الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معتقدات العالم وأديانه قبل بعثة الرَّسول صلى الله عليه وسلم
-
تمهيد:
لم يكن العربُ وحدَهم، الَّذين انحرفت عقائدُهم وضلَّت عقولهم وفسدت أخلاقُهم، ولكنَّ العالم من حولهم، كان يموج في ظلمات العقائد والنِّحَل الباطلة، وقد كادت عقيدةُ التوحيد أن تتلاشى من على وجه الأرض، إلا من بعض أفرادٍ قلائلَ ممَّن سلمت فطرتهم، لم يخلُ منهم مجتمعٌ من المجتمعات، ولقد كانت أحوال العالم الدِّينيَّة على النَّحو التَّالي:
أولاً: الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة:
ورث الرُّومان الحضارة اليونانيَّة القديمة، الَّتي كانت تُعدِّد الآلهة، فهناك آلهةٌ للحصاد، وآلهة للنار، وآلهة لحراسة الأبواب والأسرة والبيت
…
الخ، ثم انتقلت هذه الوثنيَّة اليونانيَّة إلى الرُّومان، في القرن الرابع قبل الميلاد، ومن ثم أخذوا يعبدون الآلهة الإغريقيَّة، وسمَّوها أسماءً رومانيَّة وبَنَوا المعابد والمزارات لتكريمها.
ولقد عرفت هذه الإمبراطوريَّة الدِّيانة النَّصرانيَّة، في النِّصف الثاني من القرن الأول الميلادي، غير أنَّها لم تعرف الدِّين الحقَّ المنزل على عيسى عليه السلام، ولكنَّها عرفت النَّصرانيَّة الَّتي جاء بها بولس الرَّسول، الَّذي كان يهوديَّاً متعصِّباً يُدعى شاول أو شاؤل، وكان من أشَدِّ أعداء عيسى عليه السلام وأتباعه، ثم انقلبَ فجأةً إلى النَّصرانيَّة، ونجح في أن يمزج بين وثنيَّة الروم وبين الدِّين النَّصرانيِّ، وبذلك نجح في تشويه وتحريف ما جاء به عيسى عليه السلام، كما تساهل في بعض التَّشريعات والطًّقوس؛ سعياً لكسب الوثنيِّين الرُّومان، وهكذا جاء بولس بنصرانيَّة جديدة
خالف بها دعوة عيسى عليه السلام، واستطاع أن ينتصر على النَّصرانيَّة المحافظة الَّتي تترسَّم خُطى المسيح عليه السلام، وقد استمرَّ هذا الصراع خلال الثَّلاثة قرون الأولى، الَّتي لقي فيها أتباع عيسى الحقيقيُّون أشدَّ أنواع الاضطهاد على أيدي اليهود والرُّومان، وقد سجل القرآن الكريم وقائع هذا الاضطهاد في سورة البروح، قال تعالى:
وهذه الآيات إشارةٌ إلى ما كان يلقاه المؤمنون الموحِّدون، خلال الفترة بين رسالة عيسى عليه السلام وبِعثة محمَّد صلى الله عليه وسلم، ولقد تمكَّن الَّتيار الَّذي كان يتصدَّره أتباعُ بولس، من أن تكون لهم اليد الطُّولى والكلمة العليا على مخالفيهم، لا سيَّما بعد اعتناق الإمبراطور الرُّوماني قسطنطين النَّصرانيَّة، الَّذي انحاز لآراء وأفكار وأنصار بولس ومنحهم حرية العبادة، وطارد الموحِّدين والمخالفين للكنيسة. وعقد عام 325م المجمع الكنسي الأول، الَّذي عُرف بمجمع "نيقية" الَّذي تبنى ما يُعرف بمعتقد "نيقية"، الَّذي قرَّر "أن يسوع هو الإله المتجسِّد" ورفض آراء آريوس، الَّتي كانت تقوم على فكرة إنكار ألوهية المسيح عليه السلام.
ولقد تشعَّبت عقائدُ النَّصارَى، فشمِلت عقيدةَ التَّثليث والدَّينونة، والصَّلب والتَّعميد، والعشاء الربانيَّ، والاستحالة. وحوربت معتقداتُ من يُخالف هذه المعتقدات الباطلة، فنشأت محاكم التَّفتيش، تُصادر كلَّ رأيٍ يخالف رأي الكنيسة، ومارست الكنيسة ألواناً من الطُّغيان المادِّيِّ والرُّوحيِّ، ممَّا هو معروف في المراجع والمصادر العالميَّة.
ثانياً: أديان الفرس قبل الإسلام:
بلاد فارس القديمة، كانت تشمل أجزاءً من كلٍّ من إيران وأفغانستان الحالِيَّيْن، وفي القرن السَّادس قبل الميلاد أصبحت فارس مركزاً لإمبراطورية واسعة، شمِلت معظم العالم المعروف آنذاك، وكانت عاصمتها المدائن، وامتدت من شماليِّ أفريقيا وجنوبيِّ شرقيِّ أوربا غرباً، إلى الهند شرقاً، ومن خليج عمان جنوباً، إلى جنوبيِّ تركستان وروسيا شمالاً.
وفي بداية القرن الخامس قبل الميلاد، غزا الفرسُ بلاد اليونان، إلا أنَّ اليونانيين تمكنوا من طردهم خارج أوربا، ثم ألحق بهم الإسكندر هزيمةً ساحقة عام 331 قبل الميلاد، وبعد ذلك سيطر الفريسيُّون والسَّاسانيون الفرس على بلاد الفرس، قبل أن يفتحَها العرب المسلمون عام 15هـ، 637م.
معتقدات الفرس:
اعتقد قدامى الفرس بآلهة من الطَّبيعة، كالشَّمس والسَّماء، كما كانوا يعتقدون بإلهين: أحدُهما أصلُ الخير والثَّاني أصلُ الشَّرِّ.
ولقد كان الفرس قبيل ظهور الإسلام، يعبدون النار ويقدِّسونها، مؤمنين بقوتها وشرفها، حتى لا يُعذَّبوا بها في الآخرة.
هذه هي أحوال العالم الدِّينيَّة، قبل بعثة الرَّسول صلى الله عليه وسلم ولم تكن أحوالهم الاجتماعيَّة بأفضلَ من حالتهم الدِّينية. فكانت الحروب والخلافات وارتكابُ المنكرات، ممَّا جعل العالم تشرئبُّ أعناقُه، وينظر إلى السَّماء، ينتظر الرَّسول صلى الله عليه وسلم-
وإنَّ أدقَّ وصف وأشمله وأوجزه لحالة العرب والعالم، هو قول الله تعالى:
فالضَّلال المبين كان يلفُّ العالم بأسره، ولم ينقشع إلا بالدَّعوة إلى الله، الَّتي اتَّخذت المناهج والأساليب الَّتي جعلت من هذه الأمم الضَّالَّة خيرَ أمَّة أُخرجت للنَّاس، قال تعالى:
أما عن قواعد هذا المنهج، فهذا هو موضوع المحاضرة التالية -إن شاء الله-.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.