الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 -
أنَّ عيسى عليه السلام نفى نفياً قاطعاً ما اعتقده النَّصارى في بُنوَّته لله أو ألوهيَّته، وتَبرَّأ من ذلك، وجعل الله تبارك وتعالى من أمارات السَّاعة الكبرى أن ينزل عليه السلام فيكسرَ الصَّليب ويقتلَ الخنزير، وهذا ما أخبر به الصَّادق المصدوق محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدلَاً، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، وتكون السَّجدة واحدةً لله ربِّ العالمين)).
قال أبو هريرة: "اقرؤوا إن شئتم:
{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} [النِّساء:159] " رواه الشَّيخان.
موقف النَّاس من عيسى عليه السلام
انقسم النَّاس في شأن عيسى عليه السلام إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
قومٌ كفروا به وناصبوه العداء، وهم عتاةُ اليهود الَّذين عادَوه وكذَّبوه ورمَوه وأمَّه بالبهتان العظيم، ووشَوا به إلى الحاكم الرُّومانيِّ، وعمدوا إلى محاولة قتله وصلبه، ولكنَّ الله أنقذه من أيديهم، قال تعالى:
وقد استمرَّ عداءُ هذه الفئة، ويؤازرهم في العدوان الرُّومان، حتى اعتناق الإمبراطور الرُّوماني "قسطنطين" الدِّيانةَ النَّصرانيَّة عام 317م.
القسم الثَّاني:
جماعةٌ آمنوا به عليه السلام وصدَّقوا بما أنزله اللهُ عليه، واحتملوا صنوف الأذى الَّتي لحقت بهم، سواء من الرُّومان أو من الَّذين انحرفوا عن الدِّين الحقِّ، وغيّروا وبدلوا، قال الله -تعالى- عن أولئك المؤمنين:
ويصف "سفر أعمالِ الرُّسُل" من "إنجيل لوقا" أحوالَ الحواريِّين، فقال:"وكانوا يواظبون على تعاليم الرُّسل، والمشاركة، وكسر الخبز، والصَّلوات، وكان جميعُ الَّذين آمنوا جماعةً واحدة، يجعلون كلَّ شيءٍ مشتركاً بينهم، يبيعون أملاكهم وأموالهم، ويتقاسمون الثَّمنَ على قدر احتياج كلٍّ منهم، يُلازمون الهيكلَ كلَّ يومٍ بقلبٍ واحد".
وهؤلاء هم الَّذين تحدَّث عنهم القرآن الكريم، في قوله تعالى:
غير أنَّ هذه الفئة الَّتي آمنت بعيسى عليه السلام وصدَّقت بما أُنزِل عليه من الله، ولم تغلُ غلوَّ غيرهم، لم تصمد أمام تلك الجماعة الَّتي تزعمها بولس "شاول" اليهوديُّ، الَّذي تحالف مع الوثنيَّة الرُّومانيَّة، الَّتي استأصلت هؤلاء الموحِّدين، ونبذتهم المجامعُ النصرانيَّة، وقضى عليهم الاضطهادُ الكَنَسيُّ، ولم يبقَ منهم سوى أفرادٍ قلائل، كانوا يمثِّلون حقيقةَ رسالة عيسى عليه السلام، إلا أنَّ صوتهم كان خافتاً ضعيفاً، وضاع وسط الأعاصير والعواصف.
القسم الثالث:
الَّذين غلَوا فيه ورفعوه فوق منزلته الَّتي أنزله الله إياها، وهي العبوديَّة والرِّسالة، وبالغوا في إطرائه، حتى انتقلوا به من مصاف البشريَّة إلى مرتبة الألوهيَّة، -والعياذ بالله- وذلك إمَّا بسبب الانبهار بما أجرى الله على يديه من معجزات خارقة، (كولادته عليه السلام من غير أبٍ، وكالآيات الأُخرى الَّتي جاء ذكرُ بعضها في القرآن الكريم)، وإمَّا بسبب دسائس اليهود الكافرين الحاقدين، ليُفسدوا ما جاء به عيسى عليه السلام كما أفسدوا ديانة موسى وديانة أنبياء بني إسرائيل جميعاً، ولقد تولَّى كبر هذا الانحراف والإفساد "بولس الرَّسول" وكان من عتاة اليهود، عاصر عيسى عليه السلام غير أنَّه لم يلتقِ به، وكان خصماً عنيداً لرسالته عليه السلام، وأنزل بالحواريِّين ويلاتِ الاضطهاد والعذاب، وفجأةً تحوَّل إلى النَّصرانيَّة، وصار من أشدِّ المتحمسين لها، غير أنَّه انتهج خَطَّاً مخالفاً للدِّين الحقِّ، وأحدث شرخاً عظيماً في الدِّين النَّصرانيِّ، فزلزل أركانه، وقلبَ عقائده رأساً على عقب، وانتقل به من دينٍ خاصٍّ لبني إسرائيل، وعلى شريعة موسى، إلى ديانةٍ ممتزجةٍ بالوثنَّات والثَّقافات الأمميَّة المعاصرة؛ فدبَّ الشِّرك في أوصالها، وسرت في جنباتها فلسفاتٌ قديمة، وديانات ومعتقدات وثنيَّة، كان من معالمها وملامحها القضايا التَّالية:
أولاً: التَّثليث: وهو يمثل جوهر عقيدة النَّصارى في الألوهيَّة، ويُصوِّرون هذا المعتقد بقولهم: طبيعةُ الله ثلاثةُ أقانيم متساوية: اللهُ الأب، والله الابن، والله الرُّوح القدس، فإلى الأب ينتمي الخلق بواسطة الابن، وإلى الابن ينتمي الفداء، وإلى الرُّوح القدس ينتمي التَّطهير، وقد أشار القرآن الكريم إلى بطلان هذا المعتقد، قال تعالى:
ث انياً: الدَّينونة: يعتقد النصارى أنَّ المسيح عليه السلام هو الله الابن، ويُحاسب النَّاس على خطاياهم.
ثالثاً: الصَّلب: يعتقد النَّصارى أنَّ المسيح عليه السلام قد صُلب فداءً للخليقة، وتكفيراً عن الخطيئة الَّتي ارتكبها آدم أبو البشر وورثها لأبنائه من بعده. والنَّصارى مختلفون في الطَّريقة الَّتي تم بها الصَّلب، والقرآنُ الكريم يدحض هذا الزَّعم كليَّةً، فيقول:
رابعاً: التَّعميد: هو الانغماس في الماء، أو رش الشَّخص باسم الأب والابن وروح القدس؛ تعبيراً عن تطهير النَّفس من الخطايا والذُّنوب.
خامساً: الاعتراف: وهو البَوح بكل ما يقترفه الإنسان من ذنوب وآثام، إلى رجل الدِّين، ويدَّعون أنَّ ذلك يُسقط العقوبة، ويطهر الذُّنوب.