الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويأتي "صحيح مسلم" مكافِئاً أو مقارباً لصحيح البخاري. وله مؤلّفات كثيرة متعلّقة بالحديث وعلومه.
وبجانب هذه الكتب وهؤلاء الأعلام، يوجد أصحاب السّنن مثل: أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، والدارمي، والدارقطني، وغيرهم، الذين حفظ الله بهم سُنّة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وعلى الدّعاة إلى الله: أن يتعرّفوا عليهم، ويتزوّدوا من مؤلّفاتهم، ممّا يساعد على نمو معارفهم، واتّساع ثقافتهم، ونجاح دعْوتهم.
أمّا عن مصادر الثقافة الأخرى، فهذا موضوع المحاضرة القادمة -إن شاء الله-.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
2 -
مصادر الثقافة الإسلامية (2)
تعريف الشريعة وخصائصها
الحمد لله، تفضّل على هذه الأمّة بدِين هو خير الأديان، وشرع لها من الأحكام ما يُحقِّق لها التّقدّم في كلّ زمان ومكان.
والصلاة والسلام على أشرف الخلْق وخاتم الرسل، والمبعوث رحمة للإنس والجان، وعلى آله وأصحابه الذين فقهوا دين الله فكانوا أئمة الهدى وأعلام التّقى لجميع الأمم والأوطان. أما بعد:
"الشريعة" في اللغة:
المذهب والطريقة المستقيمة، وشرعة الماء أي: مورد الماء الذي يُقصد للشرب. وشرْع أي: نهج واضحٌ بين المسالك، وشرَع لهم يشرع شرعاً، أي: سنّ.
وفي الاصطلاح:
هي: ما شرعه الله لعباده من أحكام، وهذه الأحكام تُسمّى "شريعة" باعتبار وضعها وبيانها واستقامتها، وتُسمَّى "دِيناً" باعتبار الخضوع لها وعبادة الله بها، وتُسمَّى "مِلّة" باعتبار إملائها على الناس.
ب- خصائص الشريعة الإسلامية:
تنفرد الشريعة الإسلامية بخصائص تتميّز بها وأحكام لا نظير لها، وتتمتّع بالاستقلالية التامة، وتصوغ عقل الأمّة في العقائد والعبادات والمعاملات بفكر
واضح يتلاءم مع فطرة الإنسان، وبمنهج مستقلّ على الشرائع والنُّظم الأخرى. ويجب على الدعاة أن يتعرّفوا على خصائص الشريعة التالية:
أولاً: مصدر الشريعة في الإسلام هو: الله سبحانه وتعالى الخبير ببواطن الأمور، الذي يعلَم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، قال تعالى:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} .
وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} .
أحكام الشريعة مستمَدّة من وحي لله لفظاً ومعنى وهو: القرآن الكريم، أو معنى من عند الله ولفظاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي: السُّنّة. وكون الشريعة من عند الله ورسوله، فهذا يحفظها من الخطإ، ويعصمها من الهوى، ويصونها من عبث العقول وتقلّبات الدّهر وحوادث الأيام؛ فإن نصوص القرآن والسّنّة تحمل بين ثناياها أموراً ثابتة لا تتغيّر بتغيّر الزمان والمكان، وهي: العقائد والعبادات والأخلاق، وتشتمل على قضايا وقواعد عامّة للبشر أن يجتهدوا في حدودها وفْق ما يُحقّق المصلحة الإنسانية ويدفع عنها الضرر.
ثانياً: إن مبادئ الشريعة وأحكامها تتلاءم وتتوافق مع الفطرة الإنسانية، وتراعي دوافع الإنسان ورغباته، في إطار ما شرعه الله من حدود وأحكام. فهي لا تجنح للْجوْر، ولا تميل للظلم، ولا تكبت رغبة، ولا تصادر فطرة، بخلاف قوانين وشرائع البشَر التي تتلاعب بها الأهواء، وتعبث بها العقول، وتُصاغ وفْق رغبات واضعيها، وتتغيّر وتتبدّل مع شارد ووارد. أمّا أحكام الله فلا تتغير ولا تتبدّل، قال تعالى:{فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} .
