الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادساً: العشاء الرَّبَّانيُّ: يدَّعي النَّصارى أنَّ المسيح عليه السلام جمعَ الحواريِّين في اللّيلة الَّتي سبقت صلبه، وأنَّه وزَّع عليهم خبزاً كسره بينهم وخمراً، وأنَّ الخمر يُشير إلى دمه، والخبز إلى جسده.
سابعاً: الاستحالة: يعتقد النصارى أنَّ من أكل الخبزَ وشربَ الخمرَ في يوم عيد الفصح؛ استحالَ فيه، وأصبح كأنَّه أدخل في جوفه لحمَ المسيح ودمه، وأنَّه بذلك امتزج بتعاليم المسيح.
حقيقة الأناجيل التي بين يدي النصارى
.
هذه المعتقداتُ لم تردْ في دينٍ من الأديان السَّماويَّة، ولم يتحدَّث بها نبيٌّ من الأنبياء، ولم يوحِ الله سبحانه وتعالى في كتبه المنزلة، وإنَّما حفلت بها عدة أناجيل تمَّ وضعُها فيها بأيدٍ بشريَّة، كما سنوضِّحه:
من الأمور الَّتي قرَّرها القرآن الكريم، أنَّ اللهَ قد أنزل على عيسى عليه السلام "الإنجيل"، ووصفه الحقُّ تبارك وتعالى بما وصف به الكتب المنزلة.
هذا الإنجيل، وهو كلام الله المنزل على عيسى عليه السلام فُقد بعد رفعه عليه السلام وضاعت معالمُه، واندثرت آثاره، ولحقَ به ما لحق بالتَّوراة؛ لأنَّ الله لم يتكفَّل بحفظ أيٍَّ منهما، هذا بجانب ملاحقة اليهود والرُّومان للحواريِّين، والتَّنكيل بهم ومطاردتهم، ممَّا كان عاملاً على فقدان الإنجيل الحقِّ، وأن الَّذي بين أيدي النَّصارى الآن من الاناجيل المتعدِّدة، والَّتي وصلت إلى سبعين إنجيلاً، اتُّفِق على أربعةٍ منها في مؤتمر "نيقيَّة"(عام 317م)، وهذه الأناجيل الأربعة لا تمت بصلَةٍ إلى وحي السَّماء، الَّذي أنزله الله على عيسى عليه السلام.
ويُلاحظ على هذه الأناجيل ما يلي:
أولاً: أنَّ هذه الأناجيل، ليست من كلام الله، لا حقيقةً ولا مجازاً، وأنَّ عيسى عليه السلام لم يقم بإملاء نص مكتوب هو "الإنجيل"، بل تمَّ حفظُ تعاليمه وأقواله عن طريق الحفظ في صدور الحواريِّين فقط، وقد بدأ التَّدوينُ كسيرة، لا كوحيٍ سماويٍّ، بعد النِّصف الثَّاني من القرن الأول الميلاديِّ.
ثانياً: باعتراف علماء النَّصارى، أنَّ واضعي هذه الأناجيل، ليسوا جميعاً من تلاميذ المسيح الَّذين لازموه وتلقَّوا منه مباشرةً، ونقلوا عنه بالسند المتَّصل، فأهمُّ هذه الأناجيل وأوَّلُها في التَّرتيب لدى الكنيسة "إنجيل متَّى" المنسوب إلى أحد الحواريين، وقد دار جدلٌ حول صحة نسبة الإنجيل إليه.
يقول موريس بوكاي:
"لنقل صراحةً: إنَّه لم يعد مقبولاً اليوم، القولُ: إنَّه أحدُ حَواريِّي المسيح".
كما يدورُ جدلٌ حول تاريخ تدوينه.
يقول الشيخ محمَّد أبو زهرة رحمه الله:
"والحقُّ أنَّ باب الاختلاف في شأن التَّاريخ، لا يُمكنُ سدُّه، كما أنَّ مترجمه من العبرانيَّة إلى اليونانيَّة مجهولٌ تماماً".
أمَّا إنجيلُ مرقص، وهو أقدمُها من حيث الظُّهورُ التَّاريخيُّ، وذلك بعد منتصف القرن الأول ما بين (عام 65 - 70م) فليس مؤلِّفُه من الحواريِّين، ولكنَّه تتلمذ لخاله "برنابا"، ورافقه في رحلته مع بولس إلى أنطاكيَّة، وثَمَّ خلافٌ بين مؤرخي النَّصارى، حول كاتبه الحقيقي:
أهو بطرس عن مرقص؟ أم هو مرقص بتوجيه من بطرس؟ أم هو مرقص بغير توجيه من بطرس؟
وهذا الاضطراب يوهن النسبة، فضلاً عن العيوب المتعلِّقة بالتَّحرير والسرد القصصيِّ المضطرب.
أمَّا إنجيل لوقا، فهو لطبيبٍ أنطاكيٍّ، وليس من الحواريين ولا من تلاميذهم، بل هو تلميذٌ "لبولس" صحبه في بعض أسفاره.
