيّ؛ فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((اليدُ العُليا خيرٌ من اليد السفلَى. وابدأ بِمن تعول. وخير الصّدقة عن ظهر غنىً. ومن يسعفِفْ يُعفّه الله، ومن يستغْنِ يُغْنِه الله))، رواه الشيخان.

ص: 140

وعن أبي عبد الله الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأنْ يأخُذَ أحدُكم أُحبُلَه ثم يأتي الجبَل، فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكُفَّ الله بها وجْهَه، خيْرٌ له من أن يسأل الناس، أعطَوْه أو مَنَعوه))، رواه البخاري.

ثانياً: نفْع العباد بعضهم لبعض هدفٌ إسلاميّ نبيل، قال صلى الله عليه وسلم:((ما مِن مسلمٍ يَغرس غرساً أو يَزرع زرعاً، فيأكل منه إنسان أو دابّة أو طير، إلاّ كان له به أجْر)).

ثالثاً: أن يكون العمل مشروعاً غير مُحرّم، كالتنجيم، والسّحر، وبيع الخمر

إلخ.

رابعاً: أن لا يكون في العمَل أو السِّلعة إضرار بالناس، كالمخدّرات وغيرها

ومن خلال هذه الأسس العقائدية والأخلاقية للاقتصاد الإسلامي، تتضح النتائج التالية:

1 -

أنّ الإسلام يقف من النشاط الاقتصادي النّافع موقف الحارس له، والحاثّ والمُحرِّض على تفعيله في المجتمع.

2 -

يعتبر الإسلام الفقر مصيبةً يجب التّخلّص منه؛ ومِن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: ((اللهمّ إني أعوذ بك من الكُفر والفقْر))، ومن دعائه صلى الله عليه وسلم:((اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنّه بئْس الضّجيع)).

3 -

إن الأسس الاعتقادية والأخلاقية تولِّد في النفس دوافع أخلاقية إنسانية، وتجعل الحياة الاقتصادية منسجمة ومتوافقة مع الحياة الدينية، وتُشعر الإنسان بالرِّضى والشكر في حالة الكسب، وبالحمد والصبر في حالة الخسارة.

ص: 141

وبجانب ما ذكرناه، فهناك موضوعات هامّة في الفكر الإسلامي المتعلّق بالاقتصاد، على الدّعاة أن يكونوا على إلمام بها، وأبواب الفقه الإسلامي زاخرة بما يفي بحاجة المسلمين في هذا الجانب.

ولقد ظهرت في هذا العصر ما يُعرف بالاقتصاد الإسلامي، وقد قيّض الله له العلماء والمفكِّرين الذين وضعوا قواعده وفْق الشريعة الإسلامية، ونظّموا له اللوائح التي تساعد على إظهار النشاط الاقتصادي من خلال الإسلام، وأقيمت المصارف الإسلامية، وأنشئت البنوك التي تنأى عن الربا ولا تتعامل به، وتبني قواعد الاستثمار على أسُس إسلامية.

وقد لقي هذا التوجّه للاقتصاد الإسلامي حرباً شعواء من أعداء الإسلام، وحاكوا من حوله المؤامرات، وأثاروا الشكوك والشبهات، وأطيح برجاله، وجُمّدت أنشطته في كثير من الأقطار بدعوى أنه يُموِّل الإرهاب.

هذا الجانب الهام في حياة الأمّة، ينبغي على الدّعاة إلى الله أن يكونوا على علْم بأصوله، عارفين بنُظمه وقوانينه، لكي يستطيعوا بالثقافة الواسعة أن يصبغوا النشاط المالي والاقتصادي في المجتمع بصبغة الإسلام، وأن يعرِف رجالُ المال والتجارة من خلال الدّعاة كيف يُنظِّم الإسلام موارد الأمّة، وأنه يحضّ على العمل والإنتاج، ويُحرِّم البطالة والكسل، وينهى نهياً شديداً عن التربّح من طريق حرام، وأنّ الإسلام يقيم علاقات متوازنة بين صاحب العمل والعاملين لديْه، وأنّ لكلّ من الطرفين حقوقاً وواجبات تجاه كلٍّ منهما للآخَر نظّمتْها الشريعة. كما أنّ النظام الاقتصادي في الإسلام، وفي مقدّمته فريضة الزكاة، تكفي بحاجة المعوزين في المجتمع، وتُزيل الحقد الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء، وتذيب الفوارق بين طبقات الأمّة.

ص: 142

ومن خلال ميادين الدّعوة إلى الله، يستطيع الدّعاة أن يحملوا أصحاب المال ورجال الأعمال على استثمار أموال الزكاة وصدقات التطوع في مشاريع يعود خيرُها ونفعُها على الجهات المستحقّة للزكاة، والتي ذكَرها القرآن الكريم:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .

إنّ على الدّعاة واجباً شرعياً وفرْضاً دينياً لإبراز الفكر الإسلامي في مجال النشاط الاقتصادي، وسوف يُسألون أمام الله إن هم قصّروا أو تقاعسوا عن هذا الميدان.

ج- النظام السياسي في الإسلام:

الإسلام نظام يشمل كلّ ما يتعلّق بالإنسان، ولا يوجد جانب من جوانب الحياة البشرية ليس للإسلام فيه رأي، ولا تخلو نصوص القرآن والسُّنة من تشريع يحفظه ويصونه وفْق شرْع الله.