ثالثاً: الإنسانية أمام أحكام الشريعة سواء، فهي تطبّق الأحكام، وتنفّذ الشرائع، وتقيم الحدود، على أعلى الناس وأدناهم، وأفقرهم وأغناهم، ولا تمييز في إقامة دين الله وشرائعه بين جنس أو لون أو إنسان؛ قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} .
قال صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإنّ أباكم واحد. ألا لا فضْلَ لعربيّ على أعجميّ، ولا لأعجميّ على عربيّ، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلاّ بالتقوى))، رواه البيهقي.
والدليل على تلك المساواة المطلَقة: قضيّة المرأة من بني مخزوم التي سرقت، فجاء أسامة بن زيد رضي الله عنهما يشفع لها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام:((أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟))، ثم قال عليه السلام:((إنما أهلَك من كان قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريفُ ترَكوه، وإذا سرق فيهم الضعيفُ أقاموا عليه الحدّ. وأيْمُ الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقتْ لقطعتُ يدها)).
رابعاً: أحكام الشريعة لها هيبةٌ في القلوب واحترامٌ في نفوس المؤمنين، يتقبّلونها طواعية ويقيمونها عن رغبة صادقة، لأنها صادرة عن الله ورسوله. أمّا قوانين البشر الوضعية، فيُضرب بها عرض الحائط، ويُتحايل عليها، وتَفقد احترام وهيبة الناس لها.
خامساً: من خصائص الشريعة الإسلامية: أنّ ثوابها وجزاءها في الدنيا والآخِرة، بخلاف الأحكام الوضعية فجزاؤها يتوقّف على الدنيا فقط، ممّا يجعل الناس يستهينون بها ويتهرّبون من تنفيذها. وبعض العقوبات تسقط بمُضيّ المدّة، بخلاف أحكام الشريعة فإنّ من يتهرّب منها في الدنيا يجد الجزاء والعقوبة له بالمرصاد في الآخِرة.
سادساً: عموم الشريعة وبقاؤها واستمرارها.
الإسلام بما يحمله من تشريعات ونُظُم عامّ للبشر جميعاً، قال تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} .
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} .
وهذه الشريعة قائمة، لا ينسخها دِين ولا تتوقّف أحكامها ولا تتعطّل حدودها إلى قيام الساعة.
وعموم الشريعة وبقاؤها واستمرارها يستلزم عقلاً: أن تكون أحكامها على نحوٍ من الشمول والإحاطة بما يُحقِّق مصالح البشر في كل زمان ومكان،؛ فهي تقوم على جلب المصالح ودرء المفاسد. فمصالح العباد تقوم على أمور ضرورية، أو حاجيّة، أو تحسينيّة.
فالأمور الضرورية التي لا قيام للإنسان إلا بها، وإذا انعدمت حلّ الفساد وعمت الفوضى وهي: حِفْظ الدِّين، والنفس، والعقل، والعِرض، والمال.
والحاجيات هي التي يحتاج إليها الناس ليعيشوا بيُسر وسعادة، وإذا فاتَتْهم لم يختلّ نظام الحياة، ولكن يصيب الناسَ ضيقٌ وحرج.
وأمّا التحسينات فهي ترجع إلى محاسن العادات، ومكارم الأخلاق، وإذا فاتت لم يختلّ نظام الحياة، ولا يصيب الناسَ حرج، ولكن يخرجون عن النهج القويم، ويتمرّدون على ما تُوجبه الفِطرة النّقيّة.
فالشريعة جاءت أحكامُها لتحقيق وحفظ الضروريات والحاجيات والتسحينات.
فالدِّين شَرع لإقامته العبادات، وشَرع لحِفْظه الجهاد والعقوبات.
والنفس شُرع لإيجادها النكاح، وشُرع لحفْظها القصاص على من يعتدي عليها، وتحريم إلقاء النفس في التهلكة، ولزوم دفع الضرر عنها.