أمَّا إنجيل يوحنا؛ فآخر الأناجيل ظهوراً، ويختلف عن الثلاثة الأخرى اختلافاً بيناً، في ترتيبه وأسلوبه وما تضمنه من عقائد، حيث إنَّه الإنجيل الوحيد الَّذي صرَّح بألوهيَّة عيسى عليه السلام.
ثالثاً: الاختلاف البيِّن والواضح بين هذه الأناجيل، حول طبيعة عيسى عليه السلام وحول العقائد الأخرى، مما أدى إلى انقسام الكنائس والطوائف النَّصرانيَّة إلى طوائف كثيرة متناصرة.
وصدق الله العظيم:
{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82].
مما سبق تتَّضح الأمور التَّالية:
1 -
إنَّ وجوب الإيمانِ بالكتب المنزلة، ينحصر فيما أنزله الله على أنبيائه ورسله، دون غيرها ممَّا هو موجودٌ بين يدي أهل الكتاب الآن.
2 -
أنَّ التَّوراة والإنجيل، واللذان يضمُّهما كتابا "العهد القديم" لليهود، و"العهد الجديد" للنَّصارى، لا يمُتَّان بصلة إلى كلام الله المنزل على موسى وعيسى عليهما السلام.
3 -
أنَّ ما في العهدين القديم والجديد، يتنافى تماماً مع قضيَّة التَّوحيد وتنزيه الله _سبحانه وتعالى- وعصمة الأنبياء، وأنَّ فيها من التَّضارب والخيال والاختلافات ما يُسقطها.
4 -
أنَّ القرآن الكريم هو الفيصل والحكم على هذه الكتب، قال تعالى:
5 -
حكم الإسلام في أهل الكتاب بحكمين:
أحدهما: حكمٌ اعتقاديٌّ: وهو الحكم على معتقداتهم بالكفر، وإنكار ما هم عليه من أعمال شركيَّة، وعدم إقرارهم على شيء مما هو تحت أيديهم، ونفي الإيمان عنهم، وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تنصُّ في صراحةٍ ووضوح بكفر ما يعتقده اليهود والنَّصارى.
الثَّاني: حكمٌ عمليٌّ: وهو يصف ما يجبُ على المسلمين، نحو معاملة أهل الكتاب والوفاء بعهدهم، ما داموا مسالمين ولم يُنابذوا المسلمين العداء، ولم ينالوا من القرآن ولا من سنة الرَّسول صلى الله عليه وسلم بذمٍّ أو قدح، ولم يعتدوا على المسلمين، قال تعالى:
6 -
يجب أن يحتاط المسلمون لما بين أيدي أهل الكتاب من عقائد أو كتب، قال صلى الله عليه وسلم:((إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُمْ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُمْ)) رواه الإمام أحمد وأبو داود.
لأنَّ ما بين أيديهم لا يخرج عن ثلاثة أمور:
الأمر الأول: ما علمنا صحته ممَّا بأيدينا من القرآن والسُّنَّة، ممَّا يشهد له بالصدق، فذاك صحيح.
الأمر الثاني: ما علمنا كذبه بما جاء عنه في الكتاب والسنة، فيجب إنكار ما أنكره الله ورسوله.
الأمر الثالث: ما هو مسكوتٌ عنه، فلا نؤمن به، ولا نكذَِّبه.
7 -
دعاوى التَّقريب بين الأديان الَّتي تتعالى الأصوات بها، في هذا العصر، هي دعوة حقٍّ يُراد بها باطل، فكيف يتمُّ التَّقريب بين دينٍ يقوم على التَّوحيد، وكتابُه موجود ومحفوظ، وسيرة رسوله صلى الله عليه وسلم مصانةٌ وموثقةٌ توثيقاً نادراً، بدينٍ يقومُ على الشرك، ولا أثر لكتابه ولا توثيقَ لمصادره.
إنَّ اليهوديَّة والنَّصرانيَّة، فقدتا مصداقيَّتهما بعد موسى وعيسى عليهما السلام.
ودعوى الحوار هي محاولةٌ يائسة لعودة المصداقيَّة إليهما، وانتشالهما من أعماق الثَّرى، وعواصف التَّخبط الفكريِّ والعقائديِّ، ليتشرَّفا بالجوار والحوار مع الإسلام العظيم.
8 -
من الخطأ البيِّن، ومن الانحراف العقائديِّ والفكريِّ الواضح، أن يُطلق على ما بين أيدي أهل الكتاب عنوان "الكتب المقدسة"، ويُريدون بمكر ودهاء أن يلحقوها بالقرآن الكريم، وللأسف يُردِّد بعضُ الجهلاء من أبناء المسلمين الَّذين تربَّوا على موائد الاستشراق والتَّبشير والاستعمار، يُرَدِّدُون مقولاتهم، فيقولون -وبئس ما قالوا-: الأديان السماويَّة الثلاثة، والكتب السماويَّة المقدسة، وقد انساقُوا إلى هذا طوعاً أو كرهاً.