الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن قبيل كذِب الأفعال والأقوال: ما يقوم به المراؤون والمنافقون في المجتمع.
الصّدق من الأخلاق الفطريّة:
يُفطَر الإنسان على الخلال الحميدة والأخلاق الكريمة، قال تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} .
ويقول صلى الله عليه وسلم: ((كلّ مولودٍ يُولدُ على الفِطْرة؛ فأبواه يهوِّدانه أو يُنصِّرناه أو يُمجِّسانه)).
ويظهر ذلك في براءة الأطفال حيث يتحدّثون الصّدق، ولا يكذبون إلاّ بعد تأثّرهم بمن حولهم من أفراد الأسرة والمجتمع. والصدق غريزة فطرية في المؤمن، يظلّ طول حياته، ولا يتخلّى عنه بحال من الأحوال. فقد يتّصف المسلم ببعض الأخلاق غير الحميدة كالطمع والخوف، ولكنه لا يكون كذّاباً.
روى الإمام أحمد في "مسنده" عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُطبع المؤمن على الخلال كلّها، إلاّ الخيانة والكذب)).
وروى الإمام مالك في "موطئه"، أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جباناً؟ قال:((نعم))، فقيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: ((نعم)) فقيل له: أيكون المؤمن كذاباً؟ قال: ((لا)).
الأدلّة من القرآن والسُّنّة على خُلق الصِّدق وفضْله
1 -
الأمْر به كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} .
وقال تعالى: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} .
روى الإمامان البخاري ومسلم قولّ الرسول صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالصدق! فإنّ الصِّدق يهدي إلى البِرّ، وإنّ البِرّ يهدي إلى الجنة. وما يزال الرجُل يصدُق ويتحرّى الصِّدق حتى يُكتب عند الله صديقاً. وإيّاكم والكذب! فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. وما يزال الرجُل يكذب ويتحرّى الكذِب حتى يُكتب عند الله كذّاباً)).
2 -
الصّدْق خُلُق من أخلاق الأنبياء يجب أن يتحلّى به الدّعاة.
فهو من الصفات التي يجب أن يتّصف بها الأنبياء، لأنهم الأمناء على وحْي الله، المُبلِّغين لشرْعه؛ ولذلك جبَلَهم الله على الصِّدق منذ طفولتهم وقبل تنزّل الوحي عليهم، قال تعالى:{هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} .
ولقد اشتهر صلى الله عليه وسلم قبل البعثة بأنه الصادق الأمين، قال تعالى:{وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَاّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} .
ولقد تخلّق صحابة الرسول -صلى الله الله عليه وسلم- بالصِّدق، والوفاء بالعهد، والثّبات على الحقّ، فقال تعالى:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ} .
والعلماء والدّعاة هم ورثة الأنبياء، وحمَلة رسالتهم والمبلِّغون عنهم، ولا سيما الأمّة الخاتِمة التي شرُفت بتحمّل أعظم أمانة وأشرف رسالة، فينبغي أن يتحلّوْا بالصِّدق، ويكونون في أقوالهم وأفعالهم مرآةً صادقة لِما يأمرون به ويدْعون إليه، قال تعالى:{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} .
ولِمكانة الصِّدق والصّادقين، فقد جعل الله للمتّقين في الجنة مقعداً خاصاً لهم، يَحمل اسم "الصدق"، به يتميّزون، قال تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} .
وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى واتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} .
وقد أُمِر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُبلِّغ المؤمنين أنّ الصدق من خصائصهم ونسيج حياتهم، يجب أن يكون في كافّة الأمور سواءً مداخلها أو مخارجها، قال تعالى:{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً * وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} .
3 -
الصّدق بين الدّعاة يُعين على النجاح في دعْوتهم إلى الله، ويحمل الأمّة على التّفقّه فيهم.
الناس في هذا العصر يتخبّطون في بحار متلاطمة الأمواج من المذاهب والآراء والأفكار، قد تاهت عنهم الحقائق، وأُلبِست عليهم الأمور، وتقطعت بهم سُبُل معرفة الحقيقة، فتعثّرت الخُطى السليمة، وانعدمت الرؤية الصحيحة، وأُلْبِسَ الباطلُ ثوب الحق، فانقلبت المعايير وتغيّرت الموازين. وساعد على هذا الضلال والإضلال: أجهزة الإعلام الحديثة، ولا سيما القنوان؛ فاجتازت الحدود بلا حواجز، واخترقت العقول بلا موانع، واقتحمت البيوت بلا استئذان، مسخِّرة في ذلك بعض العقول ممّا يُطلق عليهم: مفكِّرون ومدقِّقون، والله يعلم أنهم بأقوالهم وسلوكهم عن الفكر المستقيم والثقافة السليمة بعيدون، وقد باعوا دينهم وأوطانهم بثمن بخسٍ أو منصبٍ رخيص، لا يتحرّوْن الصِّدق في أقوالهم، ويفترون الكذب في أحاديثهم، ويُحرِّفون الكلِم عن مواضعه؛ فكذبوا على الله ورسوله وعلى الناس.
وحينما أطلّوا بوجوههم، ولوَوْا بألسنتهم عنق الحقيقة فنالوا من ثوابت الأمّة، وهمزوا ولمزوا في أشرف مقدّساتها وأعظم مصادرها: القرآن والسّنّة، وأعلنوا في وقاحةٍ وعدم استحياءٍ: أنّ الإسلام إرهاب والتّديّن رجعيّةٌ، والفضيلة تخلُّف، والتزام آداب الشرع تزمّت وتشدّد. وأمعنوا في الكذب والإفك، فزعموا -قاتَلَهم الله-: أنّ الإلحاد والعلمانية تحرّراً، وأنّ الانحلال الخُلُقي تقدّماً، وأنّ تبرّج المرأة واختلاطها وسفورها مدنيّةٌ، وأنّ صناعة الكذب في ميادين السياسة وفي العلاقات بين الأفراد والجماعات والدّول وسائلُ حضارية مشروعة.
وقد قال الله في أمثال هؤلاء: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .
إنّ فكر هؤلاء الأصاغر خيانة، خاصّة إذا صدّقهم الناس؛ فقد روى أبو داود، عن سفيان بن أسد الحضرمي، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كَبُرَتْ خيانة أنْ تُحدِّث أخاك حديثاً هو لك به مُصدِّق، وأنت له به كاذب)).
وقد جاء القرآن بآيات كثيرة تفْضح مَن يزعم الإصلاح وهو يُضمر ويُخطِّط لإفساد المجتمع. وتمزِّق الآياتُ الأردية والأقنعة التي يختفون وراءها. وحديث القرآن الكريم عن هؤلاء في أكثر من موضع: إعجازٌ له، وإشارة إلى أنّ أفاعي العقول والفكر والنفاق لن تخلُوَ منهم المجتمعات الإنسانية في كل زمان ومكان إلى يوم الدين. ومما جاء في ذلك: قوله تعالى في أول سورة (البقرة) التي تتصدّر
فهل هناك تصوير لآفات الفكر وجراثيم الثقافة من المنافقين والعملاء، أوضحُ بياناً، وأدقُ تفصيلاً، وأوجز كلاماً، من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديْه ولا من خلْفه، تنزيل من حكيم حميد؟
إنّ وجود هؤلاء على ساحة السياسة والفكر والثقافة، وتجميلهم أمام المجتمعات بأنهم رواد النهضة وزعماء الإصلاح، يوجب على العلماء والدّعاة والغيارى على هذا الدِّين: أن يَنفِروا لِصَدّ تلك الهجمة الشّرسة على الإسلام والمسلمين، وأن يكون الصّدق هو لسان أقوالهم وأفعالهم، يكشفون الحقائق بلا وجَل، ويُحقُّون الحقّ ويُزهقون الباطل بلا تردّد، ويُظهرون شرع الله للأمّة في كلّ المجالات كظهور الشمس في رائعة النهار. وحيثما يتّضح للناس صدْقُ العلماء والدّعاة، ولا يستشعرون من كلامهم رائحة نفاق أو رياء، وأنّهم يقصدون بدعْوتهم وجْه الله سبحانه وتعالى، فإن الأمّة ستلتفّ حولهم، وتُنصت لكلامهم؛ وحينذاك