وإنّ النظام السياسي في الإسلام له مكانة متميّزة؛ فقيام الدولة بسلطاتها: التشريعية، والقضائية، والتنفيذية، تحظى بين ظلاله بالعناية والرعاية، وكمال التشريع الذي يتلاءم مع الفِطرة، ويتوافق مع سُنن الله في العلاقات الاجتماعية التي توجب قيام نظام يصون العقيدة ويحمي الحريات في إطار ما شرَعه الله، ويُحقِّق العدل والأمن للأمة. ولا يمكن بحال من الأحوال فصْلُ الدِين عن الدولة، ولا إبعادُ نُظُم الله عن توجيه دفّة الأمور.

والحُكم في الإسلام ليس غاية في حدِّ ذاته، ولا مطمعاً يتنافس الناس عليه، ويتصارعون ويتقاتلون للوصول لسدّتِه، وإنّما هو وسيلة لتحقيق الأهداف التالية:

ص: 143

- أولاً: إقامة العدل بين الناس، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} .

وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} .

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} .

ثانياً: حماية الضعفاء، وكفاية العاجزين، ونُصرة المستضعَفين، وردْع الظالمين، قال تعالى:{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً} .

ثالثاً: حماية عقيدة الإسلام، وتحرير الإنسانية مِن كلِّ مظاهر العبوديّة لغير الله.

رابعاً: تأمين الوطن والمواطن من العدوان العسكريّ والغزو الفكري، يقول صلى الله عليه وسلم: ((كلّكُم راعٍ وكلّكُم مسؤول عن رعيَّتِه. الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيّته. والرّجُل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيّته

)) الحديث، متفق عليه.

ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله سائل كلِّ راعٍ عمّا استرعاه، حفِظ أمْ ضيَّع)).

خامساً: تنظيم موارد الدولة، وتحقيق تكافؤ الفُرص بين أبناء الوطن، وتحقيق التكافل الاجتماعي.

سادساً: المحافظة على ضروريات الإنسان الخمْس: الدِّين، النّفْس، العقل، النّسل، المال.

وقد وضع الإسلام الأسس التي يُختار عليها الحاكم وهي:

ص: 144

1 -

العقيدة.

2 -

العلْم.

3 -

الأخلاق.

4 -

الخِبرة السياسية.

5 -

مشاورة أهل الحلّ والعقد.

وقد وضَع الإسلام واجباتِ وحقوقَ كلٍّ من الرّاعي والرّعية، وفْق ما جاء في الكتاب والسُّنّة وفِقْه سلف الأمّة.

وعلى الدّعاة أن يكونوا على علْم بالجانب السياسيّ في الإسلام، وأن يقفوا على أركانه وقواعده ونُظُمه، فالدعاة هم مرآة الأمّة التي يُرى فيهم آمالها وطموحاتها.

وإنّ دوْرهم لا يقف على كلمات الوعظ والإرشاد فحسب، ولكن هم أوْلى الناس بالشعور بنبضها وخفقان قلبها بما تحْمله من مشاكل وهموم، حيث تجد في الدّعاة الملاذ والأمن والبلسم الشافي لآلامهم وقضاياهم.

ولن يتسنّى لهم ذلك إلاّ بالاطّلاع والتزوّد بالعلوم والمعارف.

أنواع الثقافات الأخرى:

بجانب ما ذكرناه في المحاضرات السابقة عن مصادر الثقافة في الإسلام، ووجوب أن يجدّ الدّعاة في تنمية عقولهم وتوسعة مداركهم من العلوم الشرعية وغيرها من العلوم الإنسانية، فإن ممّا ينبغي أن يطّلع عليه الدّاعية ويجهد نفسه في تحصيله: الموضوعات التالية:

ص: 145

أولاً: دراسة المذاهب الفكريّة المعاصرة والتيارات الثقافية الواردة، والتّعرّف على أسسها ومبادئها وأخطارها على الإسلام.

ثانياً: دراسة واعية للثقافة الغربية، وما تحمل بين ثناياها من معاول الهدم لخصائص الإسلام وثوابته.

ثالثاً: رصْد حركة الإعلام العالمي، وتوجّهاته، ومكامن الخطر في برامجه.

رابعاً: الوقوف على أسباب نزعات الغلوّ والتّطرّف بين بعض أبناء المسلمين.

خامساً: دراسة أحوال المجتمعات، والوقوف على عاداتها وتقاليدها، وأن توزن بميزان الإسلام.

سادساً: دراسة قضايا الشباب والمرأة، في ظلال الإسلام وهدْيه، ودرء الشبهات التي تُثار حول المرأة في الإسلام.

سابعاً: الوقوف على الشّبُهات والافتراءات والمزاعم التي تُطلَقُ على الإسلام وعقائده ونُظمه، للرّدّ عليها وتفنيدها.

بهذا التكوين العلْمي، والإعداد الفكري، والثراء الثقافي، يستطيع الدّعاة أن يُؤدّوا دوْرَهم على الوجه الأكمل، ويشعر الناس بهم، ويلتفّون حولهم، ويتّبعون إرشاداتهم. وبذلك تنهض الأمّة، وتستيقظ على دعوة الدّعاة، قال تعالى:{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَاب ٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